من وسائلهما التوسّل بالنبيّ وآله :
السؤال : تستدلّون على التوسّل بالنبيّ والأئمّة بقوله تعالى : { وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ } ، بينما فسّر علي الوسيلة بالعمل الصالح ، كما جاء في نهج البلاغة: خطبة 110 ، حيث قال : ( إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى ، الإيمان به وبرسوله ، والجهاد في سبيله ، فإنّه ذروة الإسلام ، وكلمة الإخلاص فإنّها الفطرة ، وإقامة الصلاة فإنّها الملّة ... ) (1) .
فما تفسيركم لهذا التناقض بين الآية الكريمة ، وكلام علي في نهج البلاغة ؟
الجواب : ليس هناك تناقض بين الآية الكريمة ، وكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، لأنّه وردت روايات تفسّر الوسيلة بالعمل الصالح ، وأيضاً وردت عندنا روايات تفسّر الوسيلة بمعنى التوسّل بالنبيّ وأهل بيته (عليهم السلام) .
ثمّ إنّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يحصر الوسيلة بالعمل الصالح ، وإنّما قال: أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى كذا وكذا ، وذكر مجموعة من الأعمال الصالحة ، وهذا معناه توجد وسائل فاضلة ، ولكن هذا أفضل .
____________
1- شرح نهج البلاغة 7 / 221 .
|
الصفحة 208 |
|
ومن المعلوم : أنّ أفعل التفضيل تأتي للمفاضلة بين أمرين مشتركين في النوع، مختلفين بالدرجة في الغالب .
فعندما نقول : أفضل الصلوات الصلاة الوسطى ، فهذا لا يعني أنّ بقية الصلوات غير مطلوبة .
وعندما نقول : أفضل الليالي في شهر رمضان ليلة القدر ، فهل معناه أنّ غيرها ليس فيها فضيلة ؟ كلاّ .
وعندما نقول : أفضل الوسائل العمل الصالح أو التقوى ، لا يعني أنّ بقية الوسائل من التوسّل بالنبيّ وأهل بيته (عليهم السلام) ليس لها فضيلة .
وإن قلت : إذاً ، التوسّل بالعمل الصالح أفضل من التوسّل بالأشخاص .
قلت : أنّ الملاك الأساسيّ للمتوسِّل والمتوسَّل به هو تقوى الله تعالى ، يعني الذي جعل الرسول (صلى الله عليه وآله) بهذا المقام عند الله تعالى هو بتقواه ، وهكذا الإنسان المتوسّل ، فكلّما يكون أكثر تقوى كلّما كان أكثر استجابة ، إذاً الملاك لكلّ منهما هو القرب إلى الله تعالى .
ثمّ إنّ دليلنا على التوسّل ليس هو الآية فقط ، وإنّما دليلنا آيات أُخرى منها : { قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } (1) .
فهنا لم يقولوا : اللهم أنّا نستغفر أو اغفر لنا ، بل قالوا : يا أبانا استغفر لنا ، أي اطلب لنا من الله تعالى المغفرة .
فهذا توسّل بأبيهم يعقوب (عليه السلام) ، وهكذا نحن نأتي إلى الإمام (عليه السلام) ونقول له : بجاهك عند الله ، اسأل الله أن يغفر لنا ، ويفرّج عنّا .
مضافاً إلى خبر عثمان بن حنيف ، الذي يروي قضية توسّل ذلك الأعمى بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) وشفاءه ، حيث قال : ( اللهم إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيي محمّد نبيّ الرحمة ، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّك أن يكشف لي عن بصري ، فردّ الله تعالى عليه بصره ) (2) .
____________
1- يوسف : 97 .
2- السنن الكبرى للنسائيّ 6 / 169 .
|
الصفحة 209 |
|
( أبو مجاهد . ... . ... )
الرقية لا مانع منها عقلاً وشرعاً :
السؤال : هل تجوز الرقية شرعاً وعقلاً ؟
الجواب : لا مانع من الرقية عقلاً وشرعاً إذا كانت في حدودها وموازينها الشرعيّة ، فهي تدخل تحت عمومات الأدعية والتوسّل ، والتبرّك المشروع ـ باختلاف مواردها ـ فلا يصغى لما تقوله جماعة في منعها رأساً ، كيف وقد وردت في كتبهم المعتبرة أحاديث دالّة على الجواز : منها : ( استرقوا لها فإنّ بها النظرة ) (1) .
ومنها : قول الرسول (صلى الله عليه وآله) للذي رقى بالقرآن ، وأخذ عليه أجراً : ( من أخذ برقية باطلٍ فقد أخذت برقية حقّ ) (2) .
ومنها : بعدما عرض عليه (صلى الله عليه وآله) بعض الرقيات قال : ( لابأس بها ، إنّما هي مواثيق ) (3) .
وأيضاً قد أمر (صلى الله عليه وآله) غير واحد من أصحابه بالرقية ، وسمع بجماعة يرقون فلم ينكر عليهم (4) .
( أبو ذر . ... . ... )
بذوات الصالحين من مسائل العقيدة :
السؤال : التوسّل في الدعاء بذوات الصالحين بحقّهم أو جاههم ، هل هي من مسائل العقيدة أم من الفروع ؟
____________
1- صحيح البخاريّ 7 / 23 ، المستدرك 4 / 212 ، المصنّف للصنعانيّ 11 / 16 ، الجامع الصغير 1 / 149 .
2- تحفة الأحوذيّ 6 / 182 و 301 ، المصنّف لابن أبي شيبة 5 / 446 .
3- مسند أحمد 3 / 393 ، تحفة الأحوذيّ 6 / 182 ، المعجم الأوسط 8 / 297 .
4- النهاية في غريب الحديث والأثر 2 / 255 .
|
الصفحة 210 |
|
الجواب : قد ثبت بالأدلّة القطعية مشروعية التوسّل ، ومطلوبيّته عند الله تعالى ، وهذا لا مجال لإنكاره بعد الوقوف على أدلّته العقلية والنقلية من الكتاب والسنّة .
ثمّ أنّ الحكم على هذا الموضوع ، إن كان من باب إثبات أو ردّ تلك الأدلّة ، فهي ترتبط بالمسائل العقائديّة ربطاً وثيقاً ، وإن كان من باب العمل ، فهي مسألة فرعية تتعلّق بأفعال المكلّف باستحبابها في إتيانها .
( الموالي . البحرين . 20 سنة . طالب جامعة )
السؤال : يسأل البعض عن كلمة ( علي ) عندما يقولها الشيعة ، فهل هي تعني ( العلي ) الله عزّ وجلّ أم الإمام علي (عليه السلام) ؟
الجواب : الاستغاثة بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) وبإخوانه النبيّين والمرسلين ، وبالأوصياء والصالحين، هي عبارة عن سؤال الشفاعة منهم لقضاء الحوائج ، ودفع النوائب ، وتفريج الكروب ، ولا ريب أنّ كلّ من يناديهم من المؤمنين ، فهو عالم أنّه لا يعبد إلاّ الله ، ولا يفعل ما يريد ، ولا يمنح ما يطلب إلاّ الله ، وليس هؤلاء إلاّ شفعاء فقط .
وقد أرشدنا الله ورسوله للاستغاثة بعباد الله الصالحين من الأنبياء والأوصياء، بقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ } (1) .
وقد ورد في بعض الأخبار : أنّ المقصود من الوسيلة هو أمير المؤمنين علي (عليه السلام) (2)، فعندما تنادي الشيعة بكلمة : ( يا علي ) في الواقع تتوسّل به (عليه السلام) إلى الله تعالى ، لما يحمله من المنزلة والمقام الرفيع ، والقرب من المولى تعالى .
____________
1- المائدة : 35 .
2- مناقب آل أبي طالب 2 / 273 .
|
الصفحة 211 |
|
( محمّد . الكويت . ... )
السؤال : لماذا مبدأ التوسّل بأهل البيت ؟ والله تعالى يقول في كتابه بما معناه : أنّه أقرب للإنسان من حبل الوريد ، وشكراً .
الجواب : إنّ الله سبحانه أمرنا بذلك بقوله تعالى : { وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ } ، فالأنبياء والأوصياء والأولياء الصالحون إنّما هم واسطة فيض ، ومن الوسائل التي نصل بها إلى الله سبحانه ، فالتوسّل بهم توسّل بالله تعالى ، بل لو لم نتوسّل بهم فإنّا خالفنا الله في عبادته والتوسّل به ، لأنّ الله يريد العبادة التي هو يأمر بها ، لا أنّ الإنسان بعقله وفكره يعبد ربّه . كما قال الشيطان عندما أمره الله أن يسجد لآدم ، أن يعفيه عن هذه السجدة ، ويسجد لله سجدة لم يسجدها أحد من الملائكة ، فأبى الله عليه ذلك ، وقال : أريد العبادة والسجدة التي أنا أريدها ، لا أنت الذي تريده .
وقد ورد عن الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) : ( بنا عرف الله ، وبنا عبد الله ) (1) ، فهم باب الله الذي منه يؤتى ، وهم السبب المتّصل بين السماء والأرض ، وهم سفن النجاة من ركبها نجى ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى .
( محمّد . السعودية . 16 سنة . طالب ثانوية )
السؤال : سؤالي هو : ما هو فلسفة قول الشيعة عند قيامهم ، أو عند حملهم أشياء ثقيلة : يا أبا الحسن أو يا علي ، ودمتم موفّقين لكلّ خير .
الجواب : في البدء لابد من البحث عن مشروعية مثل هذه الأقوال ، لأنّه إذا ثبت حرمتها ، فلا مجال ولا جدوى للبحث في فلسفة هذه الأقوال .
فنقول: الأصل في الأفعال والأقوال الحلّيّة ، كما يذكر ذلك في علم الأُصول،
____________
1- التوحيد : 152 .
|
الصفحة 212 |
|
وكذا في القواعد الفقهيّة : ( كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه ) (1)، فما لم يثبت حرمة فعل أو قول فهو باق على الحلّيّة ، هذا أوّلاً .
وأمّا ثانياً ، فهو الكلام في فلسفة مثل هذه الأقوال ، فنقول : هذه الأقوال هي عبارة عن نداء يخاطب به الإنسان غيره ، كما نقول : يا زيد أو يا عمرو ، وما إلى ذلك ، فكما لا يوجد أيّ إشكال على مثل هذا النداء حيث نستعمله يومياً عشرات المرّات ، فكذا لا إشكال في قولنا : يا محمّد ويا علي .
والفرق بأنّ رسول الله وعليّاً وفاطمة أموات ، والذين نناديهم أحياء ، فيصحّ ويحل نداء الأحياء ، دون نداء الأموات ، فهو فرق لا يستلزم الاختلاف في الحكم بالحلّيّة ؛ إذ لا يوجد دليل على التفصيل بين الحلّيّة في مناداة الأحياء ، والحرمة في مناداة الأموات .
هذا مضافاً إلى أنّ أيّ نداء لشخص ـ سواء كان حيّاً أو ميّتاً ـ إن كان المنادي والقائل يعتقد قدرة المنادى ، والمدعو على إعانة القائل على الأمر المعيّن على نحو الاستقلالية عن الله تعالى ، فهو شرك وحرام قطعاً .
وإن كان يعتقد بقدرة المدعو ـ كالنبيّ وعلي (عليهما السلام) ـ على العمل المعيّن ، كأن يدعوان له أو يشفعان له ، أو ما إلى ذلك من موارد الاستعانة ، وهذا من دون الاعتقاد باستقلالية المنادى ، بل مع اعتقاد أنّه من أولياء الله ، وأنّه يستطيع أن يعين الشخص المنادي من خلال وساطته عند الله ومنزلته عنده ، فهذا لا مانع فيه . بل الاستعانة والنداء مع هذا الاعتقاد ، هو نداء لله تعالى بصورة أُخرى ، واستعانة به تعالى .
____________
1- الكافي 5 / 313 .
|
الصفحة 213 |
|
( علي الشهراني . البحرين . 23 سنة . طالب )