الكلام في العباده مفروغ عنه ، لأن الباري جلّ جلاله لم يكن يخلق الخلق الاّ لأجلها ، وهو تبارك وتقدس القائل في محكم التنزيل : ( وما خلقت الجنّ والانس الاّ ليعبدون ) ( الذاريات ـ ٥٦ ).
ولكن ما هي ؟. ان مصاديق العبادة كثيرة وكثيرة جدا بحيث لا يمكن عدّها وحصرها لأنّه يمكن للانسان أن يجعل كل اعماله صغيرة او كبيرة من عبادة الله جلّ جلاله وعلا ، لأن الأعمال بالنيات. ومن العبادات المرموقة التي لا محيص منها حب الأبوين.
١ ـ قال النبي صلوات الله عليه وعلى آله المعصومين : نظر الولد الى والديه حبّا لهما عبادة ... (1)
٢ ـ من لا يحضره الفقيه : روي أنّ النظر الى الكعبه عبادة ، والنظر الى الوالدين عبادة ، والنظر الى المصحف من قرائه عبادة والنظر الى وجه العالم عبادة ، والنظر الى آل محمد صلوات الله عليهم عبادة ... . (2)
احب الانباء
الواقع أن حب الوالدين لا يختلف بالنسبة لاولادهم الاّ أنه هناك مزايا ذاتية في بعض الاولاد وهي مما تؤهّلهم لأن يكونوا اقرب الى قلب الوالدين ، او أن في طباعهم حسنات توجب لهم حنان الوالدين اكثر ، وبغضّ النظرعن هذه الأمور لا فرق بين الاولاد صغيرهم وكبيرهم وذرهم وانثاهم كلّهم زينة في هذه الحياة.
١ ـ قال لؤي بن غالب لامرأته : اي بنيك احب اليك ؟ قالت : احبّهم اليّ الذي اجتمع فيه ثمان خصال : منها : ولا يغيّر تبرّه عقوق ..(3)
درجات العقوق
العقوق ما يقابل البرّ ، وكما أن البرّ له درجات ، كذلك العقوق له درجات ، وهذه الدرجات والمراتب تظهر عند الأبناء حين يعصون أبويهم ، أو يؤذونهم ـ والعياذ بالله ـ فكل ما كان الأذي أشدا ، تكون مرتبه العاق أمرا ، وهكذا الى أن تصل النوبة الى عقوق ليس فوقه عقوق. وهذا ما قررّه الامام الصادق جعفر بن محمد صلوات الله عليهما وعلى آبائهما وأبنائهما الطيبين الطاهرين حيث جاء في الحديث :
١ ـ حدّثنا محمّد بن الحسن بن احمد بن الوليد رضياللهعنه قال : حدثنا محمّد بن الحسن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن أبي همّام اسماعيل بن همّام ، عن محمّد بن سعيد بن غزوان ، عن اسماعيل بن مسلم السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن ابيه عليهماالسلام ، أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : فوق كل برّ برّ حتى يقتل الرجل في سبيل الله عزّ وجلّ ، فاذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ وفوق كل عقوق عقوق ، حتى يقتل الرجل احد والديه ، فاذا قتل احدهما فليس فوقه عقوق (4)
٢ ـ حدّثنا أبي رضياللهعنه قال : حدّثنا محمد بن يحيى العطار قال :
حدّثني ايوب بن نوح عن محمد بن سنان ، عن موسى بن بكر الواسطي قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام : الرجل يقول لابنه او لابنته بأبي أنت وأمي ، أو بأبوي. أترى بذلك بأسا ؟ فقال عليهالسلام : ان كان ابواه حيين ، فأرى ذلك عقوقا ، وان كانا قد ماتا فلا بأس. قال : ثم قال عليهالسلام : كان جعفر عليهالسلام يقول : سعد أمرؤ لم يمت حتى يرى خلفه من بعده ، وقد والله أراني الله خلفي من بعدي ... (5)
٣ ـ حدثنا ابي رضياللهعنه قال : حدثنا احمد بن ادريس ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمد بن السندي عن علي بن الحكم ، عن محمد بن فضيل عن شريس الوابشي ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ان الجنّه ليوجد ريحها من مسيرة خمسمائه ، عام ولا يجدها عاق ولا ديوث ، قيل يا رسول الله وما الديوث ؟. قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : تزني امرأته وهو يعلم .. (6)
٤ ـ حدّثنا ابو احمد محمد بن جعفر البنداء ، قال : جعفر بن محمد بن نوح ، قال : حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا بشر بن نمير ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبي امامة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : اربعة لا ينظر الله اليهم يوم القيامة : عاق ، ومنّان ، ومكذب بالقدر ، ومدمن خمر ... (7)
٥ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد رضياللهعنه ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن ايوب بن نوح وابراهيم بن هاشم جميعا عن محمد بن ابي عمير ، عن بعض اصحابه عن ابي عبد الله عليهالسلام ، قال : وجدنا في كتاب علي عليهالسلام أن الكبائر خمس : الشرك بالله عزّ وجلّ وعقوق الوالدين. وأكل الربا بعد البيّنة. والفرار من الزحف. والتعرّب بعد الهجرة ... (8)
٦ ـ عن ابراهيم بن أبي البلاد ، عن ابيه ، عن ابي عبد الله عليهالسلام ، قال : لو علم الله شيئا أدني من ( اف ) لنهي عنه ، وهو من العقوق ، وهو أدني العقوق ، ومن العقوق ان ينظر الرجل الى والدين يحّد النظر اليهما ... (9)
٧ ـ روي أن موسى عليهالسلام ، قال : يا ربّ اين صديقي فلان الشهيد ). قال جلّ وعلا : « هو » في النار. قال عليهالسلام : أو ليس قد وعدت الشهداء الجنّة ؟ قال تعالى : بلى ، ولكن كان مصرّا على عقوق الوالدين ، وأنا لا أقبل مع العقوق عملاً ... المصدر السابق.
٨ ـ قال نبي الإسلام المحبوب صلىاللهعليهوآلهوسلم : بابان معجّلان عقوبتهما في الدنيا : البغي ، والعقوق ...
٩ ـ وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم ايضا : ثلث قد حرّم الله عليهم الجنّة : أ ـ مدمن الخمر. ب ـ والعاق. ج ـ والديوث .. (10).
١٠ ـ وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ثلثة لا يحجبون النار : أ ـ المنّان. ب ـ وعاق والديه. ج ـ ومدمن الخمر ...
١١ ـ وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : شر الاولاد : العاق لوالديه ....
قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى ذراريه اجمعين : من أحزن والديه فقد عقّهما .... المواعظ العدديه ، باب الاربعمائة ص
12 ـ وفي كتاب ( الكبائر ) للحافظ محمد بن احمد بن عثمان بن قايماز الذهبي ، التركماني الفارقي الأصل ، الدمشقي الشافعي ، المتوفي سنه ٧٤٨ ه ـ ص ٤٠ في الكبيرة الثامنة ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : لو علم الله شيئا أدنى من الأف لنهى عنه ، فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنّة فليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار ... (11)
13 ـ وروي عن علي بن موسى الرضا عليه وعلى آبائه وابنائه الصلاة والسلام عن ابيه ، عن جدّه أبي عبد الله عليهمالسلام ، قال : لو علم الله لفظة أوجز في ترك عقوق الوالدين من أف لأتى به ...(12)
14 ـ فيه ايضا : وفي رواية اخرى عنه ، قال عليهالسلام : أدنى العقوق أف ولو علم الله شيئا ايسر منه واهون منه لنهي عنه ...
15 ـ فيه ايضا : وفي خبر آخر فليعمل العاق ما يشاء أن يعمل فلن يدخل الجنّة ، فالمعنى : لا تؤذهما بقليل ولا كثير.
حيّيان او ميّتان
يظن البعض من الأبناء أن الوالدين ان توفيّا انقضت العلاقة بينه وبينهما فلا حقّ ولا حقوق ولا عقوق ، لكن يجب أن ينبّه هؤلاء بأن العلاقة التى صاغتها السماء غير قابلة للانفصام فهي باقيه حتى الأبد ، وحتى الأبوين كالقلاوة المطوّقة للجيد ، فلا خلاص ولا مناص ، ويجب البر بهما واداء حقّهما حييّن كانا أوميّتين ، ويمكن أن يقال ان حفّهما وهما متوفّيان آكد من حقهما في أيام حياتهما لأنهما بعد هذه الحياة تقصر أيديهما عن العمل فيستحقّا النجدة بالخير والخيرات من الحج والصلوات ، والصوم والصدقات ، والصلاة المتتاليات ومن ثم يدعوان للانسان ، وعلى الله الاستجابة والغفران.
١ ـ عنه « اي عدة من اصحابنا » عن محمّد بن علي ، عن الحكم بن مسكين ، عن محمد بن مروان ، قال : قال أبو عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام : ما يمنع الرجل منكم أن يبّر والديه حيّين وميّتين ؟ يصلّى عنهما ، ويتصدّق عنهما ، ويحج عنهما ، ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع لهما ، وله مثل ذلك ، فيزيده الله عزّ وجلّ ببرّه وصلته خيرا كثيرا (13)
٢ ـ الحسين بن محمّد ، عن معلي بن محمّد ، عن الحسن بن علي عن عبد الله بن سنان ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه الصلاه والسلام ، قال : ان العبد ليكون بارا بوالديه في حياتهما ، ثم يموتان فلا يقضى عنهما ويوفّهما ، ولا يستغفر لهما ، فيكتبه الله عاقا ، وانّه ليكون عاقا لهما في حيا تهما غير بار بهما ، فاذا ماتا قضى دينهما ، واستغفر لهما ، فيكتبه الله عزّ وجلّ بارا ... (14)
المصادر :
1- غوالي الدرر ، حرف النون ، ص ١٥٦. وتحف العقول ، مواعظ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ص ١٣٢.
2- زندگاني سلطان علي وهلال بن علي ، ص ٧.
3- معدن الجواهر ٦٤.
4- الخصال ص ٩ ، باب الواحد ، الحديث ٣١.
5- الخصال ، ص ٢٢ ، باب الواحد ، الحديث ٩٤.
6- الخصال ، باب الاثنين ، ص ٣٠ ، الحديث ١٥.
7- الخصال ، باب الاربعه ، ص ١٦٢ ، الحديث ١٨.
8- الخصال باب الخمسة ، ص ٢٢٣ ، الحديث ١٦.
9- ذرايع البيان ، ص ٢٠٠ ، تكملة.
10- غوالي الدرر ، حرف الباء ، ص ١٤.
11- ذرايع البيان ، الآفه الثامنة ، ص ١٧٦.
12- مجمع البيان ، ج ٦ ، ص ٤٠٩ ، ذيل آيه ( وقضى ربك ) من سورة بني اسرائيل.
13- الكافي ، ج ٢ ، ص ١٢٧ ، باب البر ، الحديث ٧.
14- الكافي ج ٢ ، ص ١٣٠ ، باب البر ، الحديث ٢١.
source : راسخون