إذا كان أصحاب الائمة المعصومين ( رضوان الله عليهم ) ، وبعض الخاصَّة مِن أقاربهم ، كالعباس بن علي ، ومسلم بن عقيل ، وحبيب بن مظاهر الأسدي وأضرابهم ، أيضاً يُمكن حمل أقوالهم وأفعالهم على الصحَّة والحكمة ، كالمعصومين ( سلام الله عليهم ) ، مع أنَّه لا مُلازمة في ذلك ؛ للاحتمال الراجح ـ بلْ المُتعيِّن ـ أنَّ للعصمة دخلاً في الإلهام والتوجيه لهم ( عليهم السلام ) ، وهي غير مُتوفِّرة في أصحابهم ( عليهم الرضوان ) ؛ فلا يكون الدليل السابق شاملاً لهم . فإنْ كانت النتيجة صحيحة ـ أعني : مُطابقة أعمالهم للحكمة ـ فلا بُدَّ أنْ يكون ذلك بدليل آخر ، لا بنفس الدليل السابق .
وجواب ذلك : إنَّ الدليل على ذلك مُتوفِّر في عدد مِن خاصَّة أصحاب الأئمَّة ( سلام الله عليهم ) ؛ وذلك لعِدَّة وجوه :
الوجه الأوَّل : إنَّ مثل هؤلاء الخاصَّة معصومون بالعصمة غير الواجبة ،
كما أنَّ الأئمَّة معصومون بالعصمة الواجبة ، فإنَّ العصمة على قسمين :
القسم الأوَّل : العصمة الواجبة ، وهي التي دلَّ الدليل العقلي على ثبوتها بالضرورة للأنبياء وأوصيائهم ( عليهم السلام ) . كما هو مبحوث في العقائد الإسلاميَّة . وهذه المرتبة عطاء مِن قِبَل الله إليهم ، لا ينالها غيرهم ولا يُمكن أنْ يكون الدليل عليها دليلاً على غيرهم أيضاً .
القسم الثاني : العصمة غير الواجبة ، وهي مرتبة عالية جِدَّاً مِن العدالة ، والانصياع لأوامر الله سبحانه ونواهيه ، بحيث يكون احتمال صدور الذنب عن الفرد المُتَّصف بها نادراً أو مُنعدماً ؛ لمدى الملكة الراسخة لديه والقوَّة المانعة عن الذنوب فيه .
وفكرتها نفس الفكرة السابقة ؛ لأنَّ معناها واحد مِن الناحية المنطقيَّة ، إلاَّ أنَّها تُفرَّق عنها ببعض الفروق :
أوَّلاً : عدم شمول البرهان على العصمة الواجبة للعصمة الأُخرى .
ثانيا : عدم شمول العصمة الواجبة للخطأ و النسيان بخلاف الأُخرى .
ثالثاً : مُلازمة العصمة الواجبة مع درجة عالية مِن العلم بخلاف الأُخرى ؛ فإنَّها قد تحصل لغير العالم كما تحصل للعالم .
رابعاً : انحصار عدد أفراد المعصومين بالعصمة الواجبة بالأنبياء والأوصياء . وأمَّا العصمة الأُخرى فبابها مفتوح لكلِّ البشر ، في أنْ يسيروا في مُقدِّماتها وأسبابها حتَّى ينالوها ، وليست الرحمة الإلهيَّة خاصَّة بقوم دون قوم .
إذا عرفنا ذلك ؛ أمكننا القول بكلِّ تأكيد : إنَّ عدداً مِن أصحاب الأئمَّة ( عليهم السلام ) معصومون بالعصمة غير الواجبة هذه ؛ ومعه يتعيَّن حمل أقوالهم وأفعالهم على العصمة والحكمة ، شأنهم في ذلك شأن أيِّ معصوم .
الوجه الثاني : إنَّ أمثال هؤلاء الأصحاب والمُقرَّبين للأئمَّة ( عليهم السلام ) ، قد ربَّاهم المعصومون ( عليهم السلام ) ، وكانوا تحت رعايتهم وتوجيههم ، وأمرهم ونهيهم ردحاً طويلاً مِن الزمن ، إلى حدٍّ يُستطاع القول : إنَّهم فهموا الاتِّجاه المُعمَّق والارتكازي - لو صحَّ التعبير ـ للمعصومين ( سلام الله عليهم ) ؛ ومِن هنا كان باستطاعتهم أنْ يُطبِّقوا هذا الاتِّجاه في كلِّ أقوالهم وأفعالهم .
كما يُستطاع القول : إنَّ الأصحاب ( رضوان الله عليهم ) تلقُّوا مِن الأئمَّة ( عليهم السلام ) توجيهات وقواعد عامَّة في السلوك والتصرُّف ، أكثر مِمَّا هو مُعلَن بين الناس بكثير ؛ بحيث استطاعوا أنْ يُطبِّقوا هذه القواعد طيلة حياتهم .
الوجه الثالث : إنَّ هؤلاء مِن خاصَّة الأصحاب همْ مِن الراسخين في العلم ، وقد أصبحوا كذلك لكثرة ما سمعوا ، ورووا عن المعصومين ( عليهم السلام ) ابتداءً بالنبي ( صلَّى الله عليه وآله ) وانتهاء بالأئمَّة ( عليهم السلام ) ، مِن حقائق الشريعة ودقائقها وأفكارها .
وقد يخطر في البال : أنَّ عنوان ( ... الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ... ) ( 1 ) خاصٌّ بقسم مِن الناس ، ولا يُمكن أنْ يشمل قسماً آخر ، فهو خاصٌّ إمَّا بالأئمَّة المعصومين ( عليهم السلام ) أو بمَن هو معصوم بالعصمة الواجبة ، بما فيهم الأنبياء ( عليهم السلام ) . وأمَّا شمول هذا العنوان لغيرهم فهو محلُّ إشكال ، وخاصَّة بعد أنْ ورد في بعض الروايات ( 2 ) تفسيره بأحد هذين المعنيين .
وجوابه : إنَّ أخصَّ الناس مِمَّن يُمكن اتِّصافه بهذه الصفة ، هُمْ المعصومون عامَّة والأئمَّة خاصَّة ، وهُمْ القدر المُتيقَّن مِن هذا العنوان ـ أعني : الراسخين في العلم ـ وهُمْ فعلاً كذلك . ولا يُمكن أنْ يُضاهيهم بدرجتهم أحد ؛ ومِن هنا ورد التفسير في ذلك ( 3 ) إلاَّ أنَّ هذا لا يُنافي أنْ يكون الباب مفتوحاً لكثيرين في أنَّ يتَّصفوا بهذه الصفة ، بعد أنْ يصلوا إلى درجات عالية مِن طهارة النفس والإخلاص واليقين .
وإنَّ أهمَّ وأخصَّ مَن يُمكن أنْ يتَّصف بذلك همْ أصحاب الأئمَّة ( عليهم السلام ) ، مِمَّن تربُّوا على أيديهم وانصاعوا إلى توجيهاتهم .
فإذا تمَّ لنا ذلك ؛ أمكننا أنْ نُعقِّب عليه ما يتَّصف به الراسخون بالعلم مِن مزايا وصفات تفوق غيرهم ، بما لا يُقاس ولا يعرفه الناس ، بما فيه الاطِّلاع على مراتب مِن تفسير وتأويل القرآن الكريم . وكذلك الاطِّلاع على كثير مِن واقعيَّات الأُمور ، التي لا يعرفها إلاَّ الخاصَّة مِن الخلق ، وإنَّما نحن نعترَّض ونستشكل لمدى جهلنا بهذه المراتب العُليا ، ولمدى قصورنا وتقصيرنا لا أكثر ولا أقلَّ .
الوجه الرابع : إنَّ هؤلاء مِن خاصَّة أصحاب الأئمَّة ( عليهم السلام ) مِن ( المُقرَّبين ) ، بعد أنْ نلتفت إلى أنَّ سورة الواقعة مِن القران الكريم ، قسَّمت البشر إلى ثلاثة أقسام لا تزيد و لا تنقص ، هم :
أوَّلاً : أصحاب الشمال أو أصحاب المَشئمة وهُمْ أصحاب النار هُمْ فيها خالدون .
ثانياً : أصحاب اليمين.
ثالثاً : المُقرَّبون.
إذاً ؛ فالأخيار مِن الناس، غير ( أصحاب الشمال ) على قسمين : أصحاب يمين ، ومُقرَّبون .
وهذان القسمان يختلفان كثيراً في الدرجات عند الله سبحانه ، إلى حَدٍّ يُستطاع القول : إنَّ العوالم التي يعيشونها في الجنان بعد هذه الحياة ليس مِن جنس واحد ، بلْ هي مِن جنسين مُختلفين تماماً ، ولا يُمكن إيضاح تفاصيله في هذه العُجالة . ويكفي أنْ نُشير إلى أنَّ الجنَّة الموصوفة في ظاهر القرآن الكريم ، والتي يطمع بها سائر الناس ، إنَّما هي جنَّة أصحاب اليمين ، وأمَّا جنَّات المُقرَّبين فهي شي آخر ومِن جنس مُختلف لا يُشبه ذاك على الإطلاق .
وينبغي الالتفات إلى أنَّ الباب بالرحمة الإلهيَّة مفتوح لكلِّ أحد ، في أنْ يُصبح مِن أصحاب اليمين ، أو المُقرَّبين ، بمُقدار ما أدَّى مِن عمل ، وبمُقدار ما يُطيق مِن قواه العقليَّة والنفسيَّة والروحيَّة ، ونحو ذلك مِن الأُمور .
فإذا تمَّ لنا ذلك أمكننا بكلِّ تأكيد أنْ نقول : إنَّ خاصَّة أصحاب الأئمَّة ( عليهم السلام ) ، همْ فعلاً مِن المُقرَّبين ، وليسوا فقط مِن أصحاب اليمين .
ومَن كان مِن المُقرَّبين كان ـ مِن المُهمين ـ المُسددَّين مِن قِبَل الله سبحانه جزماً بنصِّ القرآن ، ومثاله نزول الوحي على مريم بنت عمران وآسية بنت مُزاحم زوجة فرعون ، وأُمُّ موسى ، والعبد الصالح ، وكلُّهم ليسوا مِن الأنبياء ولا المُرسلين .
وإذا ثبت كون خاصَّة أصحاب الأئمَّة ( عليهم السلام ) الراسخين في العلم ومِن المُقرَّبين ، فلا عجب في اتِّصافهم بأوصاف تفوق غيرهم بمراتب ، مثل قوله ( صلَّى الله عليه وآله ) : ( سلمان مِنَّا أهل البيت ) وقوله : ( ما أقلَّت الغبراء وما أضلَّت الخضراء ذي لهجة أصدق مِن أبي ذَرٍّ ) ، وما ورد مِن أنَّ حذيفة وميثم التَّمار ( كان ميثم رضي الله عنه عبداً لامرأة مِن بني أسد ، فاشتراه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) واعتقه على كثير وأسراراً خفيَّة مِن أسرار الوصيَّة ، فكان ميثم يُحدِّث ببعض ذلك فيشكُّ فيه قوم مِن أهل الكوفة ، وينسبون علياً ( عليه السلام ) في ذلك إلى المَخرقة والإيهام والتدليس حتَّى قال ( عليه السلام ) له يوماً بمحضر خلق كثير مِن أصحابه وفيهم الشاكُّ والمُخلص : ( يا ميثم ، إنَّك تؤخد بعدي وتُصلب وتُطعن بحربة ، فإذا كان ذلك اليوم الثالث ابتدر منحراك وفمك دماً فتُخضَّب لحيتك ، فانتظر ذلك الخضاب ، فتُصلب على باب دار عمرو بن حريث عاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة وأقربهم مِن المِطهرة .
وأمضِ حتَّى أُريك النخلة التي تُصلب على جدعها ) فأراه إيَّاها . فكان ميثم يأتيها ويُصلِّي عندها ويقول : بوركت مِن نخلة ! لك خلقت ولي غذيت . ولم يزل يتعاهدها حتَّى قطعت ، وحتَّى عرف الموضع الذي يُصلب عليه في الكوفة وحدَّ في السنة التي قُتِل فيها ، فدخل على أُمِّ سلمة ( رض ) فقالت : مَن أنت ؟ قال : أنا ميثم . قالت : والله ، لربَّما سمعت رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) يذكرك ويوصي بك عليَّاً ( عليه السلام ) في جوف الليل ، فسألها عن الحسين ( عليه السلام ) فقالت : هو في حائط له . قال : أخبريه أنَّني أحببت السلام عليه ، ونحن مُلتقون عند رب العالمين إنْ شاء الله ، فدعت بطيب وطيَّبت لحيته ، وقال : أما إنَّها ستُخضَّب بدم . فقدم الكوفة فأخذه عبيد الله بن زياد فحبسه وحبس معه المُختار بن أبي عبيدة ، فقال له ميثم : إنَّك تُفْلِت وتخرج ثائراً بدم الحسين ( عليه السلام ) فتقتل هذا الذي يقتلنا ، فلمَّا دعا عبيد الله بالمُختار ليقتله طلع بريد بكتاب يزيد إلى عبيد الله ، يأمره بتخلية سبيله فخلاَّه وأمر بميثم أنْ يُصلب ، فلمَّا رُفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على تحت خشبته وَرشَّه وتجميره ، فجعل ميثم يُحدِّث بفضائل بني هاشم ، فقيل لابن زياد : قد فضحكم هذا العبد . فقال : ألجموه . وكان أوَّل خلق الله ألجم في الإسلام) . (4)
وحبيب بن مُظاهر كان لديهم علوم خاصَّة ، قد نُسمِّيها :
علم المنايا والبلايا ، أو علم ما كان وما يكون ، أو علم الجفر ونحو ذلك . ومثله ما ورد : أنَّ عليَّاً ( عليه السلام ) قال لابنه العباس ( عليه السلام ) وهو صغير : ( قُلْ : واحد ) . فقال : واحد . فقال له : ( قُلْ : اثنين ) . فرفض ؛ لأنَّه ( عليه السلام ) يجد الوجود الإلهي والنور الإلهي هو الواحد الأحد ، ولا شيء غيره .
إذاً ؛ فلا يوجد اثنان ليقول : اثنين . وهذا كان ثابتاً له في صغره ، فكيف يُصبح ؟ وماذا ينال مِن مدارج اليقين في كبره ؟ . إلى غير ذلك مِن الروايات .
الوجه الخامس : إنَّ التصرُّفات المُهمَّة ، التي ترتبط بالمصالح العامَّة وبالحكمة الإلهيَّة في تدبير المُجتمع وتسبيب أسبابه ، هي دائماً محلُّ عناية الله سبحانه وتدبيره ، وكلُّ شيء يتوقَّف على ذلك فهو حاصل لا محالة بقدرة الله سبحانه ، وكلُّ مانع يمنع عنه فهو مُنتفٍ بقدرته أيضاً ، لكنْ مع حفظ ظاهر الأسباب والمُسبَّبات المعهودة بطبيعة الحال . والمقصود صدق ما ورد مِن ( ان لله غايات وبدايات ونهايات في أفعاله جل جلاله ) ( 5 ) ، وأنَّ الأُمور تسير كنظام الخرز يتبع بعضها بعضاً ؛ الأمر الذي يُنتج أنَّ ما يُريده الله سبحانه في البشر حاصل لا محالة . و لا يستطيع أحد على الإطلاق تغييره ، وإنْ خطر في ذهنه كونه مؤثِّراً أو فاعلاً لشيء مِن الأشياء ، قلَّ أو كثر مِن هذه الجهة أو أيِّ جهةٍ أُخرى.
فإذا تمَّ لنا ذلك : أمكننا القول : بأنَّ تصرُّفات الأئمَّة ( سلام الله عليهم ) وأصحابهم لا شكَّ مُندرجة في هذا النظام الإلهي العام ، ومؤثِّرة في سير التاريخ البشري عامَّة والإسلامي خاصَّة ؛ وحيث عرفنا أنَّ كلَّ ما يُريده الله سبحانه في هذا التاريخ ، فإنَّه لا بُدَّ مِن حدوثه ، يعني حتَّى لو توقَّف على أيِّ سبب خارق للطبيعة ؛ ومِن المُستطاع القول ـ عندئد ـ : إنَّ الإلهام والتوجيه الإلهيَّين لهؤلاء ضروريٌّ في هذه المرحلة مِن التاريخ ، بلْ في كلِّ مرحلة منه ، بلْ ليس مِن الضروري في الفرد أنْ يعلم كونه موجَّهاً ومُسدَّداً مِن قبل الله سبحانه ، بلْ قد يكون كذلك مِن حيث لا يعلم لمدى أهميَّة تأثيره في المصالح العامَّة والتاريخ الإسلامي أو العالم .
ولا شكَّ أنَّنا نستطع إبراز بعض النقاط لأصحاب الأئمَّة ( عليهم السلام ) ، لإيضاح مدى تأثير أعمالهم وأقوالهم في التاريخ القريب والبعيد :
النقطة الأُولى : كونهم منسوبين إلى الأئمَّة ( عليهم السلام ) مع أنَّ تأثير الأئمَّة أنفسهم في التاريخ أوضح مِن أنْ يخفى ، وقد يكون ذلك عن طريق أصحابهم . بلْ كثيراً ما يكون ذلك .
النقطة الثانية : كون الدين الإسلامي في صدر الإسلام كان محصوراً في منطقة محدودة ، وغير مُنتشر في بقاع عديدة مِن العالم مِمَّا بلغه بعد ذلك .
النقطة الثالثة : قوَّة الأعداء المُتربِّصين بالدين وأهل الدين ، بالمَكر والحيلة والغيلة ، مِن الداخل ومِن الخارج على السواء .
النقطة الرابعة : الإعداد لظهور المهدي ( عليه السلام ) في آخر الزمان ؛ فإنَّ نجاح حركته إذ يُريد أنْ يملأ الأرض قِسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً ( 6 ) .
وكما هي وظيفته الإلهيَّة في ذلك .
أقول : نجاحها يتوقَّف على أسباب ، وتلك الأسباب ينبغي أنْ يعدَّها الله قبله ، وهو جلَّ جلاله فاعل ذلك لا محالة ؛ لأنَّ ظهور المهدي ( عليه السلام ) وعد والله لا يُخلف الميعاد .
وقد يخطر في الذهن : إنَّه يكفي الإعداد للظهور في العشر السنوات الأخيرة السابقة عليه في علم الله سبحانه .
قلنا : كلاَّ ، فإنَّ الحال في هذه العشر سنوات أيضاً تحتاج إلى سبب ، وسببه يحصل في العشر السنوات التي قبلها ، وهكذا إلى أنْ يصل إلى عصر صدر الإسلام ، ويتَّصل بالأئمَّة المعصومين ( عليهم السلام ) وأصحابهم . بلْ يتَّصل بما قبل الإسلام مُنذ نزول آدم ( عليه السلام ) فما بعده ؛ لأنَّ ذلك كلَّه نظام واحد مُتَّصل ومُتسلسل ، يتبع بعضه بعضاً في الحكمة الإلهيَّة كنظام الخرز .
الوجه السادس : إنَّ ما ذكرناه مِن الوجوه السابقة قد يُناقش في عمومها لكلِّ أصحاب الأئمَّة ، أو قُلْ : لكلِّ تصرُّفاتهم ، وإنْ كان الوضع السابق يجعلها شاملة على أيِّ حال . ولكنَّ المقصود الآن : أنَّ بعض التصرُّفات مِن بعض أصحابهم غير الخاصَّة منهم ، يُمكن أنْ تكون على خطأ ، أو قابلة للمُناقشة بشكل وآخر . وليس بالضرورة أنْ تكون الأقوال والأفعال والتصرُّفات الموجودة في ذلك الحين ، ضروريَّة الحمل على الصحَّة ، ويكون التاريخ مسؤولاً عن تصحيحها ، بلْ يُمكن نقدها واعتبارها باطلاً فعلاً ، وتحميل مسؤوليَّتها على أصحابها ـ سواء اعتبرناهم معذورين فعلاً عنها غفلةً أو جهلاً أم غير معذورين ـ باعتبار التفاتهم إليها وتعمُّدهم لها . وهذا يكون موكولاً إلى الباحث التاريخي ، ولا حاجة الآن إلى تسمية أحد بهذا الصدد .
المصادر:
1- سورة آل عمران آية 7 .
2- أصول الكافي للكليني ج1 باب 77 ص 213 .
3- مجمع البيان للطبرسي ج2 ص 701 .
4- الكُنى والألقاب ج3 ص217 .
5- كشف المُراد للعلاَّمة ص 306
6- البرهان للمُتَّقي الهندي : الباب 11 ، الحديث ( 2 -3 ) - أعيان الشيعة للأميني ج2 ص46 .
source : راسخون