تاثير التشيع في قم على المدن الاخرى .
في ضؤ العقائد التي كانت سائدة في المدن الواقعة قريبا من قم , يمكن الحدس بانتقال التشيع من قم الى تلك المدن و لا نجد صعوبة في قبول هذه الرؤية اذا اخذنا بنظرالاعتبار قوة العلما في تلك المدينة .
و كانت آوه او آبه من المدن المعروفة بنزعتها الشيعية القوية , و لذلك كانت تعيش في صراع دائم مع ساوه المشهورة بعقيدتها السنية المتعصبة و اشار الحموي الى هذاالصراع , و نقل عن الميمندي شـعرا يدل على تشيع اهالي آبه ((521)) و قال القزويني : ((اهل آبه كلهم شيعة ((522)) )) و ذكـر الـمـسـتـوفـي ان اهـالـي سـاوه نـفـسـهـا سـنة , اما اهالي القرى المحيطة بها فهم شيعة اثناعشرية ((523)) .
و روى الـشـيـخ الـطوسي ان امراة من اهالي آبه ارادت ان تعطي اباالقاسم بن روح ثلاثمائة دينار بـيـدهـا فجات عنده و اعطته المبلغ ((524)) و كان الامام العسكري ـ عليه السلام ـ يعتني بهم ايضا ((525)) .
و من المدن الاخرى : كاشان قال القزويني فيها : ((اهلها شيعة امامية غالية جدا)) و اشاربعد ذلك الى السنة المعروفة في هذه المدينة , وهي انتظار الامام المهدي ـ عجل اللّه تعالى فرجه ((526)) و كـتـب الـحـمـوي قـائلا عنها : ((اهلها كلهم شيعة امامية ((527)) )) و قال المستوفي ايضا: ((الـنـاس فـيـهـا شيعة و اكثرهم ذوو حكمة في تصرفاتهم و لهم طباع لطيفة و يقل فيهاالجهال والعاطلون ((528)) )).
و كان اهل مهاباد ـ احدى القرى الكبيرة الواقعة في اطراف كاشان ـ شيعة امامية ايضا ((529)) .
و قـيـل ان قـبـر ابـي لـؤلـؤة ـ قاتل الخليفة الثاني ـ موجود في كاشان , و ثمة مقبرة باسمه فيها كذلك ((530)) لكن هذا القول غير صحيح ابدا, لان المؤرخين اجمعوا على ان ابالؤلؤة انتحر في الـمـسـجد بعد قتل عمر مباشرة و بغض النظر عن بعض قرى كاشان السنية ((531)) , فقد كان بعضها الاخر شيعيا اماميا, مثل مهاباد, كما مر بنا ((532)) .
و من هذه المدن : فراهان , اذ كان اهلها شيعة امامية قال فيهم المستوفي : (( و اهلهاشيعة اثنا عشرية متعصبون جدا ((533)) )).
و منها : تفرش التي يطلق عليها: طبرس احيانا فانها من المدن الشيعية في اطراف قم كتب المستوفي عن اهلها قائلا : ((هم شيعة اثنا عشرية و كانوا على هذا المذهب منذقديم الايام ((534)) )) و نقل هذا المؤلف عن مرآة البلدان ((ان القسم الاعظم من سكان تفرش سادة حسينيون )), قيل : انهم مـن الـسـادة الـذيـن هـاجـروا مـن مكة , و سكنوا هناك ولعل القسم الاكبر من التشيع في مناطق الجبل ((535)) يعود الى تاثر هذه المناطق بالتشيع الذي كان موجودا في قم .
و فـي ضـؤ هـذه الـنقطة , يستبين لنا ان هذه المناطق كانت منتديات للعلويين , و انتشرالتشيع فيها بواسطتهم , مضافا الى تاثرها بمدينة قم .
ظهور التشيع و اتساع نطاقه مع مجي العباسيين الى الحكم .
المعنا سابقا الى تغلغل التشيع في قم و نواصل حديثنا في هذاالفصل عن اتساع نطاق التشيع في ايران , بخاصة في خراسان , من خلال ذكر مقدمة موجزة .
ان احـد الـبـواعـث الـرئيـسة على دخول الاسلام ايران هم العرب الذين توجهوا اليهاقادمين من الجزيرة العربية , والعراق و هذه حقيقة لا مناص منها و كان عدد العرب المهاجرين في القرن الاول و الـثاني كبيرا جدا و هاجر هؤلا العرب بدافع الاستيلا على الارض , و بسبب الوضع الاقتصادي الـمـنـاسـب الذي كانت تتمتع به ايران و اتخذت الهجرة طابعا قبليا, و توزعت القبائل على مختلف المناطق و راينا فيما تقدم ان العرب الاشاعرة استوطنوا قم و اهتموا بها.
و نـقـل الـيـعـقـوبـي في البلدان معلومات رائعة عن وجود العرب في شتى البقاع الفارسية وذكر الحواضر التي كان للقبائل العربية فيها حضور ملحوظ فقال في خراسان : و في جميع مدن خراسان قـوم من العرب من مضر, و ربيعة , و سائر بطون اليمن الا باسه , و شنة فانهم كانوا يمنعون العرب ان يـجـاوروهـم ((536)) و قـال فـي سـائر الـمـدن : و اهـل شـيـروان اخـلاطمـن العرب والـعـجم ((537)) اما المدن المشابهة لشيروان فهي حميرة ((538)) , وحلوان ((539)) , و دينور ((540)) , و قزوين ((541)) , و نهاوند ((542)) .
و كـان اهـل كرج قوما من العجم و الى جانبهم آل عيسى بن ادريس العجلي , و من انضوى اليهم من سائر العرب ((543)) .
و اهـل قـم الـغـالبون عليها قوم من مذحج , ثم من الاشعريين ((544)) و كان يعيش في فريدن , و منطقة جرمقاسان ((545)) في اطراف اصفهان قوم من العجم , و قوم من العرب من قبيلة همدان .
و اهـل الري اخلاط من العرب والعجم , و عربها قليل ((546)) و اهل نيسابور ايضااخلاط من العرب و العجم ((547)) و هكذا الامر في مرو ((548)) .
و فـي هـراة قـوم مـن الـعـرب ((549)) و كـانـت بـوشنج ((550)) , و بخارى ((551)) , وقيروان ((552)) من المدن التي عاش فيها العرب الى جانب العجم .
فـاذا حـملنا مثل هذا الانطباع عن سكان ايران وقتذاك اذ كان عدد كبير من العرب يقطن في اكثر مـدن خـراسـان , و حـتـى في اطراف مدينة مثل اصفهان , فانا نستطيع ان نتابع حديثناعن المسيرة التاريخية للتشيع في ايران بنحو افضل .
و نـظـرا الى المنزلة التي كان يتمتع بها هؤلا العرب بين العجم المغلوبين , فان مواقفهم كانت تترك بصماتها على الاخرين طبيعيا و هذه النقطة لافتة للنظر اكثر بخاصة في القضاياالدينية و لما كانوا يـمـارسون اعمالهم مقتدين بقادتهم و رؤسائهم في المنطقة او في العراق , فقد سجلوا مواقف دينية مستقلة غالبا, كما ان لهم مواقف خاصة بهم على صعيدالتكتلات الدينية و المذهبية .
امـا الـعـجـم الاخـرون الـذيـن كـانوا يعيشون الى جوار هؤلا العرب , فقد تاثروا بتلك النزعات والاتـجـاهـات و اغلبهم اعتنق الاسلام متاثرا بهم و هكذا دابهم في الميول والاتجاهات السياسية والدينية .
و اذا وجـدنـا فـي ايران نزعة دينية سوا كانت سنية , او شيعية او معتزلية , او مارقية ,فينبغي ان نصرف اذهاننا قبل كل شي الى العرب الموجودين فيها و هذا لا يعني مصادرة دورالفرس اما طبيعة الامور فهي كما اشرنا.
و عـنـدمـا نرى قبائل همدان او بني عبدالقيس في بعض المناطق الفارسية , فلابد ان نتوقع انتشار التشيع في تلك المناطق , لان تينك القبيلتين كانتا من القبائل الشيعية في العراق .
و من الجدير ذكره ان كثيرا من هؤلا العرب قد تفرسوا خلال القرن الثاني والثالث و بعدهما, حتى لـم يـعـد هـنـاك ذكر للنسب والقبيلة و العشيرة بينهم لذلك ينبغي التعامل معهم كفرس و هذا رهين بدراسة تاريخ التشيع في ايران , او تاريخ تشيع الفرس , اذ لا فرق بينهما اليوم .