عربي
Thursday 16th of May 2024
0
نفر 0

کيف تکون دولة آل الرسول

کيف تکون دولة آل الرسول

من المؤكد و استنادا للأحاديث النبوية ولأحاديث أئمة أهل بيت النبوة عليهم السلام الذين ورثوا علمي النبوة والكتاب بأن الإمام المهدي مؤسس دولة آل محمد سيفتح مشارق الأرض ومغاربها ويملك المشارق والمغارب، وهذا يعني أن الكرة الأرضية كلها ستكون إقليما لدولة آل محمد ويدل على هذا قول النبي: (لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي... يملك الأرض عدلا كما ملئت ظلما) (الحديث رقم 61 من المعجم راجع المراجع المدونة تحته)، فكيف يملأ الإمام المهدي الأرض عدلا إن لم يكن مالكها وصاحب السلطان عليها!! ويدل على ذلك قول النبي أيضا: (... ويفتح له ما بين المشرق والمغرب)... (1)
ويوضح الرسول الصورة فيقول: (الأئمة بعدي اثنا عشر أولهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله عز وجل على يديه مشارق الأرض ومغاربها). (راجع الحديث رقم 155 من المعجم)، وليسوق الأرض مثلا معروفا للجميع وهو المعروف (بذي القرنين) فيقول الرسول عنه أنه: (وبلغ المغرب والمشرق، وأن الله تبارك وتعالى سيجري سنته في القائم من ولدي، فيبلغه شرق الأرض وغربها حتى لا يبقى منهلا ولا موضعا من سهل ولا جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه... (الحديث رقم 158 من المعجم). وكم كرر الرسول وأكد بأن الإمام المهدي سيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا، لقد استعمل الرسول مصطلح الأرض على الإطلاق...
وفي حديث آخر يقول النبي:.... ويفتح له فتوح فلا يبقى على وجه الأرض كلها من المشرق إلى المغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

شعب دولة آل محمد:

إذا كانت الكرة الأرضية هي إقليم دولة آل محمد فإن كافة الأحياء من أبناء الجنس البشري في زمن الإمام المهدي يشكلون شعب دولة آل محمد، ومواطني ورعايا تلك الدولة، فكيف تملك الدولة الأرض كلها، ولا سلطان لها على ساكنيها، فالأرض كلها إقليم للدولة ومن على وجه الأرض من بني البشر هم شعبها، فالأحاديث النبوية تؤكد بأن الإمام المهدي سيطهر الأرض من أعدائه ومن كل ظلم وجور)، وأنه سيفتح حصون الضلالة، وقلوبا غلفا وأنه سيظهر على كل جبار (الحديث رقم 30)، فكيف يعرف القلوب الغلف ويفتحها، وكيف يعرف أعداء الله من أوليائه، ويطهر الأرض من أعداء الله إن لم تكن له سلطة فعلية على كل مكان في الأرض ولهم به رابطة قانونية أو شرعية، وهذه هي مقومات مصطلح الشعب بالفقه الدستوري. (2)

السلطة:

الإمام المهدي هو المؤسس والمعلن عن وجود دولة لآل محمد، وهو إمامها أو رئيسها، أو أميرها أو الخليفة الشرعي عشر من خلفاء الرسول، وهو صاحب الكلمة العليا والمقام الأول في دولة آل محمد، وهو المرجع الشرعي أو القانوني لكافة سكان الكرة الأرضية لأنه إمام ووارث لعلمي النبوة والكتاب، ولا يخفى عليه شئ من أمر الدنيا والآخرة، لأن كل ما يحتاجه البشر يعرفه الأئمة الشرعيون، والإمام الشرعي مؤهل إلهيا ومعد لقيادة العالم كله.
والإمام المهدي هو القائد العام لجيش الدولة، وهو القاضي الأعلى، وهو المسؤول عن وزرائها. ويساعد الإمام المهدي مجلس وزراء من نوعية خاصة، ويكفيك أن تعرف بأن المسيح عليه السلام أحد وزرائه، والخضر الشهير وإلياس من وزرائه أيضا كما وثقنا وهم من صفوة أولياء الله. ويساعد المهدي أيضا ولاة أقاليم الكرة الأرضية حيث سيولي الإمام المهدي على كل إقليم من أقاليم الكرة الأرضية أحد الموثقين من أصحابه ليدبر أمور الإقليم ويسوسه تحت إشراف الإمام المهدي. قال الإمام جعفر الصادق: ويكون من شيعتنا في دولة القائم سنام الأرض وحكامها، يعطى كل رجل منهم قوة أربعين رجلا). (3)
وروي عن الإمام الباقر قوله: (إذا قام القائم بعث في كل إقليم من أقاليم الأرض رجلا فيقول له عهدك في كفك، فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه، ولا تعرف القضاء فيه، فانظر في كفك واعمل بما فيها...).(4)
بمعنى أن ولاة الإمام المهدي وعماله على الأقاليم من أولياء الله الصادقين الذين وعوا تاريخ أئمة الضلالة، وأشربوا كراهية الظلم وأهله. والخلاصة أن حكومة الإمام المهدي وسلطته تقوم بكافة الوظائف التي تقوم بها الدول في عصرنا هذا وتزيد على ذلك بأنها ملتزمة بتحقيق الكفاية للجميع وفورا، والرخاء للجميع وفورا أي بدون وعود، وأنه لا ظلم فيها ولا عوز، على الإطلاق، وأن الجميع بما فيهم الإمام المهدي عبيد الله لا عبيد للدولة ويخضعون لشرع الله لا لشرعها. وأن الجميع منسجمون وسعداء، تماما.

القانون النافذ في دولة آل محمد:

المنظومة الحقوقية الإلهية المكونة من كتاب الله وبيان النبي لهذا الكتاب هي القانون النافذ في دولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد، فالإمام المهدي إمام شرعي وهو خاتم الأئمة الشرعيين وهو الوارث لعلمي النبوة والكتاب، وبالتالي فإنه يعرف الحكم الشرعي لكل قضية، والتكييف الشرعي لكل واقعة، وفوق هذا وذاك فإن معه المصحف الذي كتبه الإمام علي بخطه، وأملى تفسيره رسول الله بنفسه، وعنده أيضا الجامعة التي تحوي حكم كل شئ بما فيه إرش الخدش. ، وبالتالي فإن الإمام المهدي سيطبق القرآن (الحديث رقم 865) ويبين الحلال والحرام ويقيم الحدود. (5)
وبالتالي فلا مجال للاجتهاد، لأن الاجتهاد يحصل في حالة عدم وجود النص، أو عدم الاهتداء إليه، وهذه أمور لا يمكن أن تقع في عهد الإمام المهدي لأنه إمام شرعي اختاره الله وليس خليفة قد فرض نفسه على الناس بالقوة والقهر، والخلاصة أن الإمام المهدي سيحكم بكتاب الله الذي لم يعمل به قط بعد وفاة أمير المؤمنين علي. (6)

الدين الرسمي لدولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد:

في دولة الإمام المهدي يصبح الإسلام هو الدين الرسمي والفعلي الوحيد في كافة أرجاء الكرة الأرضية التي ستخضع لسلطان دولة آل محمد، لأن الإمام المهدي سيدعو إلى الإسلام جديدا، ويهدي الناس إلى أمر قد دبر فضل عنه الجمهور كما حدث الإمام جعفر الصادق. (راجع الحديث رقم 1122) وقال الصادق يوما لجليسه: (يا أبا محمد إذا قام القائم استأنف دعاء جديدا كما دعا رسول الله)... (الحديث 612)، وقال الإمام الصادق أيضا.... أما والله لا تذهب الأيام والليالي...حتى... ويرد الحق إلى أهله ويقيم الدين الذي ارتضاه لنفسه فأبشروا ثم أبشروا... (الحديث 1126). وقد أكد الرسول الكريم هذه الحقيقة بقوله:
(... يبايع له الناس بين الركن والمقام، يرد به الدين، ويفتح له فتوح، فلا يبقى على وجه الأرض إلا من يقول: لا إله إلا الله (الحديث رقم 309 من أحاديث معجم الإمام المهدي ج 1). وقال الإمام الحسين: (إن الإسلام قد يظهره العالم على جميع الأديان عند قيام القائم عليه السلام) فليس عجيبا بعد هذا كله بأن يكون الإسلام هو الدين الرسمي والفعلي الوحيد لدولة آل محمد.

طبيعة دولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد

دولة دينية ولكن

طبيعة دولة المهدي أو دولة آل محمد مختلفة بالكامل عن طبيعة الدول التي عرفتها البشرية طوال تاريخها، فلا نعرف دولة على الإطلاق قد حظيت بالدعم الإلهي الدائم والمطلق كما تحظى به دولة الإمام المهدي فالملائكة الكرام فرقة دائمة من فرق جيشها كما أسلفنا، وكافة الآيات والمعجزات التي خص الله بها أنبياءه ورسله تحت تصرف الإمام المهدي كما وثقنا، ورسل وأنبياء وأولياء صالحون يعملون مع المهدي ويأتمرون بأمره كما أثبتنا، ويفهم من حديث الباقر بأن القوى الطبيعية ستكون مسخرات للإمام المهدي الحديث رقم 870 ج 3، ثم إن الإمام المهدي ليس نبيا وليس رسولا إنما هو إمام شرعي، اختاره الله سبحانه تعالى وسبقه أحد عشر إماما، ومع هذا تكلف دولته بتحقيق غايات وإنجاز مهمات لم يكلف نبي ولا رسول ولا إمام من قبل بتحقيقها وإنجازها!!
إنها دولة دينية لأن الدين محور اهتمامها، ومبرر وجودها، وقانونها النافذ، وإمكانيات الدولة مسخرة لتحقيق الغايات والأهداف الدينية، لكنها ليست على شاكلة الدول التاريخية التي ادعت بأنها دول دينية، ولا على شاكلة دول الأنبياء والرسل التي عرفنا نماذجها، إنها دولة دينية من نوع خاص!! وهي نسيج وحدها تماما، من حيث مداها وشمول ملكها، فدولة الإمام المهدي كما أسلفنا تشمل العالم كله. ويشمل ملك الإمام المهدي العالم أيضا وهذه حالة فريدة لم يتحقق مثلها في دول الملوك الذين ادعوا بأن دولهم دينية، ولا في الدول التي أسسها الأنبياء والرسل!!
ثم إن هناك ظاهرة عجيبة وفريدة من نوعها في دولة الإمام المهدي تتمثل بتسخير كامل لمخزونات الأرض والسماء لتحقيق الأهداف التي وعدت دولة الإمام المهدي بتحقيقها، فكم أكد الرسول الأعظم والأئمة الكرام بأن الأرض في عهد الإمام المهدي ستخرج كل كنوزها ونفائسها ونباتها، وأن السماء ستنزل كل قطرها ومائها وبركاتها وقد وثقنا ذلك وتلك حالة فريدة من نوعها، إنها عرض كامل لبركات الحكم الإلهي الأمثل!!! وتصحيح عملي لمفاهيم البشرية الخاطئة عن الحكم الديني الإلهي الحقيقي. (7)

الإصرار على تحقيق غاية دولة آل محمد

وتتجلى طبيعة دولة آل محمد بإصرارها العجيب على تحقيق غاياتها ومبررات وجود دولة الإمام المهدي، وهو إصرار لا يعرف الحلول الوسط، ولا يعرف المستحيل فلا بد من القضاء التام على كل الظالمين والجبابرة، ولا بد من محاكمتهم والانتقام منهم وتطهير الأرض من وجودهم لأنه رجس وقذارة وقرف، ولا بد من فتح كافة حصونهم، حصون الضلالة، وهذا أمر لا يحتمل التأخير أو التأجيل ولا بد من رفع ظلمهم من الأرض، ولا بد من مل ء الأرض بالعدل كما ملأها المجرمون بالظلم ولا بد من هدم ما خلفه المجرمون، من مظاهر ظلمهم وانحرافهم، (الحديث رقم 861 و 1123)، وهدم أمر الجاهلية كله وإبطاله (الحديث رقم 862) ليكون تطهير الأرض كاملا من الظالمين وآثارهم، وكل ما يدل عليهم، ورفع فقههم الفاسد وإبطال كافة مفاعيله. وهذه هي المهمة العاجلة، والمبرر الأول لوجود دولة المهدي أو دولة آل محمد، لأن ظلم الجبابرة قد مس الأرض وما عليها مسا أليما موجعا ولم ينج من هذا الظلم أحد، وخص هذا الظلم آل محمد وأولياءهم خاصة بألوان معينة من المعاناة والألم، وطريقة تعامل دولة المهدي مع الظالمين، لها طابع خاص مختمر من التجربة التاريخية على اعتبار أن الظالم لا دين له ولا أخلاق، ولا يعرف الإحسان أو المعروف، فقد قال النبي لأعدائه الذين ظهر عليهم يوم فتح مكة: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) وبدلا من أن يذخروا إحسان النبي ومعروفه بالعفو الشامل عن جرائمهم تنكروا له وتآمروا عليه، وبعد موته قتلوا أبناءه وذريته، المهدي استفاد من عبرة التاريخ فعندما يخرج الإمام المهدي لن يخرج معه من العرب أحد (الحديث 1119)، ومع هذا فهو لا يجبرهم على الخروج، ولم يؤيده من قريش أحد، ومع هذا هو لا يتعرض إليهم ولا يجبرهم على تأييده، بل ولا يسألهم أن يخرجوا معه أو يؤيدوه، ولكن عندما يعلم بأن قريش قتلت وإليه وعامله يقتل منهم 1500 أو ثلاثة آلاف رجل صبرا دون أن يرمش له جفن، ولا يترك من قريش إلا أكلة كبش!!
قد يبدو أن هذه العقوبة قاسية، لكنها عادلة إذا ما عرفت حجم جرائم بطون قريش، فقد قاومت النبي وحاربته طوال مدة 21 عاما، ولما أحيط بها اضطرت مكرهة لإعلان إسلامها، فعفى الرسول عنها وقبل موت الرسول وبعد موته مباشرة استولت بالقوة على ملك الرسول وقادت المسلمين إلى الانحراف، وحلت عرى الإسلام ومهدت للظلمة والجبابرة وخرجتهم من مدرستها، وجعلت من عباد الله عبيدا للظالمين بنفس الوقت الذي كانت تلبس فيه الجبة الإسلامية، إنهم مجرمو حرب لم يعرف التاريخ البشري جرائما بحجم وبشاعة جرائمهم فعقوبة الإمام المهدي مع قسوتها عادلة.
والخلاصة، إن إصرار الإمام المهدي على التخلص من الظلمة والجبابرة وأعوانهم بعكس طبيعة دولة آل محمد الملتزمة التزاما مطلقا بتحقيق أهدافها وغاياتها والتي لا تحيد عن تحقيق هذه الأهداف، لأنها دولة هدف وغاية، ولا يكفي منها أن تبذل الجهد والعناية، إنما يتوجب عليها وجوبا لا عذر معه تحقيق هذه الغايات. لأن الله تعالى وعد الإمام المهدي بالدعم الكامل والمطلق لتحقيق الغايات وإنجاز المهمات التي كلفه الله بتحقيقها وإنجازها، وإذا أراد الله أمرا فلا راد لإرادته، وقد أراد الله تحقيق كافة الغايات التي كلف عبده الإمام المهدي بتحقيقها، فدولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد مكلفة باقتلاع جذور الظلم والظالمين وتطهير الأرض من وجودهم ومن فقههم، لذلك فإنها لن تقبل بأن يبقى على وجه الأرض خلال عهدها الراشد ظالم أو جبار واحد، أو حصن واحد من حصون الضلالة فهي ملتزمة أمام الله تعالى بالقضاء التام والمبرم على الظلمة والظالمين وتطهير الأرض من ظلمهم ومن آثارهم.
وتجد هذا الإصرار العجيب عند كل غاية وهدف من الغايات والأهداف التي كلف الإمام بتحقيقها فعلى المستوى الاقتصادي فإن الإمام المهدي ودولة آل محمد مكلفون بتحقيق الكفاية التامة والرخاء المطلق للجميع، بحيث يكون كل واحد على وجه الأرض من أبناء الجنس البشري في حالة كفاية تامة ورخاء مطلق، بحيث يتجول المكلفون بدفع الزكاة في الأرض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا فلا يجدوا محتاجا واحدا يقبل الزكاة لأن الجميع في حالة كفاية والجميع في حالة رخاء، ولا يوجد في الأرض كلها محتاج واحد، فالنقود والذهب والفضة لا تعد عدا إنما تهال هيلا!! وقد تواترت الأحاديث النبوية التي أكدت هذه الناحية، وقد وثقناها في الفصول السابقة، حتى أن الدرهم والدينار يصبح من سقط التاريخ ولا قيمة له.(8)
وهذه طبيعة ما عرفتها ولا سمحت بها أية دولة من الدول التي ظهرت أو ستظهر على وجه الأرض قبل نشوء دولة آل محمد وظهور الإمام المهدي المنتظر، فالدول عادة تغرق الشعوب بالوعود البراقة خاصة في العصر الحديث، وتدغدغ مشاعر المستضعفين، ثم تسقط الحكومات وتزول الدول نفسها دون تحقيق معشار معشار ما وعدت بتحقيقه، حتى أن الناس قد ملت وعود الدول، وصارت وعودها أحد الرموز والاصطلاحات الدالة على معنى الكذب!!

حالة الانسجام العام في دولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد

ومن أبرز مظاهر طبيعة دولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد، ومن مميزاتها.
الخاصة وجود حالة الانسجام العام والمطلق، واختفاء مظاهر الصراع بكل أشكاله وعلى الأخص الصراع الطبقي، فالكرة الأرضية كلها إقليم لدولة آل محمد، وأبناء الجنس البشري مواطنون في تلك الدولة، يعتنقون دينا واحدا وهو دين الإسلام، فلا نجد على وجه الأرض إلا من يقول لا إله إلا الله. فأبناء الجنس البشري على مختلف منابتهم وأصولهم وأعراقهم وألوانهم يعتنقون نفس الدين، ويخضعون لذات النظام، ويشعرون بأنهم أخوة لا فرق بين لون ولون وعرق وعرق، فهم أسرة كبيرة أبوهم آدم وأمهم حواء، تكاثروا كما تتكاثر الأسرة الواحدة، ثم نزغ الشيطان بين الإخوة فاختلفوا،
فأرسل الله الإمام المهدي وأقام دولة آل محمد لغايات إصلاح ذات البين، وإعادة المياه لمجاريها، وساعد الإمام المهدي على تحقيق هذا الإنجاز قضاؤه على أسباب الخلاف والاختلاف فالإمام المهدي إمام شرعي اختاره الله وأعده وأهله للقيادة والمرجعية، فليس في العالم كله من هو أعلم ولا أفضل ولا أتقى، ولا أقرب لرسول الله من الإمام المهدي. هذا كله يخلق ويرسخ ثقة أبناء الجنس البشري في إمامهم وقائدهم الإمام المهدي، ويقطع دابر التنافس على القيادة، ويخلق حالة من الاستقرار ويؤدي للقضاء على مبررات النزاع السياسي، خاصة وأن أعضاء حكومة الإمام المهدي فرادى ومجتمعين يجمعون مميزات خاصة بهم لا تتوفر لدى أي طامع بمنصب الوزارة أو الولاية.
كذلك فإن دولة آل محمد تقضي أيضا على أسباب النزاع الاقتصادية وتغلق أبواب التنافس المرير على المال، فعندما تحقق دولة آل محمد الكفاية المطلقة لكل واحد من أبناء الجنس البشري، والرخاء المطلق للجميع فلا يبقى على وجه الأرض محتاج واحد، أو معوز واحد، ولا يجد أصحاب الأموال رجلا واحدا يقبل زكاة أموالهم، وعندما يجد الناس الذهب والفضة مكومة كالجبال، وكرمال الصحاري، فما هو الداعي لأسباب التنازع الاقتصادي!! وهكذا في كل الأمور حيث تتولى دولة آل محمد القضاء على أسباب الشر واجتثاثها من الأرض لتضمن حالة الانسجام المطلق بين أبناء الجنس البشري، وعدم وجود ما يكدر صفوهم، أو ينغص عيشهم، ثم إن الإمام المهدي وطاقم حكومته، لن يوقظوا نائما ولن يهرقوا دما وسيرحمون مساكين العالم فيشعرون كأن.(9)
الدولة تلعقهم الزبدة (الحديث رقم 131) وفي الحقيقة فإن كافة سكان العالم مساكين ومستضعفين لأنهم خرجوا على الفور وتحرروا من ظلم الظالمين، ومن محاكم تفتيشهم ومن معسكرات اعتقالهم فعهد دولة آل محمد هو فترة نقاهة لمستضعفي العالم، وهو فترة أمن ورخاء في عالم قسى الظالمون على أهله وسلبوهم الأمن والرخاء.
وما يساعد على تحقيق الانسجام العام الجو النفسي الخاص الذي تخلقه الكفاية، ويحققه الرخاء حيث تتفتح مدارك العقل البشري ومواهبه التي أغلقها الجبابرة والظالمون، ويصل الإنسان إلى قمة الوعي البشرية ويكتمل إيمانهم.
وتطهر نواياها بعد القضاء التام على أسباب الخلاف والتنازع بين بني البشر وتطهير الأرض من الظلم والظالمين وانتشار المعرفة، فتكتمل العقول والأحلام وتؤكد أحاديث الأئمة الكرام بأن العالم قبل ظهور المهدي سيعرف 2 / 27 جزءا من المعارف والعلوم فإذا ظهر الإمام المهدي وقامت دولة آل محمد ينشر الله العلم كله بين الناس. قال الإمام الصادق: (إذا قام قائمنا، وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم). ، وقال الإمام الصادق أيضا عن الإمام المهدي:)... فيعطيكم في السنة عطاءين، ويرزقكم في الشهر رزقين، وتؤتون الحكمة في زمانه، حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم). (10)
وستتأثر كافة المخلوقات بحالة الانسجام التام السائد في بني البشر فالأحاديث النبوية تتحدث عن سماء تعطي كل قطرها ومائها، وعن أرض تخرج كل كنوزها ونفائسها ونباتها، وعن ملائكة تضع نفسها تحت تصرف دولة آل محمد كما وثقنا ذلك، قال الإمام الرضا، إذا قام قائمنا يأمر الله الملائكة بالسلام على المؤمنين، والجلوس معهم في مجالسهم، فإذا أراد واحد حاجة أرسل القائم بعض الملائكة أن يحمله، فيحمله الملك حتى يأتي القائم فيقضي حاجته، ثم يرده، ومن المؤمنين من يسير في السحاب، ومنهم من يسير مع.
الملائكة مشيا ومنهم من يسبق الملائكة، ومنهم من يتحاكم الملائكة إليه، والمؤمن أكرم على الله من الملائكة، ومنهم من يصيره القائم قاضيا بين مائة ألف من الملائكة. قال الإمام جعفر الصادق: (إن المؤمن في زمن الإمام المهدي وهو في المشرق ليرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق). ، وقال أيضا: (إن الله يمد بالأسماع والأبصار حتى لا يكون بين الإمام المهدي وبين شيعته بريد). وروى أيضا بأنه إذا قام القائم، استنزل المؤمن الطير من الهواء فيذبحه ويشويه، ويأكل لحمه، ولا يكسر عظمه، ثم يقول له إحي بإذن الله فيحيى، ويطير، وكذا الظباء من الصحاري، ويكون ضوء البلاد ونورها ولا يحتاجون إلى شمس ولا قمر، ولا يكون على وجه الأرض مؤذ، ولا شر ولا سم، ولا فساد، لأن الدعوة سماوية ليست أرضية، ولا يكون للشيطان فيها وسوسة، ولا شئ من الفساد. (11)
قال الإمام الحسن عن الإمام المهدي:... يدين له عرض البلاد وطولها، ولا يبقى كافر إلا آمن به، ولا طالح إلا صلح، وتصطلح في ملكه السباع...
الحديث رقم 692) وروى أيضا بأن الذئب سيرعى مع الغنم وكأنه كلبها.. إنها حالة من الانسجام المطلق بين بني البشر، وبين الكائنات المسخرة لهم!!!

موت الإمام المهدي وغياب القمر المنير

بعد أن تحقق دولة الإمام المهدي - دولة آل محمد - كافة الغايات والأهداف التي كلف الله عبده الإمام المهدي بتحقيقها، وبعد أن ينجز كل المهام المأمور إلهيا بإنجازها وبالأجل المحدد يتوفى الله تعالى الإمام المهدي وينتقل إلى جوار ربه، ويغيب القمر الثاني عشر الذي ملأ الأسماع والأبصار، ورضي منه ساكن الأرض وساكن السماء وبوفاة الإمام المهدي ينتهي الحكم الإلهي تماما، وتغلق الدائرة، لأن الإمام المهدي هو خاتم الأئمة الاثني عشر الذين أهلهم الله وأعدهم لقيادة الأمة الإسلامية من بعد وفاة النبي وحتى قيام الساعة، فلا إمام بعدهم ولا إمام قبلهم، ذلك تقدير العزيز العليم، وبموت الإمام المهدي تنتهي عمليا دولة آل محمد، ولن يبقى بيننا وبين القيامة أو الساعة إلا قاب قوسين أو أدنى. لأن دولة محمد هي آخر الدول وبموت مؤسسها تنتهي وتزول عمليا ولا يبقى إلا آثارها وتاريخها.(12)
من الذي يرث هذا الملك العريض الذي بناه الإمام المهدي ؟
بعد أن يغيب القمر الثاني عشر والأخير من أقمار أهل بيت النبوة غيبة لا رجعة بعدها إلى الدنيا، تزول دولة آل محمد عمليا، وينتهي دورهم لأن الحياة الدنيا ستنتهي دورتها، وستبدأ دورة الحياة العليا، ولأنه لا بد للناس من حاكم يدبر أمورهم خلال الفترة الواقعة بين موت الإمام المهدي وبين ساعة قيام القيامة، فإن الملك العريض الذي يبنيه الإمام المهدي وكافة شؤون دولة آل محمد ستؤول لشيعة - آل محمد، ويبدو أنه بالتسديد الإلهي وبترتيب خاص من الإمام المهدي لعصر ما بعد المهدي سيتعاقب على حكم العالم من بعده أحد عشر مهديا وليس إماما لأنه لا إمام شرعي بعد المهدي وهؤلاء المهديون سيقتدون بالإمام المهدي، ويسيرون على خطه، ويدعون الناس إلى موالاة أهل بيت النبوة ومعرفة حقهم). (13)
مستفيدين من العصر الذهبي الذي عاشته البشرية في زمن الإمام المهدي وفي أحياء وبركات دولة آل محمد، ويبدو أنه وبعد موت الحادي عشر منهم ستفسد الحياة، وتفلس، وتنتهي دورتها لتبدأ دورة الحياة الأخرى الخالدة.
المصادر :
1- معجم أحاديث الإمام المهدي / الحديث رقم 127 من
2- معجم أحاديث الإمام المهدي / 123 و 479والحديث رقم 79
3- معجم أحاديث الإمام المهدي / رقم 1081.
4- معجم أحاديث الإمام المهدي / الحديث رقم 858
5- معجم أحاديث الإمام المهدي / الحديث رقم 1115و الحديث رقم 1139 و 1140 .
6- معجم أحاديث الإمام المهدي /الحديث رقم 1126
7- معجم أحاديث الإمام المهدي / الحديث رقم 858والحديث رقم 959
8- معجم أحاديث الإمام المهدي / الحديث 1133
9- معجم أحاديث الإمام المهدي / رقم 130 ج 1
10- معجم أحاديث الإمام المهدي / رقم 869و رقم 1127والحديث رقم 866و الحديث رقم 1093والحديث رقم 868 ج 4 .
11- معجم أحاديث الإمام المهدي / الحديث رقم 1231والحديث رقم 1130والحديث رقم 1131
12- معجم أحاديث الإمام المهدي / رقم 984 و 983 ج 4
13- معجم أحاديث الإمام المهدي / رقم 1149 ج 4

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

عمر بن سعد
الفائدة الأولى: الفرق بين الحق و الحكم
ذكرى ميلاد الإمام الرضا عليه السلام
الرياضة في الإسلام
تاريخ وفاة السيدة زينب عليها السلام
خصائص زيارة السيدة فاطمة المعصومة (ع) ومميزاتها
زيارة الامام الحسين (ع) في النصف من شعبان
المآتم الحسينية في الماضي والحاضر
انطباعات عن شخصية الإمام علي بن أبي طالب عليه ...
الخليفة عمر يمنع رواية سنة الرسول

 
user comment