في هذا المقال المختصر نقف على تفسير لآيات قرآنية يحمل في طيه شيئا من العرفان والمعاني السامية ينسب ذلك إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وجدته في كتاب (حقائق التفسير) للسلمي المتوفى 412 هوقد حققه الأب بولس نويا .
ورأيت فيه ما لا يتلائم مع مذهب الإمام الصادق (عليه السلام) الثابت عن أهل البيت (عليهم السلام) في نصوصنا الشرعية . فأشرت إلى بعض ذلك كما حذفت البعض الآخر ، ورأيت أن أدرجه في هذا المقال عسى أن ينتفع به ، ولا تنافي بين ما ذكره الإمام (عليه السلام) وبين ما يذكر في التفاسير والنصوص الأخرى ، فإن ذلك :
أولا : من باب التأويل وليس التفسير
وثانيا : من باب أن القرآن الكريم يحمل وجوها وبطونا إلى ما شاء الله سبحانه ، وأنه غض جديد لا يبلى وأن كنوزه ومعانيه السامية التي لا يمسها إلا المطهرون من الدنس والرجس والخبائث والذنوب والآثام تتماشى مع كل عصر إلى يوم القيامة *(نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)* وكل ما تقدم العلم وازدهر وتطورت الفنون فإن القرآن العظيم تتجلى آياته ومعانيه أكثر فأكثر ، فإن فوق كل ذي علم عليم بل كما قال الله تعالى : *(وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)* ، فمن هذا المنطلق تكثر التفاسير يوما بعد يوم ويقف الإنسان أمام القرآن كتاب الله القويم وعظمته خاضعا خاشعا حامدا مسبحا مستغفرا سائلا المولى القدير العلم والتوفيق والتسديد .
ولم يشتغل أحد منهم بجمع فهم خطابه على لسان أهل الحقيقة إلا آيات متفرقة نسبت إلى أبي العباس بن عطاء وآيات ذكر أنها عن الصادق عليه السلام بن محمد الصادق عليه السلامما على غير ترتيب .
حكي عن جعفر بن محمد أنه قال : كتاب الله على أربعة أشياء : العبارة والإشارة واللطائف والحقائق .
فالعبارة للعوام والإشارة للخواص واللطائف للأولياء والحقائق للأنبياء .
*(بسم)* : عن جعفر بن محمد عليه السلام قال : الباء بقاؤه ، والسين أسماؤه ، والميم ملكه .
فإيمان المؤمن ذكره ببقائه وخدمة المريد ذكره بأسمائه والعارف فناؤه عن المملكة بالمالك لها .
وقال أيضا : *(بسم)* ثلاثة أحرف : باء وسين وميم . فالباء باب النبوة ، والسين سر النبوة الذي أسر النبي به إلى خواص أمته ، والميم مملكة الدين الذي يعم الأبيض والأسود .
عن جعفر بن محمد ، إنه سئل عن *(بسم الله الرحمن الرحيم)* ، قال : الباء بهاء الله ، والسين سناؤه ، والميم مجده . والله إله كل شيء ، الرحمن لجميع خلقه ، الرحيم بالمؤمنين خاصة .
عنه عليه السلام ، أنه قال في قوله *(الله)* : إنه اسم تام ، لأنه أربعة أحرف : الألف وهو عمود التوحيد ، واللام الأول لوح الفهم ، واللام الثاني لوح النبوة ، والهاء النهاية في الإشارة .
والله هو الاسم الفرد المنفرد لا يضاف إلى شيء بل تضاف الأشياء كلها إليه ، وتفسيره المعبود الذي أله الخلق ، منزه عن كل درك مائيته والإحاطة بكيفيته ، وهو المستور عن الأبصار والأوهام ، والمحتجب بجلاله عن الإدراك .
عن الرضا ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام، في قوله : *(الرحمن الرحيم)* ، قال : هو واقع على المريدين والمرادين . فاسم الرحمن للمرادين لاستغراقهم في الأنوار والحقائق ، والرحيم للمريدين لبقائهم مع أنفسهم واشتغالهم بإصلاح الظواهر . والرحمن المنتهي بكرامته إلى ما لا غاية له ، لأنه قد أوصل الرحمة بالأزل ، وهو غاية الكرامة ومنتهاه بدء وعاقبة . والرحيم وصل رحمته بالياء والميم وهو ما يتصل به من رحمة الدنيا والعوافي والأرزاق .
ذكر عن جعفر الصادق في قوله : *(الحمد لله)* ، قال : من حمده بصفاته كما وصف نفسه فقد حمده ، لأن الحمد حاء وميم ودال . فالحاء من الوحدانية ، والميم من الملك ، والدال من الديمومية . فمن عرفه بالوحدانية والديمومية والملك فقد عرفه . سئل جعفر بن محمد الصادق عن قوله : *(الحمد لله رب العالمين)* ، قال : معناه الشكر لله وهو المنعم بجميع نعمائه على خلقه وحسن صنعه وجميل بلائه . وألف الحمد من آلائه وهو الواحد . فبآلائه أنقذ أهل معرفته من سخطه وسوء قضائه . واللام من لطفه وهو الواحد . فبلطفه أذاقهم حلاوة عطفه وسقاهم كأس بره . والحاء فمن حمده وهو السابق بحمد نفسه قبل خلقه . فبسابق حمده استقرت النعم على خلقه وقدروا على حمده ، والميم فمن مجده ، فبجلال مجده زينهم بنور قدسه ، والدال من دينه الإسلام ، فهو السلام ودينه الإسلام وداره السلام وتحيتهم فيها سلام لأهل الإسلام في دار السلام .
عن الصادق عليه السلام بن محمد الصادق ، قال : *(الرحمن)*(1) الذي يرزق الخلائق ظاهرا وباطنا .
فرزق الظاهر الأقوات من المأكولات والمشروبات والعوافي ، ورزق الباطن العقل والمعرفة والفهم وما ركب فيه من أنواع البدائع كالسمع والبصر والشم والذوق واللمس والظن والهمة .
وقال الصادق عليه السلام بن محمد : *(صراط الذين أنعمت عليهم)*(2) ، بالعلم بك والفهم عنك .
قال الصادق عليه السلام : آمين ، أي قاصدين نحوك وأنت أكرم من أن تخيب قاصدا . *(سبحانك لا علم لنا)*(3) ، قال الصادق عليه السلام : لما باهوا بأعمالهم وتسبيحهم وتقديسهم ضربهم كلهم بالجهل حتى قالوا *(لا علم لنا)* .
*(وإذ جعلنا البيت مثابة للناس)* ، عن الصادق عليه السلام بن محمد ، قال : البيت ها هنا محمد ، فمن آمن به وصدق رسالته دخل في ميادين الأمن والأمان *(مقام إبراهيم)*(4) مقام القبلة .
جعل قلبك مقام المعرفة ولسانك مقام الشهادة وبدنك مقام الطاعة ، فمن حفظها فإنه مستجاب الدعاء البتة . *(ربنا واجعلنا مسلمين لك)*(5) ، قال الصادق عليه السلام : اجعلنا مسلمين لك أي احفظني وأهل بيتي كي تسلم أنفسنا وقلوبنا إليك ولا تختار إلا ما اخترته لنا .
وقال أيضا :
اجعلنا مقيمين معك لك . *(إن الصفا والمروة من شعائر الله)*(6) ، عن الصادق عليه السلام بن محمد ، قال : الصفا الروح لصفائها عن درن المخالفات ، والمروة النفس لاستعمالها المروة في القيام بخدمة سيدها . وقال : الصفا صفاء المعرفة والمروة مروة العارف . *(ربنا آتنا في الدنيا حسنة)*(7) ، قال جعفر عليه السلام: صحبة الصالحين .
*(هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام)*(8) ، قال عليه السلام : هل ينظرون إلا إقبال الله عليهم بالعصمة والتوفيق فيكشف عنهم أستار الغفلة فيشهدون بره ولطفه (9) .
*(وقضي الأمر)*(10) ، قال عليه السلام : وقضي الأمر وكشف عن حقيقة الأمر ومغيبه . *(زين للذين كفروا الحياة الدنيا)* ، قال عليه السلام : زين للذين جحدوا التوكل زينة الحياة الدنيا حتى جمعوها وافتخروا بها . *(ويسخرون من الذين آمنوا)*(11) ، أي من الذين توكلوا على الله في جميع أمورهم ونبذوا تدابيرهم وراء ظهورهم وأعرضوا عنها وهم الفقراء الصبرالراضون . *(إن الله يحب التوابين)* ، قال عليه السلام : يحب التوابين من سؤالاتهم ، ويحب *(المتطهرين)*(12) من إراداتهم .
قال عليه السلام : *(لله ما في السماوات وما في الأرض)* ، من اشتغل بهما قطعاه عن الله عز وجل ، ومن أقبل على الله وتركهما ملكهما الله إياه . *(وإن تبدوا ما في أنفسكم)* ، قال عليه السلام : الإسلام . *(أو تخفوه)*(13) ، الإيمان . *(ألم)*(14) ، قال عليه السلام : الحروف المقطوعة في القرآن إشارات إلى الوحدانية والفردانية والديمومية وقيام الحق بنفسه بالاستغناء عما سواه .
قال عليه السلام في قوله : *(إن الله لا يخفى عليه شيء)*(15) ، قال : لا يطلعن عليك فيرى في قلبك سواه فيمقتك . قال عليه السلام في قوله : *(شهد الله)* ، قال : شهد الله بوحدانيته وأحديته وصمديته . *(والملائكة وأولو العلم)*(16) له بتصديق ما شهد هو لنفسه .
وسئل عليه السلام عن حقيقة هذه الشهادة ما هي ؟ فقال : هي مبنية على أربعة أركان . أولها : اتباع الأمر . والثاني : اجتناب النهي ، والثالث : القناعة ، والرابع : الرضا .
قال عليه السلام : *(إن الدين عند الله الإسلام)*(17) ، قال : هو ما سلم عليه صاحبه من وساوس الشيطان وهواجس النفس وعذاب الآخرة . قال عليه السلام : *(ويحذركم الله نفسه)*(18) ، أن تشهد لنفسك بالصلاح ، لأن من كانت له سابقة ظهرت سابقته في خاتمته . قال عليه السلام ، في قوله : *(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني)*(19) ، قال : قيد أسرار الصديقين بمتابعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لكي يعلموا أنهم وإن علت أحوالهم وارتفعت مراتبهم لا يقدرون مجاورته ولا اللحوق به . *(إني نذرت لك ما في بطني محررا)*(20) ، قال عليه السلام : عتيقا من رق الدنيا وأهلها .
وقال عليه السلام : *(محررا)* أي عبدا لك خالصا لا يستعبده شيء من الأكوان . *(فتقبلها ربها)* ، قال عليه السلام : تقبلها حتى يعجب الأنبياء مع علو أقدارهم في عظم شأنها عند الله . ألا ترى أن زكريا قال لها : *(أنى لك هذا قالت هو من عند الله)*(21) ، أي من عند من تقبلني . *(وسيدا وحصورا)*(22) ، قال عليه السلام : السيد المباين عن الخلق وصفا وحالا وخلقا .
*(فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم)*(23) ، قال عليه السلام : هذه إشارة في إظهار المدعين لأهل الحقائق ليفتضحوا في دعاويهم عند إظهار آثار أنوار التحقيق وبطلان ظلمات الدعاوي الكاذبة . *(إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي)* ، قال عليه السلام : للذين اتبعوه في شرائعهم ومناسكهم .
*(وهذا النبي)* لقرب حال إبراهيم من حال النبي صلى الله عليهما وشريعته من شريعته دون سائر الأنبياء وسائر الشرائع ، *(والذين آمنوا)* لقرب حالهم من حال إبراهيم ، *(والله ولي المؤمنين)*(24) في تشريفهم إلى بلوغ مقام الخليل (عليه السلام) إذ القرب منه من درجة المحبة بقوله : *(ويحبهم ويحبونه)*(25) . *(بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين)*(26) .
قال عليه السلام : من أوفى بالعهد الجاري عليه في الميثاق الأول . *(واتقى)* وطهر ذلك العهد وذلك الميثاق من تدنسه بباطل ، والوفاء بالعهد الكون معه بقطع ما سواه . لذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أصدق كلمة تكلم بها العرب قول لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطل . ومن وفى بالعهد سمي محبا والله يحب المتقين . قال عليه السلام : *(كونوا ربانيين)*(27) ، قال : مستمعين بسمع القلوب ناظرين بأعين الغيوب . قال عليه السلام : بإنفاق المهج يصل العبد إلى بر حبيبه وقرب مولاه .
قال الله : *(لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)*(28) . وقال عليه السلام : لن يصلوا إلى الحق حتى ينفصلوا عما دونه . قال عليه السلام في قوله : *(من دخله كان آمنا)*(29) ، قال : من دخل الإيمان قلبه كان آمنا من الكفر . *(ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم)*(30) ، قال عليه السلام في هذه الآية : من عرفه استغنى به عن جميع الأنام . *(اتقوا الله حق تقاته)*(31) ، قال عليه السلام : التقوى أن لا ترى في قلبك شيئا سواه .
قال الصادق عليه السلام : *(يأمرون بالمعروف)*(32) والمعروف هو موافقة الكتاب والسنة . *(هذا بيان للناس)* ، قال عليه السلام : أظهر البيان للناس ولكن لا يتبينه إلا من أيد منه بنور اليقين وطهارة السر . ألا تراه يقول : *(وهدى وموعظة للمتقين)*(33) .
ألا إن الاهتداء بهدى البيان والاتعاظ به للمتقين الذين اتقوا كل شيء سواه . *(بل الله مولاكم)*(34) ، قال جعفر عليه السلام : متولي أموركم بدءا وعاقبة .
المصادر :
1- الفاتحة 1 : 3 .
2- الفاتحة 1 : 7 .
3- البقرة 2 : 32 .
4- البقرة 2 : 125 .
5- البقرة 2 : 128 .
6- البقرة 2 : 158 .
7- البقرة 2 : 201 .
8- البقرة 2 : 210 .
9- وهذا المعنى إنما يتلائم مع قول الحنابلة والكرامية ، وأما على مذهب الإمام الصادق (عليه السلام) فإنه لا يرى سبحانه وتعالى لا في الدنيا ولا في الآخرة ، لا تراه الأبصار ، إنما تراه القلوب التي في الصدور .
10- البقرة 2 : 210 .
11- البقرة 2 : 212 .
12- البقرة 2 : 222 .
13- البقرة 2 : 284 .
14- آل عمران 3 : 1 .
15- آل عمران 3 : 5 .
16- آل عمران 3 : 18 .
17- آل عمران 3 : 19 .
18- آل عمران 3 : 28 و30 .
19- آل عمران 3 : 31 .
20- آل عمران 3 : 35 .
21- آل عمران 3 : 37 .
22- آل عمران 3 : 39 .
23- ) آل عمران 3 : 61 .
24- آل عمران 3 : 68 .
25- المائدة 5 : 54 .
26- آل عمران 3 : 76 .
27- آل عمران 3 : 79 .
28- آل عمران 3 : 92 .
29- آل عمران 3 : 97 .
30- آل عمران 3 : 101 .
31- آل عمران 3 : 102 .
32- آل عمران 3 : 104 .
33- آل عمران 3 : 138 .
34- آل عمران 3 : 150 .