عربي
Thursday 16th of May 2024
0
نفر 0

مجالسة الصالحین

مجالسة الصالحین

لقد وضع رسول الله وأهل البیت علیهم الصلاة والسلام المنهج فی مسألة تصنیف الناس الذین نجالسهم أو لا نجالسهم، فهناک ثلاثة أصناف من الناس علینا أن نتجنب مجالستهم وهم:

1- أهل الدنیا

والمقصود من أهل الدنیا هؤلاء الأشخاص الذین نسوا الآخرة ولم یعملوا لها ولم یهتموا بطاعة الله تعالى ورضوانه، وإنما صار هدفهم فی هذه الدنیا هو الأمور الزائلة کالمال والجاه والشهوة، وصارت مسلکیتهم وکل تصرفاتهم فی هذه الدنیا تتناسب مع أهدافهم تلک، إن مخالطة هؤلاء الأشخاص وکثرة مجالستهم تضعف إیمان الإنسان وتنسیه الآخرة وتجعله غریق الدنیا التی حذرنا الله منها.
فعن الإمام علی علیه السلام:
(خلطة أبناء الدنیا تشین الدین وتضعف الیقین)(1) .
ویقول الله تعالى فی القرآن الکریم متحدثاً عن أولئک الذین انحرفوا بسبب معاشرتهم لأهل الدنیا، وندمهم على ذلک فی الآخرة:
﴿وَیَوْمَ یَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى یَدَیْهِ یَقُولُ یَا لَیْتَنِی اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِیلًا * یَا وَیْلَتَى لَیْتَنِی لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِیلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِی عَنِ الذِّکْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِی وَکَانَ الشَّیْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا﴾(2) .

2- الغنی الطاغی

یجب أن لا تأخذنا المعاییر الدنیویة فنشارک فی مجالس الأغنیاء لمجرد کونهم أغنیاء حتى لو کانت مجالسهم لا تبعد عن الله عزَّ وجلّ فإنها تورث قسوة القلوب. خصوصاً إذا کانوا من الطغاة.
فعن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم:
(إیاکم ومجالسة الموتى".
قیل یا رسول الله من الموتى؟
قال صلى الله علیه وآله وسلم: "کل غنی أطغاه غناه")(3).
فإن المال لا یعطی جاها للإنسان بالمعاییر الإلهیة بل التقوى هی التی تعطی جاهاً:
﴿... إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاکُمْ...﴾ (4).
فعلى الإنسان المؤمن أن یحافظ على الموازین الإلهیة فی علاقاته الإجتماعیة.
وقد ورد فی الحدیث الشریف:
(من أتى غنیا فتواضع له لغناه ذهب ثلثا دینه)(5).

3- النساء

على الرجل أن یجتنب مجالسة النساء کما على المرأة أن تجتنب مجالسة الرجال، فالمحافظة على الحدود بین الرجل والمرأة ورفض الاختلاط من الأمور التی ینبغی التمسک بها فی العلاقات الاجتماعیة، حتى الاختلاط الجائز ینبغی تقلیله إلى الحد الأدنى، لأنه قد یؤثر على روحیة الإنسان.
وقد ورد عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم:
(ثلاثة مجالستهم تمیت القلب: مجالسة الأنذال، والحدیث مع النساء، ومجالسة الأغنیاء)(6).
من نجالس من الناس؟
هذا السؤال بالذات قد سأله الحواریون عندما قالوا لعیسى علیه السلام: یا روح الله فمن نجالس إذا؟
قال علیه السلام:
(من یذکرکم الله رؤیته، ویزید فی علمکم منطقه، ویرغبکم فی الآخرة عمله)(7).
تتحدث هذه الروایة عن أبعاد ثلاثة فی الإنسان ینبغی ملاحظتها قبل مخالطته أو مجالسته وهذه الأبعاد هی:

أ- مظهر الإنسان

فإن مظهره الذی یتمثل بمعالم وجهه وطریقة لبسه... یجب أن یوحی بالتدین والالتزام، ویجب أن یذکّر بالله عزَّ وجلّ، فمجرد رؤیة هذا المظهر تذکرک بالله عزَّ وجلّ وتعطی ظلالاً من التقوى على المجلس.

ب- المنطق

فلا یستعمل ألفاظاً ساقطة ولا عبارات مشینة، بل له منطق صحیح، إذا تحدث أفاد المستمعین زیادة فی الوعی ووضوحاً وکمالاً فی العلم.

ج- العمل

فیجب أن تکون مسلکیة هذا الإنسان صحیحة وطبق الموازین الشرعیة فلا یرتکب الحرام ولا یترک الواجب، ویسیر وفق الإرادة الإلهیة، یعیش فی رضا الله تعالى ورحمته.
ویمکن لنا أن نقسم من أرشدتنا الروایات الصادرة عن رسول الله وأهل بیته علیهم السلام إلى معاشرتهم ومجالستهم إلى عدة أصناف:

1- الصالحین

وذلک أن مجالستهم کما عبرت الروایة مدعاة للصلاح فعملیة التأثر بهم مسألة لا إرادیة.
فعن الإمام زین العابدین علیه السلام:
(مجالسة الصالحین داعیة إلى الصلاح)(8).

2- العلماء

ومن ثمار معاشرة العلماء اکتساب المرء من علومهم وأخلاقهم وسیرتهم ما یزکی به نفسه ویستعین بها على آخرته.
ففی وصیة لقمان لابنه:
(یا بنی جالس العلماء وزاحمهم برکبتیک فإن الله عز وجل یحی القلوب بنور الحکمة کما یحی الأرض بوابل السماء)(9).
وعن الإمام علی علیه السلام:
(جالس العلماء یزدد علمک، ویحسن أدبک، وتزک نفسک)(10).

3- الحکماء
وهم أصحاب الخبرة والتجارب والعقل الکبیر المجرب للأمور ومن ثمار معاشرتهم اتساع أفق الفکر لدى الإنسان واستشارتهم لما فیه صلاح الأمور فمن شاور الرجال شارکهم فی عقولهم.
وعن الإمام علی‌ علیه السلام:
(جالس الحکماء یکمل عقلک وتشرف نفسک وینتف عنک جهلک)(11)
وعنه علیه السلام:
(مجالسة الحکماء حیاة العقول وشفاء النفوس)(12).

4- الفقراء

عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم:
(سائلوا العلماء، وخاطبوا الحکماء، وجالسوا الفقراء)(13)
إن مجالسة الفقراء تختزن الکثیر من الأمور الإیجابیة التی ترضی الله سبحانه وتعالى، فهی فی البدایة مواساة للفقیر، حتى لا یکون منسیاً وعلى هامش المجتمع، بل یعیش المجتمع کله هم الفقراء ومشاکلهم لیقوم کل فرد منه بدوره فی رفع حوائجهم، وهی کذلک طرد للأنانیة والتکبر، وتنقیة من الأمراض التی قد یعیشها الإنسان والتی توصله إلى درجة التکبر على عباد الله واستصغارهم ورفض مجالستهم، فالمشارکة فی مجالس الفقراء کفیلة بالتخلّص من هذه الأمراض فیحل محل التکبر التواضع لعباد الله تعالى.
هذا کله بالإضافة إلى ایجابیة أخرى ذکرتها الروایة عن الإمام علی علیه السلام:
(جالس الفقراء تزدد شکر)(14).
فإن الذی یجالسهم یعرف قیمة النعمة الإلهیة التی أنعم الله بها علیه، فیتوجه بعقله وقلبه لیکون من الشاکرین له تعالى.
المصادر :
1- میزان الحکمة، ح 2432.
2- الفرقان:27-29.
3- میزان الحکمة، ح 2429.
4- الحجرات:13.
5- میزان الحکمة، ح 21849.
6- میزان الحکمة، ح 2423.
7- میزان الحکمة، ح 2403.
8- میزان الحکمة، ح 2404.
9- میزان الحکمة، ح 2406.
10- میزان الحکمة، ح 2409.
11- میزان الحکمة، ح 2410.
12- میزان الحکمة، ح 2412.
13- میزان الحکمة، ح 2414.
14- غرر الحکم، 4733.

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

جهاد النفس في فكر الإمام الخميني (قدس سره)
عبقات.. من الأنوار الرضويّة (1)
ألقاب الإمام الرضا عليه السلام
حديث صحيح رواه أبو هريرة في فضل يوم الغدير !
شريعة إبراهيم (عليه السلام) في القرآن المجيد
الثورة‌ الحسينية‌ رمز العزّة‌ والكرامة‌ ...
مسجد قباء
آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر
حرمة المسكن وحمايته في القانون الداخلي والدولي
بكاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الحسين ...

 
user comment