عربي
Wednesday 15th of May 2024
0
نفر 0

مَاذَا فِی السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ

مَاذَا فِی السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ

کل إنسان یحبّ أن یسأل: کیف نشأ هذا الکون؟وکیف کانت بدایته؟وإلى أین یسیر؟ هذه أسئلة شغلت بال الإنسان منذ القدم، حتى جاء العصر الحدیث فاستطاع العلماء اکتشاف أسرار الکواکب والنجوم والمجرات، حتى إننا نجد آلاف العلماء یجلسون على مراصدهم یرصدون حرکة النجوم ویحلّلون ضوءها ویضعون تصوراتهم عن ترکیبها ومنشئها وحرکتها.
یقول تبارک وتعالى: (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِی السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِی الآیَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ یُؤْمِنُونَ)(1).
وفی السنوات الماضیة بدأ الباحثون یلاحظون شیئاً غریباً، وهو ابتعاد هذه المجرات عنَّا بسرعات عالیة ، فجمیع أجزاء هذا الکون تتباعد منطلقة إلى مصیر مجهول، هذا ما أثبتته أجهزة القیاس المتطورة فی القرن العشرین.
إذن الحقیقة الثابتة الیوم فی جمیع الأبحاث العلمیة حول الکون هی: (توسع الکون) وإن مثَل من ینکر هذا التوسع کمثل من یُنکر کرویة الأرض، إن هذه الحقیقة عن توسع السماء استغرقت آلاف الأبحاث العلمیة وآلاف الباحثین والعلماء، عملوا بنشاط طیلة القرن العشرین وحتى یومنا هذا لیثبتوا هذه الحقیقة الکونیة.
الآن نأتی إلى کتاب الله عزَّ وجلَّ: کتاب العجائب والأسرار، ماذا یخبرنا البیان الإلهی عن هذه الحقیقة؟ یقول سبحانه وتعالى عن السماء وبنائها وتوسعها: (وَالسَّمَاء بَنَیْنَاهَا بِأَیْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)(2).
إذن هنالک تطابق بین ما وصل إلیه العلم الحدیث وبین النص القرآنی، بل هنالک تفوق للقرآن، کیف لا وهو کتاب الله عزَّ وجلَّ. وانظر معی إلى کلمة (بَنَیْنَاهَا) فهی تدل على أن السماء مبنیَّة، وهذا ما کشفت عنه آخر الأبحاث أن الکون متماسک ومترابط لا وجود فیه للخلل، ولا وجود للفراغ کما کان یُظن فی الماضی، بل هو بناء مُحکم.ثم تأمل معی کلمة (وإنَّا لَمُوسِعُونَ)، التی تعطی معنى الاستمرار، فالکون کان یتوسع فی الماضی، وهو الیوم یتوسع، وسیستمر هذا التوسع فی المستقبل حتى تأتی لحظة التقلُّص! والعودة من حیث بدأ الکون.
ومن میزات کتاب الله أن تفسیره یستوعب کل العصور، ففی الماضی قبل اکتشاف هذا التوسع الحقیقی للکون، فَسَّر بعض علماء المسلمین هذه الآیة، وبالتحدید کلمة (لموسعون) على أن السماء واسعة الأطراف، وهذا التفسیر صحیح فعلماء الفلک الیوم یخبروننا عن أرقام خیالیة لسعة هذا الکون.
وعلى سبیل المثال فإن المجرات البعیدة جداً عنا تبعد مسافات أکثر من عشرین ألف ملیون سنة ضوئیة، والسنة الضوئیة هی المسافة التی یحتاج الضوء سنة کاملة لقطعها.
وهکذا تتجلى عظمة الإعجاز الفلکی لکتاب الله، فتجد الآیة مناسبة لکل زمان ومکان ولکل عصر من العصور. وهذا مالا نجده فی العلم الحدیث، فإنک تجد النظریة العلمیة الیوم لها شکل، وبعد سنة مثلاً یأتی من یطورها ثم بعد فترة تجد من ینتقدها ویعِّدل فیها... وهکذا.
وانظر معی إلى هذا البیان القرآنی وهذه الدعوة للتأمل فی بناء السماء وزینتها بالنجوم: (أَفَلَمْ یَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ کَیْفَ بَنَیْنَاهَا وَزَیَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ)(3). ولکن ماذا عن بدایة هذا الکون وکیف نشأ، وهل للقرآن حدیث عن ذلک؟
بعد ما درس العلماء توسع الکون، بدأت رحلة العودة إلى الماضی، فکیف کان شکل هذا الکون فی الماضی؟ بما أن أجزاء هذا الکون تتباعد باستمرار فلا بُدَّ أنها کانت أقرب إلى بعضها فی الماضی وهکذا عندما نعکس صورة التوسع هذه نجد أن أجزاء هذا الکون کانت کتلة واحدة متجمعة.
هذه کانت بدایة النظریة الجدیدة التی تفسِّر نشوء الکون. ولکن الأمر یحتاج إلى أبحاث علمیة وبراهین رقمیة على ذلک. لقد کانت التجارب شاقة ومضنیة فی مختبرات أبحاث الفضاء فی العالم، حتى إنک تجد العالم قد یفنی عمره فی البحث للحصول على برهان علمی وقد لا یجد هذا البرهان.
صورة حقیقیة لمجرة حلزونیة تدور فیها النجوم حول مرکز المجرة، یقول العلماء: یبلغ عدد النجوم فی هذه المجرة أکثر من مئة ملیار نجم,,, فسبحان الله الخالق العظیم.
وفی النهایة تمکن أحد الباحثین من وضع نظریة مقبولة عن سرّ بدایة الکون وسماها بالانفجار العظیم. وملخص هذه النظریة أن أجزاء الکون کانت متجمعة فی کتلة واحدة شدیدة الکثافة ثم انفجرت وتبعثرت أجزاؤها ونحن الیوم نعیش هذا الانفجار!
إذن الانفجار بدأ منذ آلاف الملایین من السنین بتقدیر العلماء ولازال مستمراً، فالمجرات تتباعد بسرعات کبیرة جداً. والآن سوف نرى التفوق القرآنی على العلم الحدیث دائماً وأبداً، فالعلم الحدیث یحاول اکتشاف بعض أسرار الکون، ولکن خالق الکون سبحانه وتعالى هو الذی یخبرنا بالحقائق الدقیقة.
یوجِّه الخطاب القرآنی الحدیث للکفار فیخاطبهم: (أَوَلَمْ یَرَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ کَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء کُلَّ شَیْءٍ حَیٍّ أَفَلَا یُؤْمِنُونَ)(4). وسبحان الله الذی یعلم مسبقاً بأن اکتشاف هذه الحقیقة سیتم على ید غیر المؤمنین لذلک جاءت بدایة الآیة: (أَوَلَمْ یَرَ الَّذِینَ کَفَرُوا) ولکن أین یظهر التفوق القرآنی على العلم؟
إن القرآن یسمی بدایة نشوء الکون بالرتق، (رَتْقاً)، وهذه الکلمة فیها النظام والدقة، والرتق هو ترکیب جزء على جزء لیصبحا جزءاً واحداً، وبالفعل أجزاء الکون کانت متراکبة على بعضها وبکثافة عالیة! فلا وجود للفراغ، لذلک کلمة (الرَّتْق) هی الکلمة الأنسب لوصف بدایة الکون من الناحیة اللغویة والعلمیة. أی أن أجزاء الکون کانت ملتحمة ببعضها وتشکل مادة متجانسة ثقیلة جداً جداً.
ثم إن العلم یسمِّی لحظة انفصال هذه الأجزاء بالانفجار. وهذه تسمیة خاطئة! فلا یمکن للانفجار أن یکون منظماً أبداً. بینما انفصال أجزاء الکون وتباعدها عن بعضها یتم بنظام شدید الدقة. حتى إننا نجد أن النجم فی السماء لو انحرف عن مساره قلیلاً لأدى ذلک إلى انهیار البناء الکونی، فهل هذا انفجار؟ أم نظام؟ لذلک نجد القرآن یسمی هذه العملیة بالفتق: (فَفَتَقْنَاهُمَا)، ونحن نعلم أن کلمة (فَتَقَ) تحمل معنى النظام والدقة، فالکتلة الابتدائیة فی الکون کانت منظَّمة ولیست عشوائیة کما یصفها العلماء.
بقی أن نذکر بأن علماء الفلک الیوم یتحدثون عن البنیة النسیجیة للکون، وانظر معی إلى کلمتی (رَتَقَ، فَتَقَ) والمتعاکسین، ألا توحی کل منهما بالبنیة النسیجیة لهذا الکون؟ إن السؤال عن بدایة الکون یقود إلى السؤال عن نهایة هذا الکون، وإلى أین یتوسع، وماذا بعد؟
لقد بُذلت جهود کبیرة من قبل العلماء لمعرفة أسرار مستقبل الکون. وهذه نظریة تکاد ترقى لمستوى الحقیقة العلمیة.یصرِّح بها العلماء الیوم، وهی نهایة الکون الحتمیة. إن توسع الکون لن یستمر للأبد!بل له حدود وهذا الکلام منطقی وعلمی.
صورة تخیلیة لبدایة الکون عبر انفجار کونی عظیم بدأ من کتلة واحدة انفجرت ثم تشکلت المادة التی نعرفها الیوم وتشکلت منها النجوم والمجرات والکواکب... وهذه الحقیقة العلمیة تحدث عنها القرآن الکریم قبل أربعة عشر قرناً .
فإذا نظرنا إلى البناء الکونی نجد أن له حجماً محدداً و وزناً محدداً لأجزائه وقوة جذب محددة بین هذه الأجزاء. فالمجرات التی یبلغ عددها آلاف الملایین تترابط مع بعضها بقوى جاذبیة، وعندما تبتعد هذه المجرات عن بعضها إلى مسافة محددة فإن قوى الجاذبیة هذه سیصبح لها حدوداً حرجة لن تسمح بالتمدد والتوسع، بل سوف تنکمش أجزاء هذا الکون على بعضها ویعود من حیث بدأ.
وبالطبع هذه النظریات مدعومة بلغة الأرقام وبالنتائج الرقمیة، فقد تمَّ قیاس أبعاد الکون، وحجمه ومقدار قوى التجاذب الکونی، و وزن أجزائه وکثافتها وغیر ذلک.
والآن نأتی إلى أعظم کتاب على الإطلاق، کتاب رب العالمین خالق الکون، ماذا یقول عن مستقبل الکون؟ یقول عز وجل: (یَوْمَ نَطْوِی السَّمَاء کَطَیِّ السِّجِلِّ لِلْکُتُبِ کَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِیدُهُ وَعْداً عَلَیْنَا إِنَّا کُنَّا فَاعِلِینَ)(5).
ما أروع کلمات الله عندما تنطق بالحق! فالله عز وجل یخبرنا بأنه سیطوی السماء کما تُطوى صفحة الکتاب! والعجیب أن أحدث النظریات العلمیة تؤکد أنه لا خطوط مستقیمة فی الکون بل کله منحن!وتأمل معی کلمة(نَطْوِی) ألیست هی الأنسب من کلمة (ینکمش) کما یقول العلماء؟
إن مصطلح (الطیّ) یعطی معنى الانحناء، إذن السماء لها شکل منحنٍ مغلق، بل إن بعض العلماء یمیل إلى تسمیتها بصفحة السماء. إذن الکون کله یشبه الورقة وسوف یطوی الله تعالى هذه الورقة یوم القیامة، ویعود الخلق کما بدأ، فسبحان القائل عن نفسه: (وَهُوَ الَّذِی یَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَیْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِی السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ)(6).
منذ 14 قرناً کانت الأساطیر والخرافات تخیم على علم الفلک. ولکن یتمیز العصر الحدیث بالکشوفات العلمیة والکونیة التی جاءت مدعومة بالأبحاث الرقمیة التی تثبت صدق هذه النتائج. وکثیر من علماء الفلک کان یکتشف وجود کوکب باستخدام لغة الأرقام. لأن قانون التجاذب الکونی الذی یحکم حرکة أجزاء الکون هو قانون واضح ومحدد.
ومنذ فترة قریبة بدأ الفلکیون یلاحظون أن فی الکون أجساماً لا تُرى. هذه الأجسام منتشرة فی أرجاء الکون الواسع وبکمیات کبیرة، وهی تؤثر على حرکة الضوء القادم إلینا من المجرات.وبدأت الفرضیات، وبدأت رحلة الخیال العلمی حول هذه الأجسام الضخمة. وبدأ العلماء یتصورون رحلة حیاة النجوم. فالنجم لیس کائناً ثابتاً أو جامداً، بل هو متغیر ومتبدل ویتطور فله فترة ولادة ثم یکبر ثم یموت.
فعندما یکبُر حجم النجم کثیراً تصبح جاذبیته عظیمة جداً لدرجة أنه ینضغط على نفسه وینفجر ولکن أجزاءه لا یُسمح لها بالمغادرة بل تنکمش على بعضها وتزداد قوة الجذب فی هذا النجم لدرجة أنه لا یسمح للضوء بمغادرته. إذن یبدأ هذا النجم بالاختفاء، فالأشعة الضوئیة تنجذب إلیه بشدة ولا یسمح لها بالإفلات أبداً، بل إنه یشفط ویجذب إلیه بقوة کل ما یصادفه فی طریقه، لذلک لا نراه أبداً!
هذه الأجسام المختفیة سمَّاها العلماء بالثقوب السوداء. فالثقب الأسود هو نجم له وزن کبیر وجاذبیة کبیرة ولا تمکن رؤیته فهو مُظلم. من هنا بدأ علماء الفلک یهتمون بهذه الثقوب وتجری المحاولات لرصدها ومعرفة خصائصها ومصیرها. وبما أن کل شیء یسبح فی الکون إذن هذه الثقوب السوداء تجری بسرعة فی مدارات وأفلاک محددة.
إذن تمَّ تعریف هذه الثقوب وفق الکشوفات العلمیة الحدیثة على أنها: أجسام شدیدة الاختفاء. أجسام تجری بسرعات عالیة. وتجذب کل ما تصادفه وتبتلعه. هذه هی الصفات الثلاث الرئیسیة للثقب الأسود، حسب معطیات العلم الحدیث، فماذا یقول کتاب الله عن هذه النجوم قبل (1400) سنة؟
هذه الثقوب السوداء التی لم یتم رصدها وکشفها بالبرهان العلمی إلا فی أواخر القرن العشرین، جاء البیان الإلهی لیتحدث عنها بدقة تامة بل یتفوق على العلم الحدیث. یقول تعالى مقسماً بأن القرآن حق: (فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الجَوَارِ الکُنَّسْ)(7).
(الخُنَّس): لا ترى فهی شدیدة الاختفاء.
(الجَوَارِ): فهی تجری بسرعة کبیرة.
(الکُنَّسْ): فهی تکنُس وتشفط ما تصادفه
ألیس هذا مطابقاً للتعریف العلمی الدقیق؟ ولکن کیف یتفوق القرآن على العلم الحدیث؟ لقد سمى علماء الفلک هذه الأجسام بالثقوب السوداء، وهذه التسمیة خاطئة من وجهة النظر العلمیة.
فکلمة (ثقب) تعنی "فراغ"، وهذا غیر صحیح، بل هذه الأجسام ذات أوزان عظیمة جداً ولا ینطبق علیها اسم (ثقب)! ثم إن کلمة (أسود) غیر صحیحة علمیاً أیضاً، لأن هذه الأجسام موجودة ولیس لها لون فهی لا تسمح للضوء بمغادرتها ولا یمکن رؤیتها، فکیف نسمِّیها (سوداء)؟ إذن هذه الأجسام المختفیة ذات السرعات الکبیرة وذات الجاذبیة الفائقة، لیس ثقوباً ولیست سوداء، بل هی (خُنَّس) شدیدة الاختفاء.
صورة تخیلیة للثقب الأسود الذی هو عبارة عن نجم ضخم جداً انفجر على نفسه وانضغطت مادته بقوة هائلة مما شکل ما یسمى بالثقب الأسود وهذا المخلوق قادر على ابتلاع أی جسم یقترب منه حتى لو کان بحجم الأرض.
أما البیان القرآنی فعندما یسمى هذه الأجسام بالخُنَّس (من فعل خَنَسَ أی اختفى)، فهی تسمیة مطابقة تماماً للواقع، وعندما یصفها القرآن بأنها (جَوَارٍ) أی تجری، فهی فعلاً تسیر بسرعة عالیة، وعندما یصفها القرآن بأنها (کُنَّس) أی تکنُس ما تصادفه أثناء جریانها، فهی فعلاً تفعل هذا.
والآن هل یمکن لإنسانٍ عاقل أن یصدق بأن هذا الوصف العلمی الدقیق للثقوب السوداء التی لم تنکشف إلا فی نهایة القرن العشرین قد جاء فی القرآن بالمصادفة؟ إن هذا الوصف الدقیق لا یمکن أن یکون من صنع بشر بل هو من عند رب البشر سبحانه وتعالى.
لقد استطاع الإنسان أخیراً الصعود إلى القمر، والوصول إلى المریخ، واستطاع تحریک المراکب الفضائیة لتصل إلى جمیع کواکب المجموعة الشمسیة بل وتخرج خارج هذه المجموعة. یقوم المهندسون بوضع التصامیم اللازمة للمرکبة الفضائیة، ونجد أن جمیع هذه المراکب سوف تسلک مسارات منحنیة ومتعرجة، ومن منافذ محددة على الغلاف الجوی، لأن المرکبة الفضائیة سوف تخضع لحقول جاذبیة لذلک هنالک طرق محددة ومسارات متعرجة.
هذه الحقیقة العلمیة لم تُکشف إلا فی القرن العشرین، وملخصها أن الحرکة المستقیمة فی الفضاء الخارجی مستحیلة بل إن جمیع الأجسام تتحرک حرکة دورانیة متعرجة. وللقرآن الکریم حدیث عن هذه الحرکة وعن المسار المحدد وعن النقاط المحددة للخروج من الأرض باتجاه السماء. یقول تعالى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَیْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِیهِ یَعْرُجُونَ)(8).
تأمل معی کلمة (بَاباً) والتی تشیر إلى نقطة محددة للخروج خارج الغلاف الجوی، ثم تأمل کلمة (یَعْرُجُونَ) ولم یقل یسیرون، لأن الله تعالى یعلم بأن الحرکة فی الفضاء الخارجی لا تکون إلا عروجاً. ولکن الشیء الذی یکتشفه رواد الفضاء فور مغادرتهم للغلاف الجوی هو حالة الظلام الدامس، بل إن الشمس سوف تَظهر فی الفضاء على أنها نجم عادی بعید جداً. ولذلک یحسُّ رائد الفضاء وکأن بصره قد أُغلق وسُکِّر، وهذا ما یخبرنا عنه القرآن فی الآیة التالیة للآیة السابقة، یقول تعالى: (لَقَالُواْ إِنَّمَا سُکِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ)(9).
إذن فی السماء طرق محددة تتحرک فیها الأجسام، طبیعة هذه الحرکة متعرجة، وتسبح فی ظلام دامس، هذا ما تخبرنا به آیات الله عن حقائق لم یکتشفها العلم إلا حدیثاً. وهنا نتذکر قَسَم الله تعالى بهذه الطرق فی السماء والتی یسمیها القرآن بالحُبُک، یقول تعالى: (والسَّمَاءِ ذَاتِ الحُبُکِ)(10).
وفی هذه الآیة إعجاز علمی، فکلمة (الحُبُک) تشیر إلى النسیج، وأحدث النظریات التی تفسر نشوء الکون وتطوره تؤکد البنیة النسیجیة لهذا الکون، فالمجرات تتوزع بنظام ولیس عشوائیاً،وکأننا أمام نسیج رائع من النجوم والمجرات والغبار الکونی وغیر ذلک مما لا یعلمه إلا الله، لذلک یقسم الله تعالى بهذه السماء وبنیتها النسیجیة، فمن الذی أخبر النبی الکریم صلى الله علیه وسلّم بهذه البنیة النسیجیة للکون؟
منذ فجر التاریخ نُسِجَت الأساطیر حول الشمس والقمر، فکان کثیر من الناس الذین أضلَّهم الشیطان یسجدون لهذین المخلوقین. وفی ذلک الزمن لم یکن الإنسان لیدرک ما هی الشمس أو القمر، وما الفرق بینهما. کل ما أدرکه هو أن الشمس تشرق فی النهار ثم تغیب لیظهر القمر ثم یغیب وتعقبه الشمس وهکذا.
وفی العصر الحدیث تم اختراع أجهزة التحلیل الطیفی التی تحلل أطیاف النجوم وتبین ترکیبها فقد تبین أن الشمس هی کتلة ملتهبة تتفاعل ذراتها تفاعلاً نوویاً لتندمج وتعطی کمیات ضخمة من الطاقة والحرارة.
أما القمر فهو جسم بارد کالأرض یتلقى أشعة الشمس الحارقة لیعکسها إلى الأرض من جدید إذن الشمس هی مصدر الضیاء، وهذه حقیقة علمیة، بینما القمر لا یضیءُ بل یعکس النور. لذلک یمکن القول بأن الشمس هی مصدر الضوء والقمر هو مصدر النور أو العاکس لهذا الضوء.
وهنا نجد للقرآن بیاناً وإعجازاً وتفصیلاً، یقول تعالى: (هُوَ الَّذِی جَعَلَ الشَّمْسَ ضِیَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِینَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِکَ إِلاَّ بِالْحَقِّ یُفَصِّلُ الآیَاتِ لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ)(11).
صورة للنسیج الکونی کما یبدو عبر السوبر کمبیوتر وهذه الصورة تمثل کوننا الذی نعیش فیه فهو عبارة عن شبکة من الخیوط النسیجیة الکونیة ولکن مادة هذه الخیوط هی المجرات.
فهل هناک أبلغ من هذا التصویر للحقائق العلمیة؟ وفی آیة أخرى یؤکد الله تعالى بأن الشمس هی السراج المضیء للدلالة على الاحتراق. فکما نعلم السراج هو الوعاء الذی یوضع فیه الزیت کوقود لیحترق بتفاعل کیمیائی مُصْدِراً الطاقة الضوئیة.
وهذه هی الوسیلة التی استخدمها الإنسان حتى مطلع القرن العشرین عندما بدأ باستخدام المصباح الکهربائی. إذن ما یحدث داخل السراج هو عملیة احتراق والوقود فی السراج هو الزیت الذی یتفاعل مع الأکسجین فی الهواء لیعطی الضوء والحرارة، وهذا ما یحدث أیضاً فی الشمس، فلو دخلنا لمرکز الشمس نجد احتراقاً نوویاً، الوقود هنا هو الهیدروجین الذی یتفاعل مع بعضه لینتج الضوء والحرارة أیضاً. تأمل معی قول الحق جل وعلا: (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِیهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً)(12). وهنا نلاحظ کیف یمیز القرآن بین عمل القمر (نُوراً)، وعمل الشمس (سِرَاجاً).
هذه الدقة فی المصطلحات العلمیة القرآنیة لم تأتِ عن طریق المصادفة العمیاء، بل جاءت بتقدیر العزیز العلیم، یقول عز و جل: (تَبَارَکَ الَّذِی جَعَلَ فِی السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِیهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِیراً)(13).
طالما استفاد الإنسان من الخصائص التی أودعها الله فی ثنایا هذا الکون. وربما یکون من أهم خصائص القرن الواحد والعشرین الذی نعیشه الیوم هو ما یسمى بالاتصالات الرقمیة والتی تشهد تطوراً عظیماً کل یوم.
ولکن السؤال: کیف یتم نقل المعلومات على سطح الکرة الأرضیة بحیث تغطی کل أجزائها؟ إنها صفة ممیزة للغلاف الجوی، وهی عکس وإرجاع الأمواج الکهرطیسیة، وهذا ما یتیح التواصل والبث بین قارات هذا الکوکب بلا استثناء.
یوجد فی الغلاف الجوی طبقات متأیِّنة کهربائیاً (مکهربة) میزتها أننا عندما نرسل موجة لاسلکیة باتجاهها فإنها تنعکس وترتد تماماً کما یرتد الشعاع الضوئی إذا اصطدم بالمرآة العاکسة، إذن هذه الطبقات تعمل عمل المرایا العاکسة لهذه الأمواج.
وکما نعلم من قوانین انکسار الضوء، أن الموجة القادمة إلى سطح عاکس ترتد بنفس زاویة ورودها ولکن باتجاه آخر وهذه الخاصیة جعلت نقل الرسائل من قارة لأخرى ممکناً بواسطة انعکاس الأمواج هذه. ولکن فوق هذه الطبقات هنالک طبقات مغنطیسیة تحیط بالأرض من کل جانب مهمة هذه الطبقات عکس وإرجاع الأشعة الکونیة القاتلة والقادمة من الفضاء باتجاه الأرض، فتعکسها وتبددها فی الفضاء.
أما أقرب طبقات الغلاف الجوی إلى الأرض فإن لها خصائص مهمة جداً، فهی تعکس حرارة الأرض ولا تترکها تتبدد فی الفضاء. وهذا یحافظ على معدل ثابت لدرجات الحرارة على الکرة الأرضیة.
إذن الصفة الممیزة للسماء هی إرجاع أو عکس الأمواج على اختلاف أنواعها. وهذه المیزة لم تکتشف إلا
حدیثاً، بل فی کل یوم یکشف العلم جدیداً یتعلق بهذه الخاصیة، وهی خاصیة الانعکاس والتی سماها القرآن بالرَّجع.
والعجیب أننا نجد فی القرآن العظیم حدیثاً عن هذه الصفة وأنها صفة ممیزة للسماء یقول تعالى: (والسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ)(14).
وهنا نکرر سؤالنا التقلیدی فی هذا البحث: من أین جاءت هذه الحقیقة الکونیة فی کتاب أُنزل قبل أکثر من أربعة عشر قرناً؟ إن الله تعالى الذی خلق السماء هو أعلم بصفاتها وقد أخبرنا عن هذه الصفات لتکون برهاناً لنا على أن کل کلمة فی هذا القرآن هی حقٌّ من عند الله عزَّ وجلَّ.
لا یخفى على أحد منا أهمیة الغلاف الجوی الأرضی بالنسبة للحیاة على ظهر هذا الکوکب. وکلما تقدم العلم کلما اکتشف خصائص ومزایا لهذا الغلاف العجیب الذی لولاه لما ظهرت الحیاة على الأرض.
صورة الغلاف الجوی کما تبدو من خارج الأرض وتظهر طبقة النهار الرقیقة جداً وهی تحیط بالجانب المضیء للکرة الأرضیة، وقد سخر الله لنا هذا الغلاف الجوی لیحمینا من شر الأشعة الکونیة الحارقة، فالحمد لله.
یمتد الغلاف الجوی لعدة مئات من الکیلومترات فوق سطح الأرض، وسماکته ضئیلة جداً مقارنة بحجم الأرض التی یبلغ قطرها أکثر من اثنی عشر ألفاً من الکیلومترات. ماذا اکتشف العلماء حول الغلاف الأزرق؟
إن أحدث شیء یقرره العلماء وآخر وصف یصفون به هذا الغلاف هو أنه کالسقف الذی یحمینا فی وسط هذا الکون المظلم والبارد فمن أهم خصائص الغلاف الجوی أنه یحفظ حیاة الکائنات على ظهر الأرض، ففیه الأکسجین اللازم لاستمرار الحیاة. کما یقوم الغلاف الجوی بحفظ وتخزین الحرارة القادمة من الشمس، والمحافظة على حرارة معتدلة ومناسبة للحیاة. ولولا هذه المیزة لأصبح کوکب الأرض کالقمر، درجة الحرارة على أحد وجهیه أکثر من مئة درجة، وعلى الوجه الآخر أقل من مئة درجة تحت الصفر.
ملایین الأحجار النیزکیة تهوی على الأرض کل یوم، جمیعها یتصدى لها الغلاف الجوی فتحترق بسبب احتکاکها معه قبل أن تصل إلى الأرض إلا القلیل منها. کذلک یتصدى هذا السقف الرائع لجمیع الإشعاعات الضارة التی لو وصلت إلى سطح الأرض لأحرقت من علیها. منها الأشعة فوق البنفسجیة الخطیرة، الأشعة الکونیة الأخطر. فلا یصل من هذه الإشعاعات للأرض إلا الجزء الضروری واللازم لاستمرار الحیاة. کما أن الأرض تتمتع بحزام مغنطیسی قوی لأکثر من ألفی کیلو متر فوق سطحها، هذا الحزام یقی الأرض من کثیر من الجسیمات الأولیة السابحة فی الفضاء.
وبعد هذه الحقائق التی تؤکد أن السماء التی فوقنا تحمینا من کثیر من الأضرار، ألیست هذه السماء هی سقف محفوظ بعنایة الله یحفظنا ویحافظ على حیاتنا؟ إن هذا الوصف موجود فی کتاب الله منذ أربعة عشر قرناً، یقول تعالى: (وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آیَاتِهَا مُعْرِضُونَ)(15).
لنتأمل هذا التعبیر العلمی: (السّقف المحفوظ) کیف جاء هذا التعبیر الدقیق فی کتاب أُنزل فی عصرٍ لم یکن فیه من العلوم إلا الأساطیر؟ فی ذلک الوقت لم یکن أحد یعلم بوجود غلاف جوی للأرض. فمن الذی أخبر النبی الکریم علیه الصلاة والسلام بهذا السقف المحفوظ؟؟
المصادر :
1- یونس: 101
2- الذاریات: 47
3- ق: 6
4- الأنبیاء: 30
5- الأنبیاء: 104
6- الروم: 27
7- التکویر: 15ـ16
8- الحجر:14
9- الحجر: 15
10- الذاریات:7
11- یونس: 5
12- نوح:16
13- الفرقان: 61
14- الطارق:11
15- الأنبیاء: 32

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

القاضي عبد الجبار وبلاغة القرآن
دعاء وداع الامام الرضا عليه السلام
أولاد السيدة زينب (ع)
خصائص شهر رمضان
اشد من یتم الیتیم
المصادر الشيعية لحديث (فاطمة بضعة مِنِّي)
أفضلية فاطمة الزهراء عليها السلام في کتب أهل ...
التباكي على سيِّد الشهداء (عليه السلام)
الصراع على السلطة بين الأصهب والأبقع
الخصوصية الصوفية للنظرية المهدوية

 
user comment