من العلماء الذين امتلكوا حظّاً وافراً في الكتابة ، في مواضيع العلوم القرآنيّة ، والمسائل الكلاميّة ، أبو الحسن عبد الجبّار الأسد آبادي (1) المتوفّى سنة 415هـ ، قاضي القضاة عند البويهيّين ، وللأسف فإنّ الكثير من آثاره لم يصل إلى أيدينا ، حيث امتدّت إليها يد التلف والضياع ، وبقيت بعض النُسخ الخطيّة لآثاره حبيسةً في مكتبات اليمن .
ومن آثاره المهمّة التي وصلتنا :
1 ـ متشابه القرآن :
الذي بقيَ بعيداً عن أنظار العلماء فترة طويلة ، حتّى عَثَرت عليه أخيراً هيئة مرسلة من دار الكتب المصريّة إلى اليمن سنة 1952م ، وقد طُبع في القاهرة في مجلّدين مع تصحيح وتعليق الدكتور عدنان محمّد زرزور (2) .
2 ـ تنزيه القرآن عن المطاعن :
أوردَ البعض هذا الكتاب باسم (التنزيه) فقط (3) ، وقد طُبع هذا الكتاب مرّةً في سنة 1329هـ في مصر ، وأخرى في طبعة مزدانة سنة 1966م في بيروت .
3 ـ المُغني في أبواب التوحيد والعدل :
وهو أهمّ مؤلّفات القاضي عبد الجبّار ، وقد بادرت وزارة الإرشاد القومي المصريّة لطبعه سنة 1960م في عدّة مجلّدات ، ثُمّ طُبع المجلّد السادس عشر من الكتاب المذكور في مصر منفصلاً باسم (إعجاز القرآن) ، ويقع في 438 صفحة ، ويتضّمن بحثاً مستفيضاً عن نبوّة النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، ومسألة إعجاز القرآن في احتوائه الحدّ الأعلى من البلاغة التي يقصُر الآخرون عن مجاراتها والإتيان بمثلها .
وقد خصّص القاضي عبد الجبّار فصلاً من كتابه (إعجاز القرآن) ، لبحث مسألة الفصاحة والحديث عن مقوّماتها وعناصرها (4) ، مستعرضاً خلال ذلك نظريّة شيخه وأستاذه أبي هاشم الجُبَّائي ، في أنّ جزالة وحُسن المعنى يُضفيان كلاهما صفة الفصاحة على الكلام ، وينبغي للكلام الفصيح أن يكون مشتملاً على كِلا الميزتين معاً ، ثُمّ أضافَ القاضي عبد الجبّار أنّ فصاحة الكلام في نظر أبي هاشم الجُبَّائي لا تنحصر في نظم الكلام ، فالنظم وحده لا يمكن أن يكون علّة للفصاحة .
وفي الواقع فإنّه ردّ بهذا البيان على نظريّة الجاحظ والآخرين الذين يعتقدون أنّ إعجاز القرآن يكمُن في نظمه وأُسلوبه الخاصّ المتفرّد ، إذ يقول : إنّ اللفظ والمعنى ـ فضلاً عن النظم ـ لهما تأثيرهما ودورهما في اكتساب صفة الفصاحة .
وبعبارةٍ أخرى ، فقد أرادَ القاضي عبد الجبّار القول بأنّ نظريّة أبي هاشم الجُبَّائي تتلخّص في أنّ الفصاحة مرتبطة باللفظ والمعنى ، فإذا كان اللفظ جزيلاً والمعنى جيداً حسناً ؛ فذلك كلام فصيح ، لكنّ القاضي عبد الجبّار بنظره الدقيق لم يقبل نظريّة أستاذه الجُبَّائي على علاوتها ؛ لذا نراه يقول في الفصل التالي (5) :
إنّ أبا هاشم الجُبَّائي لم يأخذ الصورة التركيبيّة للكلام بنظر الاعتبار ، في حين أنّ هذا الموضوع نفسه ، من المسائل الأساسيّة للبلاغة ، فالفصاحة ترتبط باللفظ والمعنى بنفس القدر الذي ترتبط فيه بتأليف المفردات وتركيبها بشكلٍ خاص متميّز ، وقد بيّن عبد القاهر الجرجاني بعد ذلك في كتابه (دلائل الإعجاز) نظريّة عبد الجبّار هذه (6) .
إن اللّفظ في نظر عبد الجبّار ، لا يمتلك بمفرده أهميّة كبرى ، إذ يُمكن أن يكون اللفظ نفسه في جملة ما أفصح منه في أخرى ، كما أنّ المعاني أيضاً لا تمتلك وحدها أهميّة زائدة ، حيث نشاهد أحياناً أنّ خطيباً يذكر ببيانه معنىً معيّناً أفضل ممّا يفعله الخطيب الآخر (7) ، وتتلخّص نظريّة القاضي عبد الجبّار حول الفصاحة : في أنّ كيفيّة التركيب هي الركن الأساسي للبلاغة والفصاحة ، فهو يقول : (اعلَم أنّ الفصاحة لا تظهر في أفراد الكلام ، وإنّما تظهر في الكلام بالضمّ على طريقة مخصوصة ) (8) .
وقد ذكرَ عبد القاهر الجرجاني هذا المطلب أيضاً ، في فصل يبحث الفرق بين الحروف والكَلِم المنظومة (9) وأبانَ عنه بقوله (10) : ( إنّ علّة كون كلام ) أفضل من كلام آخر هي في كيفيّة إيراده وطريقة أدائه .
وتكتسب كُتب القاضي عبد الجبّار أهميّة خاصّة ؛ لأنّها تدور غالباً حول المسائل القرآنيّة ، حيث ضمّنها الكثير من المباحث البلاغيّة التي كانت مَثاراً للجدل والمناظرة ، مع ردّه على شبهات الطاعنين وإشكالاتهم الذّين صوّرَ لهم فهمهم السقيم لآيات القرآن أنّ هناك تناقضاً في الظاهر بينها .
ويعتقد القاضي عبد الجبّار أنّ للكلام الفصيح درجات ومراتب مختلفة ، إذ يمكن القول : إنّ كلاماً ما أعلى وأفضل من كلامٍ آخر من جهة فصاحته ، وإنّ كلاماً أوطأ وأدنى منه ، ومن هنا كان التحدّي والمعارضة أمراً صحيحاً ، فبالمعارضة يمكن إثبات أنّ كلاماً ما أفضل من كلام آخر ، وقد خصّص القاضي عبد الجبّار لذلك فصلاً في كتابه ( إعجاز القرآن ) لـ( بيان صحّة التحدّي بكلام فصيح ) (11) .
إنّ من المسلّم أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نفسه كان يقول إنّ هذا الكلام (القرآن) من عند الله عزّ وجلَّ ومختصّ به ، وآية ( ... وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيراً ) (سورة النساء : 82) نفسها دليل على اختصاص القرآن بالله عزّ وجلّ ونزوله من عنده . وكان يحصل أن ينتظر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويترقّب نزول آيات القرآن ، وكان (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يتحدّى بالقرآن (12) ويدعو الناس إلى معارضته والإتيان بمثله حيث جعله دليل نبوّته ، لكنّ أحداً عجزَ أن يأتي بنظيره ؛ لسموّ كلام القرآن وعلوّ رتبته .
ولقد خصّص القاضي عبد الجبار فصلاً لهذا الموضوع في كتابه (إعجاز القرآن) ، وقال (13): إنّ القرآن مُعجز ، ومعنى قولنا (القرآن معجز) : أنّ الإتيان بنظير له في الفصاحة والبلاغة متعذّر على الآخرين ، بل هو غير ممكن ، وهذا العجز لا ينحصر في الإتيان بكلام وحروف مثل القرآن ، ولا في النظم والتأليف ، بل إنّه يتحقّق بكلّ هذه الأشياء ومجموعها .
وأضافَ القاضي عبد الجبّار : إنّ أحداً لم يستطيع أن يعارض القرآن ويأتي بكلام يماثله ، ولو فعلَ ذلك أحد فإنّ خبره كان سيصل إلينا حتماً ، وردّ القاضي عبد الجبّار على ادّعاء أُميّة بن خلف الجمحي وقوله : ( لو نشاءُ لقلنا مثل هذا ) بأنّ الادّعاء المحض لا قيمة له ولا يُعدّ دليلاً على التمكنّ من المعارضة (14) ، وكما يقول أبو هاشم الجُبَّائي : لو أنّ أحداً أوردَ نظيراً أو نظائر للآيات القرآنيّة لمَا خفيَ ذلك على الناس ، ولفشى ذلك ووصلَ إلينا (15) .
وتحدّث القاضي عبد الجبّار في (إعجاز القرآن) عن وجوه الإعجاز المختلفة في كتاب الله ، وعرضَ للآراء التي قيلت في هذا الشأن (16) :
أ ـ بعضٌ يعتقد أنّ القرآن مُعجز ؛ لأنّه في المرتبة العليا من الفصاحة الخارجة عن حدود الفصاحة المعهودة المتداولة لذا فهو معجز .
ب ـ وبعضٌ على أنّ القرآن معجز ؛ لأنّ له نظماً خاصّاً خارجاً عن النظم المعهود المألوف .
ج ـ وبعضٌ آخر على أنّ القرآن معجز ؛ لأنّ الأفراد القادرين على معارضته قد (صُرفت هِممهم عن المعارضة)(17) .
غير أنّ القاضي عبد الجبّار لا يؤيّد قانون (الصرفة) ؛ بدليل الآية : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (سورة الإسراء : 88) .
لأنّ تعذّر معارضة القرآن إن كان بـ (صرف الهمَم وسلب القوى والقدرات ، فلا يكون هناك معنى ومفهوم للمظاهرة والمعاونة التي تحدّثت عنها الآية ( ... وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) ؛ لأنّ المظاهرة والمعاونة إنّما تكون مع القدرة والتمكّن لا بفقد القدرة وسلب التمكّن ، في حين أنّه يُستنبَط من مفهوم الآية أنّهم إذا كانوا قادرين متمكِّنين أيضاً ، فلن يمكنهم معارضة القرآن والإتيان بمثله (18) .
د ـ ويرى آخرون أنّ إعجاز القرآن ناشئ عن سموّ المعاني وعلوّ المضامين التي يحتويها القرآن الكريم ، وانسجام هذه المعاني مع العقل والفطرة .
هـ ـ فيما ذهبَ بعضهم إلى أنّ إعجاز القرآن يكمن في إخباره عن المغيّبات وحوادث المستقبل التي تحقّق وقوعها بعد نزول القرآن (19) ، كما في الآيات التالية :
( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (سورة التوبة : 33) .
( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ ) (سورة الفتح : 27) حيث صَدقت الرؤيا ووقعَ ما كان أخبرَ به الوحي .
وكذا آية : ( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ) (سورة الروم : 1 ـ 4) التي تُحقّق ما وردَ فيها من الوعد وتبدّلت هزيمة الروم الكتابيين أمام الفرس ، في بدء الحرب ، التي نشبت بين قوّتيهما العظميين يومذاك ، إلى غلبة وانتصار في عاقبة الأمر .
وآية : ( وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ) (سورة الأنفال : 7) التي انتهت بهزيمة المشركين في معركة بدر .
وآية : ( وَعَدَكُمُ اللّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفّ أَيْدِيَ النّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً ) (سورة الفتح : 20) .
وآية : ( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتّقُوْا النّارَ الّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدّتْ لِلْكَافِرِينَ ) (سورة البقرة : 24) التي خاطبت فصحاء العرب وكانوا في الواقع عاجزين عن معارضة القرآن ـ كما تنبّأ ـ فلم يتمكّنوا أن يأتوا بمثله ولو آية واحدة (20) .
لقد كرّس القاضي عبد الجبّار كلّ همّه في تأليفاته ، في الردّ على الشبهات الواهية للطاعنين والقائلين بتناقض آيات القرآن ، وأن يُثبّت من هذا الطريق مسألة إعجاز القرآن .
وقد خصّص فصلاً من كتابه (إعجاز القرآن) تحت عنوان : (فصل في الجواب عن مطاعن المخالفين في القرآن) ، ردّ فيه على إشكالهم القائل بأنّ في الآيات القرآنيّة تكراراً وتطويلاً يُخلّ بالفصاحة : بأنّ العادة جارية على بيان الموضوع الواحد في الموارد والأغراض المتباينة بألفاظ مختلفة ، وليس هذا من معايب الكلام ، وإنّما يُعدّ التكرار معيباً ومخلاًّ بالفصاحة إذا جرى التكرار لمطلب بعينه في موضوع وغرض واحد .
وبعبارة أخرى : لو تكرّرت الكلمة في جملة واحدة أو في عدّة جُمل متقاربة دون مسوّغ . أمّا التكرار الوارد في القرآن الكريم ، فليس من هذا القبيل ، فكلّ مورد نجد فيه تكراراً لكلمة أو آية نجد إلى جانبه غرضاً خاصّاً سيقَ هذا التكرار للتعبير عنه والإشارة إليه .
وكمثال على ذلك : فقد ردّ القاضي عبد الجبّار على التشكيك بجدوى التكرار الوارد في سورة الرحمن للآية الكريمة ( فَبِأَيِّ آَلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) : بأنّ تكرار هذه الآية ليس هو من نوع التكرار بلا فائدة ، بل كان لعدّ النعماء الإلهيّة التي بُيّنت في سورة الرحمن ، الواحدة تلو الأخرى ، ولتذكير عباد الله ، وتنبيههم بقدرة الله ولطفه بالعباد . وفي الواقع فإنّ تكرار الآية المذكورة كان للتنبيه على تعدّد المتعلَّق ، والإشارة إلى نِعَم الله التي لا تُحصى ؛ فإنّ الخطاب للإنس والجنّ بعد ذكر كلّ نعمة ، ولو أنّه استُعملَ منفصلاً وكان بعبارة واحدة ، لكان مورده ومتعلّقه مختلف ، وهذا تماماً كما لو كنت تريد منع شخص عن قتل مسلم وظلمه ونهيه عن عمله القبيح فتقول :
(أتقتل فلاناً ، وأنت تعرف فضلَهُ ؟!)
(أتقتل فلاناً ، وأنت تعرف صلاحَهُ ؟!)
ولربّما يعترض البعض : بأنّ هناك في سورة الرحمن آيات لا تتحدّث عن النِعَم الإلهيّة ، بل تتحدّث عن العذاب والجزاء ، كما في الآيات 43 ـ 45 من السورة الآنفة الذكر : ( هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ * فَبِأَيِّ آَلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) ، أو في الآيتين 35 و36 لنفس السورة : ( يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِن نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيّ آلاَءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ ) .
فيردّ القاضي عبد الجبّار (22) : صحيح أنّ جهنّم وعذابهما ليس من الآلاء والنِعَم الإلهيّة ، لكنّ وصفها وتحذير الناس من عذابها ؛ لإبعادهم عن المعاصي والذنوب ، وصرفهم عن الأعمال القبيحة ، وتوجيههم للطاعات والعبادات ؛ والذي يستتبع توجّه الناس إلى طاعة الله ، هو نفسه موهبة يمكن اعتبارها من النِعَم الإلهيّة .
وكذا الحال في آية : ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذّبِينَ ) التي تكرّرت عدّة مرّات في سورة المُرسلات ، حيث جاءت في موارد مختلفة وفي مواضيع متباينة ، لا في مورد خاصّ واحد ، فقد ذُكرت آية : ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ ) (سورة المرسلات : 14 ) ، ثُمّ أُتي بآية : ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذّبِينَ ) بعدها ، ومن ثُمّ كرّرت هذه الآية ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ ... ) بعد الآية 44 لنفس السورة : ( إنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) .
وخلاصة الأمر : فإنّ تكرار الآية الآنفة الذكر لم يجيء في مورد واحد ، بل جاء في موارد مختلفة ؛ لذا فهو لا يُعدّ تكراراً .
وعن شبهة الذين تساءلوا عن فائدة تكرار كلمة (يسألونك) في آية : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) (سورة الأعراف : 187).
قال القاضي عبد الجبّار (23) : إنّهم سألوا أوّلاً عن وقت الساعة ، فبيّنَ أن يُحكم بأنّ علم ذلك عند ربّه تعالى وأنّ الصلاح أن لا يُبيّن ذلك ؛ ليكون العبد إلى الرجاء أقرب . وأراد بقوله ثانياً : ( يَسْأَلُونَكَ كَأَنّكَ حَفِيّ عَنْهَا ) المسألة عن نفس الساعة فقد كان عالماً بها في الجملة ، فليس في ذلك تكرار .
وفي جواب الطاعنين الذين لم يعرفوا التفاوت اللغوي بين الكلمات ، وتصوّروا في استعمال كلمتين مترادفتين قريبتين في المعنى تكراراً ، وقالوا : إنّ في آية ( وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) (سورة النساء : 112)، قال القاضي عبد الجبّار (24) : إنّ من المعاصي ما يكون خطأً ، ومنها ما يكون عمداً ، فالإثم لا يكون إلاّ عمداً والخطيئة قد تقع وهو غير عالم بها ، نحو أن يأكل ويعلم أنّه صائم وأن يأكل ولا يعلم ذلك ؛ لذا فلا تكرار في الآية ؛ لتفاوت مفهوم كلمتَي (الإثم) و(الخطيئة) .
لقد خَلت كتب القاضي عبد الجبّار من البحث المستقل المحض ، في المسائل والنكات البلاغيّة ، وكان همّه ـ كما أسلَفنا ـ الحديث عن ردّ الشبهات ، فمثلاً قال البعض : إنّ في بعض آيات القرآن تطويلاً ، والتطويل والإطالة ينافيان بلاغة القرآن ، وذكروا مثالاً لذلك الآية 22 من سورة النساء : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ... ) .
فردّ القاضي عبد الجبّار في جوابهم (25) : لقد كانت الآية في مقامٍ كان ينبغي فيه بيان المطلب بشكل واضح ، وهذا يستلزم ذكر موارده بالتفصيل ، وأصولاً فقد كان إيجاز ذلك متعذّراً ، وكان الكلام في الواقع حسب مقتضى الحال ومناسباً للموضوع ، ولم يكن من الإطالة قط ، بل إنّ التطويل في هذا المورد أبلغ ، والإيجاز كان سيخلّ بالمعنى .
إنّ الإطالة بدون نتيجة تكون حين يأتي المتكلّم بمطالب عديمة الجدوى في كلامه ، فحين تريد ـ مثلاً ـ أن تبيّن انشغالك بشيء فيكفي أن تقول لمخاطِبك : لديّ عمل ، لكنّ ذِكر جزئيات العمل وبيان مسائله واحدة واحدة ، يُعدّ في هذه الحالة تطويلاً في غير محلّه .
وقد أجابَ القاضي عبد الجبّار (26) على الذين تساءلوا في معرض الطعن والشُبهة عن معنى ومفهوم التشبيه والتمثيل الذي وردَ في آية : ( إِنّ اللّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ... ) (سورة البقرة : 26) : بأنّ اللّه تعالى لمّا ضربَ مثل آلهتهم بالذُباب ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ... ) (سورة الحج : 72) ، وضربَ أيضاً مَثلهم بالعنكبوت وضُعف نسيجه : ( مَثَلُ الّذِينَ اتّخَذُوا مِن دُونِ اللّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتّخَذَتْ بَيْتاً ... ) (سورة العنكبوت : 41) ، قال الكفّار طعناً في ذلك : كيف يضرب تعالى مثل آلهتنا بهذه المحقّرات ؟ فأنزلَ اللّه تعالى هذه الآية وأراد أنّه إنّما يضرب المثل بما هو أليَق بالقصّة وأصلح في التشبيه .
ونحن نعلم أنّه كلّما زاد الارتباط بين المشبّه والمشبّه به ، كان التشبيه أجمل وقعاً في النفوس وأكثر تأثيراً ؛ لأنّ المقصود من التشبيه تجسيد وتمثيل صفة شيء أو شخص ما ليدركه الذوق السليم بشكلٍ أفضل ، فتشبيه اعتدال قامة شخص وطولها واستقامتها بشجر السرو يُعدّ مدحاً ، لكنّه ينقلب إلى التقبيح والذمّ إذا شبّهناها بشجر الصنوبر (27) .
وفي معرض الرد على شبهة الذين قالوا : إنّ القرآن الكريم شبّه مرّة عصا موسى بالثعبان المبين في آية : ( فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ) (سورة الشعراء : 32) ، وشبّهها بالجانّ مرّة أخرى في آية : (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمّا رَآهَا تَهْتَزّ كَأَنّهَا جَانّ وَلّى مُدْبِراً ... ) (سورة النمل : 10) ، وإنّ في ذلك تناقضاً ؟
قال القاضي عبد الجبّار (28) : إنّ المراد أنّها كالثعبان في العظم ، وكالجان (29) في سرعة حركتها ؛ حيث خُلقت من نار السموم ، فلا تناقض .
وفي نظر القاضي عبد الجبّار فإنّ كلمات : " تشبيه " ، " تمثيل " ، " تشبيه التمثيل " هي واحدة لا فرقَ بينها مطلقاً ، فحين ردّ على شبهة الذين قالوا : كيف يمكن في آية : ( ... وَإِنّ الدّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ... ) (سورة العنكبوت : 64) أنّ نصف (الدار الآخرة) التي هي جماد بـ(الحَيوان) (30) والحياة ؟!
قال (31) : إنّ الدار الآخرة هي عين الحياة ، وهذا نفسه تشبيه ؛ لأنّ دار الآخرة باعتبار نعيمها الأزلي قد شُبّهت بالحياة الأزليّة والعيش الخالد . لكنّ القاضي عبد الجبّار عدّ ذلك من مقولة (المجاز) ، ولم يضع فارقاً بين المصطلحات البلاغيّة التي شاعت فيما بعد ، فقال في ذيل البحث عن الآية (32) : وجوابنا أنّه تعالى بيّن بهذا المجاز ما لا يُفهم بالحقيقة ، إذ المراد أنّ هذه الدار من حقّ الحياة فيها أن تدوم ولا تنقطع ، ومن حقّها أن يدوم نعيمها بلا بؤس .
فمعَ أنّ المسائل البلاغيّة والبحوث النقديّة كان لها في القرن الرابع ازدهار خاص ، لكنّ مصطلحات البلاغة لم تُكتب ـ كما هي اليوم ـ حدودها وأبعادها الدقيقة ، وقد استُعملت في مؤلّفات القاضي عبد الجبّار المصطلحات البيانيّة الواحدة بدل الأخرى ، وكان الهدف هو إثبات إعجاز القرآن عن طريق ردّ الشبهات والطعون ، فمثلاً أجاب الذين تساءلوا عن معنى ( فبصرك اليوم حديد ) في آية : ( لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ )(33)(سورة ق: 22) ، بقوله (34) : هذه الآية في الواقع تشبيه ؛ لأن ّالبصر شُبِّه بالحديد ، فحين يرتفع المانع يصبح البصر في رؤيته نافذاً .
وفي البحث عن الآيات : ( أُولئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (سورة المؤمنون : 10 ـ 11) ، حيث تساءل الطاعنون عن معنى الآية ، ولماذا جرى التعبير بالإرث بينما معنى الإرث لا يصحّ منهم ؟!
أجابَ القاضي عبد الجبّار (35) : بأنّ في هذه الآية تشبيهاً بليغاً ؛ لأنّه شبّه وصولهم إلى الفردوس من دون سبب(36) يأتونه ، بوصول المرء للأملاك بالميراث عند الموت دون سبب ومشقّة .
إنّ القاضي عبد الجبّار لم يبحث عن التشبيه بصراحة ، ولكن يمكن من خلال بحوثه استنباط النكات والمطالب البلاغيّة ، كما هي الحال في البحث عن الآية : ( وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ... ) (سورة الحج : 2) التي قال بعضهم إنّ فيها تناقضاً ، حيث أجاب القاضي عبد الجبّار (37) : أنّ المراد أنّهم قد بلغوا في التحيّر حدّ السُّكر وإنْ لم يكن هناك سُكر ، وهذا تشبيه ولو أنّ القاضي عبد الجبّار لم يُشِر إليه صراحة .
وفي البحث عن آية : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (سورة الأحزاب : 6) ، حيث قالوا : كيف يصحّ في أزواجه أن يكنّ أُمّهاتهم ؟!
أجابَ القاضي عبد الجبّار (38) : أنّ المراد تأكيد تحريمهنّ على المؤمنين ، يعني أنّ القرآن الكريم قد قال في الواقع : كما أنّ النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو أب المؤمنين الروحي والمعنوي ، فنِساؤه أيضاً بمنزلة أُمّهاتهم . ويقول القاضي عبد الجبّار : ( فأكّد ذلك بأن شبّههنّ بالأُمّهات ) يعني : إنّ القرآن قد أكّد تحريم الزواج بنساء النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بتشبيههنّ بالأُمّهات .
ويضيف القاضي عبد الجبّار : وربّما حذفَ في التشبيه اللفظَ (أداة التشبيه) ؛ ليكون (التشبيه) على وجه التحقيق . ولقد سمّى القاضي هنا هذا النوع من التشبيه الذي ندعوه اليوم بالتشبيه البليغ : ( تشبيه على وجه الحقيق ) ، وهما واحد بلحاظ المعنى والمفهوم ؛ لأنّ القصد هو المبالغة في التشبيه (39) .
وفي باب آية : ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) (سورة البقرة : 257)، حيث أوردَ الطاعنون شبهة أنّ اللّه قد أوجد الإيمان لدى المؤمن ؛ لأنّ الله يخرج المؤمنين من الكفر بالإيمان ، فهو فعل اللّه .
أجاب القاضي في ردّهم (40) : لقد كان استعمال الظلمة والنور في الكفر والإيمان مجازاً ؛ لأنّ النور في الواقع منبع الحياة ومنشأ النمو لجميع الأشياء ، والظلمة رمز السكوت والموت ، حيث جاء هذا التعبير بهذا المعنى كثيراً في القرآن الكريم كما في آية : ( ... قَدْ جَاءَكُم مِنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ) (سورة المائدة : 15) ، وآية : ( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (سورة المائدة : 16) ، وقد عُبِّر عن القرآن الكريم بالنور ؛ لأهميّته الكبيرة وتأثيراته العميقة في هداية البشر وتربيتهم ؛ لأنّه يهدي الناس ويسوقهم من ظلمات الشرك والجهالة والنفاق إلى نور التوحيد والعلم والاتّحاد ، ويوصِلهم إلى الصراط المستقيم الذي لا أمتَ فيه ولا عِوج .
وعلى أي حال ، فقد كان التعبير بالنور عن الإيمان وبالظلام عن الكفر من مقولة (المجاز) (41) ، وقد وردَ هذا التعبير أيضاً في آية : ( الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ) (سورة إبراهيم : 1) ، فإخراج الناس من الظلمات إلى النور يعني إخراجهم من ظلمة الجهل إلى نور الظلم ، ومن ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ، ومن ظلمة الظلم إلى نور العدالة .
وفي جواب الذين قالوا في آية : ( وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ) (سورة الرعد : 13) وكيف يصحّ التسبيح من الرعد ؟!
قال القاضي عبد الجبّار (42) : إنّ المراد دلالة الرعد وتلك الأصوات الهائلة على قدرته وتنزيهه ، فهذه الدلالة من مقولة الاستعارة ، ويجب ألاّ يُحمل التسبيح في هذه الآية على معناه الحقيقي ، بل يجب حمله على معناه المجازي (43) ، وقد حَمل القاضي عبد الجبّار كلّ التسبيحات التي تصدر من الجمادات على المجاز لا على الحقيقة .
وفي جواب الذين قالوا في قوله تعالى : ( يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشّيْطَانَ إِنّ الشّيْطَانَ كَانَ لِلرّحْمنِ عَصِيّاً ) (سورة مريم : 44)، كيف جازَ من إبراهيم (عليه السلام) أن يقول ذلك ولم يكن أبوه ممّن يعبد الشيطان ؟! قال القاضي عبد الجبّار (44) : إنّ المقصود من فعل ( لا تعبُد ) بصيغة النهي في الآية المذكورة هو النهي عن الإتّباع والإطاعة . وبعبارةٍ أخرى : فإنّ فعل (لا تعبُد) ـ حسب قول القاضي عبد الجبّار ـ قد استُعمل في غير معناه الحقيقي ، كما في آية : ( اتّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِن دُونِ اللّهِ ... ) (سورة التوبة : 31) حيث جرى الاستعمال في المعنى المجازي لا في المعني الحقيقي .
وأضافَ القاضي عبد الجبّار في خاتمة بحثه حول هذه الآية (45) : فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : ( لم يتّخذوهم أرباباً بالعبادة ، ولكن أطاعوهم في التحليل والتحريم ) .
وفي البحث عن آية : ( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا ... ) (سورة النحل : 2)، حيث تساءل المشكّكون والطاعنون عن معنى إنزال الروح وكيف يكون الروح أمراً ؟!
فأجابَ القاضي عبد الجبّار (46) : إنّ المقصود من (الروح) في هذه الآية : الوحي والقرآن ، وبتعبير القاضي عبد الجبّار فقد سُمّي القرآن روحاً ؛ لأنّه بمنزلة الروح الذي يحيا به أحدنا من حيث يحيا به الإنسان في أمر دينه ، وأنّه يُؤدّي إلى الحياة الدائمة ، وفي الواقع فقد قيل للقرآن والشرع روحاً على سبيل التشبيه والاستعارة .
ولا شكّ أنّ كلمة الروح وردت في القرآن بمعانٍ أُخر ، لكنّها وردت في هذه الآية ـ بعد أخذ القرائن الموجودة بنظر الاعتبار ـ بمعنى القرآن والوحي (47) .
وخلال حديثه عن الآيتين : (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) (سورة طه : 25 ـ 26) ، يقول القاضي عبد الجبّار (48) : إنّ المقصود من (شرح الصدر) في هذه الآية ليس معناه الحقيقي ، بل معناه المجازي ، أي امتلاكه الصبر والتحمّل والثبات والاستقامة في المصاعب والشدائد ، إذ بُعث موسى (عليه السلام) برسالة ومهمّة كبيرة ، كانت إحدى طلباته ليتمكّن من القيام بها ، هي مسألة (شرح الصدر) وطبعاً بمعناه المجازي . و(شرح الصدر) هذا هو نفسه الذي عدّه الباري عزَّ وجلَّ موهبة عظيمة من المواهب التي مَنّ بها على نبيّه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وذكرها في سورة الانشراح : ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) .
ويعتقد القاضي عبد الجبّار أنّ المعاني المجازية للكلمات تحوز أهميّة كبيرة ، وإنّ كثيراً من الكلمات القرآنيّة كان النظر فيها إلى المعنى المجازي .
فقد قال (49) في الردّ على الذين سألوا عن معنى كلمة (حرف) في قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ) (سورة الحج : 11) : في هذه الآية تشبيه لطيف للغاية ؛ لأنّ المنافق يُظهر العبادة ويبطن خلافها ، فشبّه تعالى ظاهر أمره بحرف ؛ لأنّ الحرف هو طرف الشيء والمرء يحتاج من العبادة أن يظهر باطناً وظاهراً ، فلمّا أظهر المنافق ذلك من أحد الوجهين وصفهُ تعالى بذلك .
إنّ الأشخاص الذين يقفون على الحافّة والحرف سيكونون عرضة للتغيير والانزلاق بأدنى حركة ، وقد أضافَ القاضي عبد الجبّار (50) : وهذا الجنس من التشبيه يبلغ من الفصاحة ما لا تبلغهُ حقائق الكلام .
ونلاحظ أنّه بسبب عدم تشخّص المسائل البيانيّة في زمن القاضي عبد الجبّار بالشكل الذي هي عليه اليوم ، فقد استعملَ القاضي كلمة (المجاز) بدل التشبيه والاستعارة التي تستعمل حاليّاً ، فمثلاً في آية : ( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ ... ) (سورة القصص : 12) ، حيث لم يقبل موسى (عليه السلام) أن ترضعه المرضعات ؛ ربّما لأنّه لم يكن يتقبّل طعم حليبهنّ ، وربّما لأنّه كان يحسّ بالخوف من منظرهنّ الذي كان غير مألوف لديه ، قال القاضي عبد الجبّار (51) : المراد به الصرف والمنع لا التحريم في الحقيقة ، فكلمة (حرام) في هذا المورد قد استُعملت (مجازاً) ، وأنهى القاضي كلامه بعبارة ( فليس لأحد أن يَطعن بذلك ... ) .
لكنّ الآخرين قالوا : إنّ (التحريم) في الآية المذكورة قد استُعمل استعارةً ، إذ في الواقع قد شبّه (الصرف) و(المنع) بالتحريم ، كما ذكرَ أبو السعود في ذيل الآية مورد البحث (52) : ( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ ... ) أي : منعناه أن يرتضع من المرضِعات ، والمراضع : جمع مُرضِع ، وهي المرأة التي ترضَع ، أو مَرضع وهو الرضاع أو موضعه ، أعني : الثدي .
وكذا الأمر في آية : ( ... إِنّ اللّهَ حَرّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ) (سورة الأعراف : 5) ، أي أنّ كلمة (تحريم) في هذه الآية قد استُعيرت للتحريم التكويني ، أي أنّ وضع أهل النار بالشكل الذي لا يتمكّنون فيه أن يفيدوا من نِعَم الجنّة . وكذا الحال في آية : ( وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاها أَنّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ) (سورة الأنبياء : 95) حيث إنّ كلمة (حرام) في الآية تعني المنع وقد استُعلمت استعارة .
وقد كتبَ الزمخشري يقول (53) : استُعير الحرام للممتنع وجوده . أي أنّ الزمخشري اعتبرَ كلمة (حرّمَ) في آية ( ... إِنّ اللّهَ حَرّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ) (استعارة) ، وكتبَ في تفسيرها : أي مَنعهما منهم وأبى أن يكونا لهم .
وخلاصة الكلام أنّ القاضي عبد الجبّار حملَ مشتقّات كلمة (الحرام) في هذه الآيات على المعنى المجازي ، واعتبرها الزمخشري من الاستعارة .
وفي جوابه عن الذين تساءلوا عن معنى (العذاب الأدنى) في آية : ( وَلَنُذِيقَنّهُم مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (سورة السجدة : 21) ، قال القاضي عبد الجبّار (54) : وجوابنا أنّ المراد (من العذاب الأدنى) ما عجّله من الآلام لكي يصلحوا ، فسمّاه عذاباً مجازاً ، فالمقصود من العذاب الأدنى : المصائب والآلام أو القحط والجفاف .
وقد كتبَ سيّد قطب في الكلام حول الآية المذكورة (55) : لكنّ ظلال الرحمة تتراءى من وراء هذا العذاب الأدنى ، فاللّه سبحانه وتعالى لا يُحبّ أن يُعذِّب عباده إذا لم يستحقّوا العذاب بعلمهم ، وإذا لم يُصرّوا على موجبات العذاب ، فهو يوعدهم بأن يأخذهم بالعذاب في الأرض (لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ) وتستيقظ فطرتهم ويردّهم ألم العذاب إلى الصواب .
وكتبَ الطوسي في ذيل الآية سابقة الذكر (56) : أقسَمَ اللّه تعالى في هذه الآية ـ لأنّ اللاّم في قوله : (وَلَنُذِيقَنّهُم) هي التي يتلقّى بها القَسم وكذلك النون الثقيلة ـ بأنّه يُذيق هؤلاء الفسّاق ، الذين تقدّمَ وصفهم ، العذاب الأدنى بعض ما يستحقّونه ، وقيل : (العذاب الأدنى : هو الأصغر ، وهو عذاب الدنيا بالقتل ، والسبي ، والقحط ، والفقر ، والمرض ... ) .
وقال الشيخ الطبرسي أيضاً (57) : أمّا العذاب الأكبر ، فهو عذاب جهنّم في الآخرة . وأمّا العذاب الأدنى في الدنيا ، فاختُلف فيه ، فقيل : إنّه المصائب والمِحن في الأنفس والأموال .
وهناك نكتة مهمّة أخرى في الآية مورد البحث وهي : لماذا استُعملت كلمة (أدنى) مقابل كلمة (أكبر) ، وكان لازماً أنّ كلمة (أدنى) تقابل كلمة (أبعد) ، أو أن تُستعمل كلمة (أصغر) مقابل كلمة (أكبر)؟
إنّ عذاب الدنيا له خاصّيتان :
أ ـ إنّه قليل وصغير .
ب ـ إنّه قريب (أدنى) .
وإنّ مقتضى البلاغة في هذا المورد توجِب أن لا يبحث في مسألة قلّة العذاب وصغره ، بل إنّ من الأنسب أن يتحدّث عن قربه ، حيث يجيء بكلمة (أدنى) لهذا الغرض .
وعذاب الآخرة يمتلك أيضاً صفتين :
أ ـ إنّه بعيد .
ب ـ إنّه عظيم وكثير .
وفي هذا المورد فالمناسب أن يبحث حول عظمته وكثرته (أكبر) ، وليس حول بُعده (كونه أبعد).
وبالجملة ، فقد اختار اللّه تعالى من العذابين الوصف الذي هو أصلح للتخويف من الوصفين الآخرين لحكمة بالغة (58) .
وفي البحث عن آية : ( ... وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (سورة المائدة : 5) حيث قال الطاعنون : كيف يمكن قول ( يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ ) ، وإنّما يكفر المرء باللّه تعالى ؟!
أجابَ القاضي عبد الجبّار (59): إنّ المراد جحْد الإيمان ؛ فإنّ مَن جَحده فقد غطّاه ، فشبّه ذلك بالكفر الذي هو التغطية ، كما يقال : يكفر بالسلاح ، وقد قال القرآن في الواقع : إنّ مَن يعترض على حكم اللّه ـ الذي ذُكر في صدر الآية ـ وينكره فقد أضاعَ وأهدر أعماله ، وقد شبّه جحد الشرائع والجهل بها في هذه الآية بالكفر والتغطية ، وقد جيء باستعارة للمشبّه والمشبّه به في هذه الآية .
وفي الحديث عن آية : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) (سورة يوسف : 24) حيث قال الطاعنون : إنّ هذه الآية تدل على جواز معاصي الأنبياء ، وأنّهم أيضاً يمكن أن يرتكبوا المعاصي لولا أنّ إرادة اللّه تمنعهم وتحفظهم ، قال القاضي عبد الجبّار في جوابهم (60) : إنّ نسبة كلمة (هَمّ) ليست مطلقة لكليهما ، فهي مقيّدة في شأن يوسف حيث جاءت جملة (لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) بعدها ، في حين أنّ نسبة (همّ) أي : القصد والتصميم إلى زليخا مطلق بدون قيد أو شرط .
وبعبارةٍ أخرى : فإنّ (همّ) من جانب يوسف مشروطة ومقيّدة ، أي : مقيّدة بروح الإيمان والتقوى وتربية النفس ومقام العصمة ، لكنّها من جانب زليخا كانت مطلقة وغير مقيّدة بشيء .
أي أنّ القاضي عبد الجبّار يقول : إنّ (همّ) في الآية قد استُعملت في معناها المجازي (بالنسبة ليوسف) ، وليس في المعني الحقيقي (أي العزم على مواقعة زليخا) ، والمعنى المجازي الذي رمى إليه القاضي عبد الجبّار أن نقول : إنّه اشتهى ما دعتهُ إليه . وجملة ( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ) نفسها قرينة على أنّ اللّه قد نزّه يوسف (عليه السلام) عن القبائح والتلوّث بها ، وجملة ( إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) قرينة أخرى على اجتباء يوسف . وعلاوة على كلّ هذا فقد جاء في الآية السادسة من نفس السورة ما يفيد اجتباء اللّه تعالى ليوسف : ( وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ) (سورة يوسف : 6 ) .
وقد ذكرَ الفخر الرازي أيضاً واحداً من الوجوه المختلفة الموجودة في الآية فقال (61) : إنّ تفسير (همّ) بمعنى الشهوة والميل كثير في اللغة ، كأن يقول أحد في ما لا يشتهيه : ما يهمّني هذا ، وفي ما يشتهيه : هذا أهمّ الأشياء إليّ . وقد سمّى القرآن الكريم رغبة يوسف وشهوته (همّ) ، وعلى هذا فإنّ معنى الآية هو : ولقد اشتهتهُ واشتهاها لولا أن رأى برهان ربّه .
وهناك أقوال أخرى في باب (برهان الخالق) .
ــــــــــــــــــــــ
* المصدر : مجلَّة " رسالة القران " ( نشرة فصلية تُعنى بالشؤون القرآنية ) ، دار القرآن ـ قم ، العدد 11 ( رجب ـ شعبان ـ رمضان ) ، 1413 هـ ، ص 143 ـ 160 .
1 ـ عبد الجبّار أحمد بن خليل بن عبد الله ، المعروف بالقاضي عبد الجبّار ، عدّه البعض همدانياً ، وقال البعض : إنّه من أهل الري ، وعدّه آخرون منسوباً لأسد آباد ـ قرب همدان ـ وأسد بن ذي السرو الحميري هو الذي بنى (عبّادان).
للتوسّع تُراجَع المصادر التالية :
أ ـ السمعاني ، الأنساب ، 1: 211 ، طبع حيدر آباد دكن ، الهند.
ب ـ خير الدين الزركلي ، الأعلام ، ط3 ، بيروت ، 4: 47.
ج ـ السبكي ، طبقات الشافعيّة 3 : 219.
د ـ ياقوت ، مُعجم البلدان ، طبع مصر ، 1 : 255.
عدّوا عبد الجبار منسوباًً للريّ ؛ لأنّه نشأ وكبر هناك ، ثُمّ درسَ وارتفعَ في تلك المدينة إلى مراتب عالية .
وكانت للريّ في القرن الرابع الهجرى مدينة كبيرة عظيمة وفيرة المحاصيل ، وقد فتحها المسلمون في عصر خلافة عمر بن الخطاب سنة 22 هـ ، وقد نمت هذه المدينة تدريجيّاً وتقدّمت بشكل اكتسبت في القرن الرابع الهجري مركزيّة وأهميّة غطّت على دار الخلافة بغداد ، وفي تلك الفترة التي دامت حوالي مئة سنة اكتسبت أهميّة كبيرة بحيث عُدّت المدن الرئيسيّة التي تقع في أطرافها مثل : قم ، آوه ، ساوة ، زنجان ، وقزوين كلّها من توابع مدينة الري .
يراجَع للتوسّع في المطلب :
أ ـ المقدسي ، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ، طبع ليدن ـ 1909 م ، ص 385.
ب ـ الإصطخري ، المسالك والممالك ، طبع وزارة الثقافة والإرشاد ، ص 119 .
وقد نقلَ ياقوت الحموي عن الأهميّة الثقافيّة لمدينة الري في الجزء السادس من معجم الأدباء ، ص259 (الطبعة الثالثة ، دار الفكر ، 1400 هـ ـ 1980م) عن أبي الحسن البيهقي قوله : إنّ فهرست دار الكتب لمدينة الري قد نظّم في عشر مجلّدات ، وعند قدوم السلطان محمود إلى الري قيل له : إنّ هذه الكتب ، كتب الروافض وأهل البدع ، فاستخرجَ منها كلّّ ما كان في علم الكلام وأمرَ بحرقه .
وقد عدّ كثير من المؤرّخين وأهل التراجم القاضي عبد الجبّار همدانياً ، وقالوا : إنّ همدان كانت تعيش نهضة علميّة وكان الكثير من العلماء والمحدّثين أيضاً من تلك الديار ، وقد فُتحت هذه المدينة سنة 33 أو34، هجريّة من قِبَل المغيرة بن شعبة ودخل أهلها في الإسلام .
لقد شغلَ القاضي عبد الجبّار منصب قاضي القضاة مدّة طويلة في دولة آل بويه ووزارة الصاحب بن عبّاد ، وكان واحداً من مشاغله المهمّة نَصب وتعيين القضاة للمدن المختلفة ، وكان القضاة يقصدونه في مسائل القضاء بدلاً من قصدهم حاكم الولاية ؛ لذا اشتهر في كتب التراجم والطبقات بـ ( القاضي عبد الجبّار ) .
للتوسّع يراجَع المصادر الثانية :
أ ـ السمعاني ، الأنساب ، طبع حيدر آباد الهند ، ص592.
ب ـ ياقوت ، معجم البلدان ، طبع مصر، ج4 ، ص981.
وقد تحدّث الخطيب البغدادي المتوفّى سنة 463 هـ ، في المجلّد الحادي عشر من تاريخ بغداد ، ص 113 ـ 115 ، عن القاضي عبد الجبّار وعدّه من أسد آباد ، وذكر أنّه وليَ القضاء بالري وأرّخ لوفاته بدء سنة 415 .
وقد كتبَ بعض أهل التراجم المتأخّرين مثل : عمر رضا كحالة في معجم المؤلّفين : ج5 / ص78 ، أنّ سنة ولادة القاضي عبد الجبّار 359 هجريّة ، ولكن نظراً لأنّ القاضي عبد الجبّار كان من المعمّرين وكانت سنة وفاته معلومة (415 أو416 هجريّة) حيث عمّر أكثر من تسعين سنة ، فمن الأجدر أن نقول : إنّ ولادته كانت في العشرة الثالثة من القرن الرابع الهجري .
2 ـ راجع كتاب : القاضي عبد الجبّار بن أحمد الهمداني ، متشابه القرآن ، تحقيق : الدكتور عدنان زرزور ، في مجلّدين ، القاهرة ، دار التراث 1386 هـ، و1966 م ص 62 المقدّمة.
3 ـ راجع كتاب : دكتور عبد الفتّاح لاشين ، بلاغة القرآن في آثار القاضي عبد الجبّار وأثره في الدراسات البلاغيّة ، دار الفكر العربي ، مطبعة دار القرآن ، بدون تاريخ ، ص70.
4 ـ انظر : القاضي أبو الحسن عبد الجبّار الأسد آبادي ، المغني في أبواب التوحيد والعدل ، الجزء السادس عشر ، إعجاز القرآن ، الطبعة الأُولى ، شعبان 1380 هـ ـ ديسمبر 1960 م، مطبعة دار الكتاب : 197.
5 ـ انظر : القاضي عبد الجبّار ، إعجاز القرآن : 199.
6 ـ انظر : الإمام عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز في علم المعاني ، تحقيق وتعليق : السيّد محمّد رشيد رضا ، مكتبة القاهرة 1381 هـ ـ 1961م، ص35 وما بعدها.
7 ـ انظر : القاضي عبد الجبّار ، إعجاز القرآن : 199.
8 ـ انظر : القاضي عبد الجبّار ، إعجاز القرآن : 199.
9 ـ انظر : دلائل الإعجاز في علم المعاني : 40 ـ 44.
10 ـ انظر : دلائل الإعجاز : 44.
11 ـ انظر : القاضي عبد الجبّار ، إعجاز القرآن : 214 ـ 225.
12 ـ إنّ بعض اليهود أنكروا مسألة التحدّي حسب قول القاضي عبد الجبّار ، للتوسّع في هذا المجال يراجَع المصدر السابق : 243 و244.
13 ـ انظر : المصدر السابق : 264 ـ 249.
14 ـ للتوسّع في ذلك يراجَع المصدر السابق : 250 ـ 263.
15 ـ انظر : المصدر السابق : 273.
16 ـ انظر : المصدر السابق : 318.
17 ـ وهذا ما يُدعى بـ (قانون الصِرفة).
18 ـ انظر : المصدر السابق : 323.
19 ـ للتوسّع في مجال (إعجاز القرآن) تراجَع المصادر التالية :
أ ـ إعجاز القرآن للباقلاني ، طبع مصر ، من : 33 ـ 47، لقد اعتبر الباقلاني (المتوفّى سنة 403 هـ) بلاغة القرآن واحداً من وجوه إعجاز القرآن ، وقال في هذا الشأن : إنّّه بديع النظم ، عجيب التأليف ، متناهٍ في البلاغة إلى الحدّ الذي يُعلم عجز الخلق عنه) راجع كتاب : إعجاز القرآن ، للباقلاني : 35.
وقد تأثّر الباقلاني ، في هذا المورد بالخصوص ، بالجاحظ البصري (المتوفّى سنة 255 هـ) قال : إنّ إعجاز القرآن في نظمه وأسلوبه المحيّر هو في مباينته لطريقة كلام العرب الخاصّة ، شعراً ونثراً .
ونصّ كلام الجاحظ في كتاب (البيان والتبيين) الجزء الأول : 383 ، طبع عبد السلام محمّد هارون ، كالتالي:
(وكيف خالفََ القرآن جميع الكلام الموزون والمنثور ، وهو منثور غير مقفّى على مخارج الأشعار والأسجاع ، وكيف صارَ نظمه من أعظم البراهين وتأليفه من أكبر الحُجج).
وخلاصة القول : إنّ الباقلاني يعتقد أنّ القرآن مباين لأساليب كلام العرب والمنظوم والمنثور ، وإنّ البلاغة موجودة في جميع آياته بلا استثناء ، خلافاً لكلام باقي الفصحاء الذي تتفاوت فصاحته في مورد عن آخر .
ب ـ وكذلك للتوسّع في وجوه إعجاز القرآن ، يمكن مراجعة كتاب ( الإتقان في علوم القرآن ) للسيوطي ، طبع مصر ، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم 4 من:3 ـ17.
وقد تحدّث السيوطي في هذا الفصل عن الأقوال المختلفة في باب وجوه إعجاز القرآن مثل : الاعتقاد بالصرفة ، وهي عقيدة كلّ من : أبي إسحاق إبراهيم بن سيّار النظّام (المتوفّى سنة 220 هـ) أحد كبار المعتزلة ، وشيخ الجاحظ.
وقد نقلَ السيوطي كذلك بشكل مفصّل رأي : أبي بكر الباقلاني ، والإمام الفخر الرازي ، والزملكاني ، وابن عطيّة ، وحازم القرطاجني ، والسكّاكي ، وابن شراقة ، والزركشي في (البرهان) ، والرّماني في رسالة (النكت في إعجاز القرآن) ، والقاضي عيّاض في كتاب (الشفاء) ، وكذا آراء باقي العلماء في باب إعجاز القرآن.
ج ـ وقد سبقَ أبو الحسن علي بن عيسى الرّماني (المتوفّى سنه 386هـ) ، في رسالة (النكت في إعجاز القرآن) التي طبعت في دار المعارف المصريّة بتحقيق وتعليق محمّد خلف اللّه ، والدكتور محمّد زغلول سلام ضمن (ثلاث مسائل في إعجاز القرآن) ، سبقَ إلى القول : إنّ للبلاغة ثلاثة درجات ، أعلاها المعجزة وهي مختصّة بالقرآن ، ونصّ كلام الرّماني هكذا : (إنّما البلاغة : إيصال إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ ، فأعلاها طبقة في الحسن بلاغة القرآن ، وأعلى طبقات البلاغة للقرآن خاصّة ، وأعلى طبقات البلاغة معجز للعرب والعجم ... ) .
20 ـ للتوسّع يراجَع : إعجاز القرآن للقاضي عبد الجبّار : 332 ـ 333.
21 ـ راجع : كتاب إعجاز القرآن : 398.
22 ـ راجع المصدر السابق : 399.
23 ـ انظر : أبو الحسن عبد الجبّار بن أحمد ، تنزيه القرآن عن المطاعن ، طبع بيروت : 154.
24 ـ المصدر السابق : 105.
25 ـ انظر : إعجاز القرآن : 401.
26 ـ انظر : تنزيه القرآن عن المطاعن : 18 ـ 19.
27 ـ للتوسّع في هذا المجال يراجَع : الأستاذ جليل همائي (صناعات أدبي وفنون بلاغت) بالفارسيّة ، نشر طوس ، الطبعة الثانية سنه 1982: 228.
28 ـ انظر : تنزيه القرآن عن المطاعن : 297.
29 ـ يعتقد بعض المفسّرين أنّ كلمة (جان) من (جنّ) بمعنى الموجود غير المرئي ؛ لأنّ الثعابين الصغيرة النحيفة (= جانّ) تتحرّك غالباً بصورة خفيّة بين الحشائش ومسارب الأرض .
يراجَع للتوسّع في الموضوع : هوامش تفسير نمونة (بالفارسيّة) إشراف الأستاذ المحقّق ناصر مكارم الشيرازي ، طبع دار الكتب الإسلاميّة 15: 408.
30 ـ حَيَوان على وزن ضَرَبان ، باعتقاد مجموعة من اللّغويين أنّ معناه الحياة ، ولها معنى المصدر.
31 ـ انظر : تنزيه القرآن عن المطاعن : 317.
32 ـ المصدر السابق ، نفس الصفحة.
33 ـ يراجع للَتوسّع : الزمخشري ، الكشّاف طبع بيروت 5: 7 ، وأبو السعود ، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم الموسوم بتفسير أبي السعود ، تحقيق محمّد عبد اللطيف ، طبع مصر ، 8: 130.
34 ـ انظر : تنزيه القرآن عن المطاعن : 398.
35 ـ المصدر السابق : 277.
36 ـ وبالطبع فإنّ الوصول للجنّة يستلزم تزكية النفس ومجاهدتها ، وهذا يستلزم مشقّة كبيرة ، لكنّ الأجر والثواب الخالد في الوصول للجنّة عظيم وكبير ، لدرجة تبدو معها هذه المشاقّ ضئيلة لدرجة أنّه يبدو أنّ الإنسان قد حصل على الثواب والجزاء بلا تعب ومشقّة.
37 ـ انظر : تنزيه القرآن عن المطاعن : 269.
38 ـ المصدر السابق : 333.
39 ـ المصدر السابق : 333 ـ 334.
40 ـ انظر : متشابه القرآن1: 133.
41 ـ المصدر السابق2: 413.
42 ـ انظر : تنزيه القرآن عن المطاعن : 201.
43 ـ المفسّرون مختلفون في معنى تسبيح الأشياء ، يراجَع تفسير مجمع البيان وغيره في ذيل آيات التسبيح.
44 ـ انظر : تنزيه القرآن عن المطاعن : 248.
45 ـ المصدر السابق ، نفس الصفحة.
46 ـ المصدر السابق : 217.
47 ـ كتبَ السيّد الشريف الرضي ـ المتوفّى سنة 436هـ في 1: 11 ـ كتاب (غُرر الفوائد ودُرر القلائد) المعروف بـ (أمالي المرتضى) ، طبع مصر ، في ذيل آية 85 سورة الإسراء ، أي آية : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلا) : أنّ هناك آراء وعقائد كثيرة حول (الروح) : إحداها : أنّّها (القرآن) ، وإذا ما أخذنا بهذا القول فسيكون الجواب مناسباً جداً ، يعني أنّهم سألوا عن القرآن فأجابَ النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّ الروح (يعني القرآن) من أمر ربّي ، أي : من اللّه ، ولكن يُستنبط من القرائن الموجودة أنّ السائلين قد سألوا عن حقيقة الروح الآدميّة ، أي التي تُميّز الإنسان عن الحيوان ، والتي كانت السبب في تكريم الإنسان وتشريفه على سائر المخلوقات ، وهي التي جميع قوانا ونشاطاتنا منها ، وهي البناء الذي يباين ويغاير بناء المادّة.
48 ـ انظر : متشابه القرآن2: 649.
49 ـ انظر : تنزيه القرآن عن المطاعن : 270.
50 ـ المصدر السابق : 271.
51 ـ انظر : تنزيه القرآن عن المطاعن : 308.
52 ـ يراجَع : أبو السعود محمّد بن محمّد العمادي (المتوفّى سنة 951هـ) ، تفسير أبي السعود المسّمى (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان ، 7: 5.
53 ـ يراجع كتاب : الزمخشري ، الكشّاف عن حقائق التأويل وعيون الأقاويل ، بيروت ، 2: 583.
54 ـ انظر : تنزيه القرآن عن المطاعن : 330.
55 ـ يراجع كتاب : سيّد قطب ، في ظلال القرآن ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، الطبعة الخامسة (1386هـ ـ 1967م) 6: 520.
56 ـ يراجع كتاب : الشيخ الطوسي ، تفسير التبيان ، تصحيح وتحقيق أحد حبيب قصير ، مكتبة الأمين ، النجف 1968م ـ 1388هـ ، المجلّد الثامن : 276.
57 ـ يراجع كتاب : الشيخ أبو علي ، الفضل بن الحسن الطبري ، مجمع البيان في تفسير القرآن ، تحقيق وتصحيح الحاج سيّد هاشم رسولي المحلاَّتي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت 1379هـ ، الجزء السابع : 332.
58 ـ يراجع كتاب : الإمام الفخر الرازي ، التفسير الكبير ، الطبعة الثانية ، أوفست طهران ، الجزء الخامس والعشرون : 183 ـ 184.
59 ـ انظر : تنزيه القرآن عن المطاعن : 111.
60 ـ انظر : متشابه القرآن1: 291.
61 ـ يراجع كتاب : التفسير الكبير ، الجزء الثامن عشر : 118.
source : محمد علوي مقدم