عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

المراد من الرّجس فی آیة التطهیر

المراد من الرّجس فی آیة التطهیر

قال الله الحکیم بسم الله الرحمن الرحیم: « إِنَّما یُریدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهیراً». (1)
المراد من الرجس فی آیة التطهیر هو إنّ الرجس استعمل فی الذِّکر الحکیم، فی الخمر و المیسر و الأنصاب و الأزلام(2) کما استعمل فی المیتة و الدم و لحم الخنزیر(3) و فی الأوثان(4) و فی المنافقین(5) و فی المشرکین(6) و فی غیر المؤمنین(7) إلى غیر ذلک من موارد استعماله فی الکتاب والسنّة النبویة واللغة العربیة.
ینتقل الإنسان من مجموع هذه الموارد إلى أنّ الرجس عبارة عن کلّ قذارة ظاهریة کالدم و لحم الخنزیر، أو باطنیة و روحیة کالشرک و النفاق و فقد الإیمان. و بالجملة مساوئ الأخلاق، و الصفات السیئة و الأفعال القبیحة التی یجمعها الکفر و النفاق و العصیان.
فالمنفی فی الآیة التطهیر هو هذا النوع من الرجس، فهو بتمام معنى الکلمة ممّا أذهبه اللَّه عن أهل البیت.
فإذا کان أهل البیت منّزهین عن النفاق و الشّرک و الأعمال القبیحة و ما یراد منها، فهم معصومون من الذنب مطهّرون من الرجس، بإرادة منه سبحانه.
و قد ربّاهم اللَّه سبحانه و جعلهم معلّمین للأُمّة هادین للبشر، کما ربّى أنبیاءه و رسله لتلک الغایة. وعلى ضوء ذلک ، فأهل البیت - کانوا من کانوا- معصومون بنصّ هذه الآیة، مطهّرون من الذنب والعثرة فی القول و العمل بإذن من اللَّه سبحانه و إرادة حاسمة.
وقد اتّفقت الأُمّة على أنّ نساء النّبی لسنَ بمعصومات، فانّ الآیات الواردة فی سورة الأحزاب أوّلًا، ثمّ فی سورة التحریم ثانیاً، حیث یقول سبحانه: « إِنْ تَتُوبَا إِلِى اللَّهِ فَقَد صَغَت قُلُوبُکُمَا و إن تَظَاهَرَا عَلَیهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِیلُ وَ صَالِحُ المُؤمِنِینَ والملائکَةُ بَعْدَ ذَلِکَ ظَهِیرٌ». (8)تثبت ذلک. (9)
و هذا لا یعنی أن نبخس حقّهن، و نترک تکریمهن فانّهن أُمّهات المؤمنین لهنّ ‌من الحقوق ما شرعها اللَّه فی کتابه و سنة نبیّه المطهّرة. (10)
ا ما السّر فی جعل آیة التّطهیر جزءاً من آیة أُخرى فان التاریخ یطلعنا بصفحات طویلة على موقف قریش و غیرهم من أهل البیت علیهم السلام، فإنّ مرجل الحسد ما زال یغلی و الاتجاهات السلبیة ضدهم کانت کالشمس فی رابعة النهار، فاقتضت الحکمة الإلهیة أن تجعل الآیة فی ثنایا الآیات المتعلّقة بنساء النبی صلى الله علیه و آله و سلم من أجل تخفیف الحساسیة ضد أهل البیت، وان کانت الحقیقة لا تخفى على من نظر إلیها بعین صحیحة، و أنّ الآیة تهدف إلى جماعة أُخرى غیر نساء النبی صلى الله علیه و آله و سلم.
و للسید عبد الحسین شرف الدین هنا کلام ربّما یفصل ما أجملناه فإنّه- قدّس اللَّه سرّه- بعد ما أثبت أنّ قوله سبحانه: «إنَّما وَلِیُّکُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ» ( المائدة: 55) منزل فی حق الإمام أمیر المؤمنین علی بن ابی طالب علیه السلام طرح سؤالًا، و هو أنّه إذا کان أمیر المؤمنین علیه السلام هو المراد من الآیة فلماذا عبر عن المفرد بلفظ الجمع؟
فقال: إنّ العرب قد تعبّر عن المفرد بلفظ الجمع لنکتة التعظیم حیث یستوجب، ثم قال: و عندی فی ذلک نکتة ألطف و أدق، و هی أنّه إنّما أُتی بعبارة الجمع دون عبارة المفرد بُقیاً منه تعالى على کثیر من الناس، فإنّ شانئی علی و أعداء بنی هاشم من سائر المنافقین و أهل الحسد و التنافس لا یطیقون أن یسمعوها بصیغة المفرد إذ لا یبقى لهم حینئذ مطمع فی التمویه و لا ملتمس فی التضلیل فیکون منهم بسبب یأسهم حینئذ ما تخشى عواقبه على الإسلام فجاءت الآیة بصیغة الجمع مع کونها للمفرد اتقاء من معرتهم، ثم کانت النصوص بعدها تترى بعبارات مختلفة و مقامات متعددة و بث فیهم أمر الولایة تدریجاً حتى أکمل اللَّه الدین و أتمَّ النعمة جریاً منه صلى الله علیه و آله و سلم على عادة الحکماء فی تبلیغ الناس ما یشق علیهم، و لو کانت الآیة بالعبارة المختصة بالمفرد لجعلوا أصابعهم فی آذانهم و استغشوا ثیابهم وأصرّوا و استکبروا استکباراً، و هذه الحکمة مطردة فی کل ما جاء فی القرآن الحکیم من آیات فضل أمیر المؤمنین و أهل بیته الطاهرین کما لا یخفى.(11)(12)
مصادر:
1. الاحزاب :33.
2. المائدة: 90.
3. الأنعام: 145 .
4. الحجّ: 3.
5. التوبة: 95.
6. یونس: 100.
7. الأنعام: 125.
8. التحریم: 4.
9. إن تَتُوبا خطاب لحفصة و عائشة (الکشاف عن حقائق غوامض التنزیل، ج‌4، ص: 566)؛ و توبتهما مما جرى منهما فی قصة تحریم الجاریة أو العسل. و معنى صغت أی: مالت عن الصواب (کتاب التسهیل لعلوم التنزیل، ج‌2، صص390-391).
10. رسائل ومقالات، شیخ جعفر سبحانی، ج‌1، ص 549 - 550 .
11 - المراجعات: المراجعة: 42 ص 166.
12- اهل البیت، الشیّخ جعفر السّبحانی، ص: 50-52.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مكانة السيدة المعصومة (عليها السلام):
يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا
ملامح شخصية الإمام جعفر الصادق عليه السلام
أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
أقوال علماء أهل السنة في اختصاص آية التطهير ...
فاطمة هي فاطمة.. وما أدراك ما فاطمة
معرفة فاطمة عليها السلام
علي مع الحق - علي مع القرآن - شبهة وجوابها - خلاصة ...
صدق الحدیث
السيد الشاه عبدالعظيم الحسني رضوان الله عليه

 
user comment