قال الله الحکیم بسم الله الرحمن الرحیم: « إِنَّما یُریدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهیراً». (1)
المراد من الرجس فی آیة التطهیر هو إنّ الرجس استعمل فی الذِّکر الحکیم، فی الخمر و المیسر و الأنصاب و الأزلام(2) کما استعمل فی المیتة و الدم و لحم الخنزیر(3) و فی الأوثان(4) و فی المنافقین(5) و فی المشرکین(6) و فی غیر المؤمنین(7) إلى غیر ذلک من موارد استعماله فی الکتاب والسنّة النبویة واللغة العربیة.
ینتقل الإنسان من مجموع هذه الموارد إلى أنّ الرجس عبارة عن کلّ قذارة ظاهریة کالدم و لحم الخنزیر، أو باطنیة و روحیة کالشرک و النفاق و فقد الإیمان. و بالجملة مساوئ الأخلاق، و الصفات السیئة و الأفعال القبیحة التی یجمعها الکفر و النفاق و العصیان.
فالمنفی فی الآیة التطهیر هو هذا النوع من الرجس، فهو بتمام معنى الکلمة ممّا أذهبه اللَّه عن أهل البیت.
فإذا کان أهل البیت منّزهین عن النفاق و الشّرک و الأعمال القبیحة و ما یراد منها، فهم معصومون من الذنب مطهّرون من الرجس، بإرادة منه سبحانه.
و قد ربّاهم اللَّه سبحانه و جعلهم معلّمین للأُمّة هادین للبشر، کما ربّى أنبیاءه و رسله لتلک الغایة. وعلى ضوء ذلک ، فأهل البیت - کانوا من کانوا- معصومون بنصّ هذه الآیة، مطهّرون من الذنب والعثرة فی القول و العمل بإذن من اللَّه سبحانه و إرادة حاسمة.
وقد اتّفقت الأُمّة على أنّ نساء النّبی لسنَ بمعصومات، فانّ الآیات الواردة فی سورة الأحزاب أوّلًا، ثمّ فی سورة التحریم ثانیاً، حیث یقول سبحانه: « إِنْ تَتُوبَا إِلِى اللَّهِ فَقَد صَغَت قُلُوبُکُمَا و إن تَظَاهَرَا عَلَیهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِیلُ وَ صَالِحُ المُؤمِنِینَ والملائکَةُ بَعْدَ ذَلِکَ ظَهِیرٌ». (8)تثبت ذلک. (9)
و هذا لا یعنی أن نبخس حقّهن، و نترک تکریمهن فانّهن أُمّهات المؤمنین لهنّ من الحقوق ما شرعها اللَّه فی کتابه و سنة نبیّه المطهّرة. (10)
ا ما السّر فی جعل آیة التّطهیر جزءاً من آیة أُخرى فان التاریخ یطلعنا بصفحات طویلة على موقف قریش و غیرهم من أهل البیت علیهم السلام، فإنّ مرجل الحسد ما زال یغلی و الاتجاهات السلبیة ضدهم کانت کالشمس فی رابعة النهار، فاقتضت الحکمة الإلهیة أن تجعل الآیة فی ثنایا الآیات المتعلّقة بنساء النبی صلى الله علیه و آله و سلم من أجل تخفیف الحساسیة ضد أهل البیت، وان کانت الحقیقة لا تخفى على من نظر إلیها بعین صحیحة، و أنّ الآیة تهدف إلى جماعة أُخرى غیر نساء النبی صلى الله علیه و آله و سلم.
و للسید عبد الحسین شرف الدین هنا کلام ربّما یفصل ما أجملناه فإنّه- قدّس اللَّه سرّه- بعد ما أثبت أنّ قوله سبحانه: «إنَّما وَلِیُّکُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ» ( المائدة: 55) منزل فی حق الإمام أمیر المؤمنین علی بن ابی طالب علیه السلام طرح سؤالًا، و هو أنّه إذا کان أمیر المؤمنین علیه السلام هو المراد من الآیة فلماذا عبر عن المفرد بلفظ الجمع؟
فقال: إنّ العرب قد تعبّر عن المفرد بلفظ الجمع لنکتة التعظیم حیث یستوجب، ثم قال: و عندی فی ذلک نکتة ألطف و أدق، و هی أنّه إنّما أُتی بعبارة الجمع دون عبارة المفرد بُقیاً منه تعالى على کثیر من الناس، فإنّ شانئی علی و أعداء بنی هاشم من سائر المنافقین و أهل الحسد و التنافس لا یطیقون أن یسمعوها بصیغة المفرد إذ لا یبقى لهم حینئذ مطمع فی التمویه و لا ملتمس فی التضلیل فیکون منهم بسبب یأسهم حینئذ ما تخشى عواقبه على الإسلام فجاءت الآیة بصیغة الجمع مع کونها للمفرد اتقاء من معرتهم، ثم کانت النصوص بعدها تترى بعبارات مختلفة و مقامات متعددة و بث فیهم أمر الولایة تدریجاً حتى أکمل اللَّه الدین و أتمَّ النعمة جریاً منه صلى الله علیه و آله و سلم على عادة الحکماء فی تبلیغ الناس ما یشق علیهم، و لو کانت الآیة بالعبارة المختصة بالمفرد لجعلوا أصابعهم فی آذانهم و استغشوا ثیابهم وأصرّوا و استکبروا استکباراً، و هذه الحکمة مطردة فی کل ما جاء فی القرآن الحکیم من آیات فضل أمیر المؤمنین و أهل بیته الطاهرین کما لا یخفى.(11)(12)
مصادر:
1. الاحزاب :33.
2. المائدة: 90.
3. الأنعام: 145 .
4. الحجّ: 3.
5. التوبة: 95.
6. یونس: 100.
7. الأنعام: 125.
8. التحریم: 4.
9. إن تَتُوبا خطاب لحفصة و عائشة (الکشاف عن حقائق غوامض التنزیل، ج4، ص: 566)؛ و توبتهما مما جرى منهما فی قصة تحریم الجاریة أو العسل. و معنى صغت أی: مالت عن الصواب (کتاب التسهیل لعلوم التنزیل، ج2، صص390-391).
10. رسائل ومقالات، شیخ جعفر سبحانی، ج1، ص 549 - 550 .
11 - المراجعات: المراجعة: 42 ص 166.
12- اهل البیت، الشیّخ جعفر السّبحانی، ص: 50-52.