عربي
Monday 22nd of July 2024
0
نفر 0

أصول الحب

أصول الحب

نظم الباري المصور سبحانه وتعالی الحياة حسب الاصول التي تسير وفق قوانين دقيقة ومتقنة ، وکما ان للفقه والعلوم والدين اصول فان للحب الذي هو اصل بناء الحياة والمجتمع والاسرة اصول ايضا ويمکن ان نشير الی اربعة اصول هي القالب الاساسي للحب :
1 - من الله وبالله وفى الله
2 - معاشرة وتحقيق لا يعرف الفرقة
3 - فتح من الله
4 - رحمة من الله
الأصل الأول : الحب من الله وبالله وفى الله
الزواج ... حياة الحب الحقيقى .. والحب مادة الزواج الصادق ، حتى الأنبياء مع عظم ما كلفوا به من مهمة وأداء لم يتركوا هذه الحياة ، وكذلك من حمل هذا الإرث من بعدهم :
{ ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجًا وذرية وما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب } الرعد : 38 .
فلا الزواج يعطل عن المهمة ، ولا الحب يعجز عن الأداء ، لأن الآيات بإذن من الله ، وليست من ابتكار واختراع المبدعين ، وليست بالعزلة والانعزال عن حياة البشر ، وإنما تنطبق على الجميع أحكام الناس : { لكل أجل كتاب } الرعد : 38 ، فكل هناء أو عزاء إلى فوت ، ولا يبقى إلا المعنى ولا تعيش إلا الحقيقة ، وهل هناك أجلّ من الحب معنى ، ومن جميل المعاشرة حقيقة ؟!!
ولذلك جعل الله الزواج آية من آياته فقال : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ، إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون } الروم : 21 .
ومادة هذه الآية تلك الحياة التى بيده تعالى من سكن ومودة ورحمة وامتزاج وتصافى فى الشعور والوجدان ، لا نصنعها وإنما صانعها هو الله تعالى ، ومانحها المولى عز وجل .
وكم من أزواج وزوجات كانت بداية حبهم التوجه إلى الله بالدعاء والصلة ، أن يجمع بينهما فى خير وعلى خير ، وأن تتحرك فى قلبيهما وروحهما قدرة المولى بآية الالتقاء بالنقاء ، والاجتباء بالصفاء ، والإحياء بالهنا ، فأنطقت الأرواح التى تلاقت منذ الأزل القلوب بالخفقان ، والنفوس بالتوقان ، والألسنة بالدعوات ، ألا يكون افتراق ، وأن تمتد عبر الأرض أحلى حياة أرادها الله للإنسان .
وهو وعد الله لمن به توجه وإليه توجه :
{ والطبيات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون ، لهم مغفرة ورزق كريم } النور : 26 .
ومن ثم تتحرك آية الله على أصل ركين ، وينمو الحب ويثمر عبر الزمان ، لأنه من الله وفى الله وبالله : { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } الأحزاب : 37 ، أى بأمر من الله ، ليمتد المعنى وتتواصل الحقيقة ويبقى الأصل لمن أراد الاستمرار بالحب ، أن يعلم أن المانح هو الله { وكان أمر الله مفعولا } الأحزاب : 37.
من الله بدأت ، وعلى الله تسير ، وبالله تخطو ، وفى الله تحيا ، مع كل المراحل العمرية ، شبابًا ثم كبارًا ، مع كل الظروف الحياتية ، سعة وضيقًا ، ومع كل الأجواء ، حلوها ومرّها :
{ فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن ءاتيتنا صالحًا لنكونن من الشاكرين } الأعراف : 189 .
{ إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم } النور : 32 .
قالت لى الحبيبة زوجتى عن هذا الأصل :
( إن هذا الحب هو نتاج دعاء ، فهو رزق من الله تعالى ، هو دعاء الله فى مقام إبراهيم ، دعاؤك كذلك ، أن يجمعنا الله وأن يربط على قلوبنا .
فعلى من علم هذا الأصل أن يكثروا من قول :
ما شاء الله ولا قوة إلا بالله
كلما رأوا فرحة أو نشوة أو صلة
ويعلموا أنها من عطاء الله ورزقه .
وهى ثمرة العمل الصالح والإخلاص لله ، ثم من قبل ومن بعد :(الحب والسكن والأنس معك ) .
الأصل الثانى : الحب معاشرة وتحقيق لا يعرف الفُرقة
وعبر الزمان ينمو الحب بالمعاشرة والعِشرة والتحقيق ، والانتصار على العقبات ، وليس ذلك تخويفًا فى أفق المحبين ، بل هى طبيعة طريق الحب ، الذى يمتحن : { فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض } الرعد : 17 ، نعم يضرب بجذورعميقة ، ويمكث قويًا شامخًا .
إنها رحلة الحياة عبر الزمان ، وروح حياة هذه الرحلة هذا الحب الذى يعيش ، بالمعاشرة والعشرة ، بالمعروف والوصال بالله تعالى : { وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا } النساء : 19 ، { ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف } البقرة : 228 .
وبالتقوى والخشوع واللجوء إلى الله وحكمه وأمره ، بالالتزام والإيمان والإعجاب بهما وحدهما دون غيرها : [ فاظفر بذات الدين تربت يداك ] , يقول تعالى : { ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم } البقرة : 221 .
بالاقتران والمشاعر الواحدة والانصهار التام : { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } البقرة : 187 .
بحياة الطهر والنقاء وحب ما يحب الله تعالى :
{ فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } البقرة : 222 .
بمقاطعة الشهوات والابتعاد عن أهلها الذين يريدون للزوجين الميل العظيم والولوغ فى بحور الخطايا : { والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيمًا } النساء : 27 .
وأخيرًا بالحذر من الشيطان ومكره ، فى تفرقة القلوب بفقدانها للحب :
{ فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجته وماهم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } البقرة : 102 .
هذا الأصل يدعو إلى التريث لمن أراد المكث ، والتمهل لمن أراد الاستمرار ، فلا يستعجل ثمرة قبل نضجها ، فيفقد حلاوتها ولا يذوق طعمها , تقول زوجتى :
( ثانى شىء هو أن هذا الحب نتاج معاشرة وعشرة ومعايشة ، ونتاج زمن فلا نستعجل , ولنعلم أن الشيطان من مكائده التفرقة وأول التفرقة " تفرقة القلوب " ) .
الأصل الثالث: فتحٌ من الله
روى البخارى ومسلم عن عمرو بن العاص رضى الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أى الناس أحب إليك ؟ قال : [ عائشة ، قال : فمن الرجال قال : أبوها ]
فلم ير صلي الله عليه وسلم غير عائشة , أو ما يمت إليها بصلة , فقال صلى الله عليه وسلم من الرجال : أبوها .
وهذا الأصل مع الزمن يقوى ، ويزداد مع النائبات قوة وخلوصًا كالذهب ، فما دامت القلوب يرفرف فيها الحب ، والأرواح قد تلاقت على الحب ، فكل كلمة أو سكنة أو حركة ، وكل عقبة أو ظلمة أو نائبة ، وكل فرحة أو نشوة أو بهجة ، كل ذلك ينقلب برحمة من الله إلى فتح جديد وطريق يبعث الروح فى الحب ليسمو ويزداد وهذا هو تجديد الحب الدائم .
تقول الحبيبة زوجتى :
( إن طرق الحب كثيرة وكلما شغل المحبين حبهم فتح الله عليهم بطرق ، حتى أن الله يفتح عليهم من طرق الحب التى لا تنتهى ، التى تزيد المحبين اشتغالا كلما زاد عمرهم وتقدم بهم الزمن ) .
تذكرت فعل الليالى مع أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها فى حادثة الإفك كما ترويها بنفسها , فبعد أن علمت بقصة الإفك أخذت فى البكاء وتقول لأمها : يغفر الله لك تحدث الناس بما تحدثوا ولا تذكرين لى من ذلك شيئًا ! قالت : أى بنية خففى عليك الشأن فوالله لقلّ ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن وكثر الناس عليها .
ثم تقول أم المؤمنين : ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره فقلت : ولكن سأقول كما قال أبو يوسف : ( فصبر جميل والله المستعان على ماتصفون ) .
فوالله ما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه نعم لحظات كانت رهيبة التى يستقبل فيها خبر السماء تقول عائشة رضى الله عنها : ( فوالله ما فزعت وما باليت , قد عرفت أنى بريئة وأن الله غير ظالمى ) .
وكان المشهد الأخير بعد أن سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس يقول :
[ أبشرى يا عائشة قد أنزل الله عز وجل براءتك . قالت : قلت الحمد لله ] .
وهكذا انتصر الحب ..
وازداد بهاءً ، لثقتها الكاملة بربها ، وصبرها على تكاليف الحب فى قلبها ، رغم بكائها المتواصل وحزنها المكبوت وآلام نفسها واختلاط الأسماء عليها .. فى لحظة صدق سمعت من قلب النبى صلى الله عليه وسلم :
أبشرى يا عائشة ...
فكان الشكر خاتمة لطريق قد فتحه الله بقولها : الحمد لله .
وهذا الفتح من الله الذى لا يتناهى لا ينزل عشوائيًا وإنما ينزل على القلوب التى أفناها الحب وأضناها الود ، ويكفيها أن يكون دعاؤها :
اللهم إنك ترى مكاننا وتسمع كلامنا ، علمك بحالنا يغنيك عن سؤالنا ، حينما قالها الخليل لخليله : تبدلت طبيعة الأشياء : { قلنا يا نار كونى بردًا وسلامًا على إبراهيم } الأنبياء : 69 .
وكذلك بالحب ..
تنقلب عاديات الناس إلى رحمات وفتوحات وفيوضات ، وهى رصيد يزداد , عبر الزمان وتقدم العمر ، فالحب لا يهرم ، لأنه الشمس التى لا تغيب ، والربيع الدائم ، ثم لأنه ماء الروح :
{ ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربى } الإسراء : 85 .
يا صديقى جنب الماء فمى
عطش الأرواح لا يُروى بماء
وإنها لصورة محببة إلى القلوب أن نرى الحب يجمع الزوجين وقد تقدم بهما العمر ، بنفس المشاعر وبنفس اللغة ، فالحب هو الروح الفتية فى أجساد متهالكة :
{ قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلى شيخا إن هذا لشيء عجيب ، قالوا : أتعجبين من أمر الله ، رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت , إنه حميد مجيد } هود : 72 73 .
الاصل الرابع : الحب رحمة من الله
{ وجعل بينكم مودة ورحمة } الروم : 21
هذا هو الحب ، من الله مودة بالقلب , ورحمة بالمعاشرة ، ومن ظن أن الرحمة منه فقد أخطأ ، فنحن محتاجون دائمًا إلى رحمة الله :
{ وربك الغنى ذو الرحمة } الأنعام : 133 ، حتى الملائكة قبل أن تدعو للمؤمنين يقولون : { ربنا وسعت كل شىء رحمة وعلمًا فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم } غافر7.
ومن ثم فمن أراد رحمة فليس له إلا الله وحده : { كتب ربكم على نفسه الرحمة } الأنعام : 54 ، فلا تعجب أن يكون الحب رزقًا من الله , يجعله فى قلوب من يختارهم لصدق الحب ، وفناء المحبين : { والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم } البقرة : 105 .
وكلما أخلص المحبون وتجردوا وصدقوا وأحسنوا الحب كانت الرحمات : { إن رحمت الله قريب من المحسنين } الأعراف : 56 .
{ ورحمتى وسعت كل شىء فسأكتبها للذين يتقون } الأعراف : 156 .
وفى دعاء عباد الرحمن الذين يعيشون فى رحمة الله وبرحمته ، تساوى فى فهمهم :
حياة الحب الصافى الذى تقرّ به العين فى البيت المؤمن : ( بالزوجة والذرية ) ، مع الدعوة إلى الله ونشر الإسلام والجهاد فى سبيل والتمكين لدين الله , وقيادته للدنيا بالله تعالى :
{ والذين يقولون هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا } الفرقان : 74 .
فعلى كل حبيبين تلاقت روحاهما عند كل خفقة قلب ، أو خلجة نفس ، أو ارتعاشة بدن ، أو نشوة روح ، أو بهجة كيان ، أن يسجدا لله شكرًا , ويقولان معًا :
{ هذا رحمة من ربى } الكهف : 98.
فما بهما من نعيم فمن الله :
{ ولولا فضل الله عليكم ورحمته فى الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم } النور : 14 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

خصائص الحسين عليه السلام في علي الأكبر
الحجّ في نصوص أهل البيت(عليهم السلام)
الوقف فی الثقافه العامه
أسباب النزول بين العموم والخصوص
مراحل حياة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
أولاد السيدة زينب (ع)
اضاءات هادية من كلمات فاطمة الزهراء عليها ...
صبر يوسف (عليه السّلام)
النفخ في الصور
الأخلاق الجاذبة الفعّالة

 
user comment