عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

الموالي في عصر الأمويين

الموالي في عصر الأمويين

أفضت الخلافة إلى الأمويين في أواسط القرن الأول للهجرة، وعدد الموالي آخذ في الزيادة بموالاة الفتح وتكاثر الرقيق بالأسر أو الإهداء؛ لأن العمال كثيرًا ما كانوا يبعثون بمئات أو ألوف من الرقيق الأبيض والأسود إلى بلاط الخليفة هدية أو بدلًا من الخراج أو نحوه(1)
والخليفة يفرق ذلك في أهل بطانته أو قواده، وهؤلاء يفرقونه فيمن حولهم أو يبيعونه فينتقل إلى الناس على اختلاف طبقاتهم، فمن أنجب من أولئك الأرقاء أو أعتق لسبب من الأسباب صار مولى، وذلك كثير وعادى يومئذ - غير الذين كانوا يدخلون في الولاء بالعقد وغيره. فتزايد عدد الموالي في عصر الأمويين زيادة عظيمة، وصاروا يتقربون من مواليهم بما يحتاجون إليه من شؤونهم، فاستخدمهم العرب في مصالحهم الصناعية أو الزراعية أو الدينية أو العلمية، واشتغلوا هم بالرياسة والسياسة؛ ولذلك كان أكثر القراء والشعراء والمغنين والكتاب والحجاب من الموالي
وقد يثري المولى فيبتاع العبيد ويعتقهم فيصيرون من مواليه، وهؤلاء إذا استطاع أحدهم أو بعض أولاده اقتناء العبيد وإعتاقهم صاروا مواليه، وهكذا حتى يتفق أحيانًا أن يكون الرجل مولى مولى، أو مولى مولى مولى أو أكثر - فعبد الله بن وهب الفقيه المالكي الشهير كان مولى يزيد بن زمانة، وهذا مولى يزيد بن أنس الفهري. وكذلك حماد بن سامة، والليث بن سعد، وأبو أسامة وغيرهم. وكان ابن مناذر الشاعر مولى سليمان القهرمان، وسليمان مولى عبيد الله بن أبي بكرة، وعبيد الله من موالي النبي صلی الله عليه وآله وسلم.(2) وأغرب من ذلك أن عبيد الله هذا ادَّعى أنه عربي من ثقيف، وادَّعى سليمان القهرمان أنه عربي من تميم، وادَّعى ابن مناذر أنه عربي من بني جبير بن يربوع، فيكون ابن مناذر مولى مولى مولى، ودعيًّا لمولى لمولى دعيّ مولى دعيّ. وقد بلغت نسبة الولاء عندهم إلى خمس درجات، فداود بن خالد بن دينار وإخوته من أهل الحديث، وكلهم من موالي آل حنين، وآل حنين موالي مثقب، ومثقب مولى مسحل، ومسحل مولى شماس، وشماس مولى العباس بن عبد المطلبفهو مولى مولى مولى مولى مولى. (3)
وقس على ذلك، مما يدل على تكاثر الموالي في ذلك العصر، وفيهم الفارسي والفرغاني والتركي والديلمي والخراساني والرومي والبربري والسندي وغيرهم، يشتغلون بما يحتاج إليه العرب من المهن والصناعات والآداب.
ناهيك بالموالي المحاربين، فقد كان في كل قبيلة من العرب عدد كبير منهم، ربما زاد على عددها، فإذا خرجت للحرب خرجوا معها، وحاربوا في سبيل نصرتها. واختلف عدد الموالي بالنسبة إلى مواليهم باختلاف الأعصر، ففي أيام على كانت نسبة الموالي الأحرار ممن يخرجون إلى الحرب كنسبة واحد إلى خمسة،(4)
ثم تكاثر الموالي في عصر الأمويين حتى زاد عددهم على عدد الأحرار. وبنو أمية مع ذلك يحتقرونهم ويضطهدونهم، وهم يصبرون على ذلك أو يفرون من سلطانهم إلى أطراف المملكة. وممن فر من جور بني أمية ميمون جد إبراهيم الموصلي المغني المشهور.(5)
فلما تكاثر الموالي ورأوا ما كان فيه الأمويون من التعصب للعرب على سواهم - ولا سيما الموالي، حتى كانوا يستخدمونهم في الحروب مشاة ولا يعطونهم عطاءً ولا شيئًا من الغنائم أو الفيء - عظم ذلك عليهم، ورأوا في نفوسهم قوة فنفرت قلوبهم من بني أمية، وأصبحوا عونًا لكل من خلع الطاعة أو طلب الخلافة .
فكل من قام لمحاربة الأمويين استعان عليهم بالموالي والعبيد، وهم الفئة المظلومة، وأشهر من حاربهم بالموالي والعبيد المختار بن أبي عبيد الذي قام في العراق للمطالبة بدم الحسين عليه السلام سنة ٦٦ﻫ،. فكان عدد الموالي في جند المختار أضعاف عدد الأحرار(6) وقد أبلوا في الحرب معه أكثر من بلاء الأحرار، ولذلك كان أكثر القتلى في تلك الحرب من الموالي، فقد بلغ عدد قتلاهم في معركة سنة ٦٧ﻫ ٦٠٠٠، ليس فيهم من العرب الأحرار إلا ٧٠٠، وسائرهم من الموالي(7)
وفاز المختار بالانتقام للحسين عليه السلام فوزًا حسنًا وقتل قتلته. ولما رأي وجهاء الكوفة انتصار المختار بمواليهم وعبيدهم بعثوا إليه يقولون: «إنك آذيتنا بموالينا. فحملتهم على الدواب وأعطيتهم فيئنا» فأجابهم: «إن أنا تركت مواليكم، وجعلت فيئكم لكم، تقاتلون معي بني أمية وابن الزبير، وتعطونني على الوفاء عهد الله وميثاقه، وما أطمئن إليه من الإيمان؟» فلم يرضوا.
والمختار أول من جند الموالي وفاز بهم، فجرأهم ذلك على الدولة واستخفوا بها ونصروا أعداءها، وأصبح الخلفاء العقلاء يسترضونهم بالعطاء ونحوه وأول من فرض لهم العطاء من بني أمية معاوية، فإنه جعل لكل واحد ١٥ درهمًا، فعبد الملك جعلها ٢٠، ثم أبلغها سليمان إلى ٢٥، وجعلها هشام ٣٠(8) على أن ذلك الفرض قلما كان يعطى لهم؛ لأن العمال كانوا يستخدمونهم غالبًا بلا عطاء ولا رزق.(9)
والمولى إذا آنس من مولاه رضاء ومحاسنة استهلك في نصرته، وكان لسيده ثقة فيه، حتى خلفاء بني أمية فقد كانوا يقربون جماعة من مواليهم، يعهدون إليهم بمهامهم ويرفعون منزلتهم ويستشيرونهم في أمورهم، والموالي يخلصون لهم ويستميتون في الدفاع عنهم، كما كان موالي بني هاشم يستميتون في نصرة مواليهم، وكانت تقوم المفاخرات بين الحزبين، وأشهرها مفاخرات سديف وسياب وقد تقدم ذكرها.
وقد يكون المولى من أصل رفيع، أو يرتقي إلى أعلى المراتب، حتى في أيام بني أمية رغم اضطهادهم وتعصبهم عليهم، وأعظم موالي العراق وأشهرهم فيروز مولى أهل الخشخاش، فإنه ولي الولايات وخرج مع ابن الأشعث على الحجاج، فقال الحجاج: «من جاءني برأس فيروز فله عشرة آلاف درهم»، فقال فيروز: «من جاءني برأس بالحجاج فله ١٠٠٠٠٠ درهم». فلما غلب ابن الأشعث هرب فيروز إلى خراسان، فقبض عليه ابن المهلب هناك وبعث به إلى الحجاج، فقتله بعد أن عذبه بسل القصب المشقوق على جسمه.(10)
زواج الموالي بالعربيات
على أن الموالي في أيام بني أمية كانوا على الإجمال أعداء الدولة، يقومون عليها مع القائمين انتقامًا لما كانوا يقاسونه من الاحتقار والجور ، فازداد الأمويون تحقيرًا لهم. فبعد أن قال النبي: «مولى القوم منهم» منعوا زواجهم بالعربيات، (11)
فإذا تجرأ مولى على الزواج بعربية وبلغ أمره إلى الوالي طلقها منه، كما حدث لأعراب بني سليم في الروحاء، فإنهم جاءوا الروحاء فخطب إليهم بعض مواليها إحدى بناتهم فزوجوه، فوشى بعضهم إلى والي المدينة بذلك، ففرق الوالي بين الزوجين وضرب المولى مائتي سوط وحلق رأسه ولحيته وحاجبيه، فقال محمد بن بشير الخارجي في ذلك بعد مدح عمل الوالي واسمه أبو الوليد:
حمى حدبا لحوم بنات قوم / وهم تحت التراب أبو الوليد
وفي المئتين للمولى نكال / وفي سلب الحواجب والخدود
فأي الحق أنصف للموالي / من أصهار العبيد إلى العبيد(12)
وكثيرًا ما كانوا يفعلون مثل ذلك بالموالي، ولو كانوا من أهل المنزلة الرفيعة أو أهل العلم والتقوى، فإن عبد الله بن عون من كرام التابعين ولكنه كان مولى، فتزوج عربية فضربه بلال بن أبي بردة بالسياط.(13)
على أن ذلك المنع كان شائعًا قبل الإسلام، وظل العرب يستنكفون منه رغم ما كان من نص الحديث المذكور وغيره. فسلمان الفارسي نصر المسلمين في حروبهم من أيام النبي، وله فضل كبير في الإسلام، فخطب إلى عمر بن الخطاب ابنته فوعده بها؛ لأنه لم ير في زواجه بها بأسًا، أما ابنه عبد الله فلما بلغه ذلك غضب وشكاه إلى عمرو بن العاص فقال له: «هنيئًا لك يا أبا عبد الله، أن أمير المؤمنين يتواضع لله - عز وجل - في تزويجك بابنته»، فغضب سلمان وقال: «لا والله لا تزوجت إليه أبدًا».(14)
فتزويج المولى بالعربية بالغ الأمويون في تقبيحه تعصبًا للعرب على سواهم، وهو عندهم أقبح من زواج العربي بغير العربية. ولكن ذلك لم يكن محرمًا في الدين ولا اعتبره أهل التقوى، فعلي بن الحسين بن علي المعروف بزين العابدين عليه السلام - وهو أحد الأئمة الاثني عشر ومن سادات التابعين - كانت أمه سلامة بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس، فلما توفي أبوه زوجها بثريد مولى أبيه وأعتق جارية له وتزوجها، فكتب إليه عبد الملك بن مروان يعيره بذلك. فكتب إليه زين العابدين: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، وقد أعتق رسول الله صفية بنت حيي بن أخطب وتزوجها، وأعتق زيد بن حارثة وزوَّجه بنت عمته زينب بنت جحش».
فالإسلام يرفع منزلة المولى، وأما الأمويون فرأوا تحقيره باعتبار أنه غير عربي، وشاع ذلك في أيامهم وأصبح الناس يعيرون بمصاهرة الموالي. ومن أشعارهم في رجل من بني عبد القيس بالبحرين زوج ابنته من أحد الموالي قول أبي بجير يؤنب آل عبد القيس لتزويجهم الموالي ومنهم الزارع والتاجر قال:
أمن قلة صرتم إلى أن قبلتم / دعارة زراع وآخر تاجر؟
وأصهب رومي وأسود فاحم / وأبيض جعد من سراة الأحامر؟
شكولهم شتى وكل نسيبكم / لقد جئتم في الناس إحدى المناكر
متى قال: إني منكم فمصدق / وإن كان زنجيًّا غليظ المشافر
أكلهم وافى النساء جدوده / وكلهم أوفى بصدق المعاذر
وكلهم قد كان في أولية / له نسبة معروفة في العشائر
على علمكم أن سوف ينكح فيكم / فجدعًا ورغمًا للأنوف الصواغر
فهلَّا أتيتم عفةً وتكرمًا / وهلا وجلتم من مقالة شاعر؟
تعيبون أمرًا ظاهرًا في بناتكم / وفخركم قد جاز كل مفاخر
متى شاء منكم مغرم كان جده / عمارة عبس خير تلك العمائر
وحصن بن بدر أو زرارة دارم / وزبان زبان الرئيس بن جابر
فقد صرت لا أدري وإن كنت ناسيًا / لعل تجارًا من هلال بن عامر
وعل رجال الترك من آل مذحج / وعل تميمًا عصبة من يحامر
وعل رجال العجم من آل عالج / وعل البوادي بُدلت بالحواضر
زعمتم بأن الهند أولاد خندف / وبينكم قربى وبين البرابر
وديلم من نسل ابن ضبة باسل /وبرجان من أولاد عمرو بن عامر
بنو الأصفر الأملاك أكرم منكم / وأولى بقربان ملوك الأكاسر
أأطمع في صهري دعيًّا مجاهرًا / ولم تر شرًّا من دعيٍّ مجاهر؟
ويشتم لؤمًا عرضه وعشيره / ويمدح جهلًا طاهرًا وابن طاهر(15)
وغرس هذا الاعتقاد في أذهان الناس حتى إن الموالي أنفسهم كانوا يستنكفون من تزويج المولى بالعربية. ذكروا أن ابنًا لنصيب المغني الشهير - وهو مولى - أحب بنت مولاه وكان مولاه قد مات، فخطبها من أخيه فأجابه إلى طلبه، فعرف نصيب بذلك فجمع وجوه الحي فلما حضروا أقبل نصيب إلى أخي مولاه وقال له: «أزوجت ابني هذا من ابنة أخيك؟» قال: «نعم»، فقال نصيب لعبيد له سود: «خذوا برجل ابني هذا فجروه فاضربوه ضربًا مبرحًا» ففعلوا، ثم قال لأخي مولاه: «لولا أني أكره أذاك لألحقتك به». ثم نظر إلى شاب من أشراف الحي فزوجه الفتاة، وأنفق على العقد من جيبه.(16)
ومع ذلك فالمولى لم يكن يخطب امرأة لنفسه ولا يزوج ابنته لرجل ما لم يستشر مولاه، فإذا أحب رجل أن يخطب فتاةً من بنات الموالي لا يذهب إلى أبيها ولا إلى أخيها، وإنما يخطبها من مواليها، فإن رضي مولاها زوجت وإلا فلا. وإن زوجها الأب أو الأخ بغير رأي مواليه فسخ النكاح، وإن كان قد دخل بها عُدَّ ذلك سفاحًا.(17)
وجملة القول: أن تعصب بني أمية للعرب جرهم إلى تحقير غير العرب وخصوصًا الموالي، فنقم هؤلاء عليهم وكانوا أكبر المساعدين في إخراج الدولة من أيديهم.
المصادر :
1- المسعودي ٣٥٤ ج٢.
2- الأغاني ٩ ج١٧.
3- المعارف ١٩٧.
4- ابن الأثير ١٧٣ ج٣.
5- الأغاني ٢ ج٥.
6- ابن الأثير ١٢١ ج٤.
7- ابن الأثير ١٣٦ ج٤.
8- العقد الفريد ٢٤٩ ج٢.
9- ابن الأثير ٢٤ ج٥.
10- المعارف ١١٥.
11- المسعودي ١٩٦ ج١.
12- الأغاني ١٥٠ ج١٤.
13- المعارف ١٦٧.
14- العقد الفريد ١٣٢ ج٣.
15- العقد الفريد ٢٣٢ ج٣.
16- الأغاني ١٣٦ ج١.
17- العقد الفريد ٧٣ ج٢.

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

صرخة العزاء تنادي "واعلياه" بذكرى إستشهاد أمير ...
الحرية في الإسلام.. مرتكزاتها ومعالمها
من عظمة السيدة زينب (عليها السلام)
الحج والحكمة من تشريعه
الإيرانيون وبداية التمهيد للمهدي عليه السلام
الموالي في عصر الأمويين
معنى النفاق لغةً واصطلاحاً
الحکام والفرق
أسرار الحج _2
التنازع على النفوذ في الدولة العباسية

 
user comment