عربي
Sunday 16th of June 2024
0
نفر 0

مدی فهم ابن تیمیّة حول التقیّة

مدی فهم ابن تیمیّة حول التقیّة

السؤال: ما قال ابن التّیمیه فی التّقیه علی الشیّعة الامامیّة ؟

الجواب: تعرّض ابن تیمیّة للتقیّة لغرض السبّ والتهجم على‌ الإمامیّة، وزعم أنّها أساس دینهم!!:

قال: «رأس مال الرافضة التقیّة، وهی أن یظهر خلاف ما یبطن کما یفعل المنافق. وقد کان المسلمون فی أوّل الإسلام فی غایة الضعف والقلّة وهم یظهرون دینهم لا یکتمونه، والرافضة یزعمون أنهم یعملون بهذه الآیة:

قوله تعالى‌: «لَّا یَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْکَافِرِینَ أَوْلِیَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِینَ وَمَن یَفْعَلْ ذَلِکَ فَلَیْسَ مِنَ اللّهِ فِی شَیْ‌ءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَیُحَذِّرُکُمُ اللّهُ نَفْسَهُ»

ویزعمون أنهم هم المؤمنون وسائر أهل القبلة کفّار، مع أنّ لهم فی تکفیر الجمهور قولین، لکن قد رأیت غیر واحدٍ من أئمّتهم یصرّح فی کتبه وفتاویه بکفر الجمهور، وأنهم مرتدّون، ودارهم دار ردّة، یحکم بنجاسة مائعها ...

والرافضة من أعظم الناس إظهاراً لمودّة أهل السنّة، ولا یظهر أحدهم دینه، حتى أنّهم یحفظون من فضائل الصحابة والقصائد التی فی مدحهم وهجاء الرافضة ما یتودّدون به إلى أهل السنّة، ولا یُظهر أحدهم دینه، کما کان المؤمنون یظهرون دینهم للمشرکین وأهل الکتاب. فعلم أنهم من أبعد الناس عن العمل بهذه الآیة.

وأمّا قوله تعالى‌ «إِلَّا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً» قال مجاهد: إلّا مصانعة. والتقاة لیست بأن أکذب وأقول بلسانی ما لیس فی قلبی فإنّ هذا نفاق. ولکن أفعل ما أقدر علیه ... وکتمان الدین شی‌ء وإظهار الدین الباطل شی‌ء آخر ...

والرافضة حالهم من جنس حال المنافقین ... فإنّ دینه الذی فی قلبه دین فاسد یحمله على‌ الکذب والخیانة وغشّ الناس وإرادة السوء بهم ...».(1)

قال: «وقال عامّة علامات النفاق وأسبابه لیست فی أحدٍ من أصناف الامّة أظهر منها فی الرافضة، حتى یوجد فیهم من النفاق الغلیظ الظاهر ما لا یوجد فی غیرهم، وشعار دینهم التقیّة التی هی أن یقول بلسانه ما لیس فی قلبه، وهذا علامة النفاق ...».(2)

قال: « والنفاق والزندقة فی الرافضة أکثر منه فی سائر الطوائف، بل لابدّ لکلّ منهم من شعبة نفاق، فإن أساس النفاق الذی بنی علیه الکذب، وأن یقول الرجل بلسانه ما لیس فی قلبه، کما أخبر اللَّه تعالى‌ عن المنافقین أنهم یقولون بألسنتهم ما لیس فی قلوبهم، الرافضة تجعل هذا من أصول دینها وتسمّیه التقیة، وتحکی هذا عن أئمة أهل البیت الذین برّأهم اللَّه عن ذلک، حتى یحکوا عن جعفر الصادق أنه قال: التقیّة دینی ودین آبائی. وقد نزّه اللَّه المؤمنین من أهل البیت وغیرهم عن ذلک، بل کانوا من أعظم الناس صدقاً وتحقیقاً للإیمان، وکان دینهم التقوى‌ لا التقیّة».(3)

اقول : نکتفی بهذا القدر، وأهل العلم والفضل یعلمون بحقیقة رأی الإمامیة ومقصودهم من التقیّة، ویفهمون معنى‌ الروایات الواردة فیها عندهم ... بل عند أهل السنّة أنفسهم، بل قصّة آل یاسر وتقیّة عمارٍ ونزول الآیة المبارکة فیها ... بل فی سیرة النبیّ مع أصحابه، وروایتهم لمثل هذا عجیب (4) وفی سیر الصحابة والتابعین وکبار العلماء فی مختلف القرون والأدوار شواهد عملیة کثیرة على‌ استعمال التقیّة، ومن تلک الموارد المشهورة إجابة کثیر من أئمّتهم فی محنة خلق القرآن تقیةً (5) ...

هذا هو الفخر الرازی یقول: إنّ مذهب الشافعی رضى الله عنه انّ الحالةَ بَین المسلمین إذا شاکَلتْ الحالةَ بَین المسلمِین والمشرکین حَلَّتْ التقیّةُ محاماةً على النفسِ.

وقال: التقیّةُ جائزةٌ لصونِ النَّفسِ، وهل هی جائزةٌ لصونِ المال؟ یُحتَمل أنْ یُحْکَمَ فیها بالجواز لقولهِ صلى الله علیه و آله و سلم: «حُرْمَةُ مالِ المُسْلِمِ کَحُرمةِ دَمِهِ» ولقولِهِ صلى الله علیه و آله و سلم: «مَن قُتِلَ دُون مالِهِ فَهُوَ شَهِیدٌ». (6)

وقال أبو هریرة: حَفِظْتُ مِن رسُول اللَّه صلى الله علیه و آله و سلم وِعائَین، أمّا أحَدُهما فَبَثَثْتُهُ فی النّاس، وأمّا الآخرَ فَلَوْ بَثَثْتُهُ لقُطِعَ هذا البَلعُومُ.(7)

والحال إنّ تاریخَ الخُلَفاء الأُمویّین والعَباسییّن زاخرٌ بالظلمِ والعَسْفِ، والحیْفِ والجَور.

ففی تلکَ الأیّام لم تکنِ الشیعةُ وحدَهم هُمُ المطرودُون، والمحجور علیهم بسببِ إظهار عقائِدِهم، بل سَلَکَ أغلَبُ محدّثیِ أهلِ السُّنّة فی عَصرِ المأمون أیضاً مَسْلَکَ التقیّة فی محنة «خَلْقِ القرآنِ» وَلم یخالف المأمونَ فی خَلْق القرآنِ وحُدُوثهِ بعدَ صُدُور المرسُوم الخلیفی العامّ، سوى شخصٍ واحدٍ، وقصَّتُهُ معروفةٌ فی التاریخ وعامّة المحدّثین تظاهروا بالوفاق تقیّةً.(8)

فقد ظهر أنّ «التقیّة» لا تختص بما إذا کان الذی یخاف منه کافراً ... وظهر أنّ الشرع دلّ علیها، وأنّ القوم إنما یکرهونها لکونها من معتقدات الشیعة، کسائر الأُمور المشروعة التی ترکها القوم بُغضاً وعناداً للشیعة.

وامّا التقیّة فی منطِقِ الشِیعَة :

إنّ التقیّة - حسبَ منطِقِ الشِیعَة- واجبة فی ظروف خاصَة، إلّا أنّها مُحرَّمةٌ فی بعضِ الشروطِ أیضاً، ولا یجوز للإنسانِ فی مثل هذهِ الشُروط أنْ یَستخدمَ التقیّة بحجّة أنّه قد یتعرّض نفسُه، أو مالهُ أو عرضُه للخطر.

فَقَد یَتَصوَّرُ بعضٌ أنّ الشِیعة یوجبونَ التَقیّة دائماً وفی جمیع الحالات والظروف والأوضاع، والحال أنّ هذا تصوّرٌ خاطِئٌ،

فإنّ سیرةَ أئمّة أهلِ البیت علیهم السلام لم تکنْ هکذا، لأنّهم، وبغیة رعایةِ المصالحِ والمفاسِدِ کانوا یَسلکون فی کلّ زمانٍ موقفاً خاصّاً، وأُسلوباً مناسباً ولهذا نجدُهم کانُوا تارةً یتّخذون مَسلَک التقیّة اسلوباً، وتارة أُخرى کانوا یُضحُّون بأنفسِهم وأموالِهم فی سبیلِ إظهارِ عَقیدتهم.

ومما لا شک فیه أنّ أئمَّةَ الشّیعَة استشهدوا بالسَیف أو السُّمّ على أیدی الأعدْاء فی حین أنّهم لو کانُوا یُصانِعُونَ حُکّام عصورهم ویجاروُنهم، لمَنحهمْ أُولئِک الحکّام أعلى المناصب، وأسمَى المَراتب فی حکوماتِهم ولکنهم کانُوا یَعلموُن أنّ التقیّة قبال أُولئک الحُکّام (کیزید بن معاویة مثلًا) کان یؤدّی إلى زوال الدّین، وهلاک المذهب.

وفی مِثل هذهِ الشُروط أمام القادة الدینیّین المسلِمین نوعان من الوظیفة:

أن یسلکوا مَسلَک التقیّة فی ظروف خاصَّة؛ وأنْ یحملوا حیاتهم على أکفّهِمْ ویَستَقْبلوا الموتَ فی ظروفٍ أُخرى، أی إذا وَجَدوا أساس الدِین فی خطرٍ جدّیٍ.

وفی الخاتمة نذکّرُ بأنّ التقیّةَ أمرٌ شخصیٌ ویَرتبط بوضعِ الفرد، أو الأفراد الضعفاء العاجزین فی مقابل العدوّ الغاشِم. فإنّ مثل هؤلاءِ إذا لم یَعْمَلوا بالتقیّة فَقَدوا حیاتهم مِن دون أن یترتب أثرٌ مفیدٌ على مقتَلِهِمْ.

ولکن لا تجوز التقیّة مطلقاً فی بیان معارف الدین وتعلیم أحکام الإسلام مثل أن یکتُبَ عالمٌ شیعیٌ کتاباً على أساس التقیّة، ویذکرَ فیه عقائدَ فاسدة، وأحکاماً منحرفة على أنّها عقائدُ الشیعة وأحکامُهم.

ولهذا فإننّا نرى علماءَ الشیعة أظهروا فی أشدّ الظروف والأحوال، عقائِدَهُمُ الحقَّة، ولم یحدُثْ طیلةَ التاریخ الشیعیّ ولا مرة واحدةً أن أقدَمَ علماءُ الشیعة على تألیف رسالةٍ أو کتابٍ على خلافِ عقائدِ مذهبهِم، بحجّة التقیّة،

وبعبارة أُخرى: أن یقولوا شیئاً فی الظاهر، ویقولُوا فی الباطن شیئاً آخر، ولو أن أحَداً فَعَلَ مِثلَ هذا العملِ وسَلَکَ مثلَ هذا المسلَکَ أُخرِجَ من مجموعةِ الشیعةِ الإمامیَّة.

وهنا نوصی الّذین یصعُب علیهم هضمُ مسألة التقیّة، وتقبُّل هذه الظاهرة، أوخَضَعُوا لِتأثیر دعایات أعداءِ التشیُّع السیّئة، بأنْ یطالِعوا- ولو مرّةً تاریخَ الشیعة فی ظلّ الحُکُومات أُموِیّةً، وعبّاسیّةً، وفی عصر الخلفاء العثمانیّین فی الاناضول والشامات، لِیَعلَموا بَهاضةَ ما قَدَّمهُ هذا الفَریقُ من الثَمن للدّفاع عن العَقیدة وبِسَبب اتّباع أهلِ البَیت علیهم السلام، وجَسامةَ ما قدّموه من تضحیاتٍ، وقرابین، وعظمةَ ما تحمّلوه من مصائبَ مرّة، حتى أنّهم ربّما هَجَرُوا بیوتهم ومنازلهم ولجأوا إلى الجبال.

لقد کانَ الشیعة على هذه الحال مع ما کانوا علیه من التقیّة، فکیف إذا لم یُراعُوا هذا الأصل .. ترى هل کانَ یبقى من التَشیُّع الیومَ إذا لم یَتّقوا، أثرٌ أو خَبَرٌ؟

وأساساً لابُدَّ مِن الإنتباه إلى نقطةٍ مهمّةٍ وهی أنّه إذا استوجَبَت التقیّة لَوماً فإنّ هذا اللومَ یجب أن یُوجَّهَ إلى من تَسبَّبَها، لأنّ هؤلاء بَدَل إجراء العَدل ومراعاة الرأفةِ الإسلامیّة أوجَدوا أصعَب ظروف الکَبت السیاسی والمذهبی ضِدّ أتباع أهل البیت النبویّ، لا أن یُلامَ مَن لَجَأ إلى التقیّة اضطراراً وحفاظاً على نُفُوسهم وأموالِهِم وأَعراضِهِمْ.

والَعَجَبُ العجاب فی المقام هو أن یتوجَّه البعضُ باللَّوم والنقد إلى العاملین بالتقیّة المظلومین ووصفهم بالنفاقِ بدل توجیه ذلک إلى مسبّبی التقیّة، أی الظالمین، هذا مضافاً إلى أنَّ «النفاق» یختلف عن «التقیّة» کاختلافِ المتناقضین، والبَونُ بینهما شاسع وبعیدٌ بُعدَ السَّماءِ عن الأرض.

فالمنافِقُ، یُبْطِنُ الکُفْرَ فی قَلبهِ ویُظهِرُ الإیمانَ لِغَرض التجسس على عورات المسلمین أو الوصول الى منافع لا یستحِقها، فی حین یکونُ قلبُ المسلم فی حال التقیّة مفعماً بالإیمان، وإنما یُظهرُ خلاف ما یعتقد لعلّة الخوف من الأذى، والاضطهاد.(9)

مصادر:

1. منهاج السنة/ 6/ 421- 428.

2. منهاج السنة 7/ 151.

3. منهاج السنة 2/ 46.

4. سیر اعلام النبلاء، الترجمة 1، عبادة بن الصامت 2/ 6.

5. انظر مثلًا: سیر أعلام النبلاء الترجمة 60، أبو مُسْهَر 10/ 230. والترجمة 157، سعدویه 10/ 482. والترجمة 199، أبو نصر التمّار 10/ 573.

6. تفسیر الرازی: 8/ 13.

7. محاسن التأویل: 4/ 82 .

8. تاریخ الطبری: 7/ 195- 206 .

9. دراسات فى منهاج السنة، سید على حسینى میلانى ، ص176- 179 ؛ العقیدة إلاسلامیة، شیخ جعفر سبحانی، ص 273- 279.

مصدر: مکتب سماحة آیة الله العظمی مکارم الشیرازی


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مذاهب اليهود
اذا بقى يوم من اجلك ماذا تفعل؟
لماذا الامامة بعد النبوة
الصحابة في القرآن
ولادة أبي الفضل العباس (ع) ولادة الوفاء والإخاء
الاستقلاب فی عهد أبی بکر وعمر
كيف نحب
البعد العسكري لثورة الامام الحسين عليه السلام
فضائل أهل البيت ع
وهذه لمحات عن الحياة في عصر المهدي عليه السلام

 
user comment