عربي
Monday 24th of June 2024
0
نفر 0

الصحابة في القرآن

الصحابة في القرآن
يقول تعالىٰ في سورة الفتح : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (١).
فمن ينظر إلىٰ أول الآية يرىٰ أن الممدوحين مع رسول الله هم عموم الصحابة ، لكن انظر إلىٰ قوله تعالىٰ : ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم ... ).
فلم يَعِدْ الله جميع الصحابة بالمغفرة والأجر ، بل فقط مَنْ آمن وعمل صالحاً ، ولو كان الوعد للجميع لقال : ( وعدهم الله ... ) فتأمل.
ويقول تعالىٰ في نفس هذه السورة : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) (٢). وأنت ترىٰ في هذه الآية أنّ الله تعالىٰ يحذّر الناكثين بأنهم إنّما ينكثون علىٰ أنفسهم وليسوا بضارّي الله تعالىٰ شيئاً.
ولدىٰ قراءة سورة الحجرات تصادف هذه الآية : ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ).
فانظر لوصف الله تعالىٰ هذه الفئة من المسلمين حيث وصفهم بأبشع وصف وهو أنهم لا يعقلون ، وقد وصفهم الله في صدر السورة بأنهم يرفعون أصواتهم فوق صوت النبي مع أنهم مؤمنين به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.
ويقول في سورة الحجرات أيضاً : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)
ومن المعلوم والمشهور أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة ، وهو أخو عثمان بن عفان لامه ، عندما بعثه إلىٰ بني المصطلق فرجع وكذب علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالله يصف الوليد بالفاسق ، وأئمة السنّة يقولون إنّه عدل ؟!
ويقول تعالىٰ في سورة التوبة : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ).
في هذه الآية يذكر الله ويشنّع علىٰ المسلمين فرارهم يوم حنين حيث تركوا النبي مع ثلة قليلة عدد أصابع اليد وفرّوا ، وقد اغترَّ المسلمون في حنين بكثرتهم حتّىٰ قال أبو بكر : « لن نُغلَب اليوم من قلّة » (3).
وقال الله أيضاً مخاطباً الصحابة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (4).
فالله هنا يقرّع الصحابة بسبب تثاقلهم عن الغزو وكما لا يخفىٰ فإن الله تعالىٰ توعّد الصحابة في هذه الآية بالعذاب الأليم وباستبدالهم بقوم آخرين ـ الفرس علىٰ رأي ـ إذا لم ينفروا في سبيله ، فأين مدح الله للصحابة هنا ؟!
وفي نفس سورة التّوبة هذه تقرأ قوله تعالىٰ : ( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) (5).
المشهور أن هذه الآية نزلت في أحد الصحابة علىٰ عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو ثعلبة بن حاطب الأنصاري ، الذي شكا لرسول الله الفقر وطلب أن يدعو له الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالغنىٰ والثروة ، ولمّا أعطاه الله سؤله رفض دفع الزكاة وقال : إنّها الجزية أو أخت الجزية ، فأنزل الله فيه هذه الآية.
إنّ ثعلبة صحابي أنصاري عاش مسلماً مؤمناً بالله ورسوله لكنه يوصف بالنفاق كما قال تعالىٰ ; فأين عدالة الصحابة جميعاً ؟! وأين ما يدّعيه علماء أهل السنة وأئمتهم ؟! ثم يأتي من يقول : إذا انتقصت أحداً من الصحابة فأنت زنديق !! فها هو الله ينتقص بعضهم بل كثير منهم ، افتونا بعلم إن كنتم صادقين.
ويقول تعالىٰ في سورة الأحزاب : ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ) (6).
قد يقول كثير من علماء أهل السنة : إنّ هذه الآية خاصة بالمنافقين ولا دخل لها بالصحابة ( وسنُبيّن أن المنافقين هم صحابة كذلك فيما بعد ) ولكن من ينظر مليّاً إلىٰ الآية فسيجدها تقصد فئتين ، المنافقين ثم فئة أُخرىٰ غير المنافقين وهم الذين في قلوبهم مرض.
يقول الله تعالىٰ عزّوجلّ في سورة الأحزاب أيضاً : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللهِ عَظِيمًا ) (7).
وقد قال الامام الفخر الرازي في تفسيره : « القائل هو طلحة بن عبيدالله الذي قال : لئن عشتُ بعد محمّد لأنكحنّ عائشة » (8).
ويقول تعالىٰ في آية أُخرىٰ من سورة الأحزاب : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا ) (9).
نعم هذا هو منطق القرآن لا قرابة بين الله وبين أحد من خلقه ولا مجاملة من الله ولا من رسوله لأحد ، لا لصحابي ولا لزوجة النبيّ ، إنّ أكرم الخلق عند الله أتقاهم بما في ذلك الأنبياء والمرسلين ، بل إنّ صحبة الرسول مسؤولية خطيرة وكذلك الزوجيّة له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن لم يراعها حقّ رعايتها كان عذابه مضاعفاً لما رأىٰ من الحق ومن هدي الرسول الكريم ، فهل بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هاد وهل بعده من عظيم ؟! ولولا رسول الله لأخذ عذاب الله كثيراً من الصحابة كما أخذ السامريّ ومن كان قبل الصحابة من أتباع وأصحاب الأنبياء ، ألا ترىٰ إلىٰ قوله تعالىٰ : ( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (10).
ويقول الله تعالىٰ في سورة الأحزاب : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (11).
إنّ الله لا يتأذّىٰ ولكن أذىٰ الله من أذىٰ الرسول ، وعليه فكلّ من آذىٰ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صحابيّاً أو غيره فقد آذىٰ الله ، وهذا نظير قوله تعالىٰ : ( مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ) (12) ، وما أكثر من آذىٰ الرسول من الصحابة والصحابيّات ، ومن أراد اليقين فليبحث فسيرىٰ عجباً.
ويقول الله تعالىٰ في سورة آل عمران : ( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (13).
ويقول الفخر الرازي في تفسيره : « أنها نزلت في حيّين من الأنصار همّا بترك القتال في أُحد والعودة إلىٰ المدينة أُسوة برأس النفاق عبدالله بن أُبي بن أبي سلول » (14).
ويقول تعالىٰ في سورة آل عمران حول معركة أُحد : ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ... ) (15).
ويقول كذلك : ( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (16).
ويقول أيضاً : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) (17).
مرحىٰ لهؤلاء الصحابة الذين يفرّون من ساحة المعركة ويتركون الرسول خلفهم والرسول يناديهم في ذلك الموقف الشديد.
وقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره : « أنّ عمر بن الخطاب كان من المنهزمين ، إلاّ أنّه لم يكن في أوائل المنهزمين !! ومن الذين فرّوا يوم أُحد عثمان بن عفان ورجلين من الأنصار يقال لهما سعد وعقبة ، انهزموا حتّىٰ بلغوا موضعاً بعيداً ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام فقال لهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد ذهبتم بها عريضة » (18) !
ثم لنأت إلىٰ سورة الجمعة ولنقرأ هذه الآية : ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (19).
وقد نزلت هذه الآية في الصحابة الذين كانوا يصلون الجمعة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتّىٰ إذا دخل دحية الكلبي ـ وكان مشركاً ـ المدينة بتجارة من الشام فترك الصحابة المسجد وخرجوا إليه ولم يبق معه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ اثنا عشر رجلاً علىٰ رواية ، حتّىٰ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم : « لو اتّبع آخرهم أوّلهم لالتهب الوادي عليهم ناراً » (20).
ونأتي إلىٰ سورة التحريم حيث ترىٰ عجباً ، إذ فضحت هذه السورة زوجتين من زوجات الرسول وهما عائشة وحفصة ، حيث جاء في سبب نزولها أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأتي زينب بنت جحش ويأكل عندها عسلاً ، فاتفقت عائشة مع حفصة علىٰ أن تقولا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ فيك رائحة مغافير ( الثوم ) ، وهكذا كان إلىٰ أن قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لقد حرّمتُ العسل علىٰ نفسي » ، فنزلت سورة التحريم ومنها قوله تعالىٰ : ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ) (21).
وصالح المؤمنين كما رواه البعض هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام (22).
ومعنىٰ صغت كما قال الفخر الرازي في تفسيره : مالت عن الحقّ.
وتواصل السورة : ( عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ) (23).
فالله يقول لعائشة وحفصة لا تظنّا أنكما أفضل النّساء لأنكما زوجتا الرسول ، بل يستطيع الله أن يبدله نساءاً خيراً منكنّ.
ثم يقارن الله تعالىٰ عائشة وحفصة بامرأة نوح وامرأة لوط ليحذّرهنّ أنّ كونهما زوجتين لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يدرأ عنهما عذاب النار ولا يجعلهنّ بالضرورة من أهل الجنة ، يقول تعالىٰ : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (24).
ثم يأتي علماء أهل السنة بعد كلّ هذه الأدلة ليقولوا : إنّ عائشة أحبّ النّاس لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والويل لمن يقول غير ذلك ! (25).
ثم تعال معي إلىٰ سورة النور ، حيث يقول العزيز الحكيم : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (26).
فتأمّل قوله تعالىٰ : ( عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ) ، ألا يعني ذلك أنهم داخلون في دائرة الصحابة ، وقد ورد في التفاسير أنّ الذين جاؤوا بالإفك ( اتهام عائشة ) هم زيادة علىٰ رأس النفاق عبدالله بن أبي سلول ، حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإسلام ، وزيد بن رفاعة ومسطح بن أُثاثة وحمنة بنت جحش (27).
وقد يدّعي الكثير من البسطاء أنّ هذه فضيلة لعائشة حيث برّأها الله وأنزل فيها قرآناً من فوق سماواته ، لكن من يتأمّل الحالة جيّداً يجد أنّ الآية نزلت لتبرأة ساحة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتنزيهه ، ولو كانت عائشة زوجة لغير رسول الله ما كان ينزل فيها حرف واحد ، لأنّ الله تعالىٰ بيّن أحكامه وأحكام السرقة والخمر وغيرها في كتابه ، لكن نظراً لحساسية موقع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنزلته العظمية برأ الله ساحته ونزّهها.
ويقول الله تعالىٰ في سورة الأنفال : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (28).
في هذه الآيات خطاب شديد للصحابة الذين حاربوا في بدر لأنهم أخذوا أسرىٰ ، وليس هذا من شأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ليس من شأن الأنبياء السابقين ، لكن الله سمح لهم بعد ذلك بأخذ الفداء ، والعجيب أنّ كثيراً من المفسّرين أدخلوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا التهديد مع أنّ ظاهر الآية واضح في مخاطبة الصحابة ، ثم أنّ رسول الله ما كان ليقوم بفعل أو قول دون إذن الله فلماذا يدخل في دائرة التهديد ؟! نعم هذا ما فعلته أيدي بني أُمية الحاقدة علىٰ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته فينطبق عليهم قول الله تعالىٰ : ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ) (29).
وتقرأ في سورة الأنعام هذه الآية : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللهُ ... ) (30).
وفي قول نزلت هذه الآية في عبدالله بن سعد بن أبي سرح أخو عثمان بن عفان والذي أهدر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دمه لأنّه قال إنني أستطيع أن أقول مثل ما أنزل الله ، والعجيب أنّ هذا الأفّاك الاثيم يصبح في زمن عثمان أحد وزراء الدولة وقادة الجيش ؟!
هذا غيض من فيض ، ولولا أنّ المجال لا يتّسع لأكثر من هذا لأتينا علىٰ كلّ الآيات النازلة في شأن الصحابة والتي كانت تفضح بعضاً منهم أو تُقرّع البعض الآخر أو تهدّدهم وتتوعّدهم.
وهكذا ترىٰ أنّ القرآن يضع الصحابة في محلّهم الطبيعي.
والعجب أنّ علماء أهل السنّة كما أشرنا إلىٰ ذلك سابقاً يزعمون أنّ الله والقرآن عدّلا الصحابة جميعاً ، وعليه إنّ أيّ قدح في أيّ واحد منهم هو خروج عن الإسلام وزندقة ، فها هو القرآن يكذّب آراءهم النابعة من الهوىٰ ويقول غير ما قالوا ، ولا كلام بعد كلام الله وإن كره الكارهون.
ثمّ دعنا من الصحابة ولنأت إلىٰ أشرف ولد آدم وأفضل رسل الله ورأس أُولي العزم عليهم‌السلام حيث إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكتسب تلك المنزلة العظيمة بالأماني بل بأعماله ، وها هو القرآن يشير إلىٰ هذه الحقيقة قائلاً : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (31).
وحاشا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يشرك ، لكن هذا هو مقياس الله ، لا مجاملة ولا محاباة مع أيّ أحد في أحكامه وشرائعه.
ثم انظر إلىٰ قوله تعالىٰ في سورة الحاقة : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) (32).
فليس معنىٰ كون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّاً يحجزه عن العقاب إذا خرج عن حدود الله ، فما بالك بعد هذا بالصحابة ؟!
إنّ الصحابة هم أوّل المكلّفين في الإسلام وأوّل المسؤولين.
فهم إذن تحت الشرع وليسوا فوقه ، وليس عندهم جواز عبور إلىٰ الجنّة ، هيهات ليس الامر بالأماني.
إنّ الصحابة في موضع خطير حيث أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بين أظهرهم ولا حجّة لمن تعدّىٰ حدود الله منهم غداً يوم القيامة ، فقد شاهدوا نور النبوّة وآيات الله نزلت بينهم وقد تمت عليهم الحجّة والويل لمن لم يُنجِه كلّ ذلك.
المصادر :
1- سورة الفتح : ٢٩.
2- سورة الفتح : ١٠.
3- أنظر تفسير الفخر الرازي ( التفسير الكبير ) في سورة التوبة : ٢٥.
4- سورة التوبة : ٣٨ ـ ٣٩. يقول الفخر الرازي في تفسير سورة التوبة : وهذا يدل أنّ كل المؤمنين كانوا متثاقلين في ذلك التكليف ، وذلك التثاقل معصية. ويقول الرازي بعد ذلك ، إنّ خطاب الكل وارادة البعض مجاز مشهور في القرآن.
5- سورة التوبة : ٧٥ ـ ٧٧.
6- سورة الاحزاب : ١٢.
7- سورة الأحزاب : ٥٣.
8- تفسير الفخر الرازي لهذه الآية ٢٥ : ١٨٠ ، تفسير الدرّ المنثور ٦ : ٦٤٣ ، وأنظر تفسير الألوسي حيث يورد رواية عن ابن عباس لكنّه كعادة القوم لم يذكر طلحة بالإسم فيها وإنّما بلفظ « رجل » ، ثمّ أورد إسمه في رواية ثانية حاول تضعيفها بدون أيّ دليل ! أنظر روح المعاني للالوسي البغدادي ١١ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠.
9- سورة الأحزاب : ٣٠.
10- سورة الأنفال : ٣٣.
11- سورة الأحزاب : ٥٧.
12- سورة النساء : ٨٠.
13- سورة آل عمران : ١٢١ ـ ١٢٢.
14- التفسير الكبير للفخر الرازي ـ تفسير سورة آل عمران : ١٢١ ـ ١٢٢ ، تفسير الطبري ٤ : ٤٨ ، الدرّ المنثور ٢ : ٣٠٥.
15- سورة آل عمران : ١٥٢.
16- سورة آل عمران : ١٥٣.
17- سورة آل عمران : ١٥٥.
18- تفسير الفخر الرازي في تفسير الآية ١٥٥ من سورة آل عمران ، تفسير الطبري ٤ : ٩٦ ، تفسير الدرّ المنثور ٢ : ٣٥٥ ـ ٣٥٦.
19- سورة الجمعة : ١١.
20- انظر تفسير الفخر الرازي سورة الجمعة ، تفسير الدر المنثور ٨ : ١٦٥ ، تفسير الطبري ٢٨ : ٦٧ ـ ٦٨.
21- سورة التحريم : ٤. وأنظر قصة المغافير هذه في صحيح البخاري ٦ : ١٩٤.
22- أنظر تفسير روح المعاني للالوسي البغدادي ١٤ : ٣٤٨. في تفسيره لسورة التحريم.
23- سورة التحريم : ٥.
24- سورة التحريم : ١٠.
25- أنظر مثلاً صحيح الترمذي ٥ : ٧٠٧ حديث رقم ٣٨٩٠.
26- سورة النور : ١١.
27- راجع تفسير الفخر الرازي في تفسير سورة النور ، تفسير الدرّ المنثور ٦ : ١٤٨ ، تفسير الطبري ١٨ : ٦٨.
28- سورة الأنفال : ٦٧ ـ ٦٨.
29- سورة المائدة : ٤١.
30- سورة الأنعام : ٩٣.
31- سورة الزمر : ٦٥.
32- سورة الحاقة : ٤٤ ـ ٤٦.

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مع اليهود في سورة الجمعة
البكاءُ في الشَعائر الحسينيّة
أزمات الشباب المعاصر
تطاير الكتب و إنطاق الجوارح و سائر الشهداء في ...
الإمام الرضا عليه السلام عند أهل السُّنّة
مسجات بمناسبة يوم الغدير
النص على إمامة الهادي عليه السلام
جوهر خلق المرأة و الرجل
موقف الإمام علي عليه السلام من الخلفاء الثلاثة
العلامة الاميني في مجلس علماء السنة

 
user comment