عن الزهري، قال : كنت عند علي بن الحسين عليهما السلام فجاءه رجل من أصحابه ، فقال له علي بن الحسين عليه السلام : ما خبرك أيها الرجل ؟.. فقال الرجل : خبري يا بن رسول الله !.. أني أصبحت وعليّ أربعمائة دينار دين ، لا قضاء عندي لها ، ولي عيال ثقال ليس لي ما أعود عليهم به ، فبكى علي بن الحسين عليه السلام بكاءً شديدا ، فقلت له : ما يبكيك يا بن رسول الله ؟.. فقال : وهل يُعدّ البكاء إلا للمصائب والمحن الكبار ؟.. قالوا : كذلك يا بن رسول الله. قال : فأية محنة ومصيبة أعظم على حرّ مؤمن ، من أن يرى بأخيه المؤمن خلّة فلا يمكنه سدّها ، ويشاهده على فاقة فلا يطيق رفعها .. فتفرقوا عن مجلسهم ذلك ، فقال بعض المخالفين - وهو يطعن على علي بن الحسين عليه السلام - : عجبا لهؤلاء !.. يدّعون مرة أن السماء والأرض وكل شي ء يطيعهم ، وأن الله لا يردّهم عن شيء من طلباتهم ، ثم يعترفون أخرى بالعجز عن إصلاح حال خواص إخوانهم ، فاتصل ذلك بالرجل صاحب القصة.
فجاء إلى علي بن الحسين عليه السلام فقال له : يا بن رسول الله!.. بلغني عن فلان كذا وكذا ، وكان ذلك أغلظ عليّ من محنتي ، فقال علي بن الحسين عليه السلام: فقد أذن الله في فرجك .. يا فلانة !.. احملي سحوري وفطوري ، فحملت قرصتين ، فقال علي بن الحسين عليه السلام للرجل : خذهما فليس عندنا غيرهما ، فإن الله يكشف عنك بهما ، وينُيلك خيرا واسعا منهما ، فأخذهما الرجل ودخل السوق لا يدري ما يصنع بهما ، يتفكر في ثقل دينه ، وسوء حال عياله ، ويوسوس إليه الشيطان : أين موقع هاتين من حاجتك ؟.. فمرّ بسمّاك قد بارت عليه سمكة ٌقد أراحت ( أي تغيرّت رائحتها ) فقال له : سمكتك هذه بائرة عليك وإحدى قرصتيّ هاتين بائرة عليّ ، فهل لك أن تعطيني سمكتك البائرة ، وتأخذ قرصتي هذه البائرة ؟.. فقال : نعم ، فأعطاه السمكة وأخذ القرصة . ثم مرّ برجل معه ملح قليل مزهود فيه ، فقال : هل لك أن تعطيني ملحك هذا المزهود فيه بقرصتي هذه المزهود فيها ؟.. قال : نعم !.. ففعل فجاء الرجل بالسمكة والملح فقال : أصلحُ هذه بهذا ، فلما شق بطن السمكة وجد فيه لؤلؤتين فاخرتين ، فحمد الله عليهما ..
فبينما هو في سروره ذلك إذ قُرع بابه ، فخرج ينظر مَن بالباب فإذا صاحب السمكة وصاحب الملح قد جاءا ، يقول كل واحد منهما له : يا عبدالله!.. جهدنا أن نأكل نحن أو أحد من عيالنا هذا القرص فلم تعمل فيه أسناننا ، وما نظنك إلا وقد تناهيت في سوء الحال ومرنت على الشقاء ، قد رددنا إليك هذا الخبز وطيبنا لك ما أخذته منا ، فأخذ القرصتين منهما ،فلما استقر بعد انصرافهما عنه قُرع بابه ، فإذا رسول علي بن الحسين عليه السلام فدخل فقال : إنه يقول لك : إن الله قد أتاك بالفرج ، فاردد إلينا طعامنا فإنه لا يأكله غيرنا ، وباع الرجل اللؤلؤتين بمالٍ عظيم قضى منه دينه وحسُنت بعد ذلك حاله. فقال بعض المخالفين : ما أشدّ هذا التفاوت !.. بينا علي بن الحسين لا يقدر أن يسدّ منه فاقة إذ أغناه هذا الغناء العظيم ، كيف يكون هذا ؟.. وكيف يعجز عن سدّ الفاقة من يقدر على هذا الغناء العظيم ؟.. فقال علي بن الحسين عليه السلام : هكذا قالت قريش للنبي صلى الله عليه واله وسلم: كيف يمضي إلى بيت المقدس ، ويشاهد ما فيه من آثار الأنبياء من مكة ، ويرجع إليها في ليلة واحدة من لا يقدر أن يبلغ من مكة إلى المدينة إلا في اثني عشر يوما ؟..
وذلك حين هاجر منها ، ثم قال علي بن الحسين عليه السلام : جهلوا والله أمر الله وأمر أوليائه معه ، إن المراتب الرفيعة لا تنال إلا بالتسليم لله جل ثناؤه ، وترك الاقتراح عليه والرضا بما يدبرهم به .. إن أولياء الله صبروا على المحن والمكاره صبراً لم يساوهم فيه غيرهم ، فجازاهم الله عز وجل بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم ، لكنّهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريده لهم .
المصدر : أمالي الصدوق ص