السفياني الهويّة المنحوسة
اسم السفياني:
اختلفت الروايات في اسم السفياني على قِلَّتها، ولعلَّ الاختلاف والتضارب يعود إلى عدم أهميّة الاسم بدرجة كبيرة بعد الاتفاق على لقبه المشئوم، كما إنّ احتمال انتحال هذا الرجل لأسماء حركية متعددة يقلّل من أهميّة ذكر اسمه خاصة في بداية أمره وأوائل حركته المنحرفة.
فقد ورد في رواية أنَّ اسمه (حرب) كما في المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:
(تختلف ثلاث رايات...)، فقام رجل فقال: فما اسمه يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام: (حرب بن عنبسة بن مرّة بن كلب بن سلمة بن يزيد بن عثمان بن خالد بن يزيد بن معاوية...) (17).
إذن فهو (حرب) كما في هذه الرواية، بينما نجد أن رواية أخرى تسميه عنبسة.
وفي رواية ثالثة ورد أن اسمه عثمان، فقد روى الصدوق في كمال الدين قال: حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه، قال: حدّثنا عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن علي الكوفي، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس... اسمه عثمان وأبوه عنبسة) (18).
وضعف سند هذه الروايات الثلاث مضافاً إلى تضاربها على قلّتها يدفعنا إلى عدم اعتماد اسم معيّن لهذه الشخصية، بعد وضوح عدم أهميّة الاسم في القضية وإنما المهم المنهج الشاذ لهذه الشخصية وبعد اتّضاح ملامح معتقداته وسيرته ومبدأ ظهوره وكيفية توليه الأمور وصيرورة الحكم إليه عن اختلاف رايات ثلاث، تظهر بالشام.
ومما يؤيّد عدم أهميّة الاسم ما روي عن صادق آل محمّد في خبر عبد الله بن أبي منصور قال:
سألته عن اسم السفياني، فقال عليه السلام: (وما تصنع باسمه إذا ملك كور الشام الخمس، دمشق، حمص، فلسطين، الأردن وقنسرين، فتوقّعوا عند ذلك الفرج) (19).
أجل، ورد تأكيد على انتمائه العائلي وشجرته الملعونة كما في الخبر المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام والمتقدّم ذكره حيث قال عليه السلام: (يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس) (20).
فهو من عائلة أبي سفيان بن حرب وهند آكلة كبد حمزة عمّ النبي الأكرم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين.
وفي الفتن للسليلي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:
(ويكون بالواد اليابس عدّة عديدة فيقولون له (أي للسفياني)(21): يا هذا ما يحلُّ لك أن تضيّع الإسلام، أما ترى ما الناس فيه من الهوان والفتن؟ فاتق الله واخرج، أما تنصر دينك؟ فيقول: لست بصاحبكم. فيقولون: ألست من قريش) (22).
وكذا ما روي عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام من أنه قال:
(... وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان) (23).
وهذه الروايات وإن كانت مختلفة أحياناً إلاّ أنها مشتركة ومتّفقة على انتماء هذا الرجل إلى الشجرة الملعونة في القرآن، خاصة وأنها روايات متعدّدة.
ولا يخفى تمايز النسب عن الاسم في الأهميّة، فليست معرفة الاسم ضرورية مثل معرفة النسب الذي يدلُّ في أغلب الأحيان على الانتماء الفكري والعقائدي والانسجام في الرؤى والتطابق في الأساليب والسلوك إلاّ ما شذَّ وندر عند بعض الأفراد، ولعلَّ هذا هو أحد أسباب اهتمام وتأكيد الأئمّة عليهم السلام على ذكر نسب السفياني، ويبدو ذلك واضحاً فيما تقدّم عن صادق آل البيت عليهم السلام، حينما قال:
(إنا وآل أبي سفيان أهل بيتين...) الخبر(24).
وكذا الكلام في أوصافه وملامحه الشخصية والجسدية، حيث لم ترد روايات معتبرة في ذلك ما عدا ما نقله في كمال الدين عن الإمام الصادق عليه السلام، قال الصدوق:
حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدّثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عمر بن يزيد، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام:
(إنّك لو رأيت السفياني لرأيت أخبث الناس، أشقر أحمر أزرق...) (25).
قد تؤثّر الملامح الجسدية لبعض الناس على سلوكهم سلباً أو إيجاباً، ولكن الدور الأسود الذي يلعبه السفياني في تاريخ الأمّة الإسلاميّة بعيد كلَّ البعد عن التأثر بأوصافه الجسدية، وإنما هو متأثّر بلا أدنى شكّ بمعتقداته وهواه الفكري والمنهجي، فنحن نستبعد كل الاستبعاد أن تتمكّن العاهات الجسدية أو التشوّهات الخَلقية، من صياغة شخصية إجرامية حاقدة على الإسلام كشخصية السفياني، وإنما صياغة مثل هذه الشخصية هي فقط وفقط نتاج القلب المريض والنفس اللئيمة والروح الشريرة المترعرعة في أحضان شياطين الإنس والجن، وستأتي الإشارة فيما بعد إلى تأثر هذا الرجل بوسوسة الشياطين ومردة الجن والأرواح الشريرة.
دين السفياني:
تارة يراد من الدين ما ينهجه الشخص من منهج حياتي وروحي وسلوكي، وتارة يراد منه الانتماء الاسمي والصوري فقط.
ولا شكّ في أن بعض الشخصيات لا يربطها أيّ رابط بالدين الإسلامي من حيث السلوك والسيرة كما هو حال أغلب الزعماء ورؤساء الدول الإسلاميّة _ وللأسف _ وإنما هي انتماءات في البطاقة الشخصية فقط، وإذا ما أردنا الحديث عن دين السفياني فإننا نلحظ هذه الصيغة من الانتماء، أعني الإنتماء الصوري الشكلي فقط. لا الانتماء الحقيقي إلى الدين الإسلامي أو غيره، ذلك لأن سلوك هذا الرجل البعيد عن كل القيم الإنسانية العامة فضلاً عن القيم السماوية والمُثُل العليا، يجعلنا نجزم بأنه لا ينتمي إلى أيّ مذهب ديني، وإلى هذا المعنى أشارت بعض الروايات كما عن الباقر عليه السلام قال في شأن السفياني:
(... لم يعبد الله قط...) (26).
فالرواية وإن لم تصرّح بنفي انتمائه الصوري إلى دينٍ معيّن لكنها تنفي بلا أدنى شبهة انتمائه الحقيقي إلى أيّ دين من الأديان السماوية الداعية إلى عبادة الله سبحانه وتعالى.
وقد لا يكون التعرف على دين السفياني ضرورياً بعد التعرّف على منهجه العملي، والجبهة التي يتخندق فيها، وبعد معرفة خصومه السياسيين والفكريين وهم أتباع آل البيت عليهم السلام، وتجييشه الجيوش للكوفة في العراق وهي المعروفة بهويتها الفكرية والعقائدية، ناهيك عن كونها مقرّ حكومة العدل الإلهي العالمي الذي يطبّقه خاتم أوصياء خاتم الأنبياء محمّد المصطفى صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
كما أن إرساله جيشه إلى الحجاز وإعاثة الفساد في البلاد والعباد وهتك حرمة المقدسات، ثمّ التحرك إلى طيبة محل مرقد أشرف خلق الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بغية منه في القضاء على الإمام المهدي عليه السلام، كل ذلك يعدُّ معلماً على كفر هذا الرجل وعدم اعتناقه لأيّة ديانة سماوية.
إذن فالخط العام واضح جدّاً، وهو تكذيب الله ورسوله وولاة الأمر وتتبّع أتباع آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ظنّاً منه أنه قادر على إطفاء هذا النور، وقد ورد عن باقر علوم الأوّلين والآخرين عليه السلام قوله في السفياني:
(... فإنّ حنقَهُ وشَرَهَهُ إنّما هي على شيعتنا) (27).
ولكن ومع كلّ ذلك نتناول بنحو الايجاز والاختصار ما قيل وما ورد في معتقد ومذهب هذه الشخصية، تتميماً للبحث والفائدة، فنقول:
هناك اختلاف في ما يظهر من الروايات التي تناولت موضوع معتقد السفياني وانتمائه المذهبي، فقيل: إنه نصراني، واستدلّ عليه بما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال:
(وخروج السفياني برايةٍ خضراء وصليب من ذهب) (28).
وإذا ما اعتمدنا هذه الرواية أمكن الجزم بنصرانية الرجل بعد استبعاد خروج المسلم عادة على هذه الهيأة خاصة إذا كان يتزعّم حركة سياسية عقائدية خطيرة كالتي يخوضها هذا الرجل حيث إنَّ مجال حركته هو الساحة الإسلاميّة ومن البعيد جدّاً أن يغفل عن مدارات أتباعه ولو نفاقاً بإظهار شعارات إسلاميّة ومظاهر دينية مزيّفة.
اللهّم إلاّ إذا كان المراد من الصليب الذهبي الرمزية والإشارة إلى شيء يناظر الصليب في اعتباره عند النصارى يتخذه السفياني شعاراً لحركته وفتنته، وحينئذٍ يزول الجزم السابق بنصرانيته.
لكن هذا الاحتمال يحتاج إلى قرينة قويّة صارفة لللفظ عن معناه الحقيقي إلى المجازي وهي مفقودة أو ضعيفة وهي ما أشرنا إليه سابقاً من الاستبعاد.
هذا إذا كنّا نحن والرواية المذكورة عن أمير المؤمنين عليه السلام في المختصر.
إلاّ أنّ هناك روايات تدلُّ على إسلامه _ بالبطاقة الشخصية طبعاً _ منها ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول:
(ويكون بالوادي اليابس عدّة عديدة فيقولون له (أي للسفياني): يا هذا ما يحلُّ لك أن تضيّع الإسلام، أما ترى ما الناس فيه من الهوان والفتن فاتق الله واخرج وانصر دينك) (1).
فهؤلاء العدّة العديدة إنما يعتقدون بأن نصرة الدين إنما تكون على يد هذا الرجل (بحسب منهجهم الفكري ونظرتهم للدين) وأن الإسلام سيضيّع إذا لم يقم السفياني لنصرته بقيادته لهم، فلو لم يكن مسلماً لما استنهضه هؤلاء الذي يعتقدون أن في جلوسه وسكوته إضاعة للدين وزيادة في هوان المسلمين واستمراراً للفتن التي حاقت بهم.
هذا ما استظهره بعض الكتّاب من الرواية.
وقد يقال: إن الرواية ليست في مقام المدح لهذا الرجل بقدر ما هي ذمّ له وعتاب، وفي قولهم: يا هذا ما يحلُّ لك أن تضيّع الإسلام، تقريع واضح وتخوّف من انحراف الرجل عن الإسلام إلى درجة تضييعه، ولو كان كلامهم في مقام المدح للمنقذ المخلّص، لما نادوه بكلمة: (يا هذا) فإن هذه الكلمة لا تدلُّ على الاحترام، ضرورة كونه شخصية معروفة عندهم واستنهاضه إنما يكون بالألفاظ المعظّمة له لا بما يدلُّ على الاستهانة والاستخفاف والعتاب.
كما إن قولهم: (أما ترى ما الناس فيه من الهوان والفتن فاتق الله...) فيه إشارة إلى تخوّفهم منه بإثارة الفتنة وإضافتها إلى ما هم فيه من فتن، وخوفهم من الهوان الذي سيلحقه بهم مضافاً إلى هوانهم، فهم يريدون منه أن يعدل عن رأي أو فكرةٍ أو فعل شنيع يريد القيام به.
ولكن الإنصاف إنَّ هذا القول بعيد عن ظاهر الرواية فما استظهره بعض الكتّاب هو المحكّم.
على أنّ هذه الرواية واردة _ كما يبدو _ في أوّل ساعات حركة السفياني ونحن لا نستبعد أن يكون السفياني منتمياً إلى الإسلام بالهوية في أوّل حياته ثمّ بعد ذلك يتنصّر سياسياً أو عقائدياً وفكرياً أو تملقاً ورغبة في نيل المكاسب الدنيوية والحصول على مساعدات الدول الصليبية للقضاء على خصومه السياسيين والعقائديين.
ولعلَّ ما يقوّي هذا المعنى ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام حيث يقول في شأن السفياني:
(ويذهب إلى الروم لدفع الملك الخراساني ويرجع منها متنصراً) (2).
والرواية صريحة في عدول السفياني عن الإسلام وتحالفه مع أعدائه الصليبيين، بل واعتناقه النصرانية، ويبدو أنّ خروجه براية خضراء وصليب من ذهب هو بعد رجوعه من الروم وتنصره هناك، وتحالفه مع أعداء الإسلام للتخلص من خطر الرايات السود التي يقودها الخراساني والتي تصل الشامات مما يدفع السفياني إلى الالتجاء إلى أعداء الإسلام واستصراخهم ضدّ المسلمين كما فعل أبوه معاوية بن أبي سفيان الذي تحالف مع الروم ليأمن خطر جيش الخلافة الإسلاميّة في زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وقد تعاقد معاوية معهم على أن يدفع لهم الجزية!! ويعطيهم من الضرائب السنوية في مقابل السكوت عنه وعدم مهاجمته، مع أن الله سبحانه وتعالى حرَّم ذلك على المسلمين بل وأمرهم بأخذ الجزية من المشركين وأهل الكتاب، وبذلك يكون معاوية قد خالف كل الأوامر والمقررات الإلهية في خصوص العلاقة مع الكفار والمشركين(3)، وهكذا يفعل حفيده عثمان بن عنبسة السفياني.
والذي يبدو لنا أن تنصّر السفياني ينعكس على معتقدات أتباعه فيتنصّرون أيضاً، وعلى أقل التقادير يتحالفون مع الروم والغرب ضدّ الإسلام الأصيل الذي يمثّله الإمام المهدي عليه السلام.
ومما يقوّي هذا الاحتمال ما ورد عن الباقر عليه السلام كما نقله المجلسي في بحاره مرسلاً من أن السفياني يُسلم على يد المهدي عليه السلام ويبايعه ثمّ يكسر بيعته ويعود عن إسلامه، فقد جاء في الرواية:
(فيقول (أي المهدي): اُخرجوا إلى ابن عمّي، فيخرج عليه السفياني فيكلّمه القائم عليه السلام فيجيء السفياني فيبايعه ثمّ ينصرف إلى أصحابه فيقولون له: ما صنعت؟ فيقول: أسلمت وبايعت، فيقولون له: قبّح الله رأيك... فيستقيله فيقاتله...) (4).
وهذا الأمر يتمُّ حينما يلتقي جيش الإمام المهدي عليه السلام مع جيش السفياني فيدعوهم المهدي عليه السلام ويناشدهم حقّه ويخبرهم أنه مظلوم مقهور ويقول لهم:
(من حاجني في الله فأنا أولى الناس بالله...) (5).(6)
فظاهر الخبر أن أصحاب السفياني يلومونه على إسلامه وهذا يدلُّ على تنصّرهم أيضاً ولو بالمعنى السياسي لا المعنى المصطلح، بل ويدلُّ على تمسّكهم بنصرانيتهم إلى درجة أنهم يجبرون قائدهم على العدول عن إسلامه وبيعته، وهذا أمرٌ خطير يسترعي الانتباه.
ومن البعيد أن تكون الرواية موضوعة مع ما فيها من مدح أشبه بالذم لهذا الرجل وذم أشبه بالمدح له أيضاً مما يجعلنا نستبعد وضعها من أحد الفريقين.
وهناك ما يدلُّ على تنصّر كلِّ أتباع السفياني فقد روى المجلسي عن الباقر عليه السلام قال: (إذا قام القائم عليه السلام وبعث إلى بني أميّة بالشام هربوا إلى الروم فيقول لهم الروم: لا ندخلكم حتّى تتنصّروا، فيعلقون في أعناقهم الصُّلبان ويدخلونهم) (7).
واُريد أن أشير إشارة سريعة هنا إلى ما يحصل اليوم في العراق من تنصّر سياسي لبعض المجاميع التي تحمل في أذهانها نويات منهج السفياني وفكره التكفيري الوهابي، فهؤلاء مع أنهم يدعون الإسلام والدفاع عن المبادئ الإسلاميّة إلاّ أننا نراهم بكل وضوح قد استصرخوا أعداء الإسلام واستنهضوهم ضدّ أتباع آل البيت عليهم السلام ولعلَّهم في المستقبل القريب يتنصّرون عقائدياً بعد تنصّرهم سياسياً، وحينئذٍ لا يكون مستبعداً بعد طول الزمن أن يتنصّر السفياني وأتباعه من أجل تحقيق مآربهم الدنيئة.
ولعلَّ ما يؤيّد تنصّر السفياني بما ورد في بعض الأخبار من أنه يقتل كل من اسمه محمّد وعلي، وقتل سمي رسول الله وإن كان جائزاً في حق آل أبي سفيان لكنه أنسب بالكفار واليهود الصهاينة.
ويَضعُفُ هذا الرأي بعدما عرفنا أن همَّ السفياني هو محاربة آل محمّد وشيعتهم وأتباعهم، وقد نقلنا الرواية التي رويت عن الباقر عليه السلام حين قال: (... فإن حنقه وشرهه إنما هي على شيعتنا) (8). وهدفه وهدف أسياده الذي لجأ إليهم وتحالف معهم هو القضاء على المهدي من آل البيت عليهم السلام، ولذا فإننا نعتقد أن قتله لكلّ من اسمه محمّد ناشئ من أن المهدي عليه السلام هو سمي جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة وأننا نعتقد بأن الرجل يدّعي الإسلام ولكنه يقود جماعة متشدّدة إرهابية تضمُّ الجهّال والأراذل نصبت العداء لأهل البيت عليهم السلام وأتباعهم، تتربّص الدوائر بالإمام الحجة بن الحسن عليه السلام.
وخلاصة ما نذهب إليه هو أن السفياني منافق يظهر الإسلام لركوب موجة تعصبية تكفيرية لا تعبأ إلاّ بتحقيق مآربها ولو كان ذلك على حساب الإسلام الأصيل وحتّى لو استدعى ذلك الائتلاف مع الصهيونية اليهودية والصليبية المسيحية، بعد إحساسها بالخطر الذي يتهدّدها من الفكر المهدوي ليكون همّها الشاغل القضاء على هذا الفكر مهما لؤمت الوسيلة والأسلوب.
ومما يدعم القول بنفاق السفياني ما ورد في الرواية عن كشّاف الحقائق جعفر بن محمّد الصادق عليه وعلى آبائه آلاف التحية والثناء والتي رواها الفضل بن شاذان قال:
حدّثنا محمّد بن أبي عمير، قال: حدّثنا جميل بن درّاج، قال: حدّثنا زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (استعيذوا بالله من شر السفياني والدجال وغيرهما من أصحاب الفتن).
فقيل له: يا بن رسول الله أما الدجّال فعرفناه وقد بُيّن في مضامين أحاديثكم شأنه، فمن السفياني وغيره من أصحاب الفتن وما يصنعون؟
قال عليه السلام: (أوّل من يخرج منهم رجل يقال له: أصهب بن قيس يخرج من بلاد الجزيرة ذو نكاية شديدة في الناس وجور عظيم. ثمّ يخرج الجرهمي من بلاد الشام ويخرج القحطاني من بلاد اليمن، ولكلِّ واحد من هؤلاء شوكة عظيمة في ولايتهم ويغلب على أهلها الظلم والفتنة منهم، فبينما هم كذلك إذ يخرج عليهم السمرقندي من خراسان مع الرايات السود والسفياني من الوادي اليابس من أودية الشام وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان وهذا الملعون يظهر الزهد قبل خروجه ويتقشّف ويتقنّع بخبز الشعير والملح الجريش ويبذل الأموال فيجلب بذلك قلوب الجهّال والأراذل ثمّ يدّعي الخلافة فيبايعونه ويتبعهم العلماء الذين يكتمون الحق ويظهرون الباطل فيقولون: إنه خير أهل الأرض) (9).
وروى النعماني في الغيبة عن الباقر عليه السلام قال: (السفياني... لم يعبد الله قط ولم يرَ مكّة ولا المدينة قط...) (10).
وقد رووا عن كعب الأحبار أنه قال: (لا يعبر السفياني الفرات إلاّ وهو كافر) (11).
وعن الإمام أبي بكر بن الحسن النقّاش في تفسيره قال: (يخرج من الوادي اليابس في أخواله وأخواله من كلب يخطبون على منابر الشام فإذا بلغوا عين التمر محا الله تعالى الإيمان من قلوبهم...)(12).
وأمثال ذلك من العبارات الدالة على خلو السفياني من الإيمان البتة.
هذا على أن الفارق المهم بين الناس هو الإيمان لا الإسلام فكم من مسلم عرفناه كان له سطوة على إخوانه المسلمين، ولينٌ وذلةٌ مع أعداء الدين، وكانت سطوة بعضهم أقوى من سطوة وطغيان الكفار والمشركين ولعلَّ أغلب الدول الإسلاميّة اليوم قد وليها مثل هؤلاء الحكام، المسلمين بالهوية والمتوحشين بالماهية.
إشارة:
لعلَّ بعض المنجرفين مع العواطف والأحاسيس والمتسرّعين في الحكم على الأمور من خلال ظواهرها يروِّجون اليوم بأنّ الظاهرة السفيانية قد بدأت بالفعل في التحقّق خارجاً مستندين إلى بعض مظاهر الإرهاب التي تحدث هنا وهناك في أرجاء العالم الإسلامي خصوصاً في العراق.
إلاّ أنّ الحقّ _ مع الاعتقاد بأن الظاهرة السفيانية قد بدأت منذ يوم السقيفة _ هو أنّ الوقت لا زال مبكراً لتحقق السفيانية الأخيرة المنظورة في روايات المهدوية، اللهم إلاّ إذا تسارعت الأحداث ومجريات التحوّلات السياسية بشكل غير طبيعي، وتحقّق الظرف المنسجم مع رؤى تلك الروايات ووصفها للملامح الزمانية والجغرافية والسياسية وحتّى العسكرية الميدانية، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الروايات المهدوية تتحدّث عن خصوصيات في حركة السفياني والخراساني واليماني وعن بعض الظروف الاجتماعية والسياسية في العراق وخراسان والشام واليمن، ونحن لا نجد أثراً لحدَّ الآن في تلك المناطق إلاّ ما يتراءى في بعض مناطق العراق كبغداد التي هي بعيدة عن خارطة حركة السفياني والخراساني واليماني إبان ظهور أمرهم.
هذا مع حسن الظن بأصحاب هذه النظرية، لأننا نعتقد بأن بعض الأقلام تحاول الاصطياد في المياه العكرة، فإنهم يستغلون كل ظاهرة شبيهة من قريب أو بعيد بالظواهر المهدوية أو بعلامات الظهور فيوحون إلى الناس بأن هذه الظاهرة هي المصداق الأتم والأكمل لمضمون الرواية القائلة بكذا وكذا!! مع أن التطبيق وتعيين المصاديق لمضامين الروايات المشفّرة والرمزية في غاية الصعوبة والتعقيد، وإن الحكم بضرس قاطع على مصاديق الشخصيات القريبة أو المتزامنة مع عصر الظهور، دونه خرط القتاد لأسباب معروفة عند ذوي الإطلاع وأهل الخبرة في مجال القضية المهدوية.
وعلى أيّ حال، فالمؤمنون بالمهدوية مكلّفون بوظائف محدّدة ومعروفة في زمن الغيبة ينبغي عليهم الالتزام بها والمواظبة عليها ومن أهمّها انتظار الفرج انتظاراً إيجابياً مثبتاً، وليس منها الانجراف وراء دعوات الأدعياء أو المتاجرين بالقضايا المقدّسة عند الناس، وليس منها التسرّع في تطبيق الكليات على الصغريات والمصاديق، فإن المصاديق الواقعية الحقيقية ستكشف عن نفسها بنفسها وفي حينه، وعلى أقل التقادير لا بدَّ من الحيطة والحذر الشديدين في مثل هذه التطبيقات فإن خطر التطبيق أكبر بكثير من الحرمان من معرفة هوية شخصيات عصر الظهور قبل أوان تلك المعرفة.
الهوامش
(26) غيبة النعماني: 425/ باب 18/ ح 18.
(27) غيبة النعماني: 417.
(28) مختصر بصائر الدرجات: 199.
(1) عقد الدرر: 90/ الباب 4/ الفصل 2.
(2) الأربعون أو (كشف الحق) للخاتون آبادي/ إصدار مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام: 144.
(3) راجع كتاب أشعة من عظمة الإمام الحسين عليه السلام للشيخ لطف الله الصافي: 100.
(4) بحار الأنوار 52: 388.
(5) بحار الأنوار 52: 387.
(6) ورد مثل هذا الخطاب والمناشدة عنه عليه السلام أوّل خروجه من مكّة حين يقف بين الركن والمقام. ولعلَّ هذه المناشدة والمطالبة بحقّه تصدر منه مرّتين لا مرّة واحدة والله العالم.
(7) بحار الأنوار 52: 377.
(8) غيبة النعماني: 417.
(9) غيبة الطوسي: 446 و447/ فقرة 443.
(10) غيبة النعماني: 455/ باب 18/ ح 18.
(11) عقد الدرر: 79/ الباب الرابع.
(12) عقد الدرر: 77.