انها الدواهي التي لا تترك للإنسان رأيا ولا اختياراً وتسيطر على كل مشاعره وأحاسيسه هي التي فرضت عليّ ان أخاطبك يا بن ميسون ويا ربيب الشرك والوثنية ولولا تلك الدواهي الجسام لما خاطبتك ولا يمكن لذكرك ان يمر في خاطري ولو بما هو فيك ما صلف وخسة ونزق ووحشية . هذا الذي تعنيه بطلة كربلاء بقولها لذلك الجبار الاحمق الذي تمنى حضور أشياخه من أمية ومشركي مكة ليشاهدوا رأس الحسين بين يديه وليشاطروه الفرح والسرور وهو ينكث ثناياه بمخصرته ، هذا الذي كانت تعنيه من قولها ولئن جرت عليّ الدواهي مخاطبتك وحضور مجلسك .
ان مأساة العقيلة ابنة علي والزهراء تشكل الشطر الثاني من مأساة اخيها الحسين فمن صبر لا يطيقه احد من الناس الى رعاية تلك القافلة من السبايا والايتام ونضال دون البقية الباقية من آل الرسول واحتجاج وخطب واستنكار لسحق القيم وكرامة الانسان ومحو الرسالة من الاذهان ومتابعة المسيرة التي قام بها اخوها الحسين وبهذا وذاك لقد ألبت المسلمين على الطغاة والظالمين وضعضعت كبرياء الحاكمين المستبدين وخلدت ذكرى تلك المعركة التي اقلقت آل أمية وغيرهم من الظلمة وفراعنة العصور وخطت هي واخوتها بأحرف من النور الوهاج الذي يبدد ظلمات الليل البهيم على تراب كربلاء وفي كل موقف وقفوه مع اولئك الجبابرة والجلادين .
( ان دولة الباطل ساعة ودولة الحق الى قيام الساعة )
لقد شاركت اخاها الحسين في جميع مواقفه من الظالمين ورجعت من كربلاء حاملة لرسالة ابيها وأخيها لتبلغها للأجيال من الرجال والنساء من الاجيال في كل ارض وزمان بالرغم من ضجيج الجلادين ووعيدهم وكانت القدوة التي تعلم الاجيال من سيرتها وبطولاتها معاني الرجولة . وتعلم النساء كيف يتخلصن من فتن الاغراءات الخبيثة التي تدلهم من حولهن ومن دهاليز الحضارة الجديدة التي تقتحم العصور بمفاتنها ومغرياتها لتستل منها اخلاقها ومعتقداتها وأعرافها .
فأين من زينب وأخوات زينب نساءنا وبناتنا الضائعات في تلك المتاهات ايمانا وعزيمة وصبراً في الشدائد والاهوال وتمسكا بالقيم وتعاليم الإسلام والاخلاق الكريمة الفاضلة .
وأين من الحسين وأنصاره من يدعون التشيع للحسين وأبيه وأبنائه، وقد باعوا انفسهم لمن يحملون روح يزيد ومعاوية بأبخس الاثمان كما باعها أسلافهم لمعاوية وأمثال معاوية من الحاكمين والجلادين من قبل .
ان الاحداث الجسام التي اعترضت حياة العقيلة ابنة علي والزهراء في معركة كربلاء وما تلاها من المواقف ألفتت اليها الانظار وجعلتها في طليعة الابطال ومن شركاء الحسين عليه السلام في جميع مواقفه من اولئك الطغاة ، فتحدث عنها المؤرخون وأصحاب السير في مجاميعهم والكتاب المحدثون في مؤلفاتهم ، وأشاد الخطباء بفضلها ومواقفها من على المنابر ونظم الكثير من الشعراء القصائد الرنانة في وصف احزانها وأشجانها وصبرها وثباتها ونذكر على سبيل المثال ما جاء في وصف حالتها من قصيدة لأحد شعراء الطف السيد محمد حسين الكشوان رحمه الله يقول فيها :
اهوت علـى جسم الحسين وقلبها المصدوع كاد يذوب من حسراتها
وقعت عليـه تشم موضع نحـره وعيـونهـا تنهـل فـي عبراتها
ترتاع من ضـرب السياط فتنثني تدعـو سرايـا قـومها وحماتها
ايـن الحفـاظ وهـذه أشلاؤكـم بقيـت ثـلاثاً فـي هجير فلاتها
ايـن الحفـاظ وهـذه فتيـاتكـم حملت على الاقتاب بيـن عداتها
ومخـدرات مـن عقائـل احمد هجمـت عليها الخيل فـي ابياتها
حملت برغم الدين وهـي ثواكـل عبرى تـردد بـالشجى زفراتها
وله من قصيدة اخرى في وصفها عندما شاهدت اخاها صريعا على ثرى الطف وقد عبثت سيوف الاعداء ورماحهم بجسمه وأعضائه :
وهاتفة من جانـب الخـدر ثـاكل بدت وهي حسـرى تلطم الخد باليد
يـؤلمهـا قـرع السيـاط فتنثني تـحن فيشجـي صوتهـا كل جلمد
وسيقت على عجف المطايا اسيرة يطـاف بهـا فـي مشهد بعد مشهد
سـرت تنهاداهـا علـوج أميـة فمـن ملحد تهـدي الى شـر ملحد
ورحم الله هاشم الكعبي الذي هيمن عليه الولاء لأهل البيت وانتقل به من عالمه ودنياه الى عالم الثواكل في كربلاء فشعر بشعورهن وأحس بأحاسيسهن حتى اصبح مثلهن ثاكلاً يندب وينوح بعبرات تحيي الثرى وزفرات تدع الرياض همودا فقال في وصف زينب وأخواتها بعد ان انجلت المعركة عن تلك المجزرة الرهيبة :
وثواكل في النوح تسعد مثلهـا أرأيت ذا ثكـل يكـون سعيـداً
ناحت فلم تـر مثلهن نـوائحا اذ لـيس مثـل فقيـدهـن فقيدا
لا العيس تحكيها اذا حنت ولا الورقـاء تحسن عنـدها الترديداً
ان تنع اعطت كل قلب حسرة او تـدع صدعت الجبـال الميدا
عبراتها تحي الثرى لو لم تكن زفـراتهـا تـدع الرياض همودا
وغذت اسيرة خدرها ابنة فاطم لـم تلق غيـر اسيرها مصفودا
تدعو بلهفة ثاكل لـعب الاسى بفـؤاده حتـى انطـوى مفؤدا
تخفي الشجا جلداً فان غلب الاسى ضعفت فأبدت شجوها المكمـودا
نـادت فقطعت القلوب بشجـوها لكنمـا انتظـم البنيـان فـريـدا
انسان عينـي يا حسيـن اخـي يا املي وعقـد جمـاني المنضودا