إن الوصف المصحوب بالغلو والمزايدة في النعت مرفوض وما نتعرض له هنا من وصف لمواقف وإخلاص وبطولات وأريحية أنصار أبي عبدالله الحسين عليه السلام ليس فيه مبالغة وإنما هي حقيقة مجردة في قوة الإيمان واليقين وصلابة الموقف الذي وقفته هذه النخبة الخيرة والطليعة الفدائية المناصرة للحق والمدافعة عن القيادة الإسلامية المعصومة في ساحة الشرف والفداء يوم كربلاء..
لقد كان لأنصار أبي عبدالله الحسين عليه السلام صفات وسمات عرفوا بها وجعلتهم ينالوا وسام خير الأنصار ومن جملتها وأهمها:
أولا: كثرة العبادة والدعاء
الرواية تقول:وقام الحسين عليه السلام وأصحابه الّليل كله يصلّون ويستغفرون ويدعون، وباتوا ولهم دويّ كدويّ النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً.1
ثانيا: المحافظة على وقت الصلاة
عندما حل ظهر يوم عاشوراء - وكانت رحى الحرب دائرة والخطر محدقٌ بالجميع قال أحد أصحاب الحسين عليه السلام للإمام: ها قد حلّ وقت الصلاة، فقال له الإمام سلام الله عليه: ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلين الذاكرين. ثم وقف في مكانه وصلى. (عندما شاهد أبو تمامة الصائدي أصحاب الإمام الحسين عليهم السلام وهم يستشهدون الواحد تلو الآخر قال له: يا أبا عبد الله روحي لك الفداء أرى جيش العدو يقترب منكم. وأقسم أنك لن تقتل قبل أن أقتل أنا إن شاء الله كما أحب أن أصلي قبل أن أذهب إلى جوار الله.. أما الحسين عليه السلام فقد رفع رأسه إلى السماء وقال: " ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين نعم هذا أول وقتها. ثم قال: سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي ".2
ثالثا: الإستئناس بلقاء الله
يا أصحابي إن هؤلاء يريدونني دونكم ، ولو قتلوني لم يصلوا إليكم ، فالنجاة النجاة وأنتم في حل مني فإنكم إن أصبحتم معي قتلتم كلكم.
فقالوا: لا نخذلك ولا نختار العيش بعدك.
فقال عليه السلام: إنكم تقتلون حتى لا يفلت منكم أحداً.
فقالوا: الحمد لله الذي شرفنا بالقتل معك. 3
وسر الإستئناس بلقاء الله تعالى وبالموت في شخصية الأنصار كشفته في ليلة العاشر العقيلة زينب عليها السلام عندما قالت لأخيها الحسين عليه السلام: أخي هل إستعلمت من أصحابك نياتهم فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة، واصطكاك الأسنة.
فبكى عليه السلام وقال: أما والله لقد لهزتهم وبلوتهم، وليس فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني إستيناس الطفل بلبن أمه. 4
رابعا: التضحية وروح المناصرة
لما كان اليوم العاشر وقتل اصحاب الحسين وجعل الحسين ينادي: ألاهل من ناصر فينصرنا، فسمعته النساء والاطفال فتصارخن، وسمع سعد واخوه أبو الحتوف النداء من الحسين والصراخ من عياله، قالا: إنا نقول لا حكم إلا لله ولا طاعة لمن عصاه، وهذا الحسين بن بنت نبينا محمد ونحن نرجو شفاعة جده يوم القيامة فكيف نقاتله وهو بهذا الحال لا ناصر له ولا معين، فمالا بسيفيهما مع الحسين على اعدائه وجعلا يقاتلان قريبا منه حتى قتلا جمعا وجرحا آخر ثم قتلا معا في مكان واحد، وختم لهما بالسعادة الابدية. 5
خامساً: الإخلاص والطاعة
لقد مر أنصارالإمام الحسين عليه السلام في اختبارعسير يوم خيرهم قائدهم الإمام المعصوم على الرحيل وحين حثهم على النجاة بأنفسهم في ليلة العاشر من المحرم قائلا لهم: ( هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله، فإن القوم إنما يطلبوني، ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري ).6
هنا في هذا الموضع المصيري كمن إخلاص الأنصار وبانت مواقفهم الجريئة والشريفة فأبوا أن يموتون دون الحسين عليه السلام وآثروا البقاء معه إلى النهاية واستشهدوا جميعا.
وأيضا بان إخلاص الأنصار في يوم عاشوراء وهم يتسابقون الواحد تلو الآخر يتقدمون نحو مواجهة الرماح والحتوف، وقد رفضوا حياة الذل والخنوع وطلقوا جرائرهم وودائعهم وما يملكون كل ذالك فداء للغريب الحسين المظلوم..
جادوا بأنفسهم في حب سيدهم والجود بالنفس أغلى غاية الجود
وقال أخر في حقهم:
لقد رضعوا حب الحسين معسلا فطاب لهــم ذاك الرحاب وطابوا
سادسا: الوعي والبصيرة النافذة
شهداء كربلاء رضوان الله تعالى عليهم كانوا يقاتلون مع الحسين عليه السلام بوعي وبصيرة نافذة لالأجل شهرة ولا لأجل سلطة ولا جاه ولالأي مكسب مادي من مكاسب الحياة بل إنهم دخلوا المعركة وهم يعلمون أنهم سوف يقتلون لأن سيدهم وقائدهم الحسين عليه السلام أطلعهم بذلك وقال: "إني غداً لمقتول وأنتم جميعاً ستقتلون"
فقالواجميعاً: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك، وشرّفنا بالقتل معك، أَوَ لا نرضى إلا أن نكون معك في درجتك يابن رسول الله.
بهذا الوعي المتكامل وبهذه البصيرة النافذة المتفتحة والرؤية الواضحة لحسن الخاتمة والعاقبة رابطوامع الحسين عليه السلام واستشهدوا معه وهذه كانت من أبرز السمات اللامعة في شخصيات أنصار أبي عبدالله الحسين عليه السلام.
سابعاً:الشجاعة والثبات
قال بعض المؤرخين يصف قتالهم يوم العاشر من المحرم: وقاتلوهم حتى انتصف النهار أشد قتال خلقه الله.
الامر الذي يدل على صدق نياتهم وشدة وثباتهم، وناهيك عن شهادة أعدائهم لهم بذلك، قيل لرجل شهد الطف مع ابن سعد: ويحك أقتلتم ذرية الرسول ؟ !
فقال: عضضت بالجندل، إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا، ثارت علينا عصابةٌ أيديها على مقابض سيوفها كالاسود الضارية تحطم الفرسان يميناً وشمالاً تلقي نفسها على الموت، لا تقبل الامان ولا ترغب في المال ولا يحول حائلٌ بينها وبين المنية أو الاستيلأ على الملك، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها فما كنا فاعلين لا اُمَّ لك.
قـــــومٌ إذ نــودوا لــدفــع مــلـمـــة والخـيــل بـيــن مـدعـس ومكردس
لبسوا القلوب على الدروع وأقبلوا يتهافـتــون عـلـى ذهـاب الأنفـــس.
ثامناً: الشوق للشهادة في سبيل الله
وعلى هذا الشوق الملتهب للشهادة ابتذر جميع أنصار سيد الشهداء عليه السلام فذادوا عن شرف هذه الأمة ودافعو عن مبادئ العقيدة الإسلامية بكل تفاني وهذه الروح الكبيرة يجب أن تكون لدى الجندي والمحارب المسلم فيتوق إلى الشهادة في سبيل الله ويدافع عن وطنه وأرضه ومقدساته وأهله وعزته وكرامته ودينه بالإستبسال والرغبة والشوق إلى لقاء ربه. 7
________________________
1- راجع أعيان الشيعة: 1 / 601.
2- راجع تاريخ الطبري ج4 ص 334.
3- ثمرات الاعواد: ج1 ص 258.
4- زينب الكبرى: ص 178.
5- الكنى والألقاب 1 – 45.
6- الطبري: 5 / 419، واليعقوبي: 2 / 231، والخوارزمي: 1 / 247.
7- سفينة البحار للقمي: ج5، ص42.