اتّفقت كلمة الفقهاء على رجحان الجمع بين الصلاتين في اماکن متعدده من غير خلاف بينهم، قال القرطبي: أجمعوا على أنّ الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة أيضاً في وقت العشاء سنّة أيضاً، وإنّما اختلفوا في الجمع في غير هذين المكانين.
الجمع بين الصلاتين له صور مختلفة:
الجمع بين الصلاتين في عرفة والمزدلفة
اتّفقت كلمة الفقهاء على رجحان الجمع بين الصلاتين في المزدلفة وعرفة من غير خلاف بينهم، قال القرطبي: أجمعوا على أنّ الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة أيضاً في وقت العشاء سنّة أيضاً، وإنّما اختلفوا في الجمع في غير هذين المكانين.(1)
وقال ابن قدامة: قال الحسن وابن سيرين وأصحاب الرأي لا يجوز الجمع إلاّفي يوم عرفة بعرفة، وليلة المزدلفة بها.(2)
أخرج مسلم عن جابر بن عبداللّه انّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ مكث تسع سنين لم يحج ثمّ أذن في الناس في العاشرة انّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ حاجّ، فقدم المدينة بشر كثير كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ويعمل مثل عمله ـ إلى أن قال: ـ حتّى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي وخطب الناس ـ إلى أن قال:ـ ثمّ أذّن ثمّ أقام فصلّـى الظهر، ثمّ أقام فصلّى العصر ولم يصل بينهما شيئاً ـ إلى أن قال: ـ حتّى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً.(3)
وبما انّ المسألة مورد اتّفاق بين الفقهاء نقتصر على هذا المقدار.الجمع بين الصلاتين في السفر ذهب معظم الفقهاء غير الحسن والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه إلى جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، فيجوز عند الجمهور غير هؤلاء، الجمعُ بين الظهر والعصر تقديماً في وقت الأُولى وتأخيراً في وقت الثانية، وبين المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً أيضاً، فالصلوات التي تجمع هي : الظهر والعصر، المغرب والعشاء في وقت إحداهما، ويسمّى الجمع في وقت الصلوات الأُولى جمع التقديم، والجمع في وقت الصلوات الثانية جمع التأخير. وقد ذكر الشوكاني الأقوال بالنحو التالي:
1. ذهب إلى جواز الجمع في السفر مطلقاً تقديماً وتأخيراً، كثير من الصحابة والتابعين، ومن الفقهاء: الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق والشهبي.
2. وقال قوم: لا يجوز الجمع مطلقاً إلاّ بعرفة ومزدلفة. وهو قول الحسن والنخعي وأبي حنيفة وصاحبـيه.
3. وقال الليث: وهو المشهور عن مالك انّ الجمع يختص بمن جدّ به السير.
4. وقال ابن حبيب: يختص بالسائر.
5.وقال الأوزاعي: إنّ الجمع في السفر يختصّ بمن له عذر.
6. وقال أحمد: واختاره ابن حزم، وهو مروي عن مالك انّه يجوز جمع التأخير دون التقديم.
هذه هي الأقوال الستة:
فإذا كانت المسألة على وجه الإجمال مورد اتّفاق الجمهور إلاّ من عرفت، فلابدّ من البحث في مقامين:
1. هل الجمع مختصّ بمن جدّ به السير؟ أي من أسرع في سيره.
2. هل الجواز يختصّ بجمع التأخير ولا يعمّ التقديم؟
أمّا المقام الأوّل فنقول:
إنّ الأخبار الحاكية لفعل النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ على صنفين:
صنف يصرح بأنّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يجمع إذا جدّ به السير أو أعجله السير في السفر.
1. أخرج مسلم عن نافع، عن ابن عمر انّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ كان إذا جدّ به السير جمع بين المغرب والعشاء.
2. أخرج مسلم عن سالم ،عن أبيه: رأيت رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يجمع بين المغرب والعشاء إذا جدَّ به السير.
3. أخرج مسلم عن سالم بن عبد اللّه انّ أباه قال: رأيت رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ إذا أعجله السير في السفر يؤخّر صلاة المغرب حتّى يجمع بينها وبين صلاة العشاء.
4. أخرج مسلم عن أنس، عن النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ إذا عجَّل عليه السفر يؤخّر الظهر إلى أوّل وقت العصر فيجمع بينهما، ويؤخّر المغرب حتّى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق.(4)
وصنف آخر يحكي فعـل رسـول اللّه بلا قيـد «إذا جدّ به السير».
1. أخرج مسلم عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّر الظهر إلى وقت العصر ثمّ نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلّى الظهر ثمّ ركب.
2. أخرج مسلم عن أنس قال: كان النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخّر الظهر حتّى يدخل أوّل وقت العصر ثمّ يجمع بينهما.(5)
3. أخرج أبو داود والترمذي عن معاذ بن جبل: انّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر حتّى يجمعها إلى العصر يصلّيهما جميعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلّى الظهر والعصر جميعاً ثمّ سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخّر المغرب حتّى يصلّيها مع العشاء، وكان إذا ارتحل بعد المغرب عجّل العشاء فصلاّها مع المغرب.(6)
4. أخرج أحمد في مسنده عن ابن عباس (رض) عن النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ كان في السفر إذا زاغت الشمس في منزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب، فإذا لم تزغ له في منزله، سار حتّى إذا حانت العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر، وإذا حانت له المغرب في منزله جمع بينها و بين العشاء، وإذا لم تحن في منزله ركب حتى إذا كانت العشاء نزل فجمع بينهما.(7)
وقال الشوكاني بعد نقله الرواية عن مسند أحمد: ورواه الشافعي في مسنده بنحوه وقال فيه: وإذا سار قبل أن تزول الشمس أخّر الظهر حتّى يجمع بينها و بين العصر في وقت العصر.(8)
أقول: إنّ أنس بن مالك نقل فعل النبي تارة على وجه الإطلاق، وأُخرى على وجه التقييد ومقتضى القاعدة هو حمل المطلق على المقيد وتقييد الروايات المطلقة بما في المقيدة.
أضف إلى ذلك: أنّ الروايات الحاكية لفعل الرسول على وجه الإطلاق دليل لبّي لا لسان له، و مـا كـان هـذا شـأنه لا ينعقد فيـه الإطلاق، لأنّ الإطلاق شأن اللفظ، وليس هناك للرسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ لفظ بل صدر منه عمل، نقله الراوي ولعلّ عمله كان مقارناً لما جدّ به السير ولم يذكره الراوي لعدم احتمال دخله في الحكم.
وعلى ضوء هذا لا يجمع إلاّ إذا جدّ به السير. ولعلّه إلى هذا يشير ابن رشد: والجمع إنّما نقل فعلاً فقط.(9)
ولكن الظاهر انّ القيد (الجدّ في السير والعجلة فيه) من قبيل الدواعي إلى الجمع، وتخلّف الداعي في مورد لا يكون سبباً لانتفاء الحكم، فانّ الإنسان لا يترك الأفضل(التفريق) إلاّ إذا كان هناك داع إليه، فلأجله اختار الجمع وترك التفريق، وقد قرر في محلّه انّ انتفاء الدواعي والحكم لا تعد من قيود الحكم بل يكون ثابتاً مع انتفائهما.
وأمّا المقام الثاني أي عدم اختصاصه بجمع التأخير وعمومه بجمع التقدّم فيكفي في ذلك ما أخرجه أبو داود والترمذي عن معاذ بن جبل وما أخرجه أحمد عن ابن عباس فلاحظ الرقم الثالث والرابع من الأحاديث الماضية.
الجمع بين الصلاتين في الحضر لأجل العذر
المشهور هو جواز الجمع بين المغرب والعشاء لعذر خلافاً للحنفية حيث لم يجوّزوا الجمع مطلقاً إلاّ في الحج بعرفة والمزدلفة.
وأمّا القائلون بالجمع فقد اختلفوا من وجوه:
الأوّل: هل يختص الجواز بالمطر، أو يعمّه وغيره؟
الثاني: هل يختص الجواز بالمغرب والعشاء، أو يعمّ الظهر والعصر؟
الثالث: هل يختص الجواز بجمع التقديم أو يعمّ جمع التأخير؟
وإليك نقل كلماتهم في الوجوه الثلاثة.
أمّا الأوّل، فالظاهر من الشافعية هو اختصاص الجواز بالمطر.
قال الشيرازي: يجوز الجمع بين الصلاتين في المطر، وأمّا الوحل والريح والظلمة والمرض فلا يجوز الجمع لأجلها.(10)
وقال ابن رشد: أمّا الجمع في الحضر لعذر المطر فأجازه الشافعي ـ إلى أن قال: ـ وأمّا الجمع في الحضر للمريض، فأمّا مالكاً أباحه له إذا خاف أن يغمى عليه أو كان به بطن، ومنع ذلك الشافعي.(11)
وقال في الشرح الكبير: وهل يجوز ذلك ـ وراء المطر ـ لأجل الوحل والريح الشديدة الباردة، أو لمن يصلّـي في بيته أو في مسجد طريقه تحت ساباط على وجهين. وقال النووي: قال الشافعي والأصحاب يجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المطر، وحكى إمام الحرمين قولاً إنّه يجوز بين المغرب والعشاء في وقت المغرب ولا يجوز بين الظهر والعصر، وهو مذهب مالك،و قال المزني: لا يجوز مطلقاً. والمذهب الأوّل هو المعروف من نصوص الشافعي قديماً وجديداً.(12)
وأمّا الثاني، أي هل يختص الجواز بالمغرب والعشاء أو يعمّ الظهرين؟
فقال ابن رشد: وأمّا الجمع في الحضر لعذر المطر فأجازه الشافعي ليلاً كان أو نهاراً، ومنعه مالك في النهار وأجازه في الليل.(13)
وأمّا الثالث، أي اختصاص الجواز بجمع التقديم دون جمع التأخير.
فقال الشيرازي: يجوز الجمع بين الصلاتين في المطر في وقت الأولة منهما، وهل يجوز أن يجمعهما في وقت الثانية؟ فيه قولان:
قال [الشافعي] في «الإملاء»: يجوز، لأنّه عذر يجوز الجمع به في وقت الأُولى فجاز الجمع في وقت الثانية كالجمع في السفر.
وقال في «الأُمّ»: لا يجوز، لأنّه إذا أخّر ربما انقطع المطر فجمع من غير عذر.(14)
هذا إجمال الأقوال في النقاط الثلاث، ولهم اختلافات في مواضع أُخر لا حاجة لذكرها.
إذا عرفت ذلك، فالمهمّ هو وجود الدليل على جواز الجمع في الحضر لعذر.
وقد استدلّوا بحديثين:
1. ما دلّ على جواز الجمع في الحضر على وجـه الإطـلاق حيـث حملـوه على صـورة المـطر أو صـورة العـذر المطلق.أخرج البخاري عن ابن عباس(رض) انّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ صلّى بالمدينة سبعاً و ثمانياً الظهر والعصر، المغرب والعشاء.
قال ابن رشد: وأمّا الجمع في الحضر لغير عذر، فانّ مالكاً وأكثر الفقهاء لايجيزونه وأجاز ذلك جماعة من أهل الظاهر وأشهب من أصحاب مالك، وسبب اختلافهم اختلافهم في مفهوم حديث ابن عباس، فمنهم من تأوّله على أنّه كان في مطر كما قال مالك، و منهم من أخذ بعمومه مطلقاً.
2. ما رواه ابن عباس(رض) انّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا سفر ولا مطر، قيل لابن عباس: ما أراد بذلك، قال: أراد أن لا يحرج أُمّته.
فظاهر الحديث يعطي انّ الجمع في المطر كان أمراً مسلماً، ولذلك حاول
ابن عباس أن يبيّن بأنّ هذا الجمع لم يكن لغاية المطر أو سائر الاعذار، بل عفواً لغاية عدم إحراج أُمّته.
فلو جاز الجمع في الحضر لأجل العذر يكون الجمع في السفر اختياراً من غير عذر من أحكام السفر، لأنّ المسافر يجمع فيه بين الصلاتين بلا عذر وأمّا الحاضر فإنّما يجمع لعذر أو غيره. وأمّا إذا قلنا بالجواز في الحضر اختياراً كما سيوافيك فلا يكون الجمع بين الصلاتين من أحكام السفر.
إلى هنا تم الكلام في الصورة الثالثة، بقي الكلام في الصورة الرابعة وهي الجمع بين الصلاتين في الحضر، فلو ثبت جواز الجمع بينهما في الحضر اختياراً، ثبت جواز الجمع في السفر لعذر أو لغير عذر، بطريق أولى، ولذلك أولينا أهمية خاصة للصورة الرابعة لأنّ ثبوت الجواز فيها مفتاح ثبوت الجواز في سائر الصور، فلاحظ.
الجمع بين الصلاتين في الحضر اختياراً
اتّفقت الإمامية على أنّه يجوز الجمع بين الصلاتين في الحضر اختياراً وإن كان التفريق أفضل.يقول الشيخ الطوسي: يجوز الجمع بين الصلاتين، بين الظهر والعصر وبين المغرب وعشاء الآخرة، في السفر والحضر وعلى كلّ حال، ولا فرق بين أن يجمع بينهما في وقت الأولة منهما أو وقت الثانية، لأنّ الوقت مشترك بعد الزوال وبعد المغرب على ما بيّناه.(15)
إنّ الجمع بين الصلاتين على مذهب الإمامية ليس بمعنى إتيان الصلاة في غير وقتها الشرعي، بل المراد الإتيان في غير وقت الفضيلة، وإليك تفصيل المذهب.
قالت الإمامية ـ تبعاً للنصوص الواردة عن أئمّة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ ـ إنّه إذا زالت الشمس دخل الوقتان ـ أي وقت الظهر والعصر ـ إلاّ أنّ صلاة الظهر يُؤتى بها قبل العصر، وعلى ذلك فالوقت بين الظهر والغروب وقت مشترك بين الصلاتين، غير انّه يختص مقدار أربع ركعات من الزوال بالظهر ومقدار أربع ركعات من الآخر للعصر وما بينهما وقت مشترك، فلو صلّى الظهر والعصر في أي جزء من بين الزوال والغروب فقد أتى بهما في وقتهما، وذلك لأنّ الوقت مشترك بينهما، غير انّه يختص بالظهر مقدار أربع ركعات من أوّل الوقت ولا يصحّ فيه العصر ويختص بالعصر بمقدار أربع ركعات من آخر الوقت ولا يصحّ إتيان الظهر فيه.
هذا هو واقع المذهب، ولأجل ذلك فالجامع بين الصلاتين في غير الوقت المختص به آت بالفريضة في وقتها فصلاته أداء لا قضاءً.
ومع ذلك فلكلّ من الصلاتين ـ وراء وقت الاجزاء ـ وقت فضيلة.
فوقت فضيلة الظهر من الزوال إلى بلوغ ظل الشاخص الحادث بعد الانعدام أو بعد الانتهاء مثله، ووقت فضيلة العصر من المثل إلى المثلين عند المشهور.
وبذلك يعلم وقت المغرب والعشاء، فإذا غربت الشمس دخل الوقتان إلى نصف الليل، ويختص المغرب بأوّله بمقدار أدائه والعشاء بآخره كذلك وما بينهما وقت مشترك، ومع ذلك انّ لكلّ من الصلاتين وقت فضيلة، فوقت فضيلة صلاة المغرب من المغرب إلى ذهاب الشفق وهي الحمرة المغربية، ووقت فضيلة العشاء من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل.(16)
وأكثر من يستغرب جمع الشيعة الإمامية بين الصلاتين لأجل انّه يتصور انّ الجامع يصلّي إحدى الصلاتين في غير وقتها، ولكنّه غرب عن باله أنّه يأتي بالصلاة في غير وقت الفضيلة ولكنّه يأتي بها في وقت الإجزاء، ولا غرو أن يكون للصلاة أوقاتاً ثلاثة.
أ. وقت الاختصاص كما في أربع ركعات من أوّل الوقت وآخره، أو ثلاث ركعات بعد المغرب وأربع ركعات قبل نصف الليل.
ب. وقت الفضيلة، وقد عرفت تفصيله في الظهرين والعشائين.
ج. وقت الإجزاء، وهو مطلق ما بين الحدّين إلاّ ما يختصّ بإحدى الصلاتين، فيكون وقت الإجزاء أعمّ من وقت الفضيلة وخارجه.
وقد تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت انّه إذا زالت الشمس دخل الوقتان إلاّأنّ هذه قبل هذه.
روى الصدوق باسناده عن زرارة، عن أبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ قال: «إذا زالت الشمس دخل الوقتان: الظهر والعصر، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان: المغرب والعشاء الآخرة».(17)
روى الشيخ الطوسي باسناده عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ عن وقت الظهر والعصر؟ فقال: «إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر، إلاّ انّ هذه قبل هذه ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتى تغيب الشمس».(18)
والروايات بهذا المضمون متوفرة اقتصرنا على هذا المقدار.
فإذا كانت الصلوات تتمتع بأوقات ثلاثة كما بيّناه يتبيّن انّ الجمع ليس بأمر مشكل وإنّما يفوت به فضيلة الوقت لا أصل الوقت، ولأجل ذلك ورد عن أئمّة أهل البيت أنّ التفريق أفضل من الجمع، فنذكر في المقام بعض ما يصرح بجواز الجمع تيمّناً وتبرّكاً، وإلاّ فالمسألة من ضروريات الفقه الإمامي.
1.روى الصدوق باسناده عن عبد اللّه بن سنان، عن الصادق ـ عليه السَّلام ـ انّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علّة بأذان واحد وإقامتين».(19)
2. وروى أيضاً باسناده عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ قال: «إنّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ صلّى الظهر والعصر في مكان واحد من غير علة ولا سبب، فقال له عمر ـ وكان أجرأ القوم عليه ـ: أحدث في الصلاة شيء؟ قال: لا ولكن أردت أن أوسِّع على أُمّتي».(20)
3. أخرج الكليني باسناده عن زرارة، عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ قال: «صلّى رسول اللّه بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علّة، وصلّى بهم المغرب والعشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علّة في جماعة، وإنّما فعل رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ليتسع الوقت على أُمّته».(21)
إلى غير ذلك من الروايات المتوفرة التي جمعها الشيخ الحر العاملي في وسائل الشيعة.(22)
إلى هنا تبيّنت نظرية الشيعة في الجمع بين الصلاتين.
التنويع في الوقت في فقه السنّة
وربما يتصوّر من لا خبرة له أنّ هذا التنويع في الوقت من خصائص الفقه الإمامي، فانّ تنويع الوقت إلى أوقات ثلاثة يوجد في كلا الفقهين وإن كان بينهما اختلاف في الكمية.قال النووي في شرح المهذب: فرع: للظهر ثلاثة أوقات: وقت فضيلة، ووقت اختيار، ووقت عذر. فوقت الفضيلة أوّله، ووقت الاختيار ما بعد وقت الفضيلة، إلى آخر الوقت، ووقت العذر وقت العصر في حقّ من يجمع بسفر أو مطر.
ثمّ قال: وقال القاضي حسين: لها أربعة أوقات: وقت فضيلة، ووقت اختيار، ووقت جواز، ووقت عذر. فوقت الفضيلة إذا صار ظل الشيء مثل ربعه، والاختيار إذا صار مثل نصفه، والجواز إذا صار ظله مثله وهو آخر الوقت، والعذر وقت العصر لمن جمع بسفر أو مطر.(23)
من يوافق الإمامية بعض الموافقة
كما أنّ هناك من يقول ببعض ما ذهبت إليه الإمامية، نقله النووي وقال: قال عطاء وطاووس: إذا صار ظل الشيء مثله دخل وقت العصر وما بعده وقت للظهر والعصر على سبيل الاشتراك حتى تغرب الشمس.فهذا القول يخصُّ صيرورة ظل الشيء مثله للظهر، ثمّ يجعل الباقي مشتركاً بينهما حتى تغرب الشمس، وهو قريب ممّا ذهب إليه الإمامية.
وقال مالك : إذا صار ظله مثله فهو آخر وقت الظهر وأوّل وقت العصر بالاشتراك، فإذا زاد على المثل زيادة بيّنة خرج وقت الظهر.
وهذا القول يجعل قسماً من الوقت ـ أعني: بعد صيرورة الظل مثله ـ إلى زيادة الظل عنه زيادة بيّنة، وقتاً مشتركاً بين الظهر والعصر.
ثمّ نقل عنه أيضاً انّ وقت الظهر يمتد إلى غروب الشمس.(24) إلى غير ذلك من الأقوال التي فيها نوع موافقة للفقه الإمامي.
من يوافق الإمامية تمام الموافقة من السنّة
والجمع بين الصلاتين اختياراً وإن كان من ضروريات الفقه الإمامي، لكن ليست الإماميّة متفردة فيه بل وافقهم لفيف من فقهاء السنّة.قال ابن رشد: وأمّا الجمع في الحضر لغير عذر فإن مالكاً وأكثر الفقهاء لا يجيزونه، وأجاز ذلك جماعة من أهل الظاهر، وأشهب من أصحاب مالك.
وسبب اختلافهم، اختلافهم في مفهوم حديث ابن عباس، فمنهم من تأوّله على أنّه كان من سفر.
ومنهم من أخذ بعمومه مطلقاً، وقد خرّج مسلم زيادة في حديثه وهو قوله: من غير خوف ولا سفر ولا مطر، و بهذا تمسّك أهل الظاهر.(25)
قال النووي: فرع في مذاهبهم من الجمع بلا خوف ولا سفر،ولا مطر ولا مرض، مذهبنا (الشافعي) ومذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد والجمهور انّه لا يجوز، وحكى ابن المنذر عن طائفة جوازه بلا سبب، قال: وجوّزه ابن سيرين لحاجة أو ما لم يتّخذه عادة.(26)
وعلى كل تقدير فالمهم هو الدليل لا الأقوال، فإن وافقت الدليل فهو، وإلاّ فالمرجع هو الدليل.
الكتاب والجمع بين الصلاتين
قال سبحانه: (أقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً).(27)إنّ الآية متكفّلة لبيان أوقات الصلوات الخمسة، فلو قلنا بأنّ المراد من غسق الليل هو انتصافه، فيكون ما بين الدلوك وغسق الليل أوقاتاً للصلوات الأربع، غير أنّ الدليل دلّ على خروج وقت الظهرين بغروب الشمس، فيكون ما بين الدلوك والغروب وقتاً مشتركاً للظهرين كما يكون ما بين الغروب وغسق الليل وقتاً مشتركاً للمغرب والعشاء.
وربما يفسر الغسق بغروب الشمس، فعندئذ تتكفل الآية لبيان وقت الظهرين وصلاة الفجر دون المغرب والعشاء، والمعروف هو التفسير الأوّل.
قال الطبرسي: وفي الآية دلالة على أنّ وقت صلاة الظهر موسّع إلى آخر النهار، لأنّ اللّه سبحانه جعل من دلوك الشمس الذي هو الزوال إلى غسق الليل وقتاً للصلوات الأربع إلاّ انّ الظهر والعصر اشتركا في الوقت من الزوال إلى الغروب، والمغرب والعشاء الآخرة اشتركا في الوقت من الغروب إلى الغسق وأفرد صلاة الفجر بالذكر في قوله:(وَقُرآن الفجر) ففي الآية بيان وجوب الصلوات الخمس وبيان أوقاتها.(28)
وما ذكرناه هو الذي نصّ عليه الإمام الباقر ـ عليه السَّلام ـ حيث قال : «قال اللّه تعالى لنبيّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) ، أربع صلوات سمّاهن اللّه وبيّنهن ووقّتهن، وغسق الليل هو انتصافه، ثمّ قال تبارك وتعالى: (وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً)فهذه الخامسة».(29)
وقال الصادق ـ عليه السَّلام ـ : «منها صلاتان أوّل وقتهما من زوال الشمس إلاّأنّ هذه قبل هذه، ومنها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلاّأنّ هذه قبل هذه».(30)
وقال القرطبي: وقد ذهب قوم إلى أنّ صلاة الظهر يتمادى وقتها من الزوال إلى الغروب، لأنّ اللّه سبحانه علّق وجوبها على الدلوك وهذا دلوك كلّه; قاله الأوزاعي وأبو حنيفة في تفصيل، وأشار إليه مالك والشافعي في حالة الضرورة.(31)
وقال الرازي: إن فسرنا الغسق بظهور أوّل الظلمة ـ وحكاه عن ابن عبّاس وعطاء والنضر بن شمّيل ـ كان الغسقُ عبارة عن أوّل المغرب، وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات: وقت الزوال، ووقت أوّل المغرب، ووقت الفجر.
قال: وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر فيكون هذا الوقت مشتركاً بين هاتين الصلاتين، وأن يكون أوّل المغرب وقتاً للمغرب والعشاء فيكون هذا الوقت مشتركاً أيضاً بين هاتين الصلاتين، فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء مطلقاً، إلاّ أنّه دلّ الدليل على أنّ الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز، فوجَبَ أن يكون الجمع جائزاً لعذر السفر وعند المطر وغيره.(32)
وما حقّقه الرازي في المقام، حقّ ليس وراءه شيء، لكن عدوله عنه، بحجّة «انّ الجمع في السفر من غير عذر لا يجوز لوجود الدليل» رجم بالغيب، إذ أيّ دليل قام على عدم الجواز بلا عذر، فهل الدليل هو الكتاب؟ والكتاب حسب تحقيقه يدلّ على الجواز، أو السنّة وسيوافيك تضافر النصوص على الجواز، أو الإجماع فليس عدم الجواز موضع إجماع وقد عرفت القول بالجواز أيضاً من أهل السنّة، مضافاً إلى إطباق أئمّة أهل البيتعليهم السَّلام على الجواز; وليس وراء الكتاب والسنّة والإجماع حجّة، كما ليس وراء عبادان قرية. وكم للإمام الرازي من مواقف مشرقة في تحقيق ما هو الحقّ ، الذي هو الأحقّ بالاتّباع لكنّه عدل عنه لوجوه واهية. لاحظ ما حقّقه حول مسح الرجلين في تفسير قوله سبحانه: (وامسحوا برءُوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) ، وما ذكره حول المراد من قوله (وأولي الأَمر منكم) في تفسير قوله تعالى: (أَطيعُوا اللّه وأَطيعُوا الرَسول وأُولي الأَمْر مِنْكم) وغيرهما.في الحضر اختياراً رواها أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد، فلنقدم ما رواه مسلم بالسند والمتن ثمّ نذكر ما نقله غيره.
السنّة والجمع بين الصلاتين في الحضر اختياراً
قد تضافرت الروايات عن الصادع بالحق على جواز الجمع بين الصلاتين1. حدّثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: صلّى رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر.
2. وحدّثنا أحمد بن يونس وعون بن سلام جميعاًعن زهير، قال ابن يونس: حدّثنا زهير ،حدّثنا أبو الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: صلّى رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوف ولا سفر. قال أبو الزبير: فسألت سعيداً :لِمَ فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أن لا يحرج أحداً من أُمّته.
3. وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدّثنا أبو معاوية; وحدّثنا أبو كريب وأبو سعيد الأشج ـ واللفظ لأبي كريب ـ قالا: حدّثنا وكيع كلاهما عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جمع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر «في حديث وكيع» قال: قلت لابن عباس: لِمَ فعل ذلك؟ قال: كي لا يُحرج أُمّته. وفي حديث أبي معاوية قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أُمّته.
4. وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس قال: صلّيت مع النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ثمانياً ًجميعاً وسبعاً جميعاً، قلت: يا أبا الشعثاء أظنه أخّر الظهر وعجّل العصر وأخّر المغرب وعجّل
العشاء، قال: وأنا أظن ذاك.ما ظنه ـ لو رجع إلى الجمع الصوري كما سيوافيك ـ لا يغني من الحقّ شيئاً، وسيوافيك الكلام فيه.
5. حدّثنا أبو الربيع الزهراني، حدّثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عبّاس أنّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
6. وحدّثني أبو الربيع الزهراني، حدّثنا حماد، عن الزبير بن الخريت، عن عبد اللّه بن شقيق قال: خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة قال: فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني: الصلاة الصلاة، فقال ابن عباس: أتعلّمني بالسنّة لا أُمَّ لك، ثمّ قال: رأيت رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء. قال عبد اللّه بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته، فصدّق مقالته.
7. وحدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا وكيع، حدّثنا عمران بن حدير، عن عبد اللّه بن شقيق العقيلي قال: قال رجل لابن عباس:الصلاة ، فسكت; ثمّ قال: الصلاة، فسكت; ثمّ قال: الصلاة، فسكت، ثمّ قال: لا أُمّ لك أتعلّمنا بالصلاة وكنّا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ .(33)
هذا ما نقله مسلم في صحيحه، وإليك ما نقله غيره.
8. أخرج البخاري عن ابن عباس: انّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فقال أيوب : لعلّه في ليلة مطيرة؟ قال: عسى.(34)
9. أخرج البخاري عن جابر بن زيد ،عن ابن عباس قال: صلّى النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ سبعاً جميعاً وثمانياً جميعاً.(35)
10. أخرج البخاري بإرسال عن ابن عمر وأبي أيّوب وابن عباس، صلّى النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ المغرب والعشاء.(36)
11. أخرج الترمذي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جمع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، قال: فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: أراد أن لايحرج أُمّته.
قال الترمذي بعد نقل الحديث: حديث ابن عباس قد روي عنه من غير وجه، رواه جابر بن زيد وسعيد بن جبير وعبد اللّه بن شقيق العقيلي.(37)
12. أخرج الإمام أحمد عن قتادة قال:سمعت جابر بن زيد، عن ابن عباس قال: جمع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر، قيل لابن عباس: وما أراد لغير ذلك؟ قال: أراد ألاّ يحرج أُمّته.(38)
13. أخرج الإمام أحمد عن سفيان، قال عمر: وأخبرني جابر بن زيد انّه سمع ابن عباس يقول: صلّيت مع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً، قلت له: يا أبا الشعثاء أظنّه أخّر الظهر وعجل العصر، وأخّر المغرب وعجّل العشاء، قال: وأظن ذلك.(39)
14. أخرج الإمام أحمد عن عبد اللّه بن شقيق، قال: خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم وعلق الناس ينادونه الصلاة وفي القوم رجل من بني تميم فجعل يقول: الصلاة الصلاة، فغضب، قال: أتعلّمني بالسنّة شهدت رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال عبد اللّه: فوجدت في نفسي من ذلك شيئا فلقيت أبا هريرة فسألته فوافقه.(40)
15. أخرج مالك عن سعيد بن جبير، عن عبد اللّه بن عباس انّه قال: صلّى رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر.(41)
16. أخرج أبو داود عن سعيد بن جبير، عن عبد اللّه بن عباس، قال: صلّى رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر.
قال مالك: أرى ذلك كان في مطر.(42)
17. أخرج أبو داود عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: صلّى بنا رسول اللّه بالمدينة ثمانياً وسبعاً الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.
قال أبو داود: ورواه صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس قال: في غير مطر.(43)
18. أخرج النسائي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: صلّى رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً من غير خوف ولا سفر.
19. أخرج النسائي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس انّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ كان يصلّي بالمدينة يجمع بين الصلاتين بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، قيل له: لِمَ ؟قال: لئلاّ يكون على أُمّته حرج.
20. أخرج النسائي عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس قال: صلّيت وراء رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً.(44)
21. أخرج النسائي عن جابر بن زيد، عن ابن عباس انّه صلّى بالبصرة الأُولى والعصر ليس بينهما شيء، والمغرب والعشاء ليس بينهما شيء فعل ذلك من شغل، وزعم ابن عباس انّه صلّى مع رسول اللّه بالمدينة ، الأُولى والعصر ثمان سجدات ليس بينهما شيء.(45)
22. أخرج الحافظ عبد الرزاق عن داود بن قيس، عن صالح مولى التوأمة انّه سمع ابن عباس يقول: جمع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير سفر ولا مطر، قال قلت لابن عباس: لم تراه فعل ذلك؟ قال: أراه للتوسعة على أُمّته.
23. أخرج عبد الرزاق عن ابن عباس قال: جمع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بين الظهر والعصر، بالمدينة في غير سفر ولا خوف، قال: قلت لابن عباس: ولِـمَ تراه فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أحداً من أُمّته.(46)
24. أخرج عبد الرزاق عن عمرو بن دينار انّ أبا الشعثاء أخبره انّ ابن عباس أخبره، قال: صلّيت وراء رسول اللّه ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً بالمدينة، قال ابن جريج، فقلت لأبي الشعثاء: أنّـي لأظن النبي أخّر من الظهر قليلاً وقدّم من العصر قليلاً، قال أبو الشعثاء: وأنا أظن ذلك.(47)
ما ظنّه ابن جريج وصدّقه أبو الشعثاء ظن لا يغني من الحقّ شيئاً، وحاصله: انّ الجمع كان صورياً لاحقيقياً. وسيوافيك ضعف هذا الحمل وانّ الجمع الصوري يوجب الإحراج أكثر من التفريق فانّ معرفة أواخر الوقت من الصلاة الأُولى وأوائله من الصلاة الثانية أشكل من الجمع.
25. أخرج عبد الرزاق عن عمرو بن شعيب، عن عبد اللّه بن عمر قال: جمع لنا رسول اللّه مقيماً غير مسافر بين الظهر والعصر فقال رجل لابن عمر: لِمَ ترى النبي فعل ذلك؟ قال: لأن لا يُحرج أُمّته إن جمع رجل.(48)
26. أخرج الطحاوي في «معاني الآثار» بسنده عن جابر بن عبد اللّه قال: جمع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المدينة للرخص من غير خوف ولا علّة.(49)
27. أخرج الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الاصفهاني(المتوفّى عام 430هـ) عن جابر بن زيد انّ ابن عباس جمع بين الظهر والعصر، وزعم انّه صلّى مع رسول اللّه بالمدينة الظهر والعصر.
28. أخرج أبو نعيم عن عمرو بن دينار قال: سمعت أبا الشعثاء يقول: قال ابن عباس(رض): صلّى رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ثماني ركعات جميعاً وسبع ركعات جميعاً من غير مرض ولا علّة.(50)
29. أخرج البزار في مسنده عن أبي هريرة قال: جمع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بين الصلاتين في المدينة من غير خوف.(51)
30. أخرج الطبراني في الأوسط والكبير بسنده عن عبد اللّه بن مسعود قال: جمع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ـ يعني بالمدينة ـ بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فقيل له في ذلك، فقال: صنعت ذلك لئلاّ تحرج أُمّتي.(52)
هذه ثلاثون حديثاً جمعناها من الصحاح والسنن والمسانيد، وبسطنا الكلام في النقل، ليقف القارئ على أنّها أحاديث اعتنى بنقلها حفّاظ المحدّثين وأكابرهم ولا يمكن لأحد أن يتناكرها أو يرفضها، وهناك روايات مبثوثة في كتب الحديث أعرضنا عن ذكرها لأجل الاختصار.
وهذه الأسانيد المتوفرة تنتهي إلى الأشخاص التالية أسماؤهم:
1. عبد اللّه بن عباس حبر الأُمّة.
2. عبد اللّه بن عمر.
3. أبو أيّوب الأنصاري مضيِّف النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ .
4. أبو هريرة الدوسي.
5. جابر بن عبد اللّه الأنصاري.
6. عبد اللّه بن مسعود.
والروايات صريحة في أنّ الرسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ جمع بالمدينة بين الصلاتين من غير خوف ولا مطر ولا علّة، جمع لبيان جواز الجمع ومشروعيته لئلاّ يتوهّم متوهّم بأنّ التفريق فريضة لما كان ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يستمر على التوقيت والإتيان في وقت الفضيلة، ولكنّه بعمله أثبت انّ الجمع جائز وإن كان التوقيت أفضل.
المصادر :
1- بداية المجتهد:1/170.
2- . المغني: 2/112.
3- صحيح مسلم:4/39ـ42
4- صحيح مسلم:2/150و151
5- صحيح مسلم:2/151،
6- سنن أبي داود:2/8 كتاب الصلاة،الحديث1220.
7- مسند أحمد بن حنبل:5/241; سنن أبي داود:2/7 ، الحديث 1220.
8- نيل الأوطار:3/213.
9- بداية المجتهد:1/173، وفي طبعة أُخرى محقّقة:2/374.
10- المجموع: 4/258، قسم المتن.
11- بداية المجتهد:1/173ـ 174، في موضعين.
12- المجموع: 4/260.
13- بداية المجتهد:1/173.
14- المجموع:4/258.
15- الخلاف:1/588، المسألة 351
16- العروة الوثقى:171.
17- الفقيه:1/140
18- التهذيب:2/26.
19- الفقيه:1/186برقم 886.
20- علل الشرائع:321، الباب11.
21- الكافي:3/286، الحديث1.
22- الوسائل: 4/220ـ 223، الباب 32
23- المجموع:3/27.
24- المجموع:3/27 و24
25- بداية المجتهد:2/374، الطبعة المحققّة.
26- المجموع:4/264.
27- الإسراء:78.
28- مجمع البيان:3/434.
29- نور الثقلين : 3/200، الحديث370.
30- نور الثقلين:3/202، الحديث377.
31- الجامع لأحكام القرآن:1/304.
32- التفسير الكبير:21/27.
33- شرح صحيح مسلم للنووي:5/213ـ 218.
34- صحيح البخاري:1/110، باب تأخير الظهر إلى العصر من كتاب الصلاة.
35- صحيح البخاري:1/113، باب وقت المغرب من كتاب الصلاة.
36- صحيح البخاري:1/113، باب ذكر العشاء والعتمة.
37- سنن الترمذي:1/354، رقم الحديث 187.
38- مسند أحمد:1/223.
39- مسند أحمد:1/221.
40- مسند أحمد:1/251.
41- موطأ مالك:1/144، الحديث4.
42- سنن أبي داود:2/6، الحديث1210.
43- المصدر السابق، الحديث 1214.
44- سنن النسائي:1/290.
45- سنن النسائي:1/286.
46- مصنف عبد الرزاق:2/555ـ556، الحديث 4434، 4435.
47- مصنف عبد الرزاق:2/556، الحديث 4436.
48- مصنّف عبد الرزاق:2/556، الحديث 4437.
49- معاني الآثار:1/161.
50- حلية الأولياء:3/90 .
51- مسند البزار:1/283، الحديث رقم421.
52- المعجم الكبير:10/269، الحديث10525.
source : راسخون