عربي
Saturday 16th of November 2024
0
نفر 0

صحبة الرسول شرف وفخر

صحبة الرسول شرف وفخر

ان صحبة الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله شرف عظيم ومفخر جسيم ومرتبة سامية ومنزلة عالية واصحابه صلى الله عليه وآله متفاوتون في فضلها وشرفها بقدر ما احسنوا فيها وقد اوجب الله تعالى محبتهم وتوقيرهم اجلالا واكراما لرسوله صلى الله عليه وآله ولمقامه ولمحبته لهم ومحبتهم له ولاريب في ان محبتهم له ناشئة ومسببة عن هدايته لهم وانقاذه اياهم من الضلالة ومن البديهي ان محبة الله ومحبة رسوله لهم انما هي لطاعتهم وانقيادهم لاوامره ونواهيه وإذا عصى احد منهم وحاد الله ورسوله وارتكب الكبائر واصر على معصيته فقد ترك ما اوجب له المحبة من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وآله إذ ليس عند رسول الله صلى الله عليه وآله محاباة ولا مداهنة في عداوة من حاد الله وعصاه ولو كان من عترته فضلا عن اصحابه ألم يرو عنه عليه وآله الصلاة والسلام انه قال : لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعتها كما انه عليه السلام لا يألوا جهدا في محبة من والى الله تعالى واطاعة ولو كان من أبعد الناس نسبا منه الا ترى ايه كيف احب سلمان الفارسي وبلالا الحبشي وصهيبا الرومي وامثالهم.
اما نحن فيجب علينا ان نحفظه عليه وآله الصلاة والسلام في حب من احبه وموالاة من والاه وتوقيره واحترامه ولا محيص لنا من ان نعدل عن التمسك بولاء من عادى الله ورسوله منهم ونتجنب حب من ابغضه الله ورسوله ونتبرأ منه ولو كان ابا أو اخا أو صديقا ولا نجعل للهوى والعصبية سلطانا على قلوبنا بمحبتهم وتواليهم حتى يحق لنا بذلك صريح الايمان كما جاء في الكتاب العزيز مكررا ووردت به الاحاديث الكثيرة ومن لم يكن كذلك فليتهم نفسه في ايمانه رنبا انك تعلم ما نخفي وما نعلن والله لو كان من حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله في اصحابه ومن رعاية عهده والادب معه ان نمسك عن عداوة وبغض من حاد الله ورسوله واحدث الاحداث السيئة بعده منهم لم نعاد احدا منهم ولم نبغضه ولو ضربت اعناقنا وقطعنا بالسيوف اربا اربا ولو كان التعامي والتغافل عن انكار مخالفات المحدثين منهم وتأويلنا بالالسن سيئاتهم مع علمنا بوقوعها منهم مجديا عند الله شيئا أو عاذرا لنا عنده لتأولنا كل سيئة صدرت عن احد منهم وصافحنا من يلتزم ذلك يدا بيد ولكن من الذي تجاسر على ذلك وآيات القرآن تزجره واحاديث الرسول تمنعه افمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا اهواءهم.
ومن الغباوة ان لم نقل من العناد اهدار كل كبيرة وموبقة لدعوى حرمة الصحبة لاشك ان حرمة عظيمة للصحبة وشأنا فخيما نلتزمة ونعلمه ابناءنا ونساءنا ولكنه مقيد بما قدمناه الا تريان للكعبة وللمسجد ايضا حرمة ومن حرمتها احترام سدنتها وخدمها ومن هو داخلها لكن من دخلها منهم وبال فيها أو احدث عمدا أو دخل المسجد مؤذنه أو امامه فسرق امتعة المصلين وثيابهم لم يبق له من حرمتهما شئ البتة بل يجب طرده منهما واهانته داخلهما أو خارجهما ومن ظن انه يلزمنا احترامه لحرمتهما بعد ان جرى منه ما جرى فهو في اقصى درجات الغباوة أو في اشد مراتب العناد والمراغمة واتباع الهوى ومن اظلم ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ان الله لا يهدي القوم الظالمين.
يجد القارئ في كثير من الكتب ولاسيما في مؤلفات الشيخ ابن حجر الهيثمي وعيدا شديدا وتهويلا عظيما وتهديدا مفزعا على كل من سب احدا من الصحابة أو ابغضه أو تنقصه وتجد في ضمن ذلك سردهم للآيات القرآنية والاحاديث النبوية والمقالات السلفية مما فيه ذكر فضل الصحابة رضي الله عنهم وبيان علو مقامهم يوهمون بذلك ان المراد بالصحابة في تلك الآيات والاحاديث هم من اجتمع بالنبي مؤمنا ومات على الايمان كما اصطلح عليه رواة الحديث ليدخلوا في تلك المرايا والفضائل من ليس من اهلها كمعاوية وعمرو وبسر والوليد والحكم واشباههم انتصارا لمذاهبهم وتبعا لمقلديهم ثم تراهم يرجمون كل من خالف ما قالوه واصطلحوا علية بالبدعة والضلالة والمروق من الدين وينذرونه بسوء العقبي ودعوى الويل والثبور شاع ذلك عنهم وكثر ودعوا إليه الناس ورغبوهم في الانضمام إليهم والاتباع لهم ظانين ان ذلك نصيحة في الدين وحرصا على حفظ حرمة سيد المرسلين.
ونحن نقول سمعا سمعا لكل ما جاء عن الله تعالى وعن رسول عليه افضل الصلاة والسلام وعن الاجلة من اصحابه وعلماء امته رضي الله عنهم من تعظيم اصحابه عليه وآله افضل الصلاة والسلام وتوقيرهم والاقرار بما لهم من الفضل ومعرفة مالهم من الحقوق على الامة في مؤازره الرسول صلى الله عليه وآله ونصرة الدين وتبليغه إلى من بعدهم من الامة غير انا لانكتال اقوال اولئك المؤلفين جزافا كما كالوا ولا نرسل الكلام على عواهنه كما ارسلوه ولا نسبك الطيب والخبيث في قالب واحد كما صنعوا ولا نخلط الحابل بالنابل كما فعلوا ولا نغرر الناس بأيراد الخاص من الادلة في موارد العام واجراء المقيد بمجرى المطلق فيمتزج الحق بالباطل والصحيح بالفاسد بل نعطي كل آية من كتاب الله تعالى وكل حديث من احاديث رسوله صلى الله عليه وآله حقه من الفحص في مدلولاته وبيان مجمله وتحقيق عمومه وخصوصه وتفسير ما مصاديقه وتتبع اسباب نزوله أو وروده ثم نعامل كلامن اصحابه عليه الصلاة والسلام بما حكمت تلك الدلائل من رفع أو خفض ومودة أو رفض اذعانا لحكم الله تعالى وحكم رسوله عليه الصلاة والسلام فما ورد في حق واحد بعينه لانشرك فيه سواه وما ورد في حق المهاجرين والانصار لا نوجبه لغيرهم وما جاء في حق السابقين الاولين لا بحكم به للطلقاء وامثالهم وما بلغنا في حق المجاهدين لانثبته للقاعدين وما اختص به المنفقون لا يناله الممسكون وهلم جرا.
على انا نعتقد ان للباقين منهم شرفا باهرا وشأنا عظيما برؤيته صلى الله عليه وآله وسلم ومجالسته والصلاة خلفه فكلهم نحترم وجميعهم نعظم لا نستثني منهم الا من استثناه الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام لارتكابه ما يحبط فضيلة الصحبه ويسقطه عن شرف تلك الرتبة كالردة والنفاق والمروق من الدين والقسط وارتكاب احداث السوء مع الاصرار على ما ارتكبوا ذلك بأنهم اتبعوا ما اسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط اعمالهم جاءتنا بذلك آيات واحاديث ظاهرة المعنى واضحة الدلالة ذكرنا منها جملة صالحة منتفرقة في هذه الرسالة نصدق الله تعالى فيها ونمتثل امره وننقاد صاغرين لحكمه لا نعارضه جل شأنه ولا نعترض علهى في شئ منها ولانشوه وجوه المعاني بالتأويلات البعيدة ولا نجنح إلى ما يوافق هو انا بتحويلها إلى ما يبعد احتماله يسمج تفسيره ولا تأخذنا لومة لائم في قول الحق.
ولا ترعنا صيحة باطل عن الجهر بالصدق ولا يرهبنا غضب الحمقى من المتعصبين ولا يخيفنا قدح السفهاء من المقلدين أو ليس قد قيل لافضل من يتأسى به المؤمنون يا ايها الذين نزل عليه الذكر انك لمجنون.
وههنا نقول لطالب الحق لا يروعنك ما تراه من التهويل والارعادو الابراق في كتب اولئك المؤلفين مادام الحكم بينك وبينهم كتاب الله تعالى وسنة نبيه الصادق الامين فمنهما تعرف اي الفريقين احق بالامن ومنهما تجزم بأن الهدى والضلالة والسنة والبدعة ليست موقوفة على اقوالهم ولا ملازمة لتأويلاتهم وتمحلاتهم التي ينصرون بها اقوال المقلديهم بل الهدى هدي محمد وآله والسنة ما هو عليه واصحابه والضلالة والبدعة ما خالف حكم الكتاب العزيز وعارض احاديث الرسول عليه الصلاة والسلام وكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وما احسن ماقاله شيخنا السيد ابن شهاب في المعنى.
تباينت المذاهب واستطالت / بها الاهواء واحتدم النزاع
وضلل بعضهم بعضا وكل / إلى تبديع غيرهم سراع
قصارى القوم نصر مقلديم / ومحض الحق بينهم مضاع
إلى التأويل والتحريف لاذوا / فذا كذب يريك وذا خداع
وخالوا ان في التمويه فوزا / وان الحق يشرى أو يباع
لئن كان اقتفاء كتاب ربي / وسنة مصطفاه والاتباع
ضلالا وابتداعا ان ديني / وان رغموا ضلال وابتداع
الشبهة الثانية صلح معاوية مع الامام الحسن بن علي عليهما السلام وبيعة الحسن له واجتماع الطائفتين على بيعته حتى ادعى انصاره انه صار بذلك الصلح وتلك البيعة خليفة حق وامام صدق وانه واجب الطاعة على الكافة وقد اطال الشيخ ابن حجر الهيثمي سامحه الله وتجاوز عنه بمثل هذا الهذر والاستدلال السقيم والاستنتاج العقيم على هذه الدعاوي في كتابيه السابق ذكرهما.
والحق ان معاوية متغلب بالسيف على الشوكة والحكم فاسق بوثوبه على مالا حق له فيه جائر في احكامه مستحق بصنيعه المقت والعقاب الشديد كما وعد الله عزوجل وهو اول الملوك المتغلبين في الاسلام وان تسليم الحسن عليه السلام الامر إليه غير مبرر له لانه لم يسلمه الا مضطرا صونا لدماء المسلمين واخذا باخف الضررين واهون الشرين علما منه ان معاوية مصر على القتال وسفك الدماء فكان من رأيه تسليم الامر وحقن دماء المسلمين وتحقق بذلك قول جده صلى الله عليه واله وسلم ان ابني هذا سيد ولعل الله ان يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فالحسن عليه السلام مثاب بهذا الصلح مصيب فيه ومعاوية مخطئ معاقب عليه ممقوت به ولاكرامه.
اخرج احمد في مسنده وابو يعلى والترمذي وابن حبان وابو داود والحاكم عن سفينة وغيره حديث الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك واخرجه أبو نعيم في الفتن والبيهقي في الدلائل وكثيرون عن حذيفة وغيره ولفظه ثم يكون ملكا عضوضا قال العلماء انتهت الثلاثون سنة بعده صلى الله عليه واله وسلم بخلافة الحسن بن علي عليهما السلام والحديث صريح في الدلالة على الحكم بحقية الخلافة عنه صلى الله عليه واله وسلم في هذه المدة دون ما بعدها فانه ملك عضوض.
فقال ابن حجر الهيثمي في الصواعق في خلافة ابي بكر أي يصيب الناس فيه ظلم وعسف كأنهم يعضون عضا والعجب منه كيف ناقض نسه في خاتمة الكتاب بقوله ان معاوية خليفة حق وامام صدق مع اعترافه بالصواب اول الكتاب ولكنه الذهول والنسيان.
واخرج ابن ابي شيبة عن سعد بن جمهان قال قلت لسفينة ان بني امية يزعمون ان الخلافة فيهم فقال كذب بنو الزقاء انهم ملوك من شر الملوك واول الملوك معاوية (واخرج) ابن سعيد عن عبدالرحمن بن ابرى عن عمر
انه قال هذا الامر في اهل بدر ما بقي منهم احد ثم في اهل احد ما بقي منهم احد وفي كذا وكذا ليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شئ.
افبعد هذا يقال ان معاوية خليفة حق وامام صدق لاحول ولا قوة الا بالله يكذب رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله ملكا عضوضا وانه من شر الملوك ويصدق انصار معاوية في قولهم خليفة حق وامام صدق الم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لا يقولوا على الله الا الحق اللهم انا نبرأ اليك من صنيع كهذا ونسألك الثبات على تصديق ما جاء به نبيك ورسولك.
وقد انكر بعض المشاغبين نسبة الحكم الواحد إلى حق وباطل وهما ضدان لا يجتمعان ولم يدر الغبي ان النسبتين مختلفتا الجهة فلا منع كيف ولهذا نظائر لاتخفى على من له يسير المام بسيرته عليه واله الصلاة والسلام فقد صالح صلى الله عليه واله وسلم كفار قريش يوم الحديبية على ان يرجع إلى المدينة هو واصحابه ولا حجة ولاعمرة وعلى ان يرد إلى الكفار من جاءه منهم مسلما وان لايدخل مكة في القابل الا ثلاثة ايام بسلاح المسافر فقط ولم يرضوا مع هذا بكتابة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله فمحاها من الكتاب بيده الشريفة وابدلت بمحمد بن عبدالله الم يكن هذا الصلح حقا من جانب النبي صلى الله عليه وآله وباطل من جهة كفار قريش.
وكذلك صالح النبي صلى الله عليه وآله عيينة والاقرع على ان يعطيهما ثلث ثمار المدينة ان رجعا بمن معهما عن مساعدة ابي سفيان والاحزاب لو لا ان سعدا اشار على النبي صلى الله عليه وآله ان لا يبرمه ان لم يكن وحيا فاستحسن النبي رأيه ولم يبرمه اولم يكن هذا حقا من جهة النبي وباطلا من الجهة الاخرى فكذلك صلح الحسن عليه السلام فهو حق من جهته باطل من جهة معاوية فمعاوية مخطئ متغلب آثم بلا ريب ومع ذلك فانه نكث ونقض اكثر ما عاهد الله عليه في ذلك الصلح كما ستعرفه مما يأتي كأنه لم يسمع قول الله تعالى فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ولم يبال بقوله جل جلاله والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر الله به ان يوصل ويفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار.
ولنسرد ملخص قضية الصلح من فتح الباري شرح صحيح البخاري ومن تاريخ ابي جعفر الطبري ومن الكامل لابن الاثير وغيرها لتعلم ما ألجأ الامام الحسن عليه السلام إلى ذلك الصلح وما نكث معاوية من عهوده.
قالوا كان أمير المؤمنين علي عليه السلام قد بايعه اربعون الفا من عسكره على الموت لما ظهر ماكان يخبرهم به عن اهل الشام فبينما هو يتجهز للمسير قتل عليه السلام وإذا اراد الله امرا فلا مرد له فلما قتل وبايع الناس الحسن ابن علي بلغه مسير معاوية في اهل الشام إليه فتجهز هو والجيش الذين كانوا بايعوا اباه وساروا من الكوفة إلى لقاء معاوية وجعل قيس بن سعد بن عبادة على مقدمته في اثنى عشر الفا فلما نزل الحسن المدائن نادى مناد في العسكر الا ان قيس بن سعد قد قتل فانفروا فنفروا بسرادق الحسن فنهبوا متاعه حتى نازعوه بساطا كان تحته وطعن بخنجر في بطنه فازداد لهم بغضا ومنهم ذعرا ودخل المقصورة البيضاء بالمدائن وكان الامير على المدائن سعد بن مسعود الثقفي عنم المختار بن ابي عبيد فقال له المختار وهو شاب هل لك في الغنى والشرف قال وما ذاك قال تستوثق من الحسن وتستأمن به إلى معاوية فقال له عمه عليك لعنة الله اثب على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله واوثقه بئس الرجل انت وعلم الحسن انه لن تغلب احدى الفئتين حتى يذهب اكثر الاخرى فكتب إلى معاوية يخبره انه يصير الامر إليه على شروط يشترطها فرضى معاوية بعد مراجعة في بعضها ثم تصالحا على ان تسلم إلى معاوية ولاية المسلمين على ان يعمل فيها بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين وليس لمعاوية بن ابي سفيان ان يعهد الى احد من بعهده عهدا بل يكون الامر من بعده شورى بين المسلمين وعلى ان الناس آمنون حيث كانوا من ارض الله تعالى في شامهم ويمنهم وعراقهم وحجازهم وعلى ان اصحاب علي وشيعته آمنون على انفسهم واموالهم واولادهم ونسائهم حيث كانوا لا يطلب احد منهم بشئ كان في ايام علي وان لا يبتغي للحسن ابن علي ولا لاخيه الحسين ولا لاحد من اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله غائلة سرا ولا جهرا ولا يخيف احدا منهم في افق من الآفاق على معاوية بذلك عهد الله وميثاقه وكفى بالله شهيدا وزاد ابن الاثير انه يعطيه ما في بيت مال الكوفة وخراج دارا بجرد من فارس ليرضى بذلك من لا يرضيه الا المال وان لا يشتم عليا فاجابه إلى ذلك كله الا شتم علي فانه التزم ان لا يشتمه والحسن يسمع والا انه قال اما عشرة انفس فلا أو منهم فراجعه الحسن فيهم فكتب إليه يقول اني قد آليت اني متى ظفرت بقيس بن سعد ان اقطع لسانه ويده فراجعه الحسن اني لاابايعك ابدا وانت تطلب قيسا أو غيره بتبعة قلت أو كثرت فبعث إليه معاوية برق ابيض وقال اكتب ما شئت وانا التزمه ثم اعطاه معاوية عهدا بذلك واصطلحا (اتنهى) وتحقق بذلك الصلح قوله عليه واله الصلاة والسلام مما اخرجه الحاكم ما اختلفت امة بعد نبيها الاظهر باطلها على حقها قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ثم لم يف معاوية بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله ونقض الميثاق بانه لا يعهد إلى احد من بعده فعهد بالخلافة لابنه السكير الخمير ولم يترك شتم علي حتى والحسن والحسين وسلط عليهما عامله ومروان بالمدينة يجرعهما ما يجرعهما من الاذى وحتى قتل الحسن بالسم كما مر ذكره ولم يف له بخراج دارا بجرد فان اهل البصرة منعوه عنه وقالوا فيئنا ولا نعطيه احدا وكان منعهم بامر معاوية ايضا قال رسول الله صلى الله عليه وآله من اثناء حديث اخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما الا انه لا ايمان لمن لا امانة له ولادين لمن لا عهد له ومن نكث ذمة الله طلبه ومن نكث ذمتي خاصمته ومن خاصمته فلجت عليه ومن نكث ذمتي لم ينل شفاعتي ولم يرد علي الحوض وروى ابو الحسن المدائني قال : خرج على معاوية قوم من الخوارج بعد دخوله الكوفة وصلح الحسن فأرسل إلى الحسن عليه السلام يسأله ان يخرج فيقاتل الخوارج فقال الحسن سبحان الله تركت قتالك وهو لي حلال لصلاح الامة والفتهم افتراني اقاتل معك فخطب معاوية اهل الكوفة يا اهل الكوفة اتروني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت انكم تصلون وتركزون وتحجون ولكني قاتلتكم لا أتأمر عليكم والي رقابكم وقد اتاني الله ذلك وانتم كارهون الا ان كل مال أو دم اصبت في هذه الفتنة مطلول وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين ولا يصلح الناس إلى ثلاث اخراج العطاء عند محله واقفال الجنود لوقتها وغزو العدو في داره فان لم تغزوهم غزوكم ثم نزل. اتنهى.
وزاد ابو اسحق السبيعي انه قال : في خطبته الا ان كل شئ اعطيت الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا افي به وكان عبدالرحمن بن شريك إذا حدث بذلك يقول هذا والله هو التهتك.
قالوا ولما تم الصلح وبايع اهل الكوفة معاوية التمس من الحسن ان يتكلم بجمع من الناس ويعلمهم انه قد بايع معاوية وسلم الامر إليه (فأجابه) إلى ذلى فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وقال : يا أيها الناس ان اكيس الكيس التقى واحمق الحمق الفجور إلى أن قال وقد علمتم ان الله تعالى جل ذكره وعز اسمه هداكم بجدي وانقذكم به من الضلالة وخلصكم به من الجهالة واعزكم به بعد الذلة وكثركم به بعد القلة ان معاوية نازعني حقا هو لي دونه فنظرت اصلاح الامة وقطع الفتنة وقد كنتم بايعتموني على ان تسألموا من سالمني وتحاربوا من حاربني فرأيت ان اسالم معاوية واضع الحرب بيني وبينه وقد بايعته ورأيت ان حقن الدماء خير من سفكها ولم ارد بذلك الا صلاحكم وبقاءكم وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.
وكتب الحسن عليه السلام إلى قيس بن سعد وهو على مقدمته في اثنى عشر الفا يأمره بالدخول في طاعة معاوية فقام قيس في الناس فقال ايها الناس اختار والدخول في طاعة امام ضلالة أو القتال من غير امام فقال بعضهم بل نختار الدخول في طاعة امام ضلالة فبايعوا معاوية ايضا وانصرف قيس فيمن تبعه وامروا قيسا وتعاقدوا على قتال معاوية حتى يشترط لشيعة علي ولمن كان معه على دمائهم واموالهم فأعطاهم معاوية عهدا بذلك واصطلحوا ولما استقر الامر لمعاوية دخل عليه سعد بن ابي وقاص فقال السلام عليك ايها الملك فضحك معاوية وقال ما كان عليك يا ابا اسحق لو قلت يا امير المؤمنين فقال اتقولها جذلان ضاحكا والله ما احب اني وليتها بما وليتها به.
وبلغ المغيرة بن شعبة ان معين بن عبدالله يريد الخروج فأرسل إليه وعنده جماعة فأخذ وحبس وبعث المغيرة إلى معاوية يخبره بأمره فكتب إليه ان شهد اني خليفة فخل سبيله فأحضره المغيرة فقال اتشهد ان معاوية خليفة وانه امير المؤمنين فقال اشهد ان الله عزو جل حق وان الساعة آتية لاريب فيها وان الله يبعث من في القبور فأمر بن فقتل (اتنهى من الكامل).
واخرج ابن عبد البر عن عبدالرحمن بن ابي بكرة قال : وفدت مع ابي إلى معاوية اوفدنا إليه زياد فدخلنا على معاوية فقال حدثنا يا ابا بكرة فقال اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول الخلافة ثلاثون ثم يكون الملك قال : فأمر بنا فوجئ في اقفائنا حتى اخرجنا. هذا هو ملخص قصة صلح الحسن عليه السلام مع معاوية وبها يتضح انه امام ضلالة كما قال قيس بن سعد وانه ملك من شر الملوك كما قال : سعد وسفينة وانه محدث متغلب بالسيف لم يأخذها عن تشاور ورضا حتى تكون حقا بل كان لا يقبل صلحا الا ان يستحل شتم علي وقطع لسان قيس ويده وقتل فلان وفلان ثم احدث الا حداث وغير وبدل وكل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها فأين الحقية التي يدعيها انصاره الذين لاغرض لهم الا نصرة مذهبهم وتعصبهم لاحزابهم ولو صدقوا لله لكان خبرا لهم اعاذنا الله تعالى مما ابتلاهم به وجعلنا ما عشنا من انصار الحق وحزبه امين.
وزعم بعض انصار معاوية ان اجتماع الامة عليه بعد صلح الحسن عليه السلام اجماع منها والاجماع حجة وهذا مغالطة ومشاغبة فان الاجتماع غير الاجماع فالاجماع كما قال : الاصوليون هو اتفاق مجتهدي الامة جميعهم على أمر بدليل من الكتاب والسنة يستند المجموعون إليه فأي دليل هنا يوجد على حقية ولاية معاوية واي مجتهد صرح بها اللهم الا ان يكون عمرا والمغيرة وسمرة وزياد أو امثالهم ممن ليس لهم في الدين قدم ولاقدم اما اهل الفضل والعلم والدين فقد صرح اكثرهم كما قدمنا بأنه متغلب بالسيف واثب عليها بغير استحقاق وقد اكره كثير منهم على البيعة له وعذب من عذب وقتل من قتل على الامتناع عنها (واما) الاجتماع عليه بغير استحقاق فواقع وقد وعد به رسول الله صلى الله عليه وآله على جهة الاخبار بما سيصيب الامة من الفتنة (فقد اخرج) نعيم بن حماد في الفتن عن سفيان قال : اتيت الحسن بن علي بعد رجوعه إلى المدينة فقلت يا مذل المسلمين فكان مما احتج به علي ان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لا تذهب الايام والليالي حتى يجتمع امر هذه الامة على رجل واسع السرم ضخم البلعوم يأكل ولا يشبع وهو معاوية فقلت ان أمر الله واقع (واخرج) أبو نعيم عن عمار بن ياسر قال : إذا رأيتم الشام اجتمع امرها على ابن ابي سفيان فألحقوا بمكة.
ان اجتماع الناس عليه واكثرهم مكرهون لا يقيم له عذرا ولا يخفف عنه أصرا ولو سلمنا جدلا بما يزعمه بعض انصاره من انهم كلهم طائعون وانه قرشي جائز الامامة ظاهرا فأين الرحمة واين العدل واين الوفاء المشروطة في امامة القرشي في حديث الائمة من قريش حتى إذا اخل بواحد منها وجبت عليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لارحمة وهو يقتلهم تسميا وصبرا ويهدم ديار قوم وينفى آخرين ويولي عليهم الظلمة يسومونهم سوء العذاب ولاعدل وهو يقضي بلولد للزاني لا للفراش وقد استأثر بالبيضاء والصفراء وبذر اكثر اموال المسلمين كما تهوى نفسه يأخذ بغير الحق وينفق في غير حق لا وفاء وقد اخبر النبي عليه الصلاة والسلام انه لا يجتمع مع عمرو الا على غدر وقد قال : علي عليه السلام انه يغدر ويفجر ولو لم يصدر منه الا غدره فيما عاهد عليه الحسن بن علي عليهما السلام لكفي ودونك ايها الطالب الحق متن الحديث المذكور قال صلى الله عليه وآله وسلم : الائمة من قريش ولهم عليكم حق ولكم مثل ذلك فان استرحموا رحموا وان استحكموا عدلوا وان عاهدوا وفوا فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا. ولهذا الحديث طرق جمعها الحافظ ابن حجر رحمه الله في مؤلف سماه لذة العيش في طرق حديث الائمة من قريش.
قال المسعودي رحمه الله حدث منصور بن وحشي عن ابي الفياض عبدالله بن محمد الهاشمي عن الوليد بن البحتري العبسي عن الحرث بن مسمار البهراني قال : حبس معاوية صعصعة بن صوحان العبدي وعبد الله بن الكواء اليشكري ورجالا من اصحاب علي مع رجال من قريش فدخل عليهم معاوية يوما فقال نشدتكم بالله الا ما قلتم حقا وصدقا اي الخلفاء رأيتموني فقال ابن الكواء لولا انك عزمت علينا ما قلنا لانك جبار عنيد لا تراقب الله في قتل الاخيار ولكنا نقول انك ما علمنا واسع الدنيا ضيق الاخرة قريب الثرى بعيد المرعى تجعل الظلمات نورا والنور ظلمات قال بعد مجاورة طويلة مع ابن الكواء ثم تكلم صعصعة فقال تكلمت يا ابن ابي سفيان فأبلغت ولم تقصر عما اردت وليس الامر على ما ذكرت انى يكون الخليفة من ملك الناس قهرا ودانهم كبرا واستولى بأسباب الباطل كذبا ومكرا اما والله مالك في يوم بدر مضرب ولا مرمى ولقد كنت انت وابوك في العير والنفير ممن اجلب على رسول الله صلى الله عليه وآله وانما انت طليق ابن طليق اطلقكما رسول الله صلى الله عليه وآله فانى تصلح الخلافة لطليق فقال معاوية لو لا اني ارجع إلى قول ابي طالب حيث يقول :
قابلت جهلهم حلما ومغفرة والعفو عن قدرة ضرب من الكرم لقتلتكم (انتهى).
لم يكن امتناع هذا الطاغية عن قتل هؤلاء خوفا من المنتقم الجبارو لا فرقا من ورود النار بل امتنع عن ذلك كما صرح نفسه به طمعا في ان يقال انه حليم وكريم وقد قالها انصاره وزادوا عليها ما اقروا به عين الباطل وشوهوا به وجه الحق وقد جاؤا ظلما وزورا.
(الشبهة الثالثة ما يزعمه انصار معاوية من الاحاديث في فضله) وسنقدم قبل ذكر شئ منها طرفا مما جاء عن الحفاظ على سبيل الاجمال في نفي صحتها واعلالها تعلم به حقيقة حالها (قال) الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله في كتابه اللالئ المصنوعة في الاحاديث الموضوعة بعد ان ذكر احاديث كثيرة في فضل معاوية كلها موضوعة لااصل لها ثم قال : قال الحاكم سمعت ابا العباس محمد بن يعقوب بن يوسف يقول سمعت ابي يقول سمعت اسحق بن ابراهيم الحنظلي يقول لا يصح في فضل معاوية حديث (انتهى).
الحافظ بن حجر العسقلاني في شرحه على البخاري عن ابن الجوزي عن اسحق بن راهويه انه قال لم يصح في فضل معاوية شئ ثم قال اخرج ابن الجوزي ايضا من طريق عبدالله بن احمد بن حنبل سألت ابي ما تقول في علي ومعاوية فأطرق ثم قال أي شئ اقول فيهما اعلم ان عليا كان كثير الاعداء ففتش اعداؤه له عيبا فلم يجدوا فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كيادا منهم لعلي قال : فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لااصل له قال وقد ورد في فضل معاوية احاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الاسناد وبذلك جزم اسحق بن راهويه والنسائي وغيرهما والله اعلم (انتهى من فتح الباري).
وروى محمد بن اسحق الاصبهاني بسنده عن مشايخه ان الامام النسائي رحمه الله خرج إلى دمشق فسئل عن معاوية ما يروى من فضائله فقال اما يرضى معاوية ان يخرج رأسا برأس حتى يفضل وفي رواية ما اعرف له فضيلة الا لا اشبع الله بطنه.
(وقال) العلامة العيني في شرح البخاري فان قلت قد ورد في فضله ـ يعني معاوية ـ احاديث كثيرة قلت نعم ولكن ليس فيها حديث يصح من طرق الاسناد نص عليه اسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما فلذلك قال : يعني البخاري باب ذكر معاوية ولم يقل فضيلة ولا منقبة وقال خاتمة الحفاظ محمد بن علي الشوكاني في كتابه الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة اتفق الحفاظ على انه لم يصح في فضائل معاوية حديث .
اما الاحاديث الموضوعة في فضل معاوية فكثيرة وايرادها لغير بيان وضعها مما لا يجوز لانه كذب محض على النبي صلى الله عليه وآله وايراد الشيخ ابن حجر الهيثمي جانبا منها في كتابيه السابق ذكرهما في معرض الاحتجاج والاستدلال غير محمود والله يغفر لنا وله واما الاحاديث الضعاف في فضله فثلاثة أو اربعة ولا حجة بالضعيف كما علت وقول المحدثين والاصوليين ان الحديث الضعيف يؤخذ به في المناقب وفضائل الاعمال فذلك حيث كان لذكر منقبة مجردة لا يترتب عليه حكم ما فلا ينبني عليه تصويب ذي خطأ ولا تبرير ذي اثم ولا يعارض بها صحيح ولاحسن ونحوه ولا يخصص بها عام ولا يقيد بها مطلق فأحتجاج انصار معاوية بها نفخ في رماد.
(نعم) جاء في حق معاوية حديث غريب اخرجه الترمذي في الجامع وحسنه عن عبدالرحمن بن ابي عميرة انه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول وذكر معاوية اللهم اجعله هاديا مهدايا واهده واهدبه ومنتهى سندهذا الحديث عبدالرحمن بن ابي عميرة وقد قال ابن عبد البر حديثه مضطرب لا يثبت في الصحابة وهو شامي ومنهم من يوقف حديثه هذا ولا يرفعه ولا يصح مرفوعا عندهم (انتهى) وقال : سعيد بن عبد العزيز اختلط في آخر عمره.
قلت قد علمت ما في هذا الحديث من الاعلان وان تحسين الترمذي انما هو تحسين الاسناد إلى عبدالرحمن بن ابي عميرة وهو كذلك لكن قد علمت ان سحبة عبدالرحمن لم تثبت فيكون الحديث حينئذ مرسلا وعلى التنزل وفرض رفعه وصحته فمحصل مفاده ان النبي دعا له ان يكون هاديا مهديا ونحن نقول ان دعاء النبي صلى الله عليه وآله مستجاب عند الله اللهم الا ما صرح أو اشار هو صلى الله عليه وآله بعدم استجابته كأستغفاره للمنافقين وغيره وهذا الدعاء من هذا القبيل إذ لم يظهر من افعال معاوية الا ما يدل على انه ضال مضل وليس هاديا مهديا كما تشهد به سيرته واعماله الفظيعة الواصلة الينا بالتواتر.
وهاهنا دلالة على عدم استجابة الله هذه الدعوة لمعاوية لو فرضنا صحة الحديث من حديث صحيح اخرجه مسلم عن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألت ربي ان لا يهلك امتي بالسنة فأعطانيها و سألته ان لا يهلك امتي بالغرق فأعطانيها وسألته ان لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها تعرف بهذا الحديث وغيره شدة حرصه صلى الله عليه وآله وسلم على ان يكون السلم دالمابين امته فدعا الله تارة ان لا يكون بأس امته بينهم كما في حديث مسلم وتارة ان يجعل معاوية هاديا مهديا لانه بلا ريب يعلم ان معاوية اكبر من يبغي ويجعل بأس الامة بينها فمآل الدعوتين واحد وعدم الاجابة في حديث مسلم تستلزم عدمها في حديث الترمذي والمناسبة بل التلازم بينهما واضح بين وفي معني حديث مسلم هذا جاءت احاديث كثيرة ومرجعها واحد.
ومما ورد فيه من ضعاف الاحاديث ما اخرجه ابن ابي شيبة عن معاوية انه قال : ما زلت اطمع في الخلافة منذ قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ملكت فأحسن وقد عرفت ضعف هذا الحديث وعلى فرض صحته فلا منقبة فيه لمعاوية لان الله سبحانه وتعالى قد اطلع نبيه على ما سيجري بين امته من الفتن والحروب وقد اخبر عنها بما اخبر واشار إلى ما اشار وفي هذا الحديث اشارة إلى ان معاوية سيملك وقد صرح في احاديث صحيحة بأن ملكه ملك عضوض وقد امره بالاحسان إذا ملك حيث لا سامع ولا مؤتمر وليس ذلك من قبيل البشارة والغبطة بملكه بل من باب الاخبار بالمغيبات والانذار بالفتنة واقامة الحجة عليه بتبليغه.
وهذا الاخبار لا يستلزم حقية فان النبي صلى الله عليه وآله قد اخبر عن امور كثيرة من هذا القبيل كفتن الخوارج وان بني مروان ينزون على منبره كما تنزوا القردة وقد اخبر موسى عليه والسلام بما ملك بختنصر الحبار الكافر وما سرتكبه من بني اسرائيل فيكون الاخبار بهذه الامور دليل على حقيتها لا يقول بهذا احد ولكن انصار معاوية يتشبثون في تزكيته بمثل خيوط العناكب ضعفا ويلوون رؤوسهم عما ثبت فيه من المثالب الا تراهم كيف تبجحون بما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما ان عكرمة اخبره ان معاوية يوتر بركعة فقال ابن عباس دعه فانه فقيه قالوا ان الفقيه في عرف ذلك الزمن هو المجتهد وشهادة ابن عباس قطعيه واطالوا في ذلك بما يضجر المطالع ويفسد ذهن السامع قبلوا شهادة ابن عباس لمعاوية ونعم الشاهد ولم يقبلوا شهادة مولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن ابي طالب عليه السلام حيث يقول لمعاوية كما في نهج البلاغة دخلت في الاسلام كرها وخرجت منه طوعا واسقطوا شهادته (عليه السلام) فيما نقله الثقاة عنه انه قال ان معاوية وعمرا وابن ابي معيط وحبيبا وابن ابي سرح ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن انا اعرف بهم منكم قد صحبتهم اطفالا ثم رجالا فكانوا شر اطفال وشر رجال ونبذوا ايضا شهادة قيس بن سعد بن عبادة الانصاري في كتابه إلى معاوية يقول فيه انا انصار الدين الذي خرجت منه واعداء الدين الذي دخلت فيه وامثال هذه الشهادات على معاوية من كبار الصحابة كثيرة جدا لا يمكن حصرها.
بماذا شهدابن عباس لمعاوية؟! قال انه فقيه حيث اوتر بركعة ، ان الفقه بهذه المسألة التي خالف بها عمل النبي واصحابه يكاد ان يكون من قبيل الحيل في دين الله ويوضحه قوله دعه فلو كان ذلك محمودا لامره بالاقتداء به (اخرج) الطبراني في الفردوس عن ابن عباس ايضا ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال آفة الدين ثلاثة فقيه فاجر وامام جائر ومجتهد جاهل.
اما الحديث الذي اشار إليه الامام النسائي فهو ما رواه مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما انه كان يلعب مع الصبيان فجاء له النبي صلى الله عليه وآله فهرب وتوارى فجاءه وضربه بين كتفيه ثم قال اذهب فأدع لي معاوية قال : فجئت فقلت هو يأكل ثم قال : اذهب فأدع لي معاوية قال : فجئت فقلت هو يأكل فقال لا اشبع الله بطنه انتهى روي انه كان يأكل إلى ان يمل فيقول ارفعوا فوالله ما شبعت ولكن مللت وتعبت كأن داء اصابه بدعاء الرسول صلى الله عليه وآله قال الشاعر يصف رجلا اكولا.
وصاحب لي بطنة كالهلوية / كأن في امعائه معاوية
وقد ذكر المؤرخون ان معاوية يجمع على مائدته سبعين صنفا من الطعام يقول انصار معاوية ان معاوية لحليم حاذق وان الحلم لخلة شريفة ومنقبة عظيمة وان الحذق لسجية محمودة تناقلوا ذلك في اسفارهم وتمثلوا به في اخبارهم واشعارهم وربما جر بعضهم قصوره عن ادراك الحقائق إلى الزعم بأن معاوية كان اصح فكرا وابعد غورا وادق ادراكا من علي عليه السلام وربما ظن ذلك البعض بنفسه حيث عرف ذلك واستخرجه من ماجرياتهما وسببرتهما انه من الخاصة اهل التحقيق والانصاف والتمييز مع ان الامر بخلاف ذلك والقائل به عامي يقول ببادي الرأي ويستعجل في الحكم على القضايا قبل الفحص التام عن اسبابها وموانعها ومقتضياتها وتمحيصها للحكم عليها ولعمري انه لاجدر بما قيل.
ما انت بالحكم الترضى حكومته / ولا الاصيل ولاذى الرأي والجدل
ولو تتبع تلك القضايا وعرفها حق المعرفة لادرك ان حلم معاوية انما هو خبث وحيلة ونفاق ومراوغة وايضاح هذا الامر وبيانه يقتضي التمهيد له بذكر ما كان من التفاوت بين حال علي عليه السلام في سيرته وبين حال معاوية ومن يشاركه في ارائه كعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وذلك ان عليا عليه السلام كان لا يستعمل في حروبه وسائر افعاله الا ما يوافق الكتاب والسنة ملازما في جميع حركاته قوانين الشريعة مدفوعا إلى اتباعها رافضا ما كان يستعمله المشركون في الجاهلية والبغاة القاسطون في الاسلام في حروبهم من المكر المحظو والخبث والدهاء والغدر والحيلة والتغرير بالاجتهاد في مقابلة المنصوص وتخصيص العمومات بالآراء لتوافق الهوى وغير ذلك مما لاترخص فيه الشريعة ولا يرضاه الله ولا رسوله فكان عليه السلام يقول لاصحابه لا تبدأوهم بالقتال حتى يبدأوكم ولا تفتحموا بابا مغلقا لانه عليه السلام كان ملجما بلجام الورع عن جميع القول الا ما كان فيه لله رضى وممنوع اليدين عن كل بطش لا ما ارتضاه الكتاب والسنة ومنقطع عن كل تدبير الا ما اذن الله فيه فكان مجال التدبير عليه ضيقا ومن هذا التضييق وقعت امور كثيرة ينسب إليه القاصرون التقصير فيها كعدم اقراره معاوية على الولاية في اول خلافته ثم يعز له بعد ذلك لما يعلمه في تقريره من الظلم والجور وكعدم ارضاء طلحة والزبير بتوليتهما المصرين كما طلبا حتى فأرقاه وكمخاشنته في الله لبعض اصحابه كأخيه عقيل وشاعره النجاشي ومقصلة بن هبيرة حتى فارقوه إلى معاوية كما نسبوا الفاروق رضى الله عنه إلى قصور الرأي في تنفيره جبلة بن الايهم والتشديد عليه في طلب القصاص بلطمة لطمها رجلا وطئ ازاره حتى ارتد بسبب ذلك جبلة عن الاسلام وارتد بأرتداده الوف من اتباعه وفي امره بحرق مكتبة الاسكندرية واحراقه قصر سعد بن ابي وقاص بالكوفة ومشاطرته كثيرا من عماله اموالهم وامثال هذا ولا غروان من اقتصر على الكتاب والسنة فقد حجر على نفسه الواسع ومنع نفسه الطويل العريض وما لا يتناهى من المكائد ووجوه الفلج والظفر.
وكان معاوية واصحابه غير متقيدين بدين ولا ملتزمين في الباطن لشريعة بل كانوا يستعملون المكر والخبث والغدر والكذب والتغرير والتأويل مما يستخرجون به وجوه مصالحهم سواء كان جائرا في الشرع أو محظورا وسواء اكان فيه سخط الله تعالى ام رضاه ومن المعلوم البديهي ان الصدق والكذب معا اوسع مجالا من الصدق وحده وان الحلال والحرام معا اكثر طرقا من الحلال وحده فأتسع بذلك لمعاوية واصحابه مجال التدبير من التفريق بين الناس بالكذب والغاء الكتب المزورة في العسكر بالسعايات ودس السموم في الاطمعة وبذل الرشوة يمن مال الله وامثال ذلك من المكائد الاثيمة وزخارف القول المفتعلة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم واكثرهم فاسقون افأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون.
ولما رأى قاصرو النظر نوادر معاوية وعمرو في المكائد وكثرة غرائبهم في الخديعة ولم يروا مثل ذلك من علي عليه السلام توهموا ان ذلك من رجحان عند معاوية ونقصان عند علي عليه السلام وجرهم ذلك إلى الحكم بما زعموا ثم إذا رميت بنظرك إلى خدائع معاوية وعمرو وجدت اكبرها رفع المصاحف ولم ينخدع بها علي عليه السلام بل ادرك لاول وهلة انها مكيدة لطلب الخلاص والنجاة ونبه اصحابه عليها لولا ان بعض اصحابه لما فيهم من الغرارة والتسرع والطيش انخدعوا بذلك وآل بهم الامر الى التنازع فوافقهم الامام خشية الافتراق ومثلها صنعوا في تعيينهم ابا موسى الاشعري حكما من جانب علي عليه السلام واصرارهم وتصميمهم على ذلك وهو يعلم ما عند ابي موسى من الانحراف عنه والغبارة فيه الا انه عليه السلام قيد امر انتحكيم بكتاب الله حتى لا يلزمه ما خالفه من فعل الحكمين قال : ابو الفرج بن يزيد الكلاعي قالوا لعلي عليه السلام حكمت كافرا ومنافقا فقال ما حكمت مخلوقا ما حكمت الا القرآن .
وقد اشار عليه السلام إلى جميع ما قدمناه بكلمات وجيزة مذكورة في نهج البلاغة قال عليه السلام والله ما معاوية باد هي مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهة الغدر لكنت من ادهى الناس ولكن لكل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة والله ما استغفل بالمكيدة ولا استغمز بالشديدة .
ويتمشدق بعض الطائشين ويتبجح بترديده على اللسان ان معاوية خال المؤمنين وقد اخذ هذه الخوؤلة من جهة كون معاوية اخا لام المؤمنين ام حبيبة واخو الام خال لغة ويظن الطائش ان بتلك الخؤولة التي زعمها لمعاوية شرفا ونسبا بينه وبين المؤمنين ومادري الغبي انه لا يمكن ولا يصح اطلاق لفظ الخال على احد من اخوان امهات المؤمنين رضي الله عنهن حقيقة لان الله سبحانه انما نزلهن منزلت الامهات للمؤمنين في التحريم واستحقاق التعظيم فقط لا منزلة الام بجميع معانيها فان الام الحقيقة هي الوالدة قال الله تعالى ان امهاتهم اللائي ولدنهم وانهم ليقولون منكرا من القول وزورا.
وكما نزلت زوجات النبي عليه وآله الصلاة والسلام منزلة الام فيما مر فكذلك نزلت المرضعة مع قرابتها في منزلة الام الحقيقة في تحريم المناكحة فقط لا في كل معانيها من التوارث ووجوب الطاعة والنفقة وغيرها.
ولو صح ان يقال ان معاوية خال المؤمنين لصح ان يقال ان حيي بن اخطب اليهودي جد المؤمنين فمن كان معاوية خاله فحيي جده ولكانت بنات ابي سفيان بل وبنات ابي بكر وعمر خالات المؤمنين كيف وهن متزوجات بأبناء اخواتهن ان هذا والله لهو التلاعب بكتاب الله واحكامه ماذا يقول الفقيه فيما لو علق رجل طلاق زوجته بقوله ان كان معاوية خالي اوحيي جدي فزوجته طالقة اتراه يمضيه ويفرق بينهما لااظن قاضيا يتجاسر على ذلك ولا حول ولا قوة الا بالله.
اما كتابة معاويد للنبي صلى الله عليه وآله فصحيحة كما جاءت في صحيح مسلم وفي حديث اسناده حسن ان معاوية كان يكتب بين يدي النبي صلى الله عليه وآله قال المدائني كان زيد بن ثابت يكتب الوحي وكان معاوية يكتب للنبي صلى الله عليه وآله فيما بينه وبين العرب .
وتلك فضيلة لا تنكر اما كتابة معاوية للوحي والتنزيل فلم تصح ومن ادعى ذلك فليثبت آية نزلت فكتبها معاوية
اللهم الا ان يأتينا بالحديث الموضوع انه كتب آية الكرسي بقلم من ذهب جاء به جبريل هدية لمعاوية من فوق العرش نعوذ بالله من الفرية على الله وعلى امينه وعلى رسوله ذلك وايم الله العار والشنار قل افأنبئكم بشر من ذلكم النار.
ثم ان معاوية بعد ان كتب للنبي صلى الله عليه وآله رجع ناكصا على عقبيه فكتب بيده المظالم والا وامر المحترمة بالسب والبغي والجرائم المحبطة للاعمال وقد كتب قبله للنبي صلى الله عليه وآله عبدالله بن خطل وقد كان يقول ان كان محمد نبيا فاني لا اكتب له الا ما اريد ثم ارتد ولحق بمكة مشركا فلما كان يوم الفتح ضرب عنقه ولم تعصمه الكتابة عما أراده الله له من سوء الخاتمة وشقاوة العقبى في الآخرة ذكر هذا ابن عدي وكتب ايضا قبله عبدالله بن ابي سرح بمكة ثم ارتد وصار يقول كنت اصرف محمدا حيث اريد كان يملي على عزيز حكيم فأقول أو عليم فيقول نعم كل صواب ونزل فيه فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا. واهدر النبي دمه يوم الفتح.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

فاطمة عليها السلام أم أبيها
أخلاق أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(ع) ...
الاَحاديث الدالة على أن التقية من الدين
واقعة‌ الطف‌ محك‌ّ لمعدني‌ «الولاء» و ...
وصية فاطمة عليها السلام
كنى الإمام الصادق ( عليه السلام ) وألقابه
مخالفة الوهابية للمسلمين في زيارة قبر النبي (صلى ...
هكذا عرفت الإمام الحسين (عليه السّلام)
في زياراتِ الحُسين (عليه السلام) المخصُوصة
أحاديث حول السيدة فاطمة المعصومة

 
user comment