عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

شهادة الحمزة بن عبد المطلب

كان حمزة بن عبد المطلب من أعظم أبطال العرب المسلمين وشجعانهم ، وكان قد قتل يوم بدر عتبة ـ أبا هند ـ كما قتل اخاها ، وكان يوم أحد كما كان يوم بدر أسد الله وأسد رسوله ، وسيف الله البتار ، يخوض وسط المشركين ، لا يدنو منه أحداً إلا بعجه بسيفه. قال ابن كثير في البداية : انه كان كالجمل الأورق (١) يهد الناس بسيفه هدّاً.
اشتهر المجاهد البطل حمزة رضي الله عنه في الجاهلية بالفروسية والإقدام كما اشتهر بالكرم والعطاء، وقد شارك مشاركةً فاعلة في حرب الفجار التي حدثت بين قبيلة بني كنانة وقبيلة قيس عيلان وأبلى فيها بلاءً حسناً، وحينما بعث الله سبحانه وتعالى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام برسالة الإسلام بدأ في دعوة عشيرته المقربين.
وقد وجد الكثير من قرابة الرسول الكريم صعوبةً في تغيير عقيدتهم والابتعاد عن دين آبائهم على الرّغم من اقتناعهم بصدق النبي عليه الصلاة والسلام في دعوته، وقد حدث يوماً وفي ظلّ اشتداد الأذى الواقع على المسلمين أن تعرّض أبو جهل للنبي الكريم فسبّه وشتمه، وعندما سمع حمزة بالخبر غضب لذلك غضباً شديداً فتوجّه إلى حيث كان يجلس أبو جهل، وقام بضربه معلناً للجميع إيمانه وتصديقه بدعوة النبي عليه الصلاة والسلام، ثم شرح الله تعالى صدره للإسلام وأحبّه، وذاد عنه بالغالي والنفيس. وقد مثّل إيمان حمزة ثم إيمان عمر بن الخطاب رضي الله عنهما منعطفاً مهمّاً في تاريخ الدعوة الإسلامية؛ حيث قويت شوكة الدعوة الإسلامية وأصبح المؤمنون يجاهرون بها دون وجل أو خوف، وحينما أمر الله نبيّه بأن يهاجر كان حمزة من بين المهاجرين؛ حيث آخى الله بينه وبين الصحابي الجليل زيد بن حارثة.
وقد شارك حمزة رضي الله عنه في غزوة بدر أولى غزوات المسلمين، وقتل فيها كثيراً من المشركين وعلى رأسهم شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة، وقد آلم ذلك كفّار قريش وعلى رأسهم هند بنت عتبة التي أضمرت الثأر في نفسها من حمزة فكلّفت عبداً حبشياً يُدعى وحشي ليقوم بمهمة قتل حمزة .
فأقبلت هند إلى غلام حبشي فتاك يدعى وحشي وأغرته بالمال على أن يغتال أحد ثلاثة ! إما محمداً ، أو علياً ، أو حمزة. وكانت تقول كلما مرت بوحشي أو مرّ بها : إيه أبا دُسمة ! إشفي واشتفي.
فقال لها : أما محمد فلا حيلة لي به ! فقد أحدق به قومه كالحلقة. وأما علي فإنه إذا قاتل كان أحذر من الغراب ، وأما حمزة فإني أطمع أن أجيبه ، لأنه إذا غضب لم يعد يبصر ما بين يديه.
قال وحشي : إني والله لأنظر إلى حمزة وهو يهدّ الناس بسيفه هدّا ما يلقى أحداً به إلا قتله ، وقتل سباع بن عبد العزى. قال : فهززت حربتي ودفعتها عليه ، فوقعت في ثُنّتِه حتى خرجت من بين رجليه ، وأقبل نحوي فغُلِب ، فوقع. (٢)
ولما علمت هند بمصرع حمزة ، لم تكتف بذلك ، بل أقبلت إليه فبقرت بطنه ، وجذبت بيديها كبده وقطعت منها قطعة ووضعتها في فمها وجعلت تلوكها بأسنانها ولكن لم تستطع أن تبتلعها. وقيل : أنها قطعت مذاكيره وأنفه وأذنيه ثم جعلت ذلك مسكتين ومعضدتين (٣).
حتى قدمت بذلك مكة ، وقدمت بكبده أيضاً معها (٤).
ولم يقف هذا الحقد الأعمى عند هند فقط بل تخطاها إلى زوجها ابي سفيان ، فإنه حين مر بحمزة طعنه في شدقه برأس الرمح وهو يقول : ذق عَقَقْ (٥).
حزن النبي على عمه حمزة
وبعد أن انتهت المعركة ، وتفرغ الناس لدفن القتلى ، قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم): من له علم بعمي حمزة ؟ فقال الحارث بن الصمّة : أنا أعرف موضعه يا رسول الله ! فجاء فوقف عليه فرآه بتلك الحالة التي تركته عليها هند ، فكره أن يرجع الى النبي ويخبره.
فالتفت رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)إلى علي ، وقال له : أطلب عمك الحمزة. وأقبل علي نحو عمه ، فلما وقف عليه كره أن يخبر النبي بحاله.
فخرج رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)بنفسه حتى وقف عليه ، فلما رآه بتلك الحال بكى ، وقال : والله لن أصاب بمثلك أبدا ، وما وقفت موقفاً قط أغيظ علي من هذا الموقف (6).
قال ابن مسعود : ما رأينا رسول الله باكياً أشد من بكائه على حمزة ، لقد وقف عليه وأنتحب حتى نشغ (7) من البكاء وهو يقول :
يا عم رسول الله ، وأسد الله وأسد رسوله ، يا حمزة ، يا فاعل الخيرات ! يا حمزة ، يا كاشف الكربات ، يا حمزة ، يا ذاب عن وجه رسول الله ، وطال بكائه (8).
ثم ألقى عليه بردةً كانت عليه ، وكانت إذا مدها على رأسه بدت رجلاه ، وإذا مدّها على رجليه بدا رأسه ، فمدها على رأسه وألقى على رجليه الحشيش. ثم قال : لولا اني أخاف أن تراه صفيّة بتلك الحالة فتجزع ، ويصبح ذلك سُنّةً من بعدي ، لتركته يحشر من أجواف السباع ، وحواصل الطير. ولئن أظهرني الله على قريش لأمثلن بثلاثين من رجالهم ! وفي رواية :
بسبعين من خيارهم.
وقال المسلمون ـ لما سمعوا ذلك ـ : لنمثلن بهم مُثلةً لم يُمثلها أحد من العرب ! فانزل الله تعالى هذه الآية : ( وإن عَاقبتُم فعَاقِبُوا بمِثلِ ما عُوقِبتُم ولئِن صبَرتُم لُهوَ خيرٌ للصابِرين ). فعفى رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)وصبر ونهى عن المثلة. (9)
وأقبلت صفية بنت عبد المطلب ـ أخت حمزة ـ فالتقت بعلي (عليه السلام) فقال لها : إرجعي يا عمة ؛ فإن في الناس تكشفا !
فقالت له : أخبرني عن رسول الله ؟! قال : إنه بخير. فقالت دلني عليه ، فأشار إليه إشارةً خفيفة ، فاتجهت صفية نحوه ، ولما طلعت عليه قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)للزبير : يا زبير ؛ أغني عني أمك.
في هذه الحالة كان المسلمون يحفرون لحمزة ، وكان النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)كارهاً لأن تراه على هذه الحال ، فلقيها الزبير فأعلمها بأمر النبي ، فقالت : إنه بلغني أنه مُثل بأخي ؛ وذلك في الله قليل ! فما أرضانا بما كان في ذلك ؛ لأحتسبنّ ولأصبرن !
فاعلم الزبير النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)بذلك ، فقال : خلّ سبيلها. فأتته حتى جلست عنده.
وفي رواية : أنها أقبلت حتى جلست عنده ، فجعلت تبكي والنبي يبكي لبكائها ، وكان معها فاطمة سيدة النساء ، ثم قال (صلی الله عليه وآله وسلم)لصفية وفاطمة : أبشرا ! فإن جبرئيل أخبرني أن حَمزة مكتوب في أهل السموات : أسد الله وأسد رسوله.
ثم إن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)كان كلما أتى بشهيد ليصلي عليه ، ضمّ إليه الحمزة وصلى عليهما ! (10)
ولما عاد النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)راجعاً إلى المدينة ، مر في طريقه على بني حارثة ، وبني عبد الأشهل وهم يبكون قتلاهم ، فقال : (صلی الله عليه وآله وسلم): لكن حمزة لا بواكي له !! (11)
فأخذت هذه الكلمة الحزينة مأخذاً من نفوس بعض الصحابة وتركت أثراً عميقاً في قلوبهم ، فمضى سعد بن معاذ مع رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)إلى بيته ، ثم رجع الى نسائه فساقهُن فلم تبق إمرأة إلا جاء بها إلى بيت رسول الله ، يبكين بين المغرب والعشاء !!
وقام رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)بعد أن مضى من الليل الثلث ، فسمع البكاء ، فقال : ما هذا !؟
قيل : نساء الأنصار يبكين على حمزة !
فقال : رضي الله عنكن وعن أولادكن ، وأمر النساء أن يرجعن إلى منازلهن.
قالت أم سعد : فرجعنا إلى بيوتنا بعد ثلث الليل ومعنا رجالنا ، فما بكت منا أمرأةُ قط إلا بدأت بالحمزة ! (12)
المصادر :
1- الجمل الأورق : ما في لونه بياض الى سواد.
2- الكامل ٢ / ١٥٦.
3- المَسَكَة : السوار.
4- كما جاء في شرح النهج ١٥ / ١٢ والمغازي أيضاً بلفظ آخر
5- الكامل ٢ / ١٦٠ وغيره
6- سيرة المصطفى / ٤٢٧.
7- نشغ : شهق حتى كاد أن يغشى عليه.
8- ذخائر العقبى ١٨١.
9- سيرة المصطفى ٤٢٧.
10- راجع شرح النهج ١٥ / ص ١٦ ـ ١٧ والمستدرك على الصحيحين ٣ / ١٩٤ والكامل ٢ / ١٦٣.
11- الكامل ٢ / ١٦٣.
12- شرح النهج ١٥ / ٤٢ إلى يومنا هذا. ( تتمة الرواية ).

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مكانة السيدة المعصومة (عليها السلام):
يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا
ملامح شخصية الإمام جعفر الصادق عليه السلام
أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
أقوال علماء أهل السنة في اختصاص آية التطهير ...
فاطمة هي فاطمة.. وما أدراك ما فاطمة
معرفة فاطمة عليها السلام
علي مع الحق - علي مع القرآن - شبهة وجوابها - خلاصة ...
صدق الحدیث
السيد الشاه عبدالعظيم الحسني رضوان الله عليه

 
user comment