وهناك أساليب شهرها الإمام(ع) في وجه الفقر أكثر تأثيراً مما أسلفنا ذكره، نستعرضها بما يلي:
1 ـ مواساة الفقراء:
كان الإمام(ع) يتصرّف كقائد يتحسّس معاناة ضعفاء الناس ممّن لا تسعفه الحيلة في العيش برفاهية كباقي أفراد المجتمع؛ فقد روي أن رجلاً من الكوفة سأله: لماذا اقتصر في عيشه على الطعام الغليظ والملبس الخشن، وترك قصر الإمارة وسكن في أفقر منزل في أهل الكوفة فأجاب(ع): «إن الله الذي جعلني إماماً لخلقه فرض عليَّ التقدير في نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي ومسكني كضعفاء الناس ، لأن الله أخذ على أئمّة الهدى أن يكونوا في مثل أدنى أحوال الناس ليقتدي بهم الغني، ولا يزرى بالفقير فقره»([1]).
إنّ هذه الكلمات والواقع الذي ارتضاه الإمام تعني أن رجل الدولة الأوّل يرى نفسه في مثل أدنى أحوال الناس وضعفائهم؛ مواساةً لهم فهو القائد الزاهد.
ويلاحظ من خلال كلماته أنّه يعيش بعمق في أجواء تلك الطبقة المعدمة، ويتحسّس أوجاع العوز الذي اكتنف أحوالهم، فيقول: «فوالله ما ضرب الله عباده بسوط أوجع من الفقر»([2])، «ولو تمثّل لي الفقر رجلاً لقتلته، فالفقر هو الموت الأكبر»([3]).
هذه الأقوال لا يخاطب فيها الفقراء ليزيدهم بؤساً على بؤسهم؛ بل يخاطب فيها الأغنياء، ومن على شاكلتهم من أجل أن يلتفتوا الى اُولئك الذين زويت عنهم الدنيا، وذلك عن طريق العمل بوظائفهم الدينية ودعم موارد الدولة وتنميتها ومساعدتها في إزالة المشكلات، ومنها مشكلة الفقر.
2 ـ بعث الأمل في نفوس الفقراء
ربّما راود الفقراء شعور قاتم كاليأس والقنوط الذي يتبعه الانطواء والكسل ممّا يجعلهم في عزلة اجتماعية.
وانبرى الإمام(ع) لمحاربة دواعي اليأس ببعث الأمل في نفوس الفقراء، وفتح منافذ التطلّع الى رحاب سعة الحياة المفتوحة، فقد قيل له(ع): لو سُد على رجل باب بيته وتُرك فيه من أين كان يأتيه رزقه(ص) قال: «من حيث يأتيه أجله»([4]).
نعم إنّها ثقافة الأمل والحياة، وطرد اليأس والقلق الذي يساور النفوس، وجعل الإنسان يعش حالة من التعادل بعيداً عن التوتر، وتراكم الهموم؛ فهو يقول(ع): «الرزق رزقان؛ رزق تطلبه ورزق يطلبك؛ فإن لم تأته أتاك فلا تحمل همّ سنتك على هم يومك، كفاك كل يوم على ما فيه، فإن تكن السنة من فما تصنع بالهمّ فيما ليس لك، ولن يسبقك الى رزقك طالب، ولن يغلبك عليه غالب، ولن يبطئ عنك ما قُدِّر لك»([5]).
وفي حديث آخر نجده يدفع بذلك الرهط المبتلى بمعسور عيشه الى رحاب النظر الحسن فيقول مذكّراً لهم: «مَن ضيّق عليه في ذات يده فلم يظنّ أن ذلك حسن نظر من الله له، فقد ضيّع مأمولاً»([6]).
فالإمام من خلال ما تقدّم يرفع مستوى التطلّع عند الفقراء، ويزيح حالة اليأس التي تعتمل في نفوسهم.