فظهور الإمام المهدي في آخر الزمان أمر لا خلاف عليه بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم , كما أخبر بذلك رسول الله (ص) وبشّر به وذكر ألقابه وصفاته وعلاماته وغير ذلك ، ومن هذه الاوصاف والعلامات انه من ذرية رسول الله (ص) من أهل بيت النبوة الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم وتطهيرا , ومن ولد الامام الحسين تحديدا , وهو من الذين اصطفاهم الله بسابق علمه وجليل حكمته من ذرية آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين , يقول الله تعالى : {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } آل عمران33,34
فهل يقبل الناس بأن يكون إمامهم من اهل بيت رسول الله (ص) ) من ذرية السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام سيدة نساء أهل الجنة , أم أن سيرتهم معه ستكون كسيرة اسلافهم مع آبائه وأجداده ؟ هل سيقبلونه ويرتضونه إماما عليهم فيسمعون ويطيعون له ؟ أم انهم سيرفضونه ويرفضون إمامته كما رفضوا من قبل إمامة أئمة أهل بيت النبوة , الإمام علي والامام الحسن والامام الحسين وذريتهم عليهم السلام ؟
إن الامام المهدي عليه السلام يسير بسيرة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) الذي قال فيه : (( رجل من عترتي يُقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي )[1] وقد سمي المهدي لأنه يهدي الناس الى أمر قد دُثر وضل عنه الجمهور»[2] وهو يحيي صورة الحكم الإسلامي التي جسدها من قبل وبأسمى صورها رسول الله (ص) ووصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الذي كان همه الكبير كقائد رسالي بعد رسول الله (ص) محاولة تطبيق الصيغة الاسلامية الصحيحة للحياة الانسانية على المجتمع المسلم في سبيل بناء الانسان المتكامل , كان همه الأول بناء المجتمع وإيجاد افضل الطرق والوسائل التي ترتقي بمعيشته الاجتماعية وترتفع بها إلى آفاق متجددة من القوة والهيبة والامان والرفاهية داخل الاطار الاسلامي المحمدي الاصيل , فكان عهده إلى واليه على مصر مالك الاشتر والذي عرف بعهد الاشتر أو كما لقبه رجال القانون فيما بعد بـ )) دستور الولاة )) الذي لم تر البشرية - كما شهد بذلك علماؤها ومفكروها - حتى اليوم مثيلا له في شموله وتمامه وعبقريته كذلك إحكامه وصرامته مع الحاكم وعطفه وإعذاره للرعية بل وأمتعتها ودوابها , يقول أمير المؤمنين عليه السلام لواليه :
وأشعر قلبك الرّحمة للرّعيّة والمحبّة لهم و اللّطف بهم , ولا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم ، فإنّهم صنفان إمّا أخ لك في الدّين وإمّا نظير لك في الخلق ، يفرط منهم الزّلل ، وتعرض لهم العلل ، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطإ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الّذي تحبّ أن يعطيك اللّه من عفوه وصفحه ، فإنّك فوقهم ، ووالي الأمر عليك فوقك ، واللّه فوق من ولاّك , وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم
ويقول لعامله على الصدقات :
((...... ثمّ تقول : عباد اللّه ، أرسلني إليكم وليّ اللّه وخليفته لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم ، فهل للّه في أموالكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه ؟ فإن قال قائل لا ، فلا تراجعه ، وإن أنعم لك منعم ، فانطلق معه من غير أن تخيفه أو توعده أو تعسفه أو ترهقه ، فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضّة . فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلا بإذنه ، فإنّ أكثرها له ، فإذا أتيتها فلا تدخل عليه دخول متسلّط عليه ولا عنيف به ، ولا تنفّرنّ بهيمة ولا تفزعنّها ولا تسوءنّ صاحبها فيها ((
والامام المهدي أو المهدي المنتظر أوالمصلح العالمي كما يتوسمه أهل المذاهب الفكرية والفلسفية , هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً كما تواترت بذلك الأحاديث النبوية الشريفة ، وهذا الامر يتطلب علما وفقها تاما ومطلقا بأحكام الشريعة الاسلامية , ليس فقط ما يخص المسلم وما ملكت يداه , بل حتى الدواب والانعام والحشرات ,وفي هذا يقول أمير المؤمنين عليه السلام : وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الاَْقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَة أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرَة مَا فَعَلْتُ [3]
وهناك من ينتظر ظهور قائم آل محمد عليه السلام لينعم بالخير والعدل في كنفه وتحت ولايته يوم أن يخرج ليملأ الأرض قسطا وعدلا وهو غافل عن وجوب تربية وتهيئة نفسه والآخرين إن استطاع حتى يمهد الظروف المناسبة لاستقباله الشريف آخذ بالفهم السطحي الساذج لحديث رسول الله (ص) : أفضل اعمال أمتي انتظار الفرج على أنه الاكتفاء بالعبادات والصلوات والنوافل وترك العمل والسعي إلا لكسب المعيشة وسد الحاجة .
أما من فهم الحديث بالمعني الذي اراده رسول الله وبينه من بعده أهل بيته (صلوات ربي عليهم اجمعين)فقد واصل العمل والجهاد بيده ولسانه وقلبه ليلا ونهارا إعدادا لظهور الإمام عليه السلام وتمهيدا لقيام دولة العدل الإلهي تحت إمرته مبتغيا بذلك وجه الله تعالى .
وهذا يعني وجوب وجود افراد على جهوزية عالية عقائدياً ونفسياً وبدنياً ومن حيث الكفاءات ليكونوا في خدمة القائد المهدي عليه السلام .
فالعقبات والموانع التي تحول بيننا وبين ظهوره الشريف عليه السلام والتي ستتصدى لبرنامجه ومنهجه القرآني بعد قدومه المبارك ليست افراداً فقط وجماعات بل دول وانظمة وأمم منحرفة وظالمة وطاغية , وهذا ما لا يمكن مواجهته والتصدي له بالصلاة والدعاء والأوراد فحسب ولا بشكل فردي دون عمل جماعي منضبط ومتنامي
عن الصادق عليه السلام في وصف أنصار الامام المهدي عليه السلام قال: رجال لا ينامون الليل لهم دوي كدوي النحل ، يبيتون قياما على أطرافهم ويصبحون على خيولهم ، رهبان بالليل ليوث بالنهار ، وهم من خشية اللّه مشفقون
ومن ثم فلما وجدت رجال حملوا على كواهلهم هموم وأعباء أمتهم , كان الحدث الذي غير وجه التاريخ ومسار حركة الكون ، الا وهو اندلاع الثورة الإسلامية المباركة في إيران بعزيمة شباب وكهول عزل وقيادة روح الله الموسوي الإمام الخميني قدس الله سرة الشريف ، ذلك الرجل الذى اخلص تمام الاخلاص ووصل الى حق حقيقة اليقين بامام زمانه صلوات الله وسلامه عليه ، وتمكن بفضل وعناية الحجة بن الحسن عجل الله فرجه الشريف ان ينهض بالامة الايرانية لتكون ممهدة وبحق للظهور الشريف بل استطاع بفضل عمق ارتباطه بامام الزمان وبفضل سحقه التام لنفسه والتوجه المطلق لوجه الله تعالى ان ينهض بالعديد من الافراد والتكتلات والجماعات فى شتى ارجاء الارض صانعا بذلك الارضية المناسبة لاستقبال الحدث الاكبر الذى تنتظره البشرية جمعاء الا وهو ظهور المخلص الحجة بن الحسن صلوات الله وسلامه عليه .