فاطاح الامام باكبر إمبراطورية ترتكز على أقوى وأمنع الاسلحة ، وانطبق عليه قول أمير المؤمنين عليه السلام قال : يخرج رجل من قم يدعو الناس إلى الحق يجتمع معه قوم كزبر الحديد لا تزلزلهم الحوادث ولا يملون ولا يجبنون وعلى الله يتوكلون والعاقبة للمتقين [4]
وبديهي أن هذا النصر ما كان ليتحقق إلا بالعمل الايجابي لمفهوم انتظار الفرج , وما كان هؤلاء الرجال لينجحوا فيما عزموا عليه وخرجوا من أجله وخلفوا ذراريهم وبيوتهم من ورائهم إلا بعد أن استقامت معرفتهم بإمامهم وما فرضه واوجبه عليهم من واجبات وتكاليف فرسخ في افئدتهم أن كل ما يقدمونه من عمل وجهاد وتضحية إنما هو عين ما فرضه الله على عباده , فكيف عرف هؤلاء الفتية إمامهم ومراده منهم ؟
جاء في دعاء زمن الغيبة المروي
عن الامام الصادق عليه السلام :
(( اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم اعرف نبيك ، اللهم عرفني نبيك فإنك إن لم تعرفني نبيك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني ((
فحتما ليست المعرفة هى ما يصطلح عليها بالمعرفة الأطفالية اى معرفة اسمه المهدى صلوات الله وسلامه عليه وانه غائب وسيعود ، فأطفالنا يعرفون هذا ، ولكن موضوع المعرفة موضوع جد عميق والكلام فيه سيطول ، لان للمعرفة درجات منها ما لا يمكن الوصول اليه كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " يا على ، لا يعرف الله الا انا وانت ، ولا يعرفنى الا الله وانت ، ولا يعرفك الا الله وانا " ، وكقول سيد الساجدين صلوات الله وسلامه عليه : " ولم تجعل للخلق طريقا الى معرفتك الا بالعجز عن معرفتك " .
ومنها المعرفة النورانية وهى التى نطالب نحن كمؤمنين بها وسنسأل عنها فى الدنيا والآخرة وهى المعرفة التى اشارت اليها الآيات والروايات الشريفة كما ورد فى توديع الائمة صلوات الله عليهم اجمعين حيث تخاطبهم فتقول : " بأبى انتم وامى ونفسلى ومالى واهلى اجعلونى من همكم ، وصيرونى فى حزبكم ، وادخلونى فى شفاعتكم ، واذكرونى عند ربكم " فهم صلوات الله عليهم اجمعين الهم الوحيد الذى يهون التضحية من اجله بكل العلائق الدنيوية وان كانت الانفس والاهل والاولاد والاموال ...
ولا يتحقق هذا الهم على الصعيد النفسى والاجتماعى الا بمراعاة الاتى:
اولا : تربية النفس الانسانية حتى تصير مرتبطة ارتباطا حقيقيا مع امام زمانها والولى على الانفس والعقول .
ثانيا : تربية وتهيئة الاخرين للوصول لنفس الغرض السامى اى الارتباط بمهدى آل محمد صلوات الله عليهم اجمعين .
ثالثا : الحب العميق المستتبع للتسليم شيئا فشيئا الى ان يصل المسلم الى التسليم المطلق لامامه عجل الله فرجه
الشريف ، تطبيقا للمعانى القدسية العالية الشريفة التى وردت فى العديد من الآيات القرآنية الشريفة كقوله تعالى : " ان الله وملائكته يصلون على النبى ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " و " ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ، واتقوا الله لعلكم تفلحون " ، حيث ورد فى الروايات الشريفة ان المرابطة هى مرابطة امام زمانكم ، فالنفس المؤمنة متى وصلت الى التسليم الحقيقى تحلت بالصبر عن المعاصى والمصابرة على الطاعات ومرابطة صاحب الامر صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه ، وعندئذ تشرق أنوار معارف مهدى آل محمد فى تلك النفس التى خلصت وسلُمَت وسلَّمت ذاتها وقلبها وسرها لولى امرها صلوات الله وسلامه عليه .
وهذا ما تجسد للعيان فى الامام الخمينى قدس سره وفى شعبه الايرانى العزيز الذي أتوجه إليه بالكلمة :
لقد قمت بثورة عظيمة ليس لها مثيل في التاريخ وصمدت خلال حرب الثمان سنوات مدافعا عن بلادك وحريتك أمام قوى الشر والاستكبار العالمي وحلفائها ، وفي الواقع أنت كنت تحارب العالم كله وأنت تزأر بصوت أبي عبد الله الإمام الحسين عليه السلام (( هيهات منا الزلة .... هيهات منا الزلة )) حتى رددت جيوشهم مدحوره وقادتهم أذلة خاسئين , وتحملت سنوات حصار ظالم خاسر مرير , وتحمل آلامه ومعاناته الاطفال والشيوخ قبل الرجال والنساء .
ولله در الإمام الخميني حين يقول (( اللهم ارحم غربتنا في هذا العالم )) ، لكنه يراه قدس سره أنه (( لطف من الله ورحمة !!! )) .
وأدرك الشعب الفطن ما يعنيه قائده الملهم فأجابه من فوره (( فلنصنع نحن , ولنعتمد على سواعدنا )) ومن ثم كانت إيران العزة والحرية... إيران الكرامة والإباء راية الحق ومنارة الشرفاء والأحرار على أرض هذا العالم في سنوات قليلة هي في عمر الشعوب دقائق معدودة .
ثم كان حزب الله إحدى ثمار هذه الثورة المباركة الذي قضى على أوهام كيان سرطاني لقيط جاء إلى بلادنا في غفلة من الزمن فخاض معه حرب طويلة حتى أجلاه عن أرض لبنان الحبيبة , ثم كانت حرب تموز التي اذهلت العالم ومازالت بما حققته من مكاسب وانجازات لامة الاسلام التي استرجعت سنوات مجدها وعزها وعلى الصعيد الدولي الذي بدأ في مراجعة حساباته ومخططاته وحتى داخل الكيان الصهيوني الذي بدا يستشعر أفراده أن دولتهم إلى زوال في المستقبل القريب .