عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

في رحاب مولد الإمام الرضا (عليه السلام) مراجعة لغربة الذات الإسلامية

في رحاب مولد الإمام الرضا (عليه السلام) مراجعة لغربة الذات الإسلامية



    في رحاب مولد الإمام الرضا (عليه السلام)

    مراجعة لغربة الذات الإسلامية

     

    المهندس غريبي مراد عبد الملك (1)

     

    مدخل :

     ورد عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) أنه قال لبنيه: ( هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد ، فاسألوه عن أديانكم ، واحفظوا ما يقول لكم ... ) .

     لعل الذكريات الإمامية تتلاحق لتوحي لنا بحقائق ومواعظ ، تنسينا الدنيا وزخارفها ، أو إنّنا نستحضرها لنضمّد الجراح ونتناسى الواقع المرّ ، أم إنّها جزءٌ من مسؤوليتنا في الحياة الدنيا ؟!

     لنستذكر قليلا ، ماذا وراء كل هذه الصور المشرقة الرسالية الإيمانية ؟

    أهكذا أراد منّا بضعة النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وعالم آل البيت (عليهم السلام) مولانا الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ، حيث ورد في الحديث عنه (عليه السلام) :

    ( مَن جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا ثَبت قلبه يوم تفزع القلوب ) .

     لأنّ مجالس إحياء ذكرى آل بيت النبوة (عليهم السلام) ذات خصوصية روحانية تخترق الزمان والمكان ، والعادات والتقاليد ، والثقافات والأديان ؛ لتشرق بحكمة الإسلام الإنسانية ، والرسالية  ، والثقافية ، والحضارية الرائعة ، التي تعبق بنسائم الرحمة والعصمة والطهر والولاية .

     إنّ الحديث عن أيّ إمام من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) لا يسعه مقال أو مقالات أو حتى آلاف الأسفار ؛ لأنّ ذكرهم لا نستطيع التعبير عنه بالكلام .

     فأهل المقام والولاء , آل العصمة والطهارة (عليهم السلام) لم يريدوا منّا أن نتحدّث عنهم حديث المتسامرين والمفتخرين بهم ، لأنّهم عباد الله الأصفياء مهما ساح السائحون بفنائهم ، وخطب الخطباء في مجالسهم , ويقول الشعراء عنهم وما بلغوا كنه أسرارهم ، وما وَفَوهم حقوقهم ؛ لأنهم لن يعرفهم أحد غير الله والنبي الأكرم ، جدهم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .

    نعيش هذه الأيام في رحاب عالم آل البيت (عليه وعليهم أجمعين السلام) ، والذي عرف بغريب طوس ، حيث ممّا تعنيه الغربة لدى مولانا الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) أنّها غربة النفس عن الأطهار والأخيار والمصطفين الأبرار ، لقد فرضت عليه (عليه السلام) الغربة والابتعاد عن خير الخلق كلّهم ، جده المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .

     لكن تألّق نجم آل البيت (عليهم السلام)  بعطاءه وتضحياته (عليه السلام) ، وتأثيره في كل الواقع الإنساني العام والإسلامي ممّا لا ريب فيه ، فقد ملأ الكون بعلمه وخُلقه وحكمته البالغة ، ومواقفه الرسالية الجليلة ضد الطغيان والاستبداد والفساد السياسي والأخلاقي ، ورفع أركان الإسلام من جديد بعد أن حاول بني العباس القضاء على النور الإمامي ، وأراد الله أن يتم نوره بإشعاع نور الإمام الرضا (عليه السلام) .

    الإمام الرضا (عليه السلام) بضعة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ؛ لأنّ موضِعَه في السلسلة الطاهرة المعصومة ثقيل جداً في الزمن الإسلامي والمضمون الولائي ، فالدارس لسيرته يلتمس حقائق إسلامية ومعجزات إمامية تنطق بدور الإمام في المتغير الإسلامي .

     خصوصيته (عليه السلام) :

    إنّه جمع الإسلام فكراً ومدرسةً وأفصح عن أمور الإمامة في وقتها ، وكان قد اكتسب علوم أجداده (عليهم الصلاة والسلام) فرتب بمواقفه بنود وحقائق الإمامة رغم كل الاضطهاد ، فعاش أزمنة أجداده كلها حتى انتهت ولاية العهد إليه ، على الرغم من أنّ الولاية عندهم منذ عالم الذر ، فهم آل بيت (عليهم السلام) أرفع عن الدنيا وحطامها ، بل هم حجج الله البالغة والمرشدة للدار الدائمة .

     والإمام (عليه السلام) كان يدرك تماما ماذا وراء عرض الخليفة العباسي المأمون ، حيث نلحظ ذلك في حادثة طلب المأمون من الإمام (عليه السلام) أن يؤمَّ الناس في صلاة العيد ، فخرج (عليه السلام) بروح وروحانية لصلاة العيد مجسِّدا سنة النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)  ـ لا كما يخرج بني العباس وأشياعهم ـ وتبعه في ذلك كل شيعته ، فأجهش الناس بالبكاء ، فطلب المأمون منه العودة لبيته .

    السلام عليك يا بضعة النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، يوم ولدت ، ويوم استشهدت , ويوم تبعث حياً .

    إنّ الذكريات الإمامية أطهر وأهدى وأرحب لكل الناس ، ومسؤوليتنا في هذا الإطار أعظم وأدهى إن لم نستوعب خطوطها العريضة ، وبالتالي بدل أن نكون زيناً لأهل البيت (عليهم السلام) نمسي شيناً لهم.

    تعالوا لنزور بضعة النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .

    ألسنا نحب النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ؟

    فلماذا لا نحبّ من يحبّهم النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، ونقتدي بهم ، ونحيي أمرهم ونحزن لأحزانهم ونفرح لأفراحهم ؟ كما هو الحال بجدهم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، لنتوب إلى الله كوننا مقصرين أيّما تقصير في جناب حضرة أهل البيت (عليهم السلام) ، بنفاقنا وصمتنا ، وتخلفنا وتشتتنا ، والأعداء يراهنون على عزة الإسلام وكرامته .

    ذكرى مولد مولانا الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) هي رحمة زمانية كما الحال بالنسبة لكل الذكريات الإمامية ، يبعثها الله لنا لننهض من كبوتنا ونرتقي لواجبنا الرسالي ، ولندرس واقعنا وفق ما يضمن المستقبل الإسلامي واللقاء بصاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف) على أفضل حال ، حيث نلمس إنسانية رسالة الإسلام في أخلاق الإمام الرضا (عليه السلام) .

    نافلة القول :

    علينا أن نراجع علاقتنا بهذا الإمام العالم النوراني (عليه السلام) ، حتى يعرف العالم بأسره أنّه لا نجاة بغير ولاية أهل البيت (عليهم السلام) .

     وهذه طائفة من قبسات نور الإمام الرضا (عليه السلام) :

     قال (عليه السلام) : ( صديق كل امرئ عقلُه ، وعدوه جهلُه ) .

    وعن الريان بن الصلت ـ أحد أصحابه ـ قال ، قلت للرضا (عليه السلام) : ما تقول في القرآن ؟ فقال (عليه السلام) : (  كلام الله لا تتجاوزوه ، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا ) (2) , ولنا في قصّة رسالة التوحيد ، وحديث السلسلة الذهبية الوارد عنه (عليه السلام) ، عِبر وكُنوز عظيمة تنتظر الوعي والتبصر بها .

    وكما قال (عليه السلام) : ( من علامات الفقه : الحلم ، والعلم ، والصمت ) .

    ونأمل أن يرتقي إعلامنا الولائي أكثر ؛ لأن يحاور العالم الإسلامي والإنسانية جمعاء ، لا أن يتقوقع في دهاليز المذهبية ؛ لأنّ مسؤولية التشيّع غير ذلك ! بل هي عنوان الحقيقة الإسلامية ، والانفتاح الإسلامي ، والحوار الإسلامي ، والرحابة الإسلامية ...

    والحمد لله رب العالمين ، الذي هدانا لمعرفة الأنوار (عليهم السلام) ، وطوبى لمن عرَّفه الله بحجّته.

    ــــــــــــــــــــ

    (1) المهندس غريبي مراد عبد الملك , مستبصر من دولة الجزائر , 11 ذي القعدة 1426.

    (2) مسند الإمام الرضا (عليه السلام) للشيخ العطاردي / ج 1 / ص 307 .

    ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

    المصدر : نقلاً من موقع مساهمات المستبصرين.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

فاطمة الزهراء عليها السلام علة غائيّة
الامويون والحسين عليه السلام
حاجة نظام الخلق إلى خليفة الله‏
لا يضحي الإمام بالعدالة للمصلحة
ملامح عقيلة الهاشميّين السيّدة زينب الكبرى *
يوم الخروج وكيفيته
الجزع على الإمام الحسين (عليه السّلام)
الدفاعٌ عن النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم
أهل البيت النور المطلق
حديث الغدير ودلالته على ولاية أمير المؤمنين (ع)

 
user comment