بنت خير الكائنات ، وسيد الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
أمها أمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد .
وهي سيدة نساء العالمين ، عديلة مريم بنت عمران ، بضعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) . من ناسكات الأصفياء وصفيات الأتقياء ، السيدة البتول ، والبضعة الشبيهة بالرسول ، ألوط أولاده بقلبه لصوقاً ، وأوّلهم بعد وفاته به لحوقاً . وهي التي يرضى الله لرضاها ، ويغضب لغضبها ، ثالثة الشمس والقمر ، الطاهرة الميلاد ، السيدة بإجماع أهل السداد . أمّ أبيها ، سيدة نساء العالمين ، أصدق الناس لهجة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
وما عساني أن أكتب عن هذه البضعة الطاهرة ، والسيدة المعصومة . وأيّ قلم يرقى لها ليكتب عنها ، بل أيّ بنان يستطيع أن يحيط بكنه وجودها ، وسرّ تكوينها .
وقد اُلفت في حقها وفضائلها الكتب ، وتحدّث عنها كلّ خطيب مفوّه ومتكلم بارع . وما كتبوه وقالوه لا يعدو أن يكون جزءً صغيراً من جوانب حياتها وشخصيتها العظيمة . فالزهراء (سلام الله عليها) لا يعرف حقها إلاّ أهل البيت (عليهم السلام) .
وللزهراء (عليها السلام) شأن أعظم من الشعر ، فلم تكن روحي فداها مكثرة من الشعر . إلاّ أنّ فقد والدها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلّم) أحزنها كثيراً فجعلها ترثيه بأبيات شعرية قليلة .
فهي مضافاً لما عانته من ألم الفاجعة وشدّة المصيبة ، وعظم النازلة بفقده (صلى الله عليه وآله وسلّم) ، تشاهد انحراف الأمة وانتكاستها وانقلابها الذي أشار إليه القرآن الكريم : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) .
وحتى بكاؤها (عليها السلام) الذي ضجر منه أهل المدينة كان للأمرين معاً ، إذ أنّ انقلاب الأمّة وانحرافها كان قد أوجع قلبها ، وأجرى لمدامعها .
وهنا نسجل ما ورد من شعرها في رثاء الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) :
قالت (عليها السلام) :
أغبـر آفــاق السماء فكورت * شمس النهار وأظلم العصــران
الأرض من بعد النبي كئيبــة * أسفاً عليه كثيــرة الأحــزان
فليبكـه شرق العباد وغربهــا * وليبكه مضـر وكــل يمانـي
وليبكــه الطـود الأشم وجوده * والبيـت والأستــار والأركـان
يا خاتم الرسل المبارك ضوؤه * صلى عليك منزل القــرآن
وقالت (عليها السلام) بعد أن أخذت قبضة من تراب قبره الشريف وشمتها :
ماذا على من شمّ تربة أحمــد * أن لا يشمّ مدى الزمان غواليــا
صبّـــت علـيَّ مصائب لو أنّها * صبّت على الأيام عدن لياليـا
ولها (عليها السلام) بعد الخطبة وقد انعطفت على قبر أبيها (صلى الله عليه وآله وسلّم) :
قد كنت ذات حمية ما عشـت لي * أعشى البراح وأنت كنت جناحـي
فاليـوم أخضع للذليل وأتّقــي * منه وأدفــع ظالمــي بالـرّاح
وإذا بكت قمريــة شجنا لهــا * ليلاً على غصن بكيت صباحي
ولها (عليها السلام) وقد دنت من قبره الشريف :
إنّ حزنــي عليك حزن جديـد * وفــؤادي والله صبّ عنـيــد
كــلّ يوم يزيــد فيه شجوني * واكتـئابـي عـليك ليس يبيد
ولها (عليها السلام) :
قلّ صبـري وبان عنّي عزائي * بعد فـقـدي لخاتــم الأنبيــاء
عين يا عيـن اسكبي الدمع سحّاً * ويك لا تبخلــي بفيــض الدماء
يــا رسول الله يا خيــرة الله * وكهــف الأيتــام والضعـفـاء
لـو ترى المنبر الذي كنت تعلوه * عــلاه الظـلام بعد الضيــاء
يــا إلهي عجّل وفاتـي سريعاً * قد بغضت الحياة يـا مولائـي
وقالت (عليها السلام) :
اذا مــات يومــاً ميت قـلّ ذكره * وذكـر أبــي مذ مــات والله أزيـد
تذكــرت لمــا فــرّق الله بيننـا * فعزّيـت نفســي بالنبــيّ محمــد
فقلت لهــا : إنّ الحيــاة سبيلنـا * ومن لم يمت في يومه مات في غد
ولها (عليها السلام) :
إذا اشتدّ شوقي زرت قبرك باكيــاً * أنــوح واشكوا لا أراك مجــاوبي
فيــا ساكن الغبــراء علمتني البكا * وذكرك أنسانـي جميـع المصائــب
فإن كنــت عنـي في التراب مغيباً * فما كنت عن قلبي الحزيــن بغـائب
وقالت (عليها السلام) بعد خطبتها الكبرى :
قد كـان بعــدك إنباء وهنبثــة * لو كنت شاهدها لم تكثــر الخطــب
إنّا فقدنـاك فقد الأرض وابلهـا * واختلّ قومك فأشهدهم فقد نكبـوا
قد كان جبريــل بالآيات يؤنسنا * فغبت عنا فكلّ الخير محتجــب
وكنت بـدراً ونوراً يستضاء بـه * عليك تنزل من ذي العزّة الكتـب
تجهمتنا رجال واستخــف بنـا * بعد النبيّ وكلّ الخيــر مغتصب
سيعلم المتولــي ظلـم حامتنـا * يوم القيامة أنـى سوف ينقلــب
فقد لقينــا الذي لم يلقـه أحـد * من البرية لا عجـم ولا عــرب
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت * لنــا العيون بتهمال لـه سكب