عربي
Friday 27th of December 2024
0
نفر 0

تسامح الشيعة في تعاملهم مع المذهب السني .

تسامح الشيعة في تعاملهم مع المذهب السني .

و دور ذلك في بقا شيعة الري .
لابـد لنا من الحديث هنا عن باعث مهم كان له دور عظيم في المحافظة على شيعة الري و ليس هذا الـبـاعـث الا تسامح الشيعة في تعاملهم مع السنة المسيطرين المتعصبين ,ذلك التسامح الذي خفف من الضغط على الشيعة و ينبغي الاقرار بالقاعدة الاتية فيمايخص الشيعة : اذا كان الشيعة يعيشون الى جـانـب الـسـنة , فانهم يتواجهون ثقافيا,و يتعايشون تعايشا سلميا, و يتفادون الاصرار على مسائل خاصة تثير نوعا من الحساسية و في مقابل ذلك , اذا كانوا يعيشون وحدهم فحسب , فانهم يبتعدون عن الوضع المذكور و يمكن القول بنحو تقريبي ان الاصولية والاخبارية كانتا وليدتي هذين الوضعين الى حدما.
و كانت الاوضاع السائدة في الري من الضرب الاول اذ ان الشيعة كانوا يعيشون في وسط يكثر فيه الـسنة , و يعيش فيه عدد كبير من علمائهم و من الطبيعي ان الشيعة كانوايتعاملون و يتصرفون من وحي التسامح , للسبب المتقدم , و قد يقوى ذلك التسامح بوصفه تقية .

ان من افضل الادلة على ذلك كتاب نقض لعبد الجليل القزويني الرازي و نقرا في هذا الكتاب امثلة كـثيرة تعرض الروح الشيعية الاصولية بحذافيرها في المسائل الاعتقادية و تحدث المؤلف مرارا عن حسن راي الشيعة في الصحابة و ازواج رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه و آله و سلم , و انكر سبهم ايـاهـم و قال لاثبات صحة مدعاه : ((الفت في سنة 533 كتابامنفردا في تنزيه عائشة ايام حكومة امير غازي عباس رحمة اللّه عليه باشارة رئيس الشيعة و مقتداهم السيد سعيد فخر الدين بن شمس الـديـن الـحـسـيـنـي ((840)) قـدس اللّه روحـهـمـا وقاضي القضاة سعيد عماد الدين الحسن الاسـتـرابادي ((841)) نوراللّه قبره و من ارادالاطلاع على الكتاب المذكور, فليطلبه و يقراه حـتـى يـتعرف على عقيدة الشيعة الامامية في ازواج الرسول ((842)) و قد جهد كثيرا من اجل اثـبات هذه الرؤية , حتى انه حاول توجيه ضغط الباب على فاطمة الزهرا ـ عليهاالسلام ـ بنحو من الانـحا ضمن قبوله ((ان هذا الخبر صحيح )) ((و ا نه مذكور في كتب الفريقين )) بقوله : ((لو كـان هـدف عـمـر اخـذ علي ليبايع ابابكر, لا اجهاض حمل الزهرا, و لعله لم يعلم ا نها كانت ورا الباب )) و حينئذيكون القتل قتل خطا و في الوقت نفسه ينص على ((ا نه لا يستطيع ان يقول اكثر من هذافي هذا الفصل واللّه اعلم باعمال عباده )) و يدل كلامه المذكور ـ بكل صراحة ـ على ا نه لم ير المجال مناسبا لتوضيح اكثر.
و ابدى المؤلف مثل هذا التسامح ايضا في حديثه عن سلاطين السلاجقة بحيث انه كان يترحم عليهم عـند ذكر اسمائهم بقوله : ((رحمة اللّه عليه )) او ((سقاه اللّه برحمته )),و ذلك بنحو يدل على رضاه عنهم .
و كـان الـخواجه حسن والد ابي تراب دوريستي ـ الذي كان احد علما الشيعة الكبار ـيتردد على الـخـواجـه نـظـام الملك , و في ضؤ تعبير الرازي ((انشد شعرا في مدحه , و كيف يوصف بالشتم والـلـعن , وهو الذي نظم القصائد في فضائل كبار الصحابة )) ثم نقل احدى قصائده ((التي تخلص فيها بمدح الخواجه نظام الملك
((843)) )).
والـلافـت للنظر هو الاواصر العائلية التي كانت تربط نظام الملك باحد سادة الري من خلال زواج ابن السيد مرتضى القمي باحدى بنات نظام الملك
((844)) .
و بـيـنما كان مؤلف الفضائح يحاول ان يعرف الشيعة كاناس متعصبين على الخلفا,والصحابة , و اهل الـسـنـة , فـان عـبـدالـجـليل يجد لرد هذه التهمة و ثمة نموذجان تاريخيان جالبان للانتباه نقلهما المؤرخون حول مجدالملك القمي .
كـان مـجـدالـمـلـك الـمقتول سنة 492 هـ من الوزرا الشيعة في العصر السلجوقي و ينحدرمن بـراوسـتان قم , و اثنى عليه الرازي في كل موضع من كتابه , و لم يشك ادنى شك في تشيعه الامامي تـسـنم مجدالملك منصب الوزارة في عهد بركياروق نجل ملكشاه السلجوقي , ثم قتل بمؤامرة بعض الامـرا بـعد سنين قضاها في الوزارة متمتعا بنفوذعظيم و كان العذر الذي تمحلوه في قتله هو ا نه كان يحرض الباطنيين الاسماعيليين على قتل الامرا الحكوميين
((845)) .
و ندم بركياروق على قتله , كجل الملوك الاخرين الذين يندمون بعد قتل وزرائهم .
و يصر مؤلف الفضائح على تعصب مجدالملك القمي في التشيع , و ذكر بشان هذاالتشدد ما نصه : (( الى درجة ان بلفضل براوستاني عندما كان بالري , استاجروا غسالا من اهل درغايش , و كان اسمه ابـابـكر, بيد ا نه كان رافضيا , و وقع في قبضة مجدالملك براوستاني , فقال : خذوه و علقوه على الـمـشـنقة بحكم لا يوجب قتله فقيل له : ايها الملك ,انه رجل مؤمن , اي : رافضي قال : قلتم : اسمه ابوبكر, و ان ابابكر لابد ان يقتل و كلموه فيه الى ان اطلقه .
و انـتـقد عبدالجليل مؤلف الفضائح على هذه القصة , وهو يلهج بالثنا على مجدالملك بوصفه ((متدينا معتقدا)) ((آثار خيراته ظاهرة في الحرمين : مكة و المدينة )) , و قال : ((و لايقيم اللبيب وزنا لـمـا ذكره في قصة الغسال و كيف يناط ملك المشرق والمغرب برجل جاهل يامر بقتل انسان بري على اسمه فحسب , اليس في جنده و فراشيه آلاف من السنة والشيعة يتسمون بابي بكر, و عمر, و عـثـمـان , و هـم محترمون و اقوالهم نافذة عنده ؟ اليس في بلاطه سبعمائة غلام تركي من السنة الحنفية والشيعة ؟ اليس عنده سبعمائة من الاتراك كلهم شيعة ؟.
ثـم نـقل بعد ذلك قصة تدل على المعاملة السمحة لمجد الملك , و ذكرها هنا مثيرللانتباه , يقول : و سـمـعـت انا ايضا من رئيس الشيعة و شيخ السادات السيد السعيدفخرالدين شمس الاسلام الحسن رحـمـة اللّه عـليه ا نه قال : كنت ذات يوم عند مجد الملك مع والدي السيد علي العلوي رحمه اللّه , فـاقبل تاجران غريبان احدهما من حلب , والاخرمن بلاد ماوراالنهر و كان الثاني حنفي المذهب و اسمه عمر, اما الاول فكان شيعي المذهب و اسمه علي , و كلاهما يدين السلطان مبلغا من المال , فامر مـجـدالـمـلـك باعطاالحنفي ذهبا نقدا من الخزينة , و وكل الشيعي على شخص في المدينة و كان الفراش حاضرا, فقال : اليس عجيبا ان ينقد الملك عمر و ينسا عن علي دينه ذلك , و لكني فعلت ما فعلت ليعلم الناس ان لا تعصب في ملكنا و معاملتنا, و لاغرو فاني احترم عليا و احبه و استحسن الناس هذا منه
((846)) .
و نـقـل ابـن الاثـيـر ايـضـا تـشـيـعـه وقـال : كـان يـذكر الصحابة بخير, و لم ياذن لاحد ان يسي اليهم
((847)) و نقرا في ديوان بدر الدين قوامي رازي احد شعرا القرن السادس امثلة كثيرة تدل على هذا التسامح و كان الشاعر المذكور يخالف التعصب القائم بين الشيعة والسنة بقوة , و يدعو الـى نـبـذه و نـحـن نعلم ان احدى التهم التي اشاعها السنة المتعصبون على الشيعة هي انهم يعادون الـصـحـابـة و يـشتمونهم قال قوامي ما معناه : لا تلصق بالشيعة تهمة شتم الصحابة , و لا تقل شيئا يستوجب الاستغفار و ان هذا التعصب الذي بيننا لم يكن موجودا في عهد احمد المختار ((848)) .
و قـال ايـضا و تعريبهما : اجمع بين حب الصحابة و حب اهل البيت , فقد كان النبي و العتيق في غار واحـد و الـزم طـريـق الـعـدل فـي سـبـيـل التوحيد و احذر يا عزيزي من الطواف حول فكرة الجبر
((849)) .
و يـطـلـب الـشاعر من اهل السنة ان يضربوا عن التعصب صفحا, و يعلموا ا نهم والشيعة على دين واحد: و تعريبهما: انا و اياك على دين واحد و مذهبين مختلفين , كما ان الليل و النهار من عالم واحد بـنـظـامـيـن مـختلفين فلا يفترق احدنا عن الاخر في الدين , كما لم يفترق نبينا عن المهاجرين و الانصار
((850)) .
و كان الشاعر شيعيا اماميا, و ليس في هذا ادنى شك فلنسمعه يقول : و تعريبها: احبب عليا بعد النبي , فان من الاشمئزاز ان يكون العنق بلا راس .
و بعده احد عشر سيدا يجب ان نثق بهم في دنيانا و آخرتنا.
ان حب اهل البيت و الصحابة راسخ في فطرتي الى درجة ان السيف لا يمنعني حبهم
((851)) .
و يـقـول ايضا في امامة علي عليه السلام و نبذ التعصب : و تعريبها: علي ولي النعمة لاهل الدين من قبل الرسول , و هو ولي عهده .
و هو في عقيدتنا اول الائمة الاثني عشر, و في عقيدة غيرنا خاتم الصحابة الاربعة .
اشمخ ايها الشيعي بالصحابة و اهل البيت , و افتخر بكل منهما على حدة
((852)) .
ديـوان قـوامـي رازي 142 ـ 144 و تـعريبها: و لكن استيقن ان محمدا افضل من الخمسة و عليا افضل من الاربعة .
و لم يخالف علي عمر, فلا تلوث نفسك بالتعصب .
و ما ضر ان يكون ائمة الحق بالنص و انت تراهم ائمة بالاختيار؟.
و بعد علي احد عشر سيدا في ميدان الدين , و هم فرسان من حيث العصمة .
و كلهم مطهرون و معصومون و منصوص عليهم من اللّه , و هم كالانبيا في وقارهم ,و الملائكة في ظاهرهم
((853)) .
و من الواضح ان قوامي كان شيعيا اماميا يقول بالنص و مع ذلك كله كان يؤكد حب الصحابة الى جانب حب اهل البيت كرارا و من الطبيعي ا نه كان يقدم عليا على الصحابة كافة :.
ديوان قوامي رازي : 168, و تعريبها: ان من احب اهل بيت النبوة , ينظر الى صحابة النبي على ا نهم صحابة .
و لابد من تفضيل علي على الال و الاصحاب في كل وقت .
لا نه اول الال (الائمة الاثني عشر) و خاتم الاصحاب في آن واحد
((854)) .
و عـلـى الرغم من ان هذا الشاعر كان بعيدا عن التعصب , بيد ان له موقفا حيال مذهب الجبر و ذكر شـعـار الـتوحيد والعدل , و نفى التشبيه في كثير من اشعاره
((855)) و يلاحظمثل هذا التسامح بـوضـوح فـي كتاب نثر الدر, وهو الكتاب الادبي الخالد الذي الفه ابو سعدآبى وزير مجدالدولة البويهي و نلمس في هذا الكتاب نظرة نقية من شوائب التعصب ,بحيث اننا يمكن ان ندل على مشاكلته الاثار الادبية لبعض السنة بعد التغاضي عن القسم المتعلق بالائمة المعصومين ـ عليهم السلام , او عن الاشارات الواردة في باب التشيع ويبدو ان المناخ الديني السائد يومذاك كان يتطلب مثل هذا الامر, و ان كـان مـن الـممكن في الوهلة الاولى ان هذا المناخ قد طرا بسبب التقية , لكنه تبلور في وضع فـكري خاص على امتداد العصور و هكذا ينبغي ان نعد التسامح الذي ابداه حكام الشيعة و علماؤهم وفقهاؤهم في الري احد البواعث على بقا التشيع الى جانب تعصب الحكام السلاجقة .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

نشأة وتأسيس الزيديـّة
الأوضاع قبل البعثة النبوية
وجه الشبه بين الحسين عليه السلام و بين نبي الله ...
عشر في تقدم الشيعة في فنون الشعر في الإسلام
حالة العالم قبل البعثة المحمدية
مناظرة هشام مع ضرار
ابو طالب (علیه السلام)
المذهب الحنبلي
المقال الذي سبب أزمة فى مصر
أقوال شاذة :

 
user comment