نبذة تاريخية عن سامرَّاء العراق
ومشْهَدَي العسكريَّين *
اقتباس وتنسيق قسم المقالات في :
" شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي "
تاريخ سامرَّاء :
1 ـ تعريف :
هي من المدن العراقية القديمة والمقدَّسة ، تضُم تربتها الزكية الإمامين العسكريين (عليهما السلام) ، وفيها وُلِدَ الإمام الحجة المهدي صاحب الزمان ( عج ) ، وفيها اختفى مبتعداً عن جور خلفاء بني العبَّاس الذين اتخذوها عاصمة لهم . تزخر بالآثار العربية والإسلامية ، وكانت مركزاً مهمَّاً للعلوم والفنون الإسلامية ، ثمَّ هُجِرت .
2 ـ الموقع :
تقع المدينة على الضفة الشرقية لنهر دجلة ، وتبعد نحو 118 كم إلى الشمال من العاصمة بغداد . وتقع على خط طول 43 درجة و45 دقيقة ، وعلى خط عرض 34 درجة و35 دقيقة . يحدُّها من الشمال تكريت ، ومن الجنوب بغداد ، ومن الغرب الرمادي ، ومن الشمال الغربي الموصل ، ومن الجنوب الشرقي ديالى .
3 ـ التأسيس :
بُنيت مدينة سامرَّاء لتكون عاصمة الإمبراطورية العبَّاسية ، وكان المكان الذي شُيِّدت عليه المدينة مستوطناً منذ أقدم العصور ، وكان لسكَّانه نصيب من الحضارة تمتد إلى عصور سحيقة . ولمَّا انتقل المعتصم العباسي من بغداد إلى سامرَّاء ، راح يفتِّش عن موضع لبناء عاصمته الجديدة ، فلمَّا كان يتحرّى المواضع ، وصل إلى موضع يبعد عن بغداد 118 كم ، فوجد فيه ديراً للمسيحيين ، فأقام فيه ثلاثة أيام ليتأكَّد له ملائمة المحل ، فاستحسنه واستطاب هواءه ، واشترى أرض الدير بأربعة آلاف دينار ، وأخذ في سنة ( 221 هـ ) بتخطيط مدينته التي سُمِّيت ( سُرَّ مَن رأى) ، وعندما تمّ بناؤها انتقل مع قُوَّاده وعسكره إليها ، ولم يمضِ إلاَّ زمن قليل حتى قصدها الناس وشيَّدوا فيها مباني شاهقة ، وسُمِّيت بالعسكر والنسبة إليها عسكري ، واشتهرت بـ : سامرَّاء .
4 ـ التسمية :
أمَّا سبب تسميتها ، فيروي ياقوت أقوالاً في ذلك :
الأول : أنَّها كانت مدينة عتيقة تحمل إليها الإشارة التي كانت موظَّفة للفرس على الروم ، وقد استدل على ذلك من اسم المدينة ؛ لأنَّ ( سا ) اسم الإشارة ، و (مرَّة ) اسم العدد ، والمعنى أنَّه كان لقبض الجزية .
الثاني : أنَّها مدينة بناها سام بن بنوح ، أو أنَّها بُنيت له فنسبت إليه ، وقيل : سام رآه (1) .
وهناك مَن يُرجِّح أنّ اسم موضع ( سامرا ) مشتق من اسم مستوطِن قديم عرفه الآشوريون والبابليون باسم ( سومورم sumurim ) ، أو باسم ( سورمارتا ) ، وكان موضعاً مهماً في العهد الذي سبق الفتح العربي (2) .
ويقول أنستاس الكرملي : ( أمَّا اسم المدينة ، فليس من وضع المعتصم نفسه ، بل هو قديم في التاريخ ، فقد ذكره المؤرِّخ الروماني أميانوس مرسيلينوس الشهير الذي ولد سنة 320 م وتوفِّي سنة 390 بصورة : ( سومرا ـ sumera ) . ونوَّه به زوسميس المؤرِّخ اليوناني من أبناء المائة الخامسة للمسيح ، صاحب التاريخ الروماني ، بصورة : ( سوما ـ (3) souma ) ) .
وهناك رأي للدكتور مصطفى جواد قريب من هذا في تخريج اسم سامرّاء ، فيقول : ( سامرا اسم آرامي ، وهو في أصله مقصور كسائر الأسماء الآرامية بالعراق ، مثل : كربلا ، وعكبرا ، وحرورا ، وباعقوبا ) .
والذي يظهر من مختلف التوضيحات التي قُدِّمت عن أصل تسمية موضع سامرّاء بهذا الاسم ، أنَّ ذلك الأصل قديم يرجع إلى أيام الآشوريين والبابليين ، ومن الطبيعي أن يتعرَّض اللفظ للتحوير والتعديل بمرور الزمن وفي مختلف اللغات ، حتى استقر عند بناء المدينة في عهد المعتصم بالله إلى (سُرَّ مَن رأى) و(سامرّاء) .
5 ـ التوسعة والإعمار :
ـ قام هارون الرشيد بحفر أول نهر في المدينة ، وشيَّد قصراً له سُمِّي باسمه ، وأراد أن يبني مدينة في منطقة القاطول ، لكنَّه لم يُتمَّها .
ـ في عهد المأمون العباسي ( 198 ـ 218 هـ ) بُنيت قرية المطيرة والتي كانت من منتزهات بغداد وسامرّاء .
ـ سنة 245 هـ بنى المتوكِّل العباسي مدينة المتوكِّلية ، وشيَّد المسجد الجامع ومئذنته الشهيرة ( المَلْويَّة ) .
ـ ( بعد سنتي 254 هـ وسنة 260 هـ ) ولمَّا توفِّي الإمامان علي الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام) ، اتُّخِذ مرقداهما مزاراً بنيت حولهما العمارات وأُنشئت الدور والمنازل العامة ، فحافظت المدينة على عمرانها إلى ما بعد انقراض الدولة العباسية .
ـ سنة ( 333 هـ ) وسَّع ناصر الدولة الحمداني المدينة وأحاطها بسور .
ـ سنة ( 1250 هـ ) عمّر الشيخ زين العابدين السلماسي سور المدينة ، وانفق على تعميره أحد ملوك الهند .
ـ سنة ( 1258 هـ ) أعاد الملك أمجد علي شاه بناء سور المدينة وتعميره بواسطة السيد إبراهيم بن السيد باقر القزويني .
ـ سنة ( 1294 هـ / 1878 م ) أيام الدولة العثمانية نُصب أول جسر على نهر دجلة يربط مدينة سامرَّاء بالضفة الأخرى له
ـ سنة ( 1299 هـ / 1881 م ) بُنيت أول مدرسة ابتدائية في مدينة سامرَّاء .
.
ـ قام الميرزا محمد حسن الشيرازي بعدة أعمال في المدينة ، وجعلها مركزاً علمياً مرموقاً ؛ إذ بنى مدرسة علمية كبيرة لا زالت باقية إلى اليوم .
ـ سنة ( 1375 هـ / 1955 م ) أمرت الحكومة بشق شارع يمتد من باب القاطول حتى باب الحضرة العسكرية ، بعد تهديم الباب المذكور ، وبنى صرحاً لها ودوراً للبلدية ومستشفى ومدرسة ودائرة للبرق والبريد .
ـ سنة ( 1952 م ) بوشر العمل بتنفيذ مشروع الثرثار الذي يعتبر من أهم المشاريع الإروائية في المدينة .
( الجسر القديم على نهر دجلة )
6 ـ المعالم :
كان يحيط بالمدينة سور مضلَّع على شكل يميل إلى الاستدارة ، يبلغ طول محيطه 2 كم ، ولا يتجاوز قطره 680 م ، مبني بالجص والآجر ، يصل ارتفاعه إلى 7 م ، وكان له 19 برجاً وأربعة أبواب ، هي : باب القاطول ، وباب الناصرية ، وباب الملطوش ، وباب بغداد . وظلّ هذا السور ماثلاً للعيان حتى سنة ( 1356 هـ / 1936 م ) .
وأكثر بيوت المدينة مبنية بالآجر ، وتنتشر في أرجائها الحدائق العامة والخاصة ، وفُتح فيها متحف وضعت فيه المخطوطات والمصوَّرات المهمة عن آثارها ، وفي مدخل المدينة يقع مشروع الثرثار الذي يقي بغداد من الغرق .
أحياؤها السَّكَنِيَّة : لقضاء سامرَّاء ثلاث نواح ، هي : تكريت ، بلد ، الدجيل ( مركز قرية سميكة ) .
أمَّا محلاَّتها ، فهي : محلَّة العابد ، ومحلَّة البوجول ، ومحلَّة البوبدري ، ومحلَّة البونيسان ، والمحلَّة الغربية ، ومحلَّة القاطول ، ومحلَّة القلعة ، والمحلَّة الشرقية .
شوارعها : شارع الخليج ، وشارع السريحة ( يعرف بشارع الأعظم ) ، وشارع الحير الأول ، وشارع أبي أحمد بن الرشيد ، وشارع برغمش التركي .
مساجدها : جامع سامرَّاء الكبير الذي شيَّده المعتصم عند بداية بناء المدينة سنة ( 221 هـ) ، وجامع القلعة ، ومسجد حسن باشا ، ومسجد حميد الحسون ، ومسجد سيد درويش ، ومسجد البورحمان ، ومسجد علي بن أبي طالب ( ع ) ، ومسجد الحاج صالح الرحماني ، ومسجد الأرقم ، ومسجد أولاد الحسن ( ع) ، وجامع الفاروق . ويعتبر جامع أبي دلف ومَلْويَّتُه ، والذي يبعد نحو 15 كم عن شمال المدينة ، من الآثار العباسية المهمة في المدينة .
مراقدها ومقاماتها :
ـ يُعتبر مشهد الإمامين علي الهادي ( ع ) والحسن العسكري ( ع ) أهم معالم مدينة سامرَّاء .
ـ مشهد صاحب الزمان ( عج) ، وقبة سرداب الغيبة .
صورة قديمة لمدخل سرداب الغيبة قبل تحديث بنائه
شبَّاك المحل الذي كان يتعبَّد فيه الإمام المهدي (عجَّل الله فَرَجه) ، في سرداب منزل أبويه العسكريين (عليهما السلام) في سامرَّاء ، ويتبرَّك الزوَّار بالصلاة لله فيها ، ويرجع تاريخ هذا الشبَّاك التاريخي النفيس إلى عهد الحاكم العباسي الناصر لدين الله في القرن الهجري السابع .
محراب الإمام المهدي (أرواحنا فداه) في سرداب الغيبة المقدَّس لتردُّد الإمام عليه في عصر غيبته (عجَّل الله فَرَجه)
قبّة ما يُعرف بسرداب الغيبة ، وكان هذا السرداب جزء من بيت الإمام العسكريين (عليهما السلام) في سامرَّاء . ولا صحة لِمَا يقوله بعض المغرضين من أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) دخل فيه وغاب . نعم ، يُستفاد من بعض الروايات أنَّه (عجَّل الله فَرَجه) كان يحضر فيه أحياناً ، وقد التقى فيه بعض المؤمنين ؛ ولذلك يستحب زيارته فيه (عليه السلام) .
ـ قبر السيدة نرجس زوج الإمام الحسن العسكري ( ت سنة260 هـ) ، وقبر السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد ( ع ) ( ت سنة 260 هـ) .
الضريح المقدَّس للسيدتين نرجس أم الإمام المهدي (عليه السلام) وحكيمة بنت الإمام الجواد (عليه السلام) ، الملصق بالضريح المبارك للإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام)
ـ مرقد السيد محمد بن الإمام علي الهادي ( ع ) ( ت سنة 252 هـ) .
مرقد السيد الجليل محمد بن الإمام الهادي (عليه السلام) في منطقة (بَلَد) قرب الدجيل القريبة من سامرَّاء ، وقد استشهد مسموماً بكيد العباسيين ؛ لأنَّهم ظنُّوا أنَّه الإمام بعد والده الهادي (عليه السلام) وله كرامات كثيرة مشهورة
ـ قبر أبي هاشم داود من ذرية عبد الله بن جعفر ( ت سنة 261 هـ) ، قبر الإمام محمد الدُّرِّي ، الذي ينتهي نسبه إلى الإمام الكاظم ( ع ) ( ت سنة 300 هـ) ، قبر الشيخ محمد الجاجيري ( ت سنة 590 هـ) ، قبر الشيخ كمر بن هلال ( ت سنة 1200 هـ) ، مرقد بنات الكاظم ( ع ) في ناحية الدجيل ، مرقد بنات الحسن ( ع ) في منطقة الجلام ، مرقد آمنة بنت الإمام الحسن ( ع) ، مرقد إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي ( رض) ، قبر أحمد الدنبلي الخوئي ( سلطان خوي ) ( ت سنة 1200 هـ) ، قبر محمود الطهراني ( ت سنة 1304 هـ) ، قبر مهدي الشيرازي ( ت سنة 1308 هـ) ، مرقد إبراهيم النوري ( ت سنة 1320 هـ) ، قبر محسن الزنجاني ( ت سنة 1321 هـ) .
معالمها الأثرية : المئذنة الملوية ، والنافورة ، وقصر بلكوارا ( شيَّده المعتز سنة 247 هـ) ، وقصر العاشق والمعشوق ( شيَّده المعتمد العباسي سنة 264 هـ) ، وقصر المعتصم ( الجوسق الخاقاني) ، وقصر المختار ، والقصر الوزيري ، وقصر العروس ، والقصر الجعفري ، ومدينة المتوكِّلية ( على بعد 10 كم شمال مدينة سامرَّاء) ، وقصر الجص ، وبركة السباع ، والقبّة الصليبية ، ودار العامة ، وتلّ الصوان ، وسور سامرَّاء .
مدارسها : المدرسة العلمية الجعفرية ، والمدرسة العلمية السُّنية .
خزائنها ومكتباتها : خزانة محمد بن عبد الملك الزيَّات ، وخزانة الفتح بن خاقان ، والخزانة الكنْدية ، وخزانة علي بن يحيى المنجِّم ، ومكتبة العسكريين العامة ، ومكتبة الإمام محمد المهدي ، ومكتبة سامرَّاء العامة ، ومكتبة ابن بطوطة ، ومخطوطات المكتبة العسكرية العامة في مدرسة الإمام الشيرازي ( قدِّس سرُّه ) .
7 ـ من ذاكرة التاريخ :
ـ احتل الإيرانيون هذه المنطقة في القرون التالية لميلاد نبي الله عيسى ( ع ) ، واتخذوا من موقع سامرَّاء الحصين مركزاً استراتيجياً وعسكرياً أثناء قتالهم الروم ، وقد أقاموا فيها الحصن المعروف باسم حصن (سومير) ، الذي جاء ذكره مع تراجع الجيوش الرومية ، بعد مقتل جوليان سنة 363 م .
ـ جعل خمسة خلفاء عباسيين مدينة سامرَّاء عاصمة لهم ، هم : المنتصر ، والمستعين ، والمعتز ، والمهتدي ، والمعتمد ، بالإضافة إلى المعتصم والمتوكِّل ، وظلت مقراً للخلافة العباسية فترة تقرب من 58 عاماً ، تمتد من سنة ( 220 هـ ) إلى سنة ( 279 هـ ) .
ـ سنة ( 223 هـ ) وصل الأفشين ( القائد العسكري للمعتصم ) مدينة سامرَّاء ، ومعه بابك وأخوه أسيرين .
ـ سنة ( 247 هـ ) اغتيل المتوكِّل وتولَّى الحكم من بعده المنتصر ، فانتقل إلى سامرَّاء ، وأمر الناس جميعاً بالانتقال إلى الماحوزة ، وأن يهدموا المنازل ويحملوا النقض إلى سامرَّاء ، وخربت قصور الجعفري ومنازله ومساكنه وأسواقه .
ـ سنة ( 254 هـ ) توفِّي الإمام علي الهادي ( ع ) ودفن في داره .
ـ سنة ( 255 هـ ) ولد فيها الإمام الحجة المنتظر ( عج ) .
ـ بنى المتوكِّل لنفسه مدينة المتوكِّلية ، واتخذها موقعاً له ولأتباعه حتى كادت سامرَّاء تخلو من أهلها .
ـ سنة ( 260 هـ ) سُجنت سراري الإمام الحسن العسكري ( ع ) ، وفي السنة نفسها توفِّي (عليه السلام) ودفن إلى جوار أبيه .
ـ سنة ( 279 هـ ) ترك المعتمد المدينة ليتخذ من بغداد مستقراً له ، قبل ستة أشهر من وفاته سنة ( 279 هـ ) .
ـ بعد أن اتخذ الخلفاء العباسيون بغداد عاصمة لهم ، هُجرت مدينة سامرَّاء وأذن ذلك بخرابها .
ـ سنة ( 445 هـ ) وقعت حرب البساسيري والسلجوقيين في المدينة .
ـ سنة ( 1286 هـ / 1869 م ) أصدر الوالي مدحت باشا أمراً بجعل سامرَّاء قضاءً تابعاً إلى بغداد ، وكان أول قائم مقام لها هو علي بك .
ـ سنة ( 1292 هـ ) هاجر الميرزا محمد حسن الشيرازي من النجف إلى سامرَّاء ، وعاش فيها 21 عاماً ، وتوفّي فيها سنة 1312 هـ .
ـ سنة ( 1296 هـ / 1879 م ) هاجم الهماوند ( جماعة من الأكراد ) مدينة سامرَّاء ونهبوها .
ـ في سنة ( 1318 هـ ) حاولت الشركات البريطانية احتكار زراعة وبيع التنباك في إيران ، فتصدى الميرزا محمد حسن الشيرازي الذي كان في سامرَّاء لهذه المحاولة وأصدر فتواه الشهيرة بتحريم بيع التنباك ، ممَّا اضطر الشاه إلى إلغاء الامتيازات .
ـ سنة ( 1335 هـ / 1917 م ) احتل الإنجليز مدينة سامرَّاء إبَّان الحرب العالمية الأُولى .
ـ سنة ( 1335 هـ ) صعد بعض السرَّاق إلى مشهد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام) ، وقلعوا 25 طابوقة مغلَّفة بالذهب من قُبَّة المشهد .
ـ سنة ( 1343 هـ / 1924 م ) حدث وباء الكوليرا في المدينة ، وكثرت الإصابات وارتفعت الوفيَّات ، وهرب أغلب الأهالي منها.
ـ سنة ( 1920 م ) امتدت ثورة العشرين إلى سامرَّاء وشارك أهلها فيها بجهود السيد محمد الصدر .
ـ سنة ( 1359 هـ / 1941 م ) ثارت ثائرة أهالي سامرَّاء ضد الاستعمار الإنجليزي ، عندما أخبرهم متصرِّف بغداد آنذاك بأنَّ الإنجليز يريدون احتلال محطَّة قطار سامرَّاء ، وقطع سكة الحديد في جنوب المدينة ، وذلك في عهد حكومة رشيد عالي الكيلاني في 23 / مايس / 1941 م .
ـ سنة 1976 م أُلحقت المدينة كمركز قضاء تابع لمحافظة صلاح الدين بعد أن كانت تابعة إلى بغداد .
الشخصيات المهمَّة : عاش وتوفِّي فيها الإمامان علي الهادي والحسن العسكري ( ع ) ، وأقام فيها الإمام السيد محمد حسن الشيرازي ( توفِّي سنة 1312 هـ ) .
ومن أعلام المدينة : إبراهيم بن محمد بن منصور بن موسى السامري ، وإبراهيم بن أبي العباس أبو المياس الراوية السامري ، وأحمد بن الحسن بن حسان السامري ، وأحمد بن السري بن سنان أبو بكر الأطروش ، ومحمد بن إدريس السامري ، ومحمد بن الحسن بن زيد السامري .
ومن علمائها : أحمد محمد أمين الراوي ، وأيوب توفيق الخطيب (4) .
* * *
تاريخ المشهدين الشريفين :
قسم من إيوان باب القبلة (المدخل الرئيس) لمرقد الإمامين العسكريين (عليهما السلام)
إنَّ الدار التي كان الإمام الهادي (ع) يسكنها مع عائلته في سامرَّاء اشتراها من دليل بن يعقوب النصراني ، وعاش فيها ودُفِن في وسط الدار ، ثمَّ دُفن بعض رجالات الأُسرة وسيِّداتها .
وحدثت حوادث في مدينة سامرَّاء في أيام المعتمد ، وهاجر الكثيرون من الناس ، فبعد أن كانت مدينة سامرَّاء من أكبر بلاد العالم وأجملها وأكثرها ازدهاراً ، فإذا بها انقلبت إلى مدينة مهجورة قلَّ ساكنوها وبقيت محلَّة العسكري مأهولة .
حينما حلَّت سنة 328هـ ، ولم يبقَ من مدينة سامرَّاء إلاَّ خان وبقَّال للمارَّة ، وسقطت سامرَّاء عن مركزيَّتها وفَقَدَت مجالسها وبهائها ، فتعيَّن بعض الناس في بغداد ليقوموا بسِدانة تلك الروضة ، فكان أولئك الأفراد يرافقون الزوّار إلى سامرَّاء ويرجعون معهم .
العمارة الثانية :
وقام ناصر الدولة الحمداني ـ وهو أخو سيف الدولة الحمداني ـ ببناء قُبَّة على القبرين الشريفين ، وجعل لسامرّاء سوراً ، وجعل على مرقد الإمامين ضريحين جلَّلهما بالستور ، وبنى دوراً حول دار الإمام وأسكنها جماعة .
العمارة الثالثة :
وفي سنة 337هـ قام معزّ الدولة البويهي بعمارة المشهد الشريف ، فإنَّه دخل سامرَّاء وأنفق أموالاً جليلة ، ورتَّب للروضة المباركة القوّام والحُجّاب وعيَّن لهم رواتب ، وعمَّر القُبَّة الشريفة .
العمارة الرابعة :
وفي سنة 368هـ قام عضد الدولة البويهي بعمارة المشهد المقدّس ، حيث بنى الروضة الشريفة بالأخشاب من الساج ووسَّع الصحن الشريف .
العمارة الخامسة :
وفي سنة 445هـ قام الأمير أرسلام البساسيري بعمارة المرقد ، وأمر بعمارة عالية على مرقد الإمامين ونصب ضريحاً من خشب الساج على المرقدين .
العمارة السادسة :
في سنة 495هـ جاء الملك بدكيروق السلجوقي ، فجدَّد أبواب الروضة من أغلى أنواع الخشب ، وبنى سوراً للروضة المقدَّسة ، وقام بترميم القُبَّة والرواق والصحن .
العمارة السابعة :
قام أحمد الناصر لدين الله العباسي في سنة 606هـ فعمّر القُبَّة والمآذن وزيَّن الروضة الشريفة .
العمارة الثامنة :
وفي سنة 640هـ قام المستنصر العباسي ابن الناصر لدين الله العباسي بعمارة المشهد الشريف ، وأمر بذلك السيد أحمد بن طاووس أن يتولَّى ذلك .
العمارة التاسعة :
وفي سنة 750هـ قام أبو أويس الجلايري بخدمات جليلة وآثار عظيمة في المشهد المقدَّس .
العمارة العاشرة :
وفي سنة 1106هـ وقع حريق آخر في الروضة المباركة ، فوصل الخبر إلى الشاه حسين الصفوي آخر ملوك الصفوية ، فأمر جماعة من العلماء والأعيان أن يرافقوا الصناديق والضريح إلى سامرَّاء ، وكان دخولهم يوماً مشهوداً . واسم الشاه حسين مكتوب على جبهة باب الضريح .
العمارة الحادية عشر :
وفي سنة 1200 قام الأمير أحمد خان الدنبلي ـ وهو من حكَّام آذربيجان ـ بعمارة الروضة ، وأمر بذلك الميرزا محمد رفيع الذي كان من أفاضل عصره ، وأمره بعمارة الروضة الشريفة والسرداب والرواق والإيوان والصحن على ترتيب بناء الإمام أمير المؤمنين (ع) في النجف الأشرف .
وأضاف صحناً آخر ورواقاً ينتهي إلى السرداب ، وبنى الروضة الشريفة بأجمل بناء وأحسن فن هندسي ، وهكذا الأبواب والصندوق ، وأضاف صندوقاً وضريحاً للسيدة نرجس ، وضريحاً وصندوقاً للسيدة حكيمة .
العمارة الثانية عشر :
وقُتل أحمد خان في نفس تلك السنة ، وقام ابنه حسين قلي خان وأكمل البناء .
العمارة الثالثة عشر :
وفي سنة 1282 قام الملك ناصر الدين شاه القاجاري بالتعمير والتجديد ، وحمل إلى الروضة أحسن أنواع الرُّخام الأخضر ورصَّعوا داخل الشباك ، وكذلك الروضة والرواق والصحن ، وقام بتهذيب القُبَّة المنوَّرة وترميم بعض جوانب الصحن .
والبناء الموجود حالياً صرْحٌ جميلٌ بهيجٌ يملأ القلوب انشراحاً ، ويشعر الزائرون بالروحانية والمهابة حينما ينظرون إليه من الخارج وإلى الداخل .
وفي كل مرة من مرات العمارة كان المشهد يزداد اتساعاً ويُضاف إليه إضافات حتى صارت مساحة الصحن الشريف حوالي ثلاثة عشر ألف متر ؛ لأنَّ طول الصحن 112 متراً ، وعرضه 108 متراً ، وارتفاع السور سبعة أمتار ، وهو مفروش بالرخام الأبيض ، والجدران مكسوَّة بالرخام الأبيض حوالي مترين ، والباقي مكسو بالقاشي ذي الألوان البديعة .
وتُعتبر روضة الإمامين العسكريين (عليهما السلام) أوسع من جميع روضات الأئمة الطاهرين المدفونين في العراق .
منائر مرقد الإمامين العسكريين (عليهما السلام) في سامرَّاء . وقد أدَّى إهمال النظام السابق وعراقيله إلى عدم اكتمال تذهيب المنارة الثانية ، يبلغ ارتفاع المنارتين 36 متراً
باب القبلة لمشهد الإمامين العسكريين (عليهما السلام) في سامرَّاء ، وقد زخرفت بالأسماء المقدّسة وزخارف الفن الإسلامي العريق ، وعليها ساعة الحرم العسكري ، ويذكر أنَّ أقدم ساعة شمسية في العالم بنيت في سامرَّاء
الضريح المقدَّس الذي كان مقاماً على مرقدي الإمام علي الهادي (عليه السلام) (توفِّي 254) والإمام الحسن العسكري (توفِّي 260) ، والسيدة نرجس والدة الإمام المهدي (عليه السلام) (توفِّيت 260هـ) ، والسيدة حكيمة بنت الإمام الجواد (عليه السلام) التي حضرت ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) .
9 ـ تتمَّة :
جريمة تدمير ضريحي الإمامين الهادي والحسن العسكري ** :
جريمة جديدة أضافها تنظيم القاعدة الوهابي إلى لائحة جرائمه ، عندما أقدم على تفجير ضريح الإمام الهادي والإمام العسكري في مدينة سامرَّاء العراقية ، حيث قامت تلك الجماعات يوم الأربعاء 22 ـ 2 ـ 2006م باقتحام حرم الإمامين العسكريين ، بعد أن قيَّدوا شرطة حماية المرقد المكوّنة من خمسة أفراد ، ثمَّ زرعوا عبوتين ناسفتين تحت القُبَّة المباركة وقاموا بتفجيرها ، وقد وقع الهجوم عند الساعة 7 صباحاً بالتوقيت المحلِّي للمدينة المقدَّسة ، حيث تضرَّر جزء كبير من ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري ، كما انهارت القُبَّة المغطَّاة بالذهب جرَّاء تفجير العبوتين بفارق ثلاث دقائق بينهما ، في حين لاذ المجرمون بالفرار .
وعلى الفور صدرت بيانات الإدانة والتنديد بنفس الصيغ والعبارات التقليدية التي تُحمِّل المسئُولية للاحتلال الأمريكي والصهاينة ، وهي إدانة لا تُبرئ المجرمين الأصليين ، بل تضيف إلى جريمتهم بُعداً إضافياً ، هو بُعد العمالة لهؤلاء وتنفيذ مخطَّطاتهم المعادية للإسلام والمسلمين .
فالوهابية في جهدها الرامي لتدمير أضرحة ومزارات أهل بيت النبوة والصالحين من عباد الله ، كانت ولا زالت تهدف إلى (تنظيف) ذاكرة المسلمين من تاريخ أهل بيت نبيهم ، ويكفي أن ننقل ما ذكره المؤرِّخ الروسي " أليكسي باسيلييف " في كتابه عن تاريخ الجزيرة العربية ، عندما قال : ( إنَّ الإخوان أزالوا في مكَّة الشاهد المقام عند موضع ولادة النبي ، وهدموا منزِلَيْ خديجة وأبي بكر . وأشار فيلبي ـ الذي حضر موسم الحج 1931 ـ إلى هدم كل الأضرحة والقباب في الحجاز ، وذكر أنّ ذلك سيجعل الأجيال القادمة تنسى الوقائع التاريخية المرتبطة بهذه الأماكن ) .
إنَّه الفكر التَّيْمَوي الذي أفتى بأنَّ ( المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم ، يتعيَّن إزالتها بهدم أو بغيره ، هذا ممَّا لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء المعروفين . وتكره الصلاة فيها من غير خلاف أعلمه ، ولا تصح عندنا في ظاهر المذهب ؛ لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك ، ولأحاديث أُخر ، وليس في هذه المسألة خلاف ) .
ثمَّ جاء ابن عبد الوهَّاب ليُضيف إلى مقولات ابن تيميَّة مقولة جديدة سبق بها الصليبي جون فيلبي ، وأكَّد بها على ذلك البغض والشنآن الذي ملأ قلوب الفريقين للنبي وأهل بيته ، عندما قال : ( لا تظنوا أنّ الاعتقاد في الصالحين مثل الزنا والسرقة ، بل هو عبادة للأصنام ) !! .
أمَّا زعم ابن تيميَّة أنّ ما يدلي به من أراجيف ليس فيه خلاف ـ في حين أنّه أُس الخلاف والاختلاف ـ فتلك قاصمة الدهر ، حيث يقول صاحب " تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي " : وأمَّا مَن اتخذ مسجداً في جوار صالح ، أو صلَّى في مقبرة ، قاصداً به الاستظهار بروحه أو وصول أثر من آثار عبادته إليه ، لا التوجُّه نحوه والتعظيم له ، فلا حرج فيه ؛ ألا يرى أنّ مرقد إسماعيل في الحجر في المسجد الحرام والصلاة فيه أفضل .
ما تبقى من إحدى المئذنتين
* * *
البدء بعميلة الإعمار للمرقدين الشريفين :
بدأت مؤخَّراً ـ وبعد طول انتظار ـ عملية إعادة بناء المرقدين الشريفين ، ونسأل الله أن تتمّ هذه العملية بأسرع وقتٍ ممكن ؛ ليتسنَّى للمحبِّين والمؤمنين زيارة هذين المرقدين الطاهرين ، والدعاء إلى الله من تحت القُبَّة الشريفة .
وهذه بعض الصور التي نُشرت مؤخَّراً حول بدء عملية الإعمار :
إزالة التراب عن أول قطعة من الشبَّاك المبارك
منظر خارجي للمرقدين الشريفين
سَحْب القطع الحديدية الساقطة
عمليات تفتيت الكتل الساقطة
الأضرار التي لحقت بسرداب الغيبة
عملٌ دءوب لإزالة الركام تمهيداً للبدء بإعادة الضريح المؤقت
الانتهاء من وضع الضريح المؤقَّت
ـــــــــــــــــــــــــ
* تمّ إعداد المقالة في شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي ، علماً أنّه قد تمّ الاستعانة بالمعلومات الواردة بالمواقع التالية : " سُر مَن رأى .. التاريخ والحضارة " ، " شبكة السادة المباركة " ، " ويكيبيديا الموسوعة الحرة " . أمَّا الصور ، فقد تمّ اقتباس بعضها من عدة مواقع ، أهمُّها : " موقع العتبة الحسينية " .
1 ـ موسوعة العتبات المقدَّسة ، المدخل وج 12 ، ط 2 ، بيروت ، سنة 1987م .
2 ـ السامرائي ، يونس الشيخ إبراهيم ، تاريخ مدينة سامرَّاء ، ج 2 ، ط1 ، بغداد ، سنة 1971م ، ص 146 .
3 ـ العميد ، د. طاهر مظفر ، العمارة العباسية في سامرّ