يعتقد جميع علماء الاسلام أنَّ القرآن الكريم أعظم معجزات نبيّ الاسلام.
إنَّ أفضلية القرآن آتية من كونه:
أوّلاً: معجزة عقلية تتعامل مع أرواح الناس وأفكارهم.
وثانياً: من كونه معجزة خالدة أبداً.
وثالثاً: من كونه معجزة قد مضى عليها أكثر من أربعة عشر قرناً وهي تتحدي البشر كافة منادية: إذا كنتم تزعمون أنَّ هذا الكتاب السماوي ليس من عند الله فأتوا بمثله. وقد جاء هذا التحدي مرّات عديدة في القرآن الكريم: ﴿قُلْ لَئِن اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالجِنُّ عَلَى أنْ يَأتُوا بِمِثْلِ هذا القُرآنِ لا يَأتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَو كَانَ بَعْضُهُم لِبَعْض ظَهِيْراً﴾(الاسراء:88)
وفي موضع آخر يقول: ﴿أمْ يَقُولُونَ افْتَريهُ قُلْ فَأتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْلِهِ مُفْتَرَيَات وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِنْ دُونِ اللهِ إنْ كُنْتُم صادِقِينَ﴾.(هود:13)
ثمّ يضيف مباشرة قائلاً: ﴿فَإنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُم فَاعْلَمُوا أنّما أنْزِلَ بِعِلْمِ اللّهِ﴾(هود:14)
ثم يسهّل شروط التحدي فيقول: ﴿وَإنْ كُنْتُم فِي رَيْب مِمّا نَزَّلنَا عَلَى عَبْدِنا فَأتُوا بِسُورَة مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِنْ دُونِ اللهِ إنْ كُنْتُم صادِقِينَ﴾(البقرة:23)
وفي الآية التالية يقول: ﴿فَإنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتّقُوا النَّارَ الّتي وَقُودُها النّاسُ وَالحِجَارَةُ اُعِدَّتْ لِلكافِرِينَ﴾(البقرة:24)
إنَّ هذه التّحديات المتتالية لمواجهة المنكرين إنْ دلّت على شيء فانّما تدل على أنَّ أكثر استناد النّبي صلى الله عليه وآله كان على إعجاز القرآن، على الرّغم من أنَّه كانت له معجزات اُخرى أيضاً حسبما ورد في كتب التاريخ.
وبما أنَّ القرآن الكريم هو المعجزة الحيّة الموجودة في متناول أيدينا فسيكون هو موضوع دراستنا وبحثنا.
كيف عجزوا عن قبول التّحدي؟
ممّا يلفت النظر أنَّ القرآن الكريم أصرّ على منكريه للنزول الى ميدان المنافسة، مستعملاً تعبيرات مهيجة مثيرة، لكيلا يبقى عذر لاحد، تعبيرات مثل (إنْ كُنْتُم صادِقِينَ) و(فَإنْ لَم تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) و(لا يَأتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَو كانَ بَعْضُهُم لِبَعْض ظَهِيراً) و(فَأتُوا بِسُورَة مِنْ مِثْلِهِ) و(فَاتّقُوا النّارَ الّتي وَقُودُهَا النّاسُ).
هذا من جهة، ومن جهة اُخرى لم يكن الصّراع بين الرّسول الكريم صلى الله عليه وآله والكفار صراعاً سهلاً، إذ أنَّ الاسلام لم يكن تهديداً لديانتهم ومعتقداتهم المرتكزة في نفوسهم، فحسب، بل كان خطراً على مصالحهم الاقتصادية والسياسية وحتى على كيانهم.
وبعبارة اُخرى، كان انتصار الاسلام يحيل حياتهم كلّها الى ركام، لذلك لم يكن أمامهم سوى النزول الى ميدان الصراع بكل مالديهم من قوّة.
ولكي يجردوا نبيّ الاسلام صلى الله عليه وآله من أقوى سلاح عنده، كان عليهم أنْ يأتوا بأي ثمن كان ببضع آيات مثل آيات القرآن لكيلا يتحداهم به بعد ذلك ويصفهم بالعجز أمام هذا الدليل القوي على صدقه وأحقّيته.
فحشدوا لذلك فصحاء العرب وبلغاءهم ولكنهم كلما دخلوا الميدان باءوا بهزيمة منكرة ونكصوا على أعقابهم هاربين. وقد جاءت تفاصيل ذلك في كتب التاريخ.
حكاية الوليد بن المغيرة
من بين الذين دعوا لقبول تحدي القرآن كان الوليد بن المغيرة من بني مخزوم، وكان معروفاً بين العرب بفكره الصائب وحسن تدبيره، فطلبوا منه أنْ يشير عليهم بتدبير ليرى رأيه في آيات القرآن العجيبة و تأثيرها الشديد في الناس.
فجاء الوليد الى رسول الله صلى الله عليه وآله وطلب منه أنْ يقرأ له بعض آيات من القرآن، فتلى عليه النّبي الاكرم صلى الله عليه وآله بضع آيات من سورة "حم" السجدة، فأثارت هذه الآيات في الوليد انفعالات عارمة بحيث أنَّه انطلق عائداً الى حيث كان بنو مخزوم مجتمعين وقال لهم: "والله لقد سمعت كلاماً لا هو يشبه كلام البشر ولا كلام الملائكة وإنَّ له لحلاوة وإنَّ عليه لطلاوة وإنَّ أعلاه لمثمر وإنَّ أسفله لمغدق وإنَّه يعلو ولا يُعلى عليه".
وشاع في أوساط قريش أنَّ وليداً قد عشق محمّداً! فهرع أبو جهل إليه وأخبره بما تقول قريش، ودعاه الى حضور مجلسهم، فصحبه الوليد اليهم وقال لهم: أتحسبون أنَّ بمحمد جُنَّة؟ أرأيتم عليه منها أثراً؟
فقالوا: كلا.
فقال: أترونه كاذباً؟ ألم يشتهر بيننا بالأمانة والصدق حتى سميتموه الصادق الامين؟
فقال بعض سراة القوم: فماذا ننسب إليه إذن؟
ففكر الوليد برهة ثمّ قال لهم: قولوا إنَّه لساحر!
على الرّغم من أنّهم كانوا باطلاق هذه الصفة عليه يريدون أنْ يبعدوا عنه الناس الذين سحرتهم آيات القرآن، فان اطلاق تعبير "السحر" يدلّ دلالة قاطعة على قوة جاذبية القرآن، وإنَّهم أطلقوا كلمة "السحر" على تلك الجاذبية، وإنْ لم تكن سحراً في الواقع.
فراحت قريش تشيع مقولة الوليد في كل مكان عن أنَّ محمداً ساحر ماهر، وأنَّ الآيات من سحره، وطلبوا من الناس الابتعاد عنه وأنْ لا يستمعوا الى ما يقول.
إلاّ أنَّ خطتهم هذه لم تفلح، وراح المتعطشون الى الحقيقة المنتشرون في الزوايا والحنايا يفدون على رسول الله صلى الله عليه وآله زرافات ووحداناً، يرتوون من معين الرسالة الالهية الرائق، ونكص الاعداء على أعقابهم.
واليوم أيضاً ما يزال القرآن يتحدى العالم بأسره ويطلبهم للمبارزة، قائلاً: إنْ كنتم ترتابون في صحة نسبة هذه الآيات الىالله، وتعتقدون أنَّها من صنع أفكار البشر، فأتوا بمثلها، أيَّها العلماء والفلاسفة والادباء والكتاب من كلّ قوم وملّة!
وليس خافياً أنَّ أعداء الاسلام وبخاصّة رجال الدين المسيحيين الذين يعتبرون الاسلام كدين ثوري عميق المحتوى منافساً خطيراً لهم، فيصرفون سنوياً ملايين الملايين من الدّولارات للدعاية ضد الاسلام وفي البلدان الاسلامية نفسها تحت واجهات مزيفة من ثقافية وعلمية وصحية، فما أحراهم أنْ يطلبوا من العلماء المسيحيين العرب وشعرائهم واُدبائهم وفلاسفتهم أنْ ينشئوا آيات كآيات القرآن إن هم استطاعوا الى ذلك سبيلاً ليسكتوا صوت الاسلام.
لاشك لو أنَّ شيئاً كهذا كان ضمن قدراتهم لما توانوا في تحقيقة بأي ثمن كان. غير أن عجزهم في هذا الامر لدليل على الاعداء وبرهان ناطق على اعجاز القرآن.