عصر الإمام الباقر (عليه السلام)
4 ـ الحياة الاقتصادية
مما لا ريب فيه أن الحياة السياسية تؤثر تأثيراً كبيراً على الحياة الاقتصادية في أي عصر من العصور. ففي عصر الإمام الباقر (عليه السلام) كانت الحياة الاقتصادية مضطربة ومشلولة فثروة البلاد قد انحصرت في أيدي الطبقة الحاكمة وعند عملائها وحاشيتها. وهم بدورهم ينفقونها بسخاء على كل من يلوذ ببلاطهم من الشعراء والأدباء والعملاء الذين كانوا يهللون للحاكم ويدعون له في المناسبات الحكام يتفننون في أنواع الملذات وعامة الشعب كانت ترزح تحت نير الفقر والبؤس. فالأسعار غالية جداً قد أرهقت كواهل الناس، وكلفتهم من أمرهم شططاً. حتى أصبح عامة الناس طاوية بطونهم عارية أجسادهم. وما أشبه اليوم بالبارحة!! كان عامة الناس على هذا الغرار يعيشون حياة الفقر، وهل أقسى من الفقر على الإنسان؟ قال أمير المؤمنين في هذا المجال: (لو تمثل لي الفقر رجلاً لقتلته). لقد تحول اقتصاد الدولة إلى جيوب الأمويين ومن سار على ركابهم دون أن ينفق شيء منه على تطور الحياة العامة وازدهار مرافقها وتقدمها.
وقد تبين ذلك من خلال ما قاله الشعراء أمثال الشاعر الأسدي والنمري. قال النمري مخاطباً عبد الملك بن مروان يشكو اضطهاد العمال لقومه وابتزازهم أموال الأمة:
أخليفة الرحمن إنا معــــــــــشر حنفاء نسجد بكرة وأصيلاً
إن السعاة عصوك يوم أمـرتهم وأتوا دواهي لو علمت وغولا
أخذوا العرين فقطعوا حيــزومه بالأصبحية قائماً معـــــلولا [1]
حتى إذا لم يتركوا لعضـــــــامه لحماً ولا لفؤاده مـــــعقولا [2]
يدعوا أمير المؤمنـــين ودونه خرق تجر به الريــاح ذيولا [3]
كهداهد كسر الرماة جـــــناحها تدعو بقارعة الطــــريق هديلا
أخليفة الرحمن أن عشــــــيرتي أمسى سوامهم عزين فلولا [4]
قوم على الإسلام لما يتركـــــوا ماعونهم ويضيعوا التأهليلا [5]
قطعوا اليمامة يطردون كأنــهم قوم أصابوا ظالمـــــــين فتيلا
شهري ربيع ما تذوق بطونـهم إلا حموضاً وخمة وذبــــيلا [6]
وأتاهم يحيى فشد عليـــــــــهم عقداً يراه المسلمون ثقيـــلا [7]
كتباً تركن غنيهم ذا عـــــــــيلة بعد الغنى وفقيرهم مهــــزولا
فتركت قومي يقسمون أمورهم إليك أم يتربصون قلـــــــيلا [8]
نرى من خلال هذه الأبيات الجور الهائل الذي صبه العمال على قوم الشاعر حتى أنهم لم يتركوا عليهم عظماً إلا هشموه، وسياطهم الثقيلة ألهبت أجسام القوم المظلومين فتركوهم أشباحاً مبهمة خالية من الحياة والروح، كجذوع نخل خاوية.
واستمرت المظالم الاقتصادية حتى في عهد عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل الشهم النبيل، فالعمال استمروا في نهب أموال الرعية وسلب خيراتها ظلماً وعدواناً. قال في ذلك الشاعر كعب الأشعري مخاطباً الخليفة:
إن كنت تحفظ ما يليك فإنـما عمال أرضك بالبلاد ذئاب
لن يستجيبوا للذي تدعو له حتى تجلد بالسيوف رقاب
بأكف منصلتين أهل بصائر في وقعهن مزاجر وعقاب
الحكام الأمويون يعلمون بكل تصرفات عمالهم الجائرة، لكنهم لم يقدموا على محاسبتهم وما اقترفوا من الجور والظلم للرعية. وهذا مما سبب الفتن والثورات التي مر ذكرها والتي التهمت نيرانها في خراسان حكم بني أمية والقضاء على دولتهم.
هذه أوضاع عصر الإمام الباقر (عليه السلام) بكل آلامه وويلاته وظلمه وجوره تصور لنا بؤس المجتمع الذي ترك التياعاً وألماً في نفس الإمام وهو بحكم قيادته الروحية للمسلمين يعز عليه بؤسهم وشقاءهم.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الحيزوم: وسط الظهر والأصبحية: السياط جمع أصبح.
[2] المعقول: الإدراك.
[3] الخرق: الصحراء الواسعة.
[4] العزين: الجماعات.
[5] الماعون: الزكاة.
[6] الحموش: المر المالح.
[7] يحيى: هو أحد السعاة الظالمين.
[8] حياة الإمام موسى بن جعفر ج1 ص304.