عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)

وفاة النبي ( صلَّى الله عليه وآله )

إعداد :

قسم المقالات في مؤسَّسة الإمامين الحسنين ( عليهما السلام ) *

لمَّا قَفَلَ النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) راجعاً من مكَّة إلى المدينة المنوَّرة ، بدأت صحته تنهار يوماً بعد يوم ؛ فقد أَلَمَّ به المرض ، وأصابته حُمّىً مبرحة ، حتى كأنَّ به لَهَباً منها .

وهرع المسلمون إلى عيادته ، وقد خَيَّم عليهم الأسى والذهول ، فازدحمت حجرته بهم ، فنعى ( صلَّى الله عليه وآله ) إليهم نفسه ، وأوصاهم بما يضمن لهم السعادة والنجاة ، قائلاً : ( أيُّها الناس ، يوشك أن أُقبَضَ قَبضاً سريعاً فينطلق بي ، وقدمت إليكم القول معذرة إليكم ، أَلاَ إني مُخَلِّفٌ فيكم كتاب الله عزَّ وجلَّ وعترتي أهل بيتي ) .

ثمَّ أخذ ( صلَّى الله عليه وآله ) بيد وَصِيِّه وخليفته من بعده ، الإمام علي ( عليه السلام ) ،  قائلاً لهم : ( هَذا عَلِيٌّ مَعَ القُرآن ، والقُرآنُ مَعَ عَلِيٍ ، لا يفترقان حتى يَرِدَا عَلَيَّ الحوض ) .

رَزِية يوم الخميس :

لقد استَشفَّ الرسول ( صلَّى الله عليه وآله ) من التحرُّكات السياسية التي صدرت من أعلام صحابته ـ كما في سَريَّة أُسَامة ـ أنَّهم يبغون لأهل بيته ( عليهم السلام ) الغوائل ، ويتربّصون بهم الدوائر ، وأنَّهم مجمعون على صرف الخلافة عنهم .

فرأى ( صلَّى الله عليه وآله ) أن يصون أُمَّته من الزيغ ويحميها من الفتن ، فقال ( صلَّى الله عليه وآله ) : ( اِئتُوني بالكَتفِ والدَوَاة ؛ أكتبُ لَكُم كِتاباً لَن تَضِلُّوا بَعدَهُ أَبَداً ) ، فَرَدَّ عليه أحدهم : حسبنا كتاب الله .

ولو كان هذا القائل يحتمل أنَّ النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) سوف يوصي بحماية الثغور أو بالمحافظة على الشؤون الدينية ، لَمَا رَدَّ عليه بهذه الجُرأة ، ولكنّه عَلم قصد النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) من النص على خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .

واشتدَّ الخلاف بين القوم ، فطائفة حاولت تنفيذ ما أمر به رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) ، وطائفة أخرى أصرّت على معارضتها خوفاً على فوات مصالحها . وبدا صراع رهيب بين القوم ، وكادت أن تفوز الجبهة التي أرادت تنفيذ ما أمر به الرسول ( صلَّى الله عليه وآله ) ، لكن انبرى أحدهم فَسَدَّدَ سهماً لما رامه النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) فقال : إنّ النبي لَيَهجُر !!

فقد أنسَتْهم الأطماع السياسية مقام النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) ، الذي زَكَّاه الله وعَصَمَهُ من الهَجر وغيره ممَّا يُنقِص الناس . أَوَلم يسمعوا كلام الله تعالى يُتلَى عليهم في آناء الليل وأطراف النهار ، وهو يُعلن تكامل النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) وتوازن شخصيته ، فقد قال تعالى : ( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدَيدُ القُوَى ) ( النجم : 2 ـ 5 )  ، وقال تعالى : ( إِنَّهُ لَقَولُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ) ( التكوير : 19 ـ 22 ) .

فإنّ القوم قد وَعَوا آيات الكتاب في حَقِّ نَبِيِّهم ( صلَّى الله عليه وآله ) ، ولم يُخَامرهم شَكٌّ في عِصمَتِه وتكامل شخصيته ؛ لكنّ الأطماع السياسية دفعتهم إلى هذا الموقف الذي يَحِزُّ في نفس كل مسلم .

وكان ابن عباس إذا ذَكَر هذا الحادث الرهيب يبكي حتى تسيل دموعه على خدَّيه ، ويُصعِد آهاتَه ويقول : يوم الخميس وما يوم الخميس ؟!! .

حَقاً إنَّها رزية الإسلام الكبرى ، فقد حيل بين المسلمين وبين سعادتهم وتقدُّمهم في ميادين الحق والعدل .

إلى جنّة المأوى :

وقد آن الوقت لتلك الروح العظيمة ، التي لم يخلق الله نظيراً لها فيما مضى من سالف الزمن وما هو آتٍ ، أن تفارق هذه الحياة ، لِتَنعَم بِجِوار الله ولطفه .

فَهبط جبرائيل على النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) فقال له : ( يَا أَحمَدْ ، إِنَّ اللهَ قَدِ اشتَاقَ إِلَيكَ ) ، فاختار النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) جِوارَ رَبِّهِ ، فأذِن لملك الموت بقبض روحه العظيمة .

ولمَّا علم أهل البيت ( عليهم السلام ) أنّ النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) سيفارقهم في هذه اللحظات ، خَفّوا إلى توديعه ، فجاء السبطان الحسن والحسين ( عليهما السلام ) وألقيا بأنفسهما عليه ( صلَّى الله عليه وآله ) وهما يذرفان الدموع ، وكان النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) يُوسِعُهما تقبيلاً .

فعندها أراد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أن يُنَحِّيهِمَا ، أبى النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) وقال له : ( دَعْهُمَا يَتَمَتَّعَانِ مِنِّي وأَتَمَتَّعُ مِنهُمَا ، فَسَتُصِيبهُمَا بَعدِي إِثْرَة ) .

ثمَّ التفت ( صلَّى الله عليه وآله ) إلى عُوَّادِهِ فقال لهم : ( قَدْ خَلَّفْتُ فيكم كتابَ الله وعترتي أهل بيتي ، فَالمُضَيِّع لِكِتَابِ الله كَالمُضَيِّع لِسُنَّتِي ، وَالمُضَيِّع لِسُنَّتِي كالمُضَيِّع لِعَترَتِي ، إِنَّهُمَا لَن يَفترِقَا حَتى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ ) .

وقال لِوصيِّه وباب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( ضَعْ رأسي في حِجرِكَ ، فقد جَاءَكَ أمرُ الله ، فإِذا فاضت نَفسي فتناوَلْهَا وامسح بها وجهَك ، ثُمَّ وَجِّهْني إلى القبلة وَتَولَّ أمرِي ، وَصَلِّ عَلَيَّ أوَّل النَّاس ، وَلا تُفَارِقني حتى تُوَارينِي في رمسي ، وَاستَعِنْ بِاللهِ عَزَّ وَجلَّ ) .

فأخذ أمير المؤمنين رأس النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) فوضعه في حجره ، وَمَدَّ يَدَه اليمنى تحت حَنَكَه ، وقد شَرعَ مَلك الموت بقبض روحه الطاهرة والرسول ( صلَّى الله عليه وآله ) يُعاني آلامَ الموتِ وشِدَّةَ الفَزَع ، حتى فاضَتْ روحُهُ الزكيَّة ، فَمَسحَ بِهَا الإِمَامُ ( عليه السلام ) وجهه .

ووجم المسلمون وطاشت أحلامهم ، وعَلاهُم الفزع والجزع والذعر ، وهَرعت نساء المسلمين وقد وَضعْنَ أزواج النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) الجَلابِيب عن رؤوسهن يلتطمن صدورهن ، ونساء الأنصار قد ذَبُلَت نفوسُهُن من الحزن وهُنَّ يضرِبْنَ الوجوه ، حتى ذُبِحَت حُلوقَهُنَّ من الصيَاح .

وكان أكثرُ أهل بيته ( صلَّى الله عليه وآله ) لوعة وأشَدُّهم حزناً بضعتَهُ الطاهرة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، فقد وقعت على جثمانه ( صلَّى الله عليه وآله ) وهي تبكي أَمَرَّ البكاء وأقْسَاه ، وهي تقول : (  وا أبتاه ، وا رسول الله ، وا نبي الرحمتاه ، الآن لا يأتي الوحي ، الآن ينقطع عنا جبرئيل ، اللّهم الحق روحي بروحه ، واشفعني بالنظر إلى وجهه ، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة ) .

تجهيزه ( صلَّى الله عليه وآله ) :

تَولَّى الإمام علي ( عليه السلام ) تجهيز النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) ولم يشاركه أحد فيه ، فقام ( عليه السلام ) في تغسيله ( صلَّى الله عليه وآله ) وهو يقول : ( بِأَبي أنتَ وأُمِّي يا رسول الله ، طِبْتَ حَياً وَمَيِّتاً ) .

وبعدما فرغ ( عليه السلام ) من غُسله ( صلَّى الله عليه وآله ) أدَرجَهُ في أكفانه ووضعه على السرير .

الصلاة عليه ( صلَّى الله عليه وآله ) :

وأوَّل مَن صلَّى على الجثمان المقدّس هو الإمام علي ( عليه السلام ) ، وأقبل المسلمون للصلاة على جثمان نَبِيِّهم ، وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) واقف إلى جانب الجثمان ، وهو يقول : ( السَّلامُ عَليكَ أَيُّهَا النَّبي ورحمة الله وبركاته ، اللَّهُمَّ إنا نَشهدُ أَنَّهُ : قد بَلَّغ ما أُنزِلَ إِليه ، وَنَصحَ لأُمَّتِه ، وجاهد في سبيل الله حتى أعزَّ اللهُ دينَه وتَمَّت كلمتُه ، اللَّهُمَّ فَاجْعَلنا مِمَّن يتبع ما أُنزِل إليه ، وثَبِّتنَا بعده ، واجمَعْ بيننا وبينَه ) .

وكان الناس يقولون : ( آمين ) .

دفنه ( صلَّى الله عليه وآله ) :

وبعد أن فرغ المسلمون من الصلاة على الجثمان العظيم ، وودّعوه الوداع الأخير ، قام الإمام علي ( عليه السلام ) فوارى الجثمان المقدّس في مثواه الأخير ، ووقف على حافة القبر ، وهو يروي ترابه بماء عينيه ، وقال بصوت خافت حزين النبرات : ( إنَّ الصبر لَجَميل إلاّ عنك ، وإنَّ الجزع لَقَبيح إلاّ عليك ، وإنَّ المُصابَ بك لَجَليل ، وإِنَّه قَبلَكَ وبَعدَكَ لَجَلَل ) .

وكانت وفاته ( صلَّى الله عليه وآله ) في ( 28 ) من صفر 11 هـ ، فإنَّا لله وإنّا إليه راجعون .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

* إعداد وتحرير قسم المقالات في شبكة الحسنين (عليهما السلام ) للتراث والفكر الإسلامي ، والمقال مقتبس بتصرف يسير من : كتاب "حياة الإمام الحسين بن علي ( عليهما السلام ) " ، الشيخ باقر شريف القرشي  ، ج 1 ، ط 1 ، مطبعة الآداب ـ النجف الأشرف  ، 1394 ـ 1974 م  .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

من آثار وفلسفة وأفكارالهادي (عليه السلام)
مصادر علم الائمة من اهل البيت عليهم السلام
من حقوق أهل البيت (عليهم السلام) : 5 - دفع الخمس ...
ارتباط قضية المهدي (ع) بنهاية حركة التاريخ
فاطمة الزهراء عليها السلام علة غائيّة
الامويون والحسين عليه السلام
حاجة نظام الخلق إلى خليفة الله‏
لا يضحي الإمام بالعدالة للمصلحة
ملامح عقيلة الهاشميّين السيّدة زينب الكبرى *
يوم الخروج وكيفيته

 
user comment