وليَ الامامة بعد وفاة أبيه الامام الحسن العسكري عام (260هـ ) وهو ابن خمس سنين، ولا استغراب في جعله اماماً وهو في هذه السن المبكرة، لأنّ الامامة هبة يمنحها الله تعالى من يشاء من عباده، ممن تتوافر فيه عناصر الإمامة وشروطها، شأنها في ذلك شأن النبوة. وهو ما برهن عليه في مجاله من مدونات وكتب اإمامة عند الشيعة بما يربو على التوفية.
إنّ المهدي المنتظر قام بالإمامة، وحاز هذا المنصب الجليل، وهو ابن خمس سنين، طفل لم يبلغ الحلم.. فهل يجوز ذلك؟ !.. أم لابد في النبي والرسول والخليفة أن يكون بالغاً مبلغ الرجال؟!
هذه مسألة كلامية، ليس هنا محل تفصيلها، ولكن على وجه الإجمال، نقول: بناءً على ما هو الحق من أن أمر الرسالة والإمامة والنبوة والخلافة بيد الله سبحانه وتعالى، وليس أحد من الناس فيها اختيار – يجوز ذلك عقلاً، ولا مانع منه مع دلالة الدليل عليه، لأن الله سبحانه وتعالى قادر أن يجمع في الصبي جميع شرائط الرسالة والإمامة ".[21]
وقد ولي الامام الجواد الامامة وهو ابن سبع سنوات، والامام الهادي وليها وهو ابن ثماني سنوات، والحسن العسكري قبل العشرين.
وقد تحدث القرآن الكريم عن النبي يحيى(ع) قال تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًا).[22] والنبي عيسى(ع) صار نبياً وهو طفل رضيع، قال تعالى: (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًا *قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا).[23]
العلم يؤيد طول العمر
- طول العمر من الجانب الديني ممكن، لأن كل مؤمن بالله تعالى عالم وعارف ان الله تعالى قادر وعلى كل شيءٍ قدير، بقدرته اللامتناهية يستطيع ان يطوّل عمر أي شيء من مخلوقاته مئات السنين بل آلاف السنين، أليس هو الخالق؟ أليس هو العالم كيف خلقهم وكيف جعل لهم أجلاً مسمى، فهل هو الخالق وهو الواضع لقانون البداية والنهاية لكل شيء، هل هو غير قادر على أن يطيل أمد شيء أو ينقص منه؟ فهو الذي أطال عمر آدم ألف سنة، ونوح 950 سنة يدعو قومه الى وحدانية الله،[24] وأصحاب الكهف لبثوا في كهفهم (ثَلاَثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا)،[25] ويونس(ع) يتحدث عنه القرآن الكريم لولا ان كان من المسبحين لخلد في بطن الحوت الى يوم القيامة وليس سنين معدودة، قال تعالى: (فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يوْمِ يبْعَثُونَ)،[26] وعيسى(ع) حي بصريح القرآن ورفع الى السماء وانه حي وسينزل مع الامام المهدي ويصلي خلفه كما فسر المفسرون الشيعة الآية الكريمة من قول الله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ رَسُولَ اللّهِ... الخ)،[27] والخضر(ع) جاء ذكره في الأحاديث الشريفة للرسول وأهل بيته الكرام، وأن غيبته صار لها 6000سنة وسيخرج مع الامام المهدي،[28] وهناك في القرآن الكريم آيات تحدثت عن أعمار طويلة في الأمم السابقة، كقوله تعالى: (بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاَء وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيهِمُ الْعُمُرُ).[29] وعن الذي أماته الله تعالى مائة عام ثم أرجع له الحياة: (فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يوْمًا أَوْ بَعْضَ يوْمٍ)[30] ويتبين هنا ان الزمن قد توقف عنده ولم يحس به. وأمثلة كثيرة من هذا القبيل في القرآن الكريم.
وجاء في تاريخ الطبري ان الياس والخضر وإدريس وعيسى لا زالوا أحياء،وهناك اعتقادات لبعض المسلمين وغيرهم بآخرين أحياء لحد الآن.
ـ أما من الجانب العلمي فطول العمر ممكن أيضاً: على ما أكد عليه العلماء: "... أنّ كل الأنسجة الرئيسية من جسم الحيوان تقبل البقاء الى ما لا نهاية له، وأنه في الامكان ان يبقى الانسان حياً ألوفاً من السنين اذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته، وقولهم هذا ليس مجرد ظن بل هو نتيجة عملية مؤيدة بالإختبار.
ان الانسان لا يموت لأنه عمّر كذا من السنين سبعين أو ثمانين أو مائة أو أكثر بل لأن العوارض تنتاب بعض أعضائه فتتلفها ولإرتباط أعضائه بعضها ببعض تموت كلها، فاذا استطاع العلم ان يزيل هذه العوارض أو يمنع فعلها لم يبق مانع يمنع استمرار الحياة مئات من السنين".[31]
وفيما يعتقد بعض علماء البيئة بعد دراسات طويلة أجروها أنّ جسم الإنسان صنع ليعيش أكثر من ألف سنة.[32]
وهناك آراء وتصريحات كثيرة لعلماء الطب وعلماء البيئة في كيفية اطالة عمر الانسان وامكان ان يعمر سنين أطول مما عليه البشر في الحالة الطبيعية الآن تدل على أنّ عمر الانسان أو بقية الكائنات الحية لم يُحدد له من الناحية العلمية حدّ قاطع، طبعاً إلاّ ما كان من أَجَل ِالله تعالى المحتوم، أو يعرض له حادث يقتله من انسان وغيره من الحوادث، وأن العمر الطويل غير محال فحسب بل هو في حدود التعقـّل.
والجدير بالذكر ان الله تعالى اذا أراد شيئاً هيأ أسبابه، فاذا أراد لإنسان ان يطول عمره لمصلحةٍ ما، يجعله يعيش بالحالة الطبيعية وليست بالخوارق أو المعاجز، فمن الطبيعي ان يكون أكل الامام المهدي(عج) بالشكل الذي يكون خالي من السموم التي تقضي على خلايا الانسان وتسبب له الشيخوخة، ثم من الجانب الروحي يكون في حالة مطمئنة راضياً بقدر الله وقضائه وليس قلقاً، فقد أكد علماء الطب ان حالة القلق التي تصيب الانسان تقصّر في عمره.
ثمّ الحالات الأخرى من التعرض للحوادث القاتلة للبشرية كالتعرض للقتل وغيرها من الحوادث الطبيعية، فهو(عج) بعيد كل البعد عنها.
" إنّ مسألة بقاء الانسان حياً مدة طويلة من السنين ليست مستحيلة، لا فلسفياً ولا علمياً، وانما هي من المسائل الممكنة".[33]
الحاجة الى المنجد والمصلح
الأرض ومن عليها بحاجة الى الحجة، ولا يُخلي الله تعالى الأرض من حجة:
" لا تخلو الأرض من قائم بحجة الله، أما ظاهر مشهور، وأما غائب مغمور، لئلا تبطل حجج الله وبيناته ".
المظلوم يحتاج الى من ينقذه، والمحروم يحتاج الى من يعينه، والضال يحتاج الى من يهديه، وهكذا حال البشر في كل زمان، وفي كل مكان، بحاجة الى المصلح والمهدي.
وقد يسأل سائل: ان الحاجة الى الحجة والمصلح والمهدي الظاهر المشهور معقولة، أما الحاجة الى الحجة الغائب المغمور كيف نفسرها؟!!
ان ضرورة وجود الامام والحاجة اليه في الوجود والكون كضرورة وجود بعض الكواكب والنجوم والمجرات غير المرئية والغائبة عن عيوننا وعن تقنياتنا لكنها موجودة، فان وجودها وان لم يكن مرئياً، ضروري لوقوف وتماسك النجوم والكواكب والمجرات الأخرى، فالنجوم والكواكب والمجرات تماسك أحداهما الآخر مرئية كانت أم غير مرئية.. وبدون هذا التماسك ينفرط الكون.
وهكذا الامام المهدي(عج) فوجوده مجرد وجود في هذا الكون، وان لم يكن مرئياً وغائباً عن العيون، فهو الأمان لهذا الكون وكواكبه ومجراته وبشريته سواء كان مرئياً أو غير مرئي، وعدم وجود الحجة على الأرض يعني انفراط الكون وبالتالي انفراط البشرية التي تسكن هذا الكون، ووجوده حاضراً أو غائباً يعطي نفس المعنى في تماسك المجتمع وعدم انفراطه، فهو الحجة على أهل الأرض في كل الحالات.