حجّ الإمام محمّد الباقر(عليه السلام)
كان الإمام أبو جعفر الباقر(عليه السلام) إذا حجّ البيت الحرام انقطع إلى الله وأناب إليه وتظهر عليه آثار الخشوع والطاعة، وقد روى مولاه أفلح قال: حججْت مع أبي جعفر محمّد الباقر فلمّا دخل إلى المسجد رفع صوته بالبكاء فقلت له:
بأبي أنت وأُمّي أنّ الناس ينتظرونك فلو خفضت صوتك قليلاً.
فلم يعن به الإمام وراح يقول:
«ويحك يا أفلح إنّي أرفع صوتي بالبكاء لعلّ الله ينظر إليّ برحمته فأفوز به غداً...» .
ثمّ إنّه طاف البيت، وجاء حتى ركع خلف المقام، فلمّا فرغ وإذا بموضع سجوده قد ابتلّ من دموع عينيه([1]) ، وحجّ(عليه السلام) مرّة وقد احتفّ به الحُجّاج، وازدحموا عليه وهم يستفتونه عن مناسكهم ويسألونه عن أُمور دينهم، والإمام يجيبهم، وبهر الناس من سعة علومه، وأخذ بعضهم يسأل بعضاً عنه فانبرى إليهم شخص من أصحابه فعرّفه لهم قائلاً: ألا إنّ هذا باقر علم الرسل، وهذا مبيّن السبل، وهذا خير من رسخ في أصلاب أصحاب السفينة، هذا ابن فاطمة الغراء العذراء الزهراء، هذا بقية الله في أرضه، هذا ناموس الدهر، هذا ابن محمّد و خديجة وعليّ وفاطمة، هذا منار الدين القائمة...»([2]) .
ولم تذكر المصادر التي بأيدينا عدد حجّاجه إلى بيت الله الحرام.
ولقد كان الإمام (عليه السلام) يناجي الله تعالى في غلس الليل البهيم، وكان ممّا قاله في مناجاته:
«أمرتني فلم أئتمر، وزجرتَني فلم أنزجر،ها أنذا عبدك بين يديك»([3]) .
ويقول المؤرخون: «إنّه كان دائم الذكر لله، وكان لسانه يلهج بذكر الله في أكثر أوقاته، فكان يمشي ويذكر الله، ويحدّث القوم، وما يشغله ذلك عن ذكر الله تعالى، وكان يجمع ولده ويأمرهم بذكر الله حتى تطلع الشمس كما كان يأمرهم بقراءه القرآن، ومَن لا يقرأ منهم أمره بذكر الله»([4]) .