لم يجبر على البيعة :
السؤال : لماذا لم يجبر معاوية الإمام الحسن على البيعة ؟ كما جبر يزيد الإمام الحسين على ذلك ، وشكراً ، وجزاكم الله ألف خير .
الجواب : لأنّ معاوية كان في دور توطيد حكمه الذي استتب له قريباً ، أي بعد عقد الصلح مع الإمام الحسن (عليه السلام) ، فلأنَّ النفوس مشحونة بالبغضاء ومتحفّزة للقتال ، فالحرب كانت قريبة العهد ، كما أنّ نفوذ الإمام الحسن (عليه السلام) لا زال فيه شيء من القوّة والسعة ، ومضامين شروط الصلح ما زالت حية ، لم يمض عليها وقت طويل حتّى تنسى ، وإنّ من شهدوا الصلح والتزموا به ما زالوا كثيرين ، فأيّ بادرة مخالفة مفضوحة لنقض شروط الصلح من قبل معاوية تقلب الكرة عليه ، ولذلك قام بعدّة أُمور للتمهيد لنقض شروط الصلح ، فقد
|
الصفحة 180 |
|
نقض بعضها بمرور الزمن ، وبالحيلة والمكر .
وبدأ بقتل وملاحقة أصحاب الإمام ومؤيّديه ، والتضييق عليهم اقتصاديّاً ومعنويّاً ، واستخدم الإكراه والإغراء على مدى واسع في الأُمّة ، وشنّ حرب إعلامية على الإمام الحسن ، والإمام علي (عليهما السلام) ، وبني هاشم ، منها :
سنّ السبّ على المنابر ، ووضع الأحاديث المكذوبة ، وبدأ بتوطيد ملكه وولاية العهد إلى يزيد ابنه ، ثمّ دسّ السمّ إلى الإمام الحسن (عليه السلام) ، كلّ ذلك تمهيداً ليزيد ، فلمّا وصل الأمر إلى يزيد أخذ عمّاله البيعة بالإكراه من الأُمّة ، وليس لها قدرة على المقاومة ، ثمّ سعى لإكراه الرقم الأصعب في المعادلة ، وهو الإمام الحسين (عليه السلام) .
( رنا . الأردن . ... )
السؤال : أشكركم على ردّكم ، ولكن هل هناك مجال لمعرفة تفاصيل مقتل الإمام الحسن (عليه السلام) ؟
الجواب : قد ورد في كتاب وفيات الأئمّة ما نصّه : " إنّه لمّا تمّ الأمر لمعاوية بن أبي سفيان عشر سنين عزم أن يجعل ابنه يزيد ولي عهده ، فرأى أنّ أثقل الناس عليه مؤنة الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام)، و... ، ثمّ عزم على هلاك الحسن بن علي (عليهما السلام)، فأرسل إلى الأشعث بن قيس ... واستشاره معاوية في هلاك الحسن ، فقال له : الرأي عندي أن ترسل إلى ابنتي جعدة ، فإنّها تحت الحسن ، وتعطيها مالاً جزيلاً ، وتعدها أن تزوّجها من ابنك يزيد ، وتأمرها أن تسمّ الحسن .
فقال معاوية : نعم الرأي ، ... فاستدعى معاوية رجلاً من بطانته وخاصّته ، ودفع إليه مائة ألف درهم ، وكتب معه كتاباً إلى جعدة بنت الأشعث ، وأوعدها بالعطاء الجزيل ، وأن يزوّجها من ابنه يزيد إذا قتلت الحسن .
|
الصفحة 181 |
|
فسار الرجل ونزل في بعض بيوت المدينة ، وأرسل إلى جعدة سرّاً ، فأتت إليه ، فدفع لها المال والكتاب الذي من عند معاوية ، فسرّت بذلك سروراً عظيماً ، وكانت على رأي أبيها من بغض علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وعلمت أنّ أباها هو الذي أشار على معاوية بذلك ، فما زالت تتربّص به الغرّة ، وتنتهز فيه الفرصة والغفلة حتّى كانت ليلة من الليالي ، قدم (عليه السلام) إلى منزله ، وكان صائماً في يوم صائف شديد الحرّ ، فقدّمت إليه طعاماً فيه لبن ممزوج بعسل قد ألقت فيه سمّاً ، فلمّا شربه أحسّ بالسمّ ، فالتفت إلى جعدة وقال لها : " قتلتني يا عدوّة الله قتلك الله ، وأيم الله لا تصيبين منّي خلفاً ، ولقد غرّك وسخر بك ، فالله مخزيه ومخزيك " .
ثمّ إنّه (عليه السلام) لزم البيت ، وألزم نفسه الصبر ، وسلّم لله الأمر ، فاشتدّ الأمر عليه ، فبقي طوال ليلته فأكبّ عليه ولده عبد الله ، وقال له : يا أبت هل رأيت شيئاً فقد أغممتنا ؟
فقال (عليه السلام) : " يا بني هي والله نفسي التي لم أصب بمثلها " ، ثمّ قال : " افرشوا لي في صحن الدار ، وأخرجوني لعلّي أنظر في ملكوت السماوات " ، ففرش له في صحن الدار وأخرج فراشه ، فدخل عليه أخوه الإمام الحسين (عليه السلام) فرآه متغيّراً وجهه ، مائلاً بدنه إلى الخضرة ، فقال له الحسين (عليه السلام) : " بأبي أنت وأُمّي ما بك " ؟
فقال له : " ... إنّي قد سقيت السمّ مراراً ، فلم اسق مثل هذه المرّة " !... ، فقال : " يا أخي من تتهم " ؟ فقال : " وماذا تريد منه " ؟ فقال : " لأقتله " ، فقال : " إن يكن الذي أظنّه فالله أشدّ نقمة منك وأشدّ تنكيلاً ، وإن لم يكن فما أحبّ أن يؤخذ بي بريء " .
ثمّ إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) بكى لما رأى من حال أخيه ، فقال له الحسن (عليه السلام) : " أتبكي يا أبا عبد الله ، وأنا الذي يؤتى إليّ بالسمّ فأقضي به ، ولكن لا يوم كيومك ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل ، يدّعون أنّهم من أُمّة جدّك فيقتلونك،
|
الصفحة 182 |
|
ويقتلون بنيك وذرّيتك ، ويسبون حريمك ، ويسيرون برأسك هدية إلى أطراف البلاد ، فاصبر يا أبا عبد الله ، فأنت شهيد هذه الأُمّة ، فعليك بتقوى الله ، والصبر والتسليم لأمره ، والتفويض له ، لتنال الأجر الذي وعدنا به " .
فقال له الإمام الحسين (عليه السلام) : " ستجدني إن شاء الله صابراً راضياً مسلّماً له الأمر ، وأهون عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله " ، فقال له الإمام الحسن (عليه السلام) : " وفّقت لكلّ خير يا أبا عبد الله " .
ثمّ إنّ الإمام الحسن (عليه السلام) لمّا تحقّق دنو أجله ، دعا بالحسين (عليه السلام) ، ودفع إليه كتب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلاحه ، وكتب أمير المؤمنين (عليه السلام) وسلاحه ، وأوصاه بجميع ما أوصى به أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ثمّ قال له : " يا أخي إنّي مفارقك ولاحق بربّي عزّ وجلّ ، فإذا قضيت نحبي ، فغمّضني ، وغسّلني ، وكفّني ، واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، لأجدّد به عهداً وميثاقاً ، ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد ، وادفنّي هناك ، وستعلم يا ابن أُمّي أنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند جدّي ، فيجدون في منعك ، فبالله أقسم عليك لا تهرق في أمري ملء محجمة دماً " .
ثمّ أوصاه بجميع أهله وأولاده ، وما كان أوصى به أمير المؤمنين حين استخلفه وأهله ، ودلّ شيعته على إمامة الحسين (عليه السلام) ، ونصّبه لهم علماً من بعده ، ثمّ التفت إلى أولاده وأخوته ، وأمرهم باتباعه ، وأن لا يخالفوا له أمراً... .
ثمّ إنّ الحسن (عليه السلام) قال : " أستودعكم الله ، والله خليفتي عليكم " ، ثمّ إنّه غمّض عينيه ومدّ يديه ورجليه ، ثمّ قضى نحبه وهو يحمد الله ويقول : " لا إله إلاّ الله " ، فضجّ الناس ضجّة عظيمة ، وصار كيوم مات رسول الله ، وخرج أولاده وأخوته يبكون وينوحون ، وأمثل بنو هاشم رجالاً ونساءً يبكون عليه ، ويدعون بالويل والثبور ، وعظائم الأُمور .
ثمّ إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قام في تجهيز أخيه ، وأمر عبد الله بن العباس ، وعبد الله بن جعفر أن يناولاه الماء ، فغسّله ، وحنّطه ، وكفّنه ، كما أمره ،
|
الصفحة 183 |
|
وصلّى عليه في جملة أهل بيته وشيعته ... " (1) .
( ... . ... . ... )
السؤال : ما فائدة صلح الإمام الحسن (عليه السلام) ؟
الجواب : إنّ من فوائد الصلح هي كشف حقيقة معاوية للناس الذين كانوا في أيّامه ، والأجيال التي جاءت بعده على طول التاريخ ، ولولا تسليم الإمام الأمر لمعاوية ، ونكث معاوية لما أعطاه من شروط وعهود لما كانت تعرف حقيقة معاوية العدوانية .
ودونك ما تقرأ في الجزء الثالث من كتاب " علي إمام البررة " ، فثمّة أقوال جماعة من أعلام أهل السنّة من قدامى ومحدّثين في كشف صفحات معاوية المخزية المخجلة ، وهذا الكشف لولا تسليم الإمام الحسن (عليه السلام) الأمر إليه ، لما كان الناس يعرفوا حقيقة معاوية ، فهذا من أعظم المنجزات التي أنجزها الإمام الحسن (عليه السلام) ، بأن كشف زيف الباطل وعرّف الناس حقيقة معاوية وبني أُمية .
____________
1- وفيات الأئمّة : 115 .
|
الصفحة 184 |
|
( علي سلمان . ... . ... )