لم يأخذ برأي أولاد مسلم في مسيره لكربلاء :
السؤال : من خلال مطالعتي لكتاب مروج الذهب للمسعودي ، لفت نظري معنى في حادثة الطف ، وهي مسير الإمام الحسين من المدينة قاصداً كربلاء ، يقول المسعوديّ : إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) في طريقه إلى كربلاء أراد أن يصرف نظره عن مواصلة المسير إليها ، ولكن أولاد مسلم بن عقيل قالوا له : يا عم ، إنّ أبانا قد قُتل ، وما فائدة رجوعنا إلى المدينة ؟ فلنواصل مسيرنا إلى كربلاء .
ويقول المسعوديّ ما معناه : فعدل الإمام عن رأيه ، وواصل المسير إلى كربلاء .
فهل أنّ الإمام أخذ برأي الطفلين الصغيرين ؟ وواصل مسيره إلى كربلاء ؟ فأرجو الإجابة عن هذا السؤال ، ولكم جزيل الشكر ، ودمتم سالمين .
الجواب : إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) خرج من مكّة وهو يعلم أنّه سيقتل ، وأنّه خارج بأمر الله تعالى ، وقد صرّح في أكثر من مرّة أنّه مقتول ، ولكن الإمام أجاب عن سبب خروجه بعدّة إجابات ، تختلف في ظاهرها باختلاف الأشخاص .
فما يذكر في كتب التاريخ من أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) أراد الرجوع ناتج عن عدم الفهم الصحيح لأقوال الإمام (عليه السلام) ، ولعلّ ما ورد عن أبي مخنف : من أنّ بني عقيل اعترضوا الإمام (عليه السلام) ، وقالوا : لا والله لا نبرح حتّى ندرك ثأرنا أو تذوق ما ذاق أخونا ، فأجاب الإمام (عليه السلام) للناقلين خبر مقتل مسلم ، اللذين كانا يعارضان الإمام (عليه السلام) بمواصلة المسير بأنّه : " لا خير في العيش بعد هؤلاء " (2) يعني بني عقيل .
فلعلّ هذه الإجابة ـ على فرض صحّة صدورها من الإمام (عليه السلام) ـ هي التي
____________
1- مجمع الزوائد 9 / 195 .
2- مقتل الحسين لأبي مخنف : 78 .
|
الصفحة 220 |
|
أوهمت لدى السامعين ، أنّ السبب لمواصلة الإمام (عليه السلام) هو إصرار بني عقيل على المواصلة ، لكنّ السبب الحقيقيّ لخروج الإمام (عليه السلام) هو أمر الله بذلك .
( مؤيّد الشمّريّ . العراق . 26 سنة . بكالوريوس الهندسة الكهربائية )
أصحابه أفضل من أصحاب الإمام المنتظر :
السؤال : ندعو لكم بالتسديد الموفّق ، ونرجو الإجابة عن السؤال التالي :
أيّ الأصحاب أفضل : أصحاب الحسين (عليه السلام) ، أم أصحاب الإمام الحجّة (عليه السلام)؟ مع الدليل العقليّ فقط .
نسأل الله أن تشملنا وإيّاكم شفاعة محمّد وآل محمّد .
الجواب : لا يمكن لأحد أن ينكر فضل وشرف أصحاب الإمام المنتظر (عليه السلام) ، إلاّ أنّ أصحابه (عليه السلام) موعودون بالنصر ، مع أنّ أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) كانوا موعودين بالقتل والإبادة الشاملة ، وهذا المعنى يقتضي تقدّمهم على أصحاب الإمام المنتظر .
مضافاً إلى أنّه قد روي : أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قال ليلة العاشر من المحرّم في مدح أصحابه أمام العقيلة زينب : " والله لقد بلوتهم ، فما وجدت بينهم إلاّ الأشوس الأقعس ، يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أُمّه " .
وفي بعض الروايات : " إنّي لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرُّ من أهل بيتي " (1) ، فالروايتان من أهمّ الأدلّة على أفضلية أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) على أصحاب الإمام المنتظر (عليه السلام) .
____________
1- مقاتل الطالبيين : 74 .
|
الصفحة 221 |
|
( أُمّ نور . البحرين . 30 سنة . طالبة حوزة )
السؤال : ما هي الأسباب التي أدّت إلى التخلّي عن نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) ؟ ولكم جزيل الشكر .
الجواب : إنّ ما طلبت يحتاج إلى بحث موسّع كبير للإجابة عليه ، فهناك أسباب كثيرة ، تحتاج إلى شرح وشواهد ومؤيّدات وتحليلات ، ولكن يمكن أن نشير إلى عناوين بعض الأسباب فقط :
1ـ الوضع العام في مدينة الكوفة كان ذا ألوان مختلفة من الشيعة الحقيقيّين، وتوسّطاً بالخوارج ، إلى العثمانيين والأمويّين .
وليس صحيحاً ما غلب على الأسماع : أنّ الكوفة كانت كلّها من الشيعة ، فإنّ الموالين الحقيقيّين الذين يعرفون الإمام (عليه السلام) على حقيقته ، ووجوب طاعته كانوا نسبة قليلة منهم ، والنسبة الأكبر محبّين يفضّلونهم على الأمويّين وعلى عثمان مثلاً ، مع أنّهم يوالون أبا بكر وعمر ، فقد كانت هناك شريحة واسعة في الكوفة هي على عقائد العامّة ، قبل استيلاء معاوية على الحكم .
ثمّ هناك الناقمين على ظلم بني أُمية ، وإن لم يكونوا شيعة ، وأيضاً الخوارج ، فلم يخلص من هذه الفئات عندما جدّ الجدّ إلاّ القليل ، مع أنّ الكثير من تلك الفئات كتبت إلى الإمام الحسين (عليه السلام) تدعوه . فلم يكن الوعي الدينيّ عند الكوفيين في ذلك الوقت ، كما نعرفه اليوم عند الشيعة الإمامية ، بالنسبة لمكانة ومعرفة حقّ الإمام (عليه السلام) المفروض الطاعة ، وذلك نتيجة ما عمله الخلفاء قبل علي (عليه السلام) من تشويه لمبدأ الإمامة خاصّة ، ومبادئ الإسلام عامّة .
2ـ إنّ مواقع القوّة والنفوذ كانت بيد غير الشيعة الموالين للأئمّة (عليهم السلام) ، نتيجة لحكم معاوية الذي استمر عشرون سنة، وهذا طبيعي في الحكومات المستبدّة، فكان أصحاب المال والقادة ورؤساء العشائر وغيرهم يوالي أكثرهم الحكومة الأمويّة ، فإنّ مناصبهم وأطماعهم متعلّقة بالحكومة .
3ـ الإرهاب والقمع الشديد الذي مارسه ابن زياد ، فإنّه اتبع أسلوب الترغيب والترهيب ، فرغّب ضعفاء النفوس بزيادة العطاء ، واستمال رؤساء
|
الصفحة 222 |
|
العشائر بالمناصب والقيادة ، وبالمقابل قمع من كان صلباً في عقيدته ، فألقى عليهم القبض وزجّهم في السجون ، وكثير منهم لمّا خرجوا قاموا بحركة التوّابين ، المتمثّلة بسليمان بن صرد الخزاعي وأتباعه .
وأمّا رؤساء العشائر الموالين فقد غدر بمن غدر ، وسجن من سجن ، ونحن نعرف أنّ الذي يحرّك الناس نحو الهدف الصحيح ويجمعهم ، هم الرجال أصحاب المكانة والنفوذ ، فإذا غيّبوا انفرط عقد الناس ، خاصّة في مجتمع قبلي يكون ولاء الناس للقبيلة ورئيسها ، ويكونون معه في أيّ جهة كان ، فقد كانت ولاءات رؤساء العشائر مقسّمة بين الأمويّين والعلويّين ، فاستعان ابن زياد بمن والاه من رؤوس العشائر للقضاء على من خالفه ، فكلّ قبيلة فقدت رئيسها وذو الكلمة فيها ضعفت عن أخذ المبادرة ، وانفرط عقدها وتشتتت .
هذا مع ملاحظة ما كان يبثّه أعوان ابن زياد من التهديد والوعيد والإرهاب، والقبض على المخالفين ، وبثّ الجواسيس والعيون ، وجعل الأرصاد على مداخل الكوفة ، وتهديدهم بجيش الشام ، ففي مثل هذا الوضع يسقط ما في يد الرجل المستضعف المنفرد ، ولا يقوى على التحرّك والصمود إلاّ الأوحدي .
4ـ إنّ من لا يكون له حريجة في الدين يفعل أيّ شيء ، ويستعمل أيّ وسيلة للوصول إلى غايته ، ويأخذ الناس بالظنّ والتهمة ، ويأخذ الآخرين بجريرة غيرهم ، فينتشر الرعب بسرعة ، وتثبط عزيمة الناس ، وهذا دأب كلّ الطغاة .
أمّا أصحاب الدين والمبادئ فلا يمكنهم أن يستعملوا هذه الأساليب ، فيتوقّفون ويتأمّلون في كلّ حركة ؛ لمعرفة كونها موافقة للدين أو مخالفة ، ولذا يكون عملهم بصورة عامّة ، وأقلّ مبادرة من عمل الطغاة ، وغير الملتزمين بالدين ، فإنّك ترى في بعض الأحيان تدبير جيّد يمكن النجاح فيه ، ولكن لا
|
الصفحة 223 |
|
يفعله المؤمنين خوفاً من الله ، فيستغلّ المقابل هذا التوقّف لصالحه ، فمثلاً لم يقتل مسلمُ ابنَ زياد غدراً ، ولكن قتل ابنُ زياد هانئ غدراً .
وكذا لم يهدّد أو يقتل أصحاب مسلم عندما كانوا مسيطرين على الكوفة مخالفيهم ، حتّى إنّهم بقوا آمنين أحراراً يكيدون لمسلم ، بينما أخذ ابن زياد يقتل على الظنّ والتهمة ، ويهدّد بهدم الدور وقطع الأرزاق ، فإنّ مثل هذه الحالة تظهر الطغاة كأنّهم مسيطرين على البلد ولهم الكثرة ، وتجعل المؤمنين كأنّهم قلّة خائفين ، وهذه قاعدة عامّة في كلّ المجتمعات ، وفي كلّ الأوقات، وفي مثل هذه الحالات تتجلّى مواقف الرجال والمؤمنين ، وقوّة شخصيّتهم .
5ـ هناك حالة تصيب المجتمعات وتعتبر مرضاً عامّاً لكلّ الحركات الرسالية المبدأية ، وهي أنّه بعد فترة من ظهور الحركة ، سوف تضعف نفوس المعتنقين لمبادئ هذه الحركة ، ويلجؤون إلى الدعة والراحة ، وطلب الدنيا وملذّات الحياة، وهو ناتج عن طبيعة النفس البشرية المحبّة للشهوات والكارهة للتضحية .
وهذه الحالة المرضية يسمّيها الشهيد الصدر بمرض ضعف الإرادة وخورها ، أي أنّهم لا يملكون الإرادة للتحرّك والفعل العملي ، مع كونهم يرغبون بذلك في قلوبهم ، إذ إنّهم لازالوا مؤمنين بالمبادئ التي قامت عليها حركتهم ، ويعلمون أنّ الحقّ معها ، وأنّ التحرّك والثورة هو الطريق الصحيح ، ولكن يخافون التحرّك الفعليّ الواقعيّ ، فيكون هناك ازدواج في الشخصية عندهم ، من جهة كونهم لا زالوا يعرفون الحقّ ، ومن جهة ليس لهم إرادة فاعلة للتحرّك ، وأصابهم ما يشبه التخدير والخوف من التضحية ، والهرب من الموت ، والركون إلى الدنيا ، والتوكّل على الآخرين ، فقد فسدت نفوسهم وضمائرهم ، مع أنّ عقلهم لازال يميّز الحقّ .
هذه الحالة نجدها تنطبق على مجتمع الكوفة والمجتمع الإسلامي عامّة ، في عصر الإمام الحسين (عليه السلام) ، فقد أفسد معاوية طوال سنيّ حكمه ضمائر الناس ، أي
|
الصفحة 224 |
|
جانب الإرادة والفاعلية بما اتخذه من سياسات ، إذ تربّى الناس على أنّ الفوز بالمناصب والأموال يكون مع معاوية ، وأنّ الحرمان والقتل يكون مع مخالفيه ، وانقسموا قسمين : قسم باعوا ضمائرهم بالمال وحبّ الدنيا ، وآخرين ماتت ضمائرهم خوفاً من القتل والتضحية ، فاحتاجوا إلى حركة وتضحية كبرى تهزّ نفوسهم وضمائرهم وتوقظها من هذا السبات ، وتشفيها من هذا المرض الوبيل ، الذي أصاب الأُمّة ، فقام الإمام الحسين (عليه السلام) بهذه الحركة والتضحية .
هذا ما وسع المجال بذكره ، وهناك أسباب أُخرى ، ونعود ونقول : إنّ الأمر يحتاج إلى دراسة موضوعية .
( علي . البحرين . 29 سنة . بكالوريوس )