بأهل البيت جائز :
السؤال : لماذا نتوسّل بأهل البيت (عليهم السلام) ؟ مع الاستشهاد بالقرآن الكريم ، والأحاديث الشريفة للشيعة والسنّة ؟
الجواب : قد خلق الله سبحانه العالم التكوينيّ على أساس الأسباب والمسبّبات ، فلكلّ ظاهرة في الكون سبب عادي يؤثّر فيها بإذنه سبحانه ، فالماء مثلاً يؤثّر على الزرع بصريح هذه الآية : { وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ } (1) .
والباء في الآية بمعنى السببية ، والضمير يرجع إلى الماء ، وهذا ليس بمعنى تفويض النظام لهذه الظواهر المادّية ، والقول بتأصّلها في التأثير ، واستقلالها في العمل ، بل الكلّ متدلٍّ بوجوده سبحانه ، قائم به ، تابع لمشيئته وإرادته وأمره .
هذا هو الذي نفهمه من الكون ، ويفهمه كلّ من أمعن النظر فيه ، فكما أنّ الحياة الجسمانية قائمة على أساس الأسباب والوسائل ، فهكذا نزول فيضه المعنوي سبحانه إلى العباد تابع لنظام خاصّ كشف عنه الوحي ، فهدايته سبحانه تصل إلى الإنسان عن طريق ملائكته ، وأنبيائه ورسله وكتبه ، فالله
____________
1- البقرة : 32 .
|
الصفحة 202 |
|
سبحانه هو الهادي { وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ } (1) .
والقرآن أيضاً هو الهادي : { إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } (2) .
والنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) أيضاً هو الهادي ، ولكن في ظلّ إرادة الله سبحانه : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } (3) .
فهداية الله تعالى تصل إلى الإنسان عن طريق الأسباب والوسائل التي جعلها الله سبحانه طريقاً لها . وإلى هذا الأصل القويم يشير الإمام الصادق (عليه السلام) في كلامه ، فيقول : { أبى الله أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب ، فجعل لكلّ شيء سبباً ، وجعل لكلّ سبب شرحاً ... } (4) .
فعلى ضوء هذا الأساس ، فالعالم المعنوي يكون على غرار العالم المادّي ، فللأسباب سيادة وتأثير بإذنه سبحانه ، وقد شاء الله أن يكون لها دور في كلتي النشأتين ، فلا غرور لمن يطلب رضا الله أن يتمسّك بالوسيلة ، قال الله سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (5) . فالله سبحانه حثّنا للتقرّب إليه على التمسّك بالوسائل وابتغائها ، والآية دعوة عامّة لا تختصّ بسبب دون سبب ، بل تأمر بالتمسّك بكلّ وسيلة توجب التقرّب إليه سبحانه .
وعندئذ يجب علينا التتبّع في الكتاب والسنّة ، حتّى نقف على الوسائل المقرّبة إليه سبحانه ، وهذا ممّا لا يعلم إلاّ من جانب الوحي ، والتنصيص عليه في الشريعة ، ولولا ورود النصّ لكان تسمية شيء بأنّه سبب للتقرّب بدعة في الدين ، لأنّه من قبيل إدخال ما ليس من الدين في الدين .
____________
1- الأحزاب : 4 .
2- الإسراء : 6 .
3- الشورى : 52 .
4- الكافي 1 / 183 .
5- المائدة : 35 .
|
الصفحة 203 |
|
ونحن إذا رجعنا إلى الشريعة ، نقف على نوعين من الأسباب المقرّبة إلى الله سبحانه :
النوع الأوّل : الفرائض والنوافل التي ندب إليها الكتاب والسنّة ، ومنها : التقوى ، والجهاد الواردين في الآية ، وإليه يشير الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويقول: ( إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى ، الإيمان به وبرسوله ، والجهاد في سبيله ؛ فإنّه ذروة الإسلام ، وكلمة الإخلاص ؛ فإنّها الفطرة ، وإقامة الصلاة ؛ فإنّها الملّة ، وإيتاء الزكاة ؛ فإنّها فريضة واجبة ، وصوم شهر رمضان ؛ فإنّه جُنّة من العقاب ، وحجّ البيت واعتماره ؛ فإنّهما ينفيان الفقر ، ويرحضان الذنب ، وصلة الرحم ؛ فإنّها مثراة في المال ، ومنسأة في الأجل ، وصدقة السرّ ؛ فإنّها تكفّر الخطيئة ، وصدقة العلانية ؛ فإنّها تدفع ميتة السوء ، وصنائع المعروف ؛ فإنّها تقيّ مصارع الهوان ... ) (1) .
غير أنّ مصاديق هذا النمط من الوسيلة لا تنحصر في ما جاء في الآية ، أو في تلك الخطبة ، بل هي من أبرزها .
النوع الثاني : وسائل ورد ذكرها في الكتاب والسنّة الكريمة ، وحثّ عليها الرسول (صلى الله عليه وآله) ، وتوسّل بها الصحابة والتابعون ، وكلّها توجب التقرّب إلى الله سبحانه .
ومن تلك الوسائل المقرّبة هم أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) .
فقد ورد في بعض الروايات : أنّ المراد من الوسيلة في قوله تعالى : { وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ } هم أهل البيت (عليهم السلام) ، منها :
1ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( الأئمّة من ولد الحسين ، من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى ، وهم الوسيلة إلى الله
____________
1- شرح نهج البلاغة 7 / 221 .
|
الصفحة 204 |
|
تعالى ) (1) .
2 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى { وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ } : ( أنا وسيلته ) (2) .
3 ـ ورد في زيارة الجامعة الكبيرة المروية عن الإمام الهادي (عليه السلام) : ( مستشفع إلى الله تعالى بكم ، ومتقرّب بكم إليه ، ومقدّمكم أمام طلبتي وحوائجي ، وإرادتي في كلّ أحوالي وأُموري ... ) (3) .
4 ـ ورد في دعاء التوسّل عن الأئمّة (عليهم السلام) : ( يا سادتي ومواليَّ إنّي توجّهت بكم أئمّتي وعُدّتي ليوم فقري وحاجتي إلى الله ، وتوسّلت بكم إلى الله ، واستشفعت بكم إلى الله ... ) (4) .
5 ـ ورد في دعاء الندبة : ( وجعلتهم الذريعة إليك ، والوسيلة إلى رضوانك ... ) (5) .
هذا وكانت سيرة أصحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) يتوسّلون بدعائهم ، لأنّ التوسّل بدعاء الإمام ؛ لأجل أنّه دعاء روح طاهرة ، ونفس كريمة ، وشخصية مثالية ، كرّمها الله وعظّمها ، ورفع مقامها وذكرها ، وقال : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } (6) .
فهذا هو علي بن محمّد الحجّال ، كتب إلى الإمام الهادي (عليه السلام) ، وجاء في كتابه : وأصابتني علّة في رجلي ، لا أقدر على النهوض والقيام بما يجب ، فإن رأيت أن تدعو الله أن يكشف علّتي ، ويعينني على القيام بما يجب عليّ ،
____________
1- عيون أخبار الرضا 1 / 63 ، ينابيع المودّة 2 / 318 و 3 / 292 .
2- مناقب آل أبي طالب 2 / 273 .
3- عيون أخبار الرضا 1 / 308 .
4- بحار الأنوار 99 / 249 .
5- إقبال الأعمال 1 / 505 .
6- الأحزاب : 33 .
|
الصفحة 205 |
|
وأداء الأمانة في ذلك ... (1) .
وذكر ابن حجر في كتابه ( الصواعق المحرقة ) توسّل الإمام الشافعيّ بآل البيت (عليهم السلام) :
آل النبـــيّ ذريعتـــــي |
وهم إليـه وسيلتــي |
أرجو بهـم أعـطى غــداً |
بيدي اليمين صــحيفتي (2) |
وقال الشاعر الصاحب بن عبّاد في ذلك :
وإذا الرجال توسّلوا بوسيلة |
فوسيلتي حبّي لآل محمّد |
الله طهّرهم بفضل نبيّهم |
وأبان شيعتهم بطيب المولد (3) |
ثمّ من المتّفق عليه جواز التوسّل بدعاء الرجل الصالح ، وبحقّه وحرمته ومنزلته ، فكيف بمن هم سادة وقدوة الصلحاء ؟ ألا وهم أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) .
وتأييداً لما قلنا ، صرّح الزرقانيّ في شرح المواهب بجواز بل استحباب التوسّل بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) لزائره (4) وغيرهم .
____________
1- كشف الغمة 3 / 182 .
2- الصواعق المحرقة 2 / 524 .
3- مناقب آل أبي طالب 3 / 399 .
4- شرح المواهب اللدنية 8 / 317 .
|
الصفحة 206 |
|
( رؤوف . السعودية . 27 سنة . طالب )
الأئمّة هم الوسيلة إلى الله تعالى :
السؤال : قال الله تعالى : { وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } (1) ، وقال : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } (2) ، ونحن نتّجه للأئمّة ، أنا لا أشكّ في الأئمّة ، بل لم لا نعتمد على الله { حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } (3) ؟ لم اعتمادنا على الأئمّة أكثر من اعتمادنا على الله تعالى ؟
الجواب : إنّ الله تعالى قال : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } .
وهو يعني أنّ العبد لابدّ أن ينقطع إلى الله تعالى في طلب كلّ شيء ، لافتقاره لكلّ شيء ، فهو المحتاج إلى الله والفقير إليه ، والله تعالى الغني عن عباده .
إلاّ أنّ ذلك لا يمنع من أن نجعل الأئمّة (عليهم السلام) وسيلة إلى الله تعالى ، فكما أمرنا بدعائه ، فقد أمرنا بابتغاء الوسيلة إليه ، قال تعالى : { وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ } (4) ، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( الأئمّة من ولد الحسين ، من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى ، وهم الوسيلة إلى الله تعالى ) (5) .
وأعلم يا أخي : إنّ قلّة طاعتنا ، وكثرة ذنوبنا نحن العبيد ، كلّ ذلك يوجب حجب الدعاء عن الله تعالى ، والاستجابة لنا ، إلاّ أنّ توسّطهم (عليهم السلام) وشفاعتهم ، وقرب منزلتهم إلى الله تعالى ، يقتضي منه تعالى أن يستجيب دعاءنا كرامة لهم (عليهم السلام) .
كما إنّك لو سألت أحداً حاجة ـ وتعلم أنّ قضاءها يكون بتوسّط أحد مقرّبيه
____________
1- آل عمران : 122 .
2- غافر : 60 .
3- آل عمران : 173 .
4- المائدة : 35 .
5- عيون أخبار الرضا 1 / 63 ، ينابيع المودّة 2 / 318 و 3 / 292 .
|
الصفحة 207 |
|
ـ فإنّ العقل يدعوك إلى أن تسأل هذا المقرّب بحاجتك ، وأن يتوسّط بحقّه وبمنزلته في قضاء حاجتك . والأئمّة (عليهم السلام) لكرامتهم عند الله يستجيب لنا ، ويقضي حوائجنا ، بحقّهم عنده ، ولا ينافي ذلك في توكلّنا على الله تعالى بعد أن نقرّ بربوبيّته وقدرته ، ونعترف بعبوديتنا له تعالى ، فهل ينافي هذا التوكلّ على الله تعالى ، والانقطاع إليه في أُمورنا وحوائجنا ؟!
( علي . سنّي . ... )