المستضعفون منهم قد يدخلون الجنّة :
السؤال : هل يدخلون الجنّة أهل السنّة ?
الجواب : أهل السنّة يمكن أن يقسّموا إلى ثلاثة أقسام : قسم عرف الحقّ وأنكره ، وهؤلاء من الذين يذادون عن الحوض ، ولا يدخلون الجنّة ، وقسم لم يعرفوا الحقّ ولكنّهم كان بإمكانهم البحث ومعرفة الحقّ ، وهؤلاء يحاسبون على تقصيرهم في معرفة الحقّ ، وقسم يسمّون بالمستضعفين ، الذين لم يصل لهم الحقّ ، ولم يكن بإمكانهم وفق قدراتهم الوصول إلى الحقّ ، فأُولئك عسى الله أن يتوب عليهم ويدخلهم الجنّة برحمته .
|
الصفحة 457 |
|
( جعفر سلمان عبد الله . البحرين . 20 سنة . طالب جامعة )
كلّفوا بتكاليف أشدّ من تكاليفنا :
السؤال : هل الأُمم السابقة قد كلّفت بتكاليف شاقّة ؟ فإنّ ظاهر بعض الآيات والروايات ذلك ، كقوله : { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ... } (1) ، وفي الرواية : " رفع عن أُمّتي تسع : الخطأ ، والنسيان ، وما أُكرهوا عليه ، وما اضطرّوا إليه ... " (2) ، فنسب الرفع إلى أُمّة النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) .
الجواب : ورد في تفسير هذه الآية الشريفة ما يوضّح لكم المعنى الذي تقصده الآية .
ففي الاحتجاج : أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل قال : " { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } (3) ، قال الله عزّ وجلّ : لست أؤاخذ أُمّتك النسيان والخطأ لكرامتك عليّ ، وكانت الأُمم السالفة إذا نسوا ما ذكّروا به فتحت عليهم أبواب العذاب ، وقد رفعت ذلك عن أُمّتك ، وكانت الأُمم السالفة إذا أخطأوا أخذوا بالخطأ وعوقبوا عليه ، وقد رفعت ذلك عن أُمّتك لكرامتك عليّ .
فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : اللهم إذا أعطيتني ذلك فزدني ، فقال الله تبارك وتعالى له : سل، قال : { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ... } ، يعني بالإصر : الشدائد التي كانت على من قبلنا ، فأجابه الله إلى ذلك .
فقال تبارك اسمه : قد رفعت عن أُمّتك الآصار التي كانت على الأُمم السالفة ؛ كنت لا أقبل صلواتهم إلاّ في بقاع معلومة من الأرض ، أخترها لهم
____________
1- البقرة : 286 .
2- تحف العقول : 50 .
3- البقرة : 286 .
|
الصفحة 458 |
|
وإن بعدت ، وقد جعلت الأرض كلّها لأُمّتك مسجداً وطهوراً ؛ فهذه من الآصار التي كانت على الأُمم قبلك فرفعتها عن أُمّتك ... ، وكانت الأُمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس ، فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه ناراً فأكلته ، فرجع مسروراً ، ومن لم أقبل ذلك منه رجع مثبوراً ، وقد جعلت قربان أُمّتك في بطون فقرائها ومساكينها ، فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافاً مضاعفة ، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا .
وقد رفعت ذلك عن أُمّتك وهي من الآصار التي كانت على الأُمم من كان من قبلك ، وكانت الأُمم السالفة صلواتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار ، وهي من الشدائد التي كانت عليهم ... ، وكانت الأُمم السالفة حسنتهم بحسنة وسيئتهم بسيئة ، وهي من الآصار التي كانت عليهم ، فرفعتنا عن أُمّتك ، وجعلت الحسنة بعشر والسيئة بواحدة ، وكانت الأُمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة فلم يعملها لم تكتب له ، وإن عملها كتبت له حسنة ، وإنّ أُمّتك إذا همّ أحدهم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، وإن عملها كتبت له عشراً ، وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أُمّتك ... " (1) .
بيّنت هذه الرواية معنى الآصار والمشقّة التي كانت على الدوام على الأُمم السالفة ، ومن الواضح : أنّ الله تعالى لا يكلّف عباده فوق طاقتهم ؛ لأنّ ذلك قبيح عقلاً وشرعاً ، والله تعالى منزّه عن ذلك ، لكنّه تعالى عندما سنّ سنناً ، وجعل أُمماً وشرّع أحكاماً له فهذه الأحكام والقوانين تختلف من أُمّة إلى أُمّة ، تبعاً لطبيعة تلك الأُمّة ولزمنها ، وللمصالح التي تقتضي السير عليها ، فالله تعالى بيّن كما في هذه الرواية وفي آياته ، أنّه كلّف الأُمم السالفة ببعض التكاليف التي فيها مشقّة ، لكن لا يخرجها ذلك عن كونها مقدورة للمكلّفين .
فمثلاً تكليفه بعض الأُمم السالفة بأن تكون صلاتهم في مكان مخصوص
____________
1- الاحتجاج 1 / 329 .
|
الصفحة 459 |
|
ليس فيه تعجيز ، وأنّهم يعجزون عن ذلك وخارج عن قدرتهم ، بل هو مقدور لهم ، لكن فيه نوع تضييق وتكليف قياسياً لمن يحقّ له الصلاة في كلّ مكان ، كأُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله)، فإنّ من يجوز له الصلاة في كلّ مكان ـ قياساً لمن لا يحقّ له الصلاة إلاّ في مكان مخصوص ـ موسع عليه ، خلافاً لذلك الذي لا يحقّ له الصلاة في كلّ مكان ، فإنّ هذا مضيق عليه بالنسبة لذلك الشخص .
وأمّا التكليف بالصلاة في مكان مخصوص في حدّ نفسه فهو مقدور للمكلّف ، ويستطيع أن يأتي به ، وهكذا بقية الأُمور التي ذكرتها الرواية تفسيراً للآية ؛ كجعل الحسنة مقابل الحسنة في الأُمم السالفة ، وجعلها مقابل العشر في هذه الأُمّة ، والهمّ بالحسنة يعدّ حسنة ، وغير ذلك من الأُمور .
وكذلك الرواية فسّرت معنى النسيان والخطأ ، فمن نسى ما ذكّر به من عذاب الله وعقابه إذ عصاه يقع عليه الوعيد عند نسيان الله تعالى ، ونسيان ربوبيته المقتضية لطاعته ، فإذا نسى حلّ الوعيد الإلهيّ عليه .
وكذلك تفسير الأُمور المرفوعة بحديث الرفع كان يفسّر رفع النسيان والخطأ ، أي رفع آثار النسيان والخطأ ، فلا يجب الإعادة أو القضاء إذا نسي التكاليف ، بينما الأُمم السالفة يجب عليها ذلك عند نسيان التكاليف .
وتفسير الإكراه بأن يجوز للمُكره إبداء خلاف ما يعتقد في هذه الأُمّة ، وفي الأُمم السالفة لا يجوز ، وتفسير الاضطرار بذلك أيضاً ، بأن لا يجوز للمضطرّ في الأُمم السالفة ارتكاب المحظور لأجل الاضطرار ، بل عليه أن يتحمّل الاضطرار ، وفي هذه الأُمّة يجوز .
والخلاصة من البحث : إنّ التكليف إذا كان يعجز عنه المكلّف فلا يكلّف الله به أُمّة من الأُمم ، هذه الأُمّة وغيرها ، لأنّ ذلك قبيح عقلاً وشرعاً ، والله منزّه عن ذلك .
وأمّا تفاوت التكاليف ، وأنّ أُمّة من الأُمم تكلّف بما هو أشدّ من أُمّة أُخرى ، مع انخفاض القدرة وأنّ التكليف مقدور ، فلا يمنع العقل من ذلك ، وأيضاً
|
الصفحة 460 |
|
الشرع لا يمنعه إذا كان هناك مصلحة يعلمها المشرّع ومطلع عليها ، بل إنّ ذلك واقع كما تقول الرواية .
ولا ننسى الفرق بين الشيء الممتنع وبين الشيء المقدور لكن فيه كلفة ويحتاج إلى جهد ، فإنّ الآية لا تقصد الأوّل كما أوضحته الرواية ، وكما يحكم به العقل ، وأمّا الثاني فإنّ العقل لا يمنع منه والشرع ، بل هو واقع كما ذكرت الآية .
( عبد الله . البحرين . سنّي . 20 سنة . طالب جامعة )
السؤال : أنا من أهل السنّة ، ولدي سؤال أرجو منكم الإجابة عليه :
اعلم أنّكم لا تحلّلون طعام أهل الكتاب ، وتعتبرونه محرّم ، وتقولون : إنّ المراد بقوله تعالى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ } (1) ، هو ليس الذبيحة ، وإنّما طعام آخر ، فما هو هذا الطعام ؟ وما هو دليلكم على أنّ المقصود بقوله تعالى ليس هو الذبيحة ؟ أرجو منكم الإجابة بالتفصيل .
الجواب : ذهب فقهاء الشيعة إلى حرمة ذبيحة أهل الكتاب ، ودليلهم على ذلك هو الروايات المتواترة ، الدالّة على حرمة ذبيحة أهل الكتاب ، وروايات مفسّرة لآية المائدة ، الآية الخامسة تفسّرها : بأنّ المراد بها الحبوب والألبان وما شابه ذلك ، فإذا رجعت إلى مصادر الشيعة الحديثية وجدت فيها الروايات الكثيرة المتواترة ، المصرّحة بحرمة ذبيحة أهل الكتاب (2) .
وهناك مصادر أُخرى أيضاً وردت فيها روايات تحرّم ذبيحة أهل الكتاب ، وتفسّر الآية التي ذكرتها من سورة المائدة بالحبوب والألبان ، وما على شاكلتها ، وتنفي أن يكون المراد بها الذبيحة ، وهنا نذكر بعض الروايات :
الرواية الأُولى : روى الكليني (قدس سره) بسندٍ صحيح عن قتيبة الأعشى قال : سأل
____________
1- المائدة : 5 .
2- أُنظر : الكافي 6 / 238 ، تهذيب الأحكام 9 / 63 ، وسائل الشيعة 24 / 52 ، الاستبصار 4 / 83 ، مستدرك الوسائل 16 / 148 .
|
الصفحة 461 |
|
رجل أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده ، فقال له : الغنم يرسل فيها اليهودي والنصراني ، فتعرض فيها العارضة فيذبح ، أتأكل ذبيحته ؟
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : " لا تدخل ثمنها مالك ، ولا تأكلها ، فإنّما هو الاسم ، ولا يؤمن عليه إلاّ مسلم " .
فقال له الرجل : قال الله تعالى : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } (1) ؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : " كان أبي يقول إنّما هي الحبوب وأشباهها " (2) .
الرواية الثانية : عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ } (3)، فقال (عليه السلام): " العدس والحمص وغير ذلك " (4) .
الرواية الثالثة : صحيحة الحسين الأحمسيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قال له رجل : أصلحك الله ، إنّ لنا جاراً قصّاباً ، فيجيء بيهودي فيذبح له حتّى يشتري منه اليهود ؟ فقال (عليه السلام): " لا تأكل من ذبيحته ، ولا تشترِ منه " (5) .
إلى غير ذلك من الروايات ، التي بعضها يفسّر آية المائدة ، بأنّ المراد منها الحبوب والعدس والحمص ، بحيث لا يراد منه الذبيحة ، وبعضها ينهى عن أكل ذبيحة الكتابيّ ، ويحكم بعدم حلّيتها ، فلأجل ذلك ذهب جمهور فقهاء الشيعة إلى تحريم ذبيحة أهل الكتاب .
وأيضاً نقول : إنّ لفظ الطعام الوارد في الآية { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ ... } (6) وإن كان بحسب أصل اللغة يشمل كل ما يأكله الإنسان ويتقوّى به ، لكن هناك بعض اللغويّين ذكر : أنّ المراد بالطعام البر وسائر الحبوب .
ففي لسان العرب تحت مادة " طعم " قال : " وأهل الحجاز إذا أطلقوا اللفظ بالطعام عنوا به البرّ خاصّة " (7) .
وذكر عن الخليل أنّه قال : العالي في كلام العرب أنّ الطعام هو البرّ
____________
1- المائدة : 5 .
2- الكافي 6 / 240 .
3- المائدة : 5 .
4- تهذيب الأحكام 9 / 88 .
5- الكافي 6 / 240 .
6- المائدة : 5 .
7- لسان العرب 12 / 364 .
|
الصفحة 462 |
|
خاصّة .
وكلام ابن الأثير في النهاية يشير إلى ذلك أيضاً .
وعلى هذا ، فترتفع الغرابة في الذهاب إلى تحريم ذبيحة الكتابيّ ، وحمل الآية على غير الذبائح ، لأنّ الطعام في اللغة يكون موضوع للحبوب والبرّ .
وإذا لم تقبل بذلك ، وقلت : بأنّ الطعام لغة وهو كلّ ما يتقوّى به الإنسان ، فيشمل الذبيحة ، فنقول : دليلنا على حرمة ذبيحة الكتابي هو الروايات المفسّرة للآية الكريمة .
وقال الله تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } (1) .
فهذه الآية الكريمة تحرّم ما لم يذكر اسم الله عليه ، وتعبّر عنه بأنّه فسق ، وإذا رجعنا إلى آية الثلاثة من سورة المائدة ، وآية " 3 و 121 و 145 " من سورة الأنعام ، وسورة النحل والبقرة أيضاً نجد أنّ القرآن يعبّر عما لم يذكر اسم الله عليه بالرجس تارة ، وبالفسق أُخرى ، وبالإثم ثالثة ، فإذا كان هذا وصف ما لم يذكر اسم الله عليه ، فلا يمكن أن يكون حلالاً ومشمولاً لقوله تعالى : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } ، إذ الرجس والفسق والإثم لا يكون بأيّ حالٍ من الأحوال طيّباً ، فعليه لابدّ من حمل الآية على ما ذكرته الروايات ، من أنّ المراد بها الحبوب والعدس والألبان وما شاكلها ، لا ما يشمل الذبائح .
وهناك نكتة في الآية تساعدنا على أنّ المراد بحلّية طعام أهل الكتاب لنا ليست حلّية تكليفية ، وهي قوله تعالى : { وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ } ، فإنّ من الجليّ لكلّ أحد أنّ الكتابيّ يأكل كلّ شيء ، ولا يحرّم طعام أي إنسان ، فما معنى أن يخاطبه الله بأنّ طعام المسلمين حلّ لكم ، لأنّ الكتابي لا يعرف الحرمة ولا الحلّيّة ، ولا يرى التكليف وغير ذلك ، فما معنى هذا الخطاب من الله تعالى لأهل الكتاب ، الذين لا يرون ذلك ؟
____________
1- الأنعام : 121 .
|
الصفحة 463 |
|
فنقول : هذا قرينة على أنّ الحلّيّة التي خاطب بها الله أهل الكتاب ليست حلّية تكليفية ، وإنّما الآية ناظرة إلى قضية ، وهي : أنّ المسلمين بعد أن بدأت تكاليف الشريعة الإسلامية استشكلوا في طعام أهل الكتاب ، لأنّهم على خلاف عقيدتهم ، وأصبحوا في شكّ من التعامل معهم ، وتناول ما بأيديهم ، فلذلك نزلت هذه الآية المباركة لتبيّن أنّ طعامهم حلال ، وإنّ تناوله غير مضرّ ، ولذلك أردفه بقوله : { وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ } .
( نور . البحرين . ... )