العلم والتجارب:
قال ( ع ) : " دراسة العلم لقاح المعرفة ، وطول التجارب زيادة في العقل ، والشرف والتقوى والقنوع راحة الابدان ، ومن حبك نهاك ، ومن أبغضك أغراك . . . " ( 2 ).
حقيقة الصدقة:
وتصدق رجل من بني امية بأموال كثيرة ، ولم تكن تلك الاموال من حلال ، وإنما كانت من حرام ، فقال الامام ( ع ):
" مثله مثل الذي سرق الحاج ، وتصدق بما سرق ، إنما الصدقة
( 1 ) البحار.
( 2 ) البحار . ( * )
[161]
صدقة من عرق فيها جبينه ، وأغبر فيها وجهه . . " ( 1 )
الوعظ والارشاد:
وعنى الامام ( ع ) بوعظ الناس وارشادهم كما عنى أبوه من قبله ، مستهدفين من ذلك تنمية القوى الخيرة في النفوس ، وتوجيه الناس نحو الحق والخير وإبعادهم عن نزعات الشر من الاعتداء والغرور والطيش وغير ذلك ، ونعرض فيما يلي لبعض ما أثر عنه:
1 - قال ( ع ) : " أوصيكم بتقوى الله ، وأحذركم أيامه ، وأرفع لكم أعلامه ، فكأن المخوف قد أقل بمهول وروده ، ونكير حلوله ، وبشع مذاقه ، فاغتلق مهجكم ، وحال بين العمل وبينكم ، فبادروا بصحة الاجسام ومدة الاعمار ، كأنكم نبعات طوارقه فتنقلكم من ظهر الارض إلى بطنها ، ومن علوها إلى سفلها ، ومن أنسها إلى وحشتها ، ومن روحها وضوئها إلى ظلمتها ، ومن سعتها إلى ضيقها حيث لا يزار حميم ، ولا يعاد سقيم ، ولا يجاب صريخ ، أعاننا الله وإياكم على أهوال ذلك اليوم ، ونجانا وإياكم من عقابه وأوجب لنا ولكم الجزيل من ثوابه.
عباد الله : فلو كان ذلك قصر مرماكم ، ومدى مضعنكم ، كان حسب العامل شغلا يستفرغ عليه أحزانه ، ويذهله عن دنياه ، ويكثر نصبه لطلب الخلاص منه ، فكيف وهو بعد ذلك مرتهن باكتسابه مستوقف على حسابه ، لا وزير له يمنعه ، ولا ظهير عنه يدفعه ويومئذ " لا ينفع نفسا
( 1 ) دعائم الاسلام 1 / 292 . ( * )
[162]
إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانهم خيرا قل انتظروا إنا منتظرون " ( 1 ).
أوصيكم بتقوى الله فان الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلى ما يحب ، ويرزقه من حيث لا يحتسب ، فإياك أن تكون ممن يخاف على العباد بذنوبهم ، ويأمن العقوبة من ذنبه ، فان الله تبارك وتعالى لا يخدع عن جنته ، ولا ينال ما عنده إلا بطاعته إن شاء الله ( 2 ).
وحفل هذا الكلام بما يقرب الناس إلى الله ، وبما يبعدهم عن معاصيه ويجنبهم عن دواعي الهوى ونزعات الشرور.
2 - كتب إليه رجل يطلب منه أن يعظه بحرفين أي يوجز القول فكتب ( ع ) له : " من حاول أمرا بمعصية الله تعالى كان أفوت لما يرجو وأسرع لمجئ ما يحذر . . . " ( 3 ).
3 - قال ( ع ) : " عباد الله اتقوا الله ، وكونوا من الدنيا على حذر فإن الدنيا لو بقيت لاحد أو بقي عليها أحد لكانت الانبياء أحق بالبقاء ، وأولى بالرضاء ، وأرضى بالقضاء ، غير أن الله خلق الدنيا للبلاء وخلق أهلها للفناء ، فجديدها بال ، ونعيمها مضمحل ، وسرورها مكفهر والمنزلة بلغة ، والدار قلعة فتزودوا فإن خير الزاد التقوى . . . " ( 4 ).
4 - كتب إليه رجل يسأله عن خير الدنيا والآخرة فأجابه ( ع ):
" أما بعد : فإن من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور
( 1 ) سورة الانعام : آية 158.
( 2 ) الانوار البهية ( ص 45 ).
( 3 ) أصول الكافي 2 / 273.
( 4 ) تاريخ ابن عساكر 4 / 333 . ( * )
[163]
الناس ، ومن طلب رضا الناس بسخط الله ، وكله الله إلى الناس والسلام " ( 1 ).
5 - قال ( ع ) : " إن جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الارض ومغاربها ، بحرها وبرها ، سهلها وجبلها عند ولي من أولياء الله وأهل المعرفة بحق الله كفئ الظلال . . . " ( 2 ).
وأضاف يقول:
" ألا حر يدع هذه اللماظة - يعني الدنيا - لاهلها ، ليس لانفسكم ثم إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها ، فانه من رضى الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس . . . ".
6 - قال له رجل : كيف أصبحت يابن رسول الله ( ص ) ؟ فقال عليه السلام : " أصبحت ولي رب فوقي ، والنار أمامي ، والموت يطلبني والحساب محدق بي ، وأنا مرتهن بعملي ، لا أجد ما أحب ، ولا أدفع ما اكره ، والامور بيد غيري ، فان شاء عذبني ، وإن شاء عفا عني ، فأي فقير أفقر مني ؟ " ( 3 ).
7 - قال ( ع ) : يابن آدم تفكر ، وقل : أين ملوك الدنيا وأربابها الذين عمروا خرابها واحتفروا أنهارها ، وغرسوا أشجارها ، ومدنوا مدائنها ، فارقوها وهم كارهون ، وورثها قوم آخرون ، ونحن بهم عما قليل لاحقون.
يابن آدم اذكر مصرعك ، وفي قبرك مضجعك بين يدي الله ، تشهد جوارحك عليك يوم تزول فيه الاقدام ، وتبلغ القلوب الحناجر ، وتبيض وجوه ، وتبدو السرائر ، ويوضع الميزان القسط.
( 1 ) مجالس الصدوق ( ص 121 ).
( 2 ) البحار.
( 3 ) البحار . ( * )
[164]
يابن آدم اذكر مصارع آبائك ، وأبنائك ، كيف كانوا ، وحيث حلوا ، وكأنك عن قليل قد حللت محلهم ، وصرت عبرة المعتبرة . . . ثم أنشد هذه الابيات:
أين الملوك التي عن حفظها غفلت *** حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
تلك المدائن في الآفاق خالية *** عادت خرابا وذاق الموت بانيها
أموالنا لذوي الوارث نجمعها *** ودورنا لخراب الدهر نبنيها (1)
هذه بعض ما أثر عنه من المواعظ الهادفة إلى صلاح النفوس وتهذيبها وأبعادها عن نزعات الهوى والشرور.
من خطبه:
وللامام ( ع ) مجموعة كبيرة من الخطب الرائعة التي تجسدت فيها صلابة الحق ، وقوة العزم ، وروعة التصميم على الجهاد في سبيل الله ، وقد ألقاها الامام في وقت كان الجو ملبدا بالمشاكل السياسية ، وقد شجب فيها سياسة الحكم الاموي ودعا المسلمين إلى الانتفاضة عليه ، وسنذكر جملة منها في مواضعها الخاصة ، ونذكر هنا خطبة واحدة منها:
صعد ( ع ) المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على النبي ( ص ) فسمع رجلا يقول : من هذا الذي يخطب ؟ فأجابه ( ع ):
" نحن حزب الله الغالبون ، وعترة رسول الله ( ص ) الاقربون ، وأهل بيته الطيبون وأحد الثقلين اللذين جعلنا رسول الله ( ص ) ثاني كتاب الله تبارك وتعالى ، الذي فيه تفصيل كل شئ لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه ، والمعول علينا في تفسيره ، ولا يبطئنا تأويله ،
( 1 ) الارشاد للديلمي . ( * )
[165]
بل نتبع حقائقه ، فأطيعونا فان طاعتنا مفروضة إذا كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة ، قال الله عزوجل : " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول " وقال : " ولو ردوه إلى الرسول وأولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ، ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا " واحذركم الاصغاء إلى هتاف الشيطان بكم فإنه لكم عدو مبين ، فتكونوا كاوليائه الذين قال لهم : " لا غالب لكم اليوم من الناس وأني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال : " إني برئ منكم " فتقلون للسيوف ضربا ، وللرماح وردا ، وللعمد حطما ، وللسهام غرضا ، ثم لا يقبل من نفس إيمانهم لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا . . . " ( 1 ).
وحفل هذا الخطاب بالدعوة إلى التمسك بعترة رسول الله ( ص ) ولزوم طاعتهم والانقياد لهم ، وحذرهم من الدعايات المضللة التي ثبتها أجهزة الاعلام الاموي الداعية إلى إبعاد الناس عن أهل البيت ( ع ) الذين هم مصدر الوعي والنور في الارض.
أدعيته:
وحفلت الادعية التي أثرت عن الحسين ( ع ) بالدروس التربوية الهادفة إلى بناء صروح العقيدة والايمان بالله ، وتنمية الخوف والرهبة من الله في أعماق نفوس الناس لتصدهم عن الاعتداء وتمنعهم عن الظلم والطغيان ، وقدكان اهتمام أهل البيت ( ع ) بهذه الجهة اهتماما بالغا . . . ولم يؤثر عن أحد من أئمة المسلمين وخيارهم من الادعية مثل ما أثر عنهم ، وأنها
( 1 ) البحار 9 / 247 . ( * )
[166]
لتعد من أروع الثروات الفكرية ، والادبية في الاسلام ، فقد حوت أصول الاخلاق ، وقواعد السلوك والآداب ، كما ألمت بفلسفة التوحيد ومعالم السياسة العادلة ، وغير ذلك ، ونلمع لبعض أدعيته ( ع ):
1 - دعاؤه من وقاية الاعداء:
كان ( ع ) يدعو بهذا الدعاء يستجير بالله من شرور أعدائه ، وهذا نصه : " اللهم يا عدتي عند شدتي ، ويا غوثي عند كربتي إحرسني بعينك التي لا تنام ، واكنفني بركنك الذي لا يرام ، وارحمني بقدرتك علي ، فلا أهلك وأنت رجائي ، اللهم انك أكبر وأجل وأقدر مما أخاف وأحذر ، اللهم بك أدرأ في نحره ، واستعيذ من شره ، انك على كل شئ قدير . . . ".
ودعا بهذا الدعاء الشريف الامام الصادق ( ع ) حينما أمر الطاغية المنصور باحضاره مخفورا لينكل به ، فانقذه الله من شره ، وفرج عنه فسئل عن سبب ذلك ، فقال إنه دعا بدعاء جده الحسين ( ع ) ( 1 ).