أنتجت النهضة الحسينية حالة من الوعي والاستفاقة من سياسة التخدير ، التي كان يمارسها الأمويون تجاه الأمة ، من خلال القصّاصين وغيرهم من هيئة الإعلام والتطبيل الأموي .
فقد أيقظت هذه النهضة المشاعر ، وهيّأت النفوس ؛ لكي تعترض على هذا الحكم الذي استمر لمدّة تقارب العشرين عاماً .
وقد كان من آثار تلك الثورة المقدّسة [ ما يلي : ]
[ أولاً : ] ما هو عاجل ، كاعتراض عبد الله بن عفيف الأزدي (رضوان الله عليه) ، الذي ما أن سمع عبيد الله بن زياد يشتم أمير المؤمنين (عليه السلام) والحسين حتى نهض في وجهه ، وقال : إنّ الكذّاب أنت وأبوك ، ومَنْ ولاّك وأبوه ! تقتلون أولاد النبيين ، وتجلسون على منابر المسلمين !
فصاح ابن زياد : ايتوني به ، فقامت عشيرته بعد أن نادى بشعارهم : يا مبرور . وأنقذوه وأوصلوه إلى منزله .
وما أن استقرّ به المقام هناك حتى جاءت قوّة عسكرية للقبض عليه ، ومع إنّه كان كفيف البصر إلاّ إنّه استطاع المقاومة بمعونة ابنته التي كانت تسدّده بكلامها أن يضرب يميناً أو شمالاً ، إلى أن قُبض عليه ، وجيء به إلى ابن زياد ، الذي تهكّمه وبدأ بتوبيخه .
فكان جواب ابن عفيف أشدّ عليه من عمله ، فقال : اعلم يابن مرجانة إنّي كنت أتمنى الشهادة على يد شرّ خلق الله قبل أن تولد ، فلمّا كفّ بصري ( وقد كف بصره في بعض معارك أمير المؤمنين عليه السلام ) يئست من الشهادة ، والحمد لله الذي سيجعل شهادتي على يد شرّ خلقه ، فأمر به فقُتل (رحمه الله) .
[ ثانياً : ] ما احتاج إلى فترة من الزمان حتى يتبلور ردّ فعله ، فقد اجتمع عدد من خلّص أصحاب أهل البيت (عليهم السلام) ، وبعضهم كان مسجوناً أيّام ثورة الحسين (عليه السلام) .
وكان ممّن اجتمع سليمان بن صرد الخزاعي ، والمسيّب بن نجية الفزاري ، وعبد الله بن والٍ التميمي ، وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي ، وغيرهم ، وتداولوا بغضب ما حصل للحسين وذريته ، وبندم كيف فاتهم نصرة الحسين (عليه السلام) ، وقرّروا أن يطلبوا بثأر الحسين ؛ فإمّا أن يقتلوا قتلته ، وإمّا أن يُقتلوا ، واتّفقوا على جمع الأنصار والسلاح إلى حين يخرجوا بعد أربع سنوات .
وفي سنة 65 هـ نادى المنادي في أزقة الكوفة أن ( يا لثارات الحسين ) ، والتحق بهم مَنْ كتبت له السعادة ، فذهبوا إلى كربلاء وزاروا قبر الحسين (عليه السلام) ، وبكوا هناك ما طاب لهم البكاء ، ثم اتّجهوا جهة الشام لمقاتلة عسكر بني أمية ، والتقوا معهم في منطقة عين الوردة ، فكانت معركة بطولية في أعلى درجات الفداء والتضحية من قبل التوابين ، واستمرت نهاراً كاملاً ، قُتل فيها قادة التوابين وجمع كبير منهم ( وهو ما كانوا يسعون إليه ) ، وحجز الليل بين الجيشين ، وانسحب القليل الباقي على قيد الحياة من المعركة إلى الكوفة ؛ ليعاودوا الكرّة فيما بعد .
[ ثالثاً : ] كما كان من الآثار تلك : ثورة المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، الذي تعرّض اسمه إلى التشويه من قبل الأمويّين والزبيريّين على حدّ سواء ، واجتمع العدوّان اللدودان على أمر تلطيخ سمعته بالتراب ؛ فتارة يقول مؤرخو الفريقين إنّه ادّعى الربوبية ، وأخرى إنّه ادّعى النبوّة ، وثالثة إنّه ادّعى الإمامة ، إلى غير ذلك .
وسرّ ذلك : إنّه انتصر على الفريقين وهزمهم ، وأخرجهم من الكوفة ، فكان طبيعيّاً أن لا يمدحوه .
وبالفعل فقد استطاع المختار تجميع مَنْ رجع من التوابين ، إضافة إلى أنصاره من أهل الكوفة ، واستطاع من خلال عدّة أعمال عسكرية أن يسيطر عليها ، وأن يطرد منها عامل عبد الله بن الزبير .
وما أن تمّ له ذلك حتى وجد ( ثارات الحسين ) في الكوفة ، حيث إن قتلته كانوا ساكنين الكوفة فبدأ بهم .
ويقول بعض المؤرخين إنّه استطاع أن يقتصّ من 280 شخصاً من المجرمين والقتلة . فقتل حكيم بن طفيل ، وزيد بن رقاد ( اللذين اشتركا في قتل العباس بن علي ) ، وقتل خولى بن يزيد الأصبحي ، وقتل حرملة بن كاهل ، وغيرهم .
كما وجّه إبراهيم الأشتر لقتال عبيد الله بن زياد ، الذي خرج مستعدّاً على رأس جيش كثيف فالتقيا قرب النهر ، وكانت الدائرة على الأمويّين فانهزموا شرّ هزيمة ، بعد ما قُتل عدد كبير منهم ، وفي تلك المعركة قُتل عبيد الله بن زياد .
ولقد أفرح المختار قلوب أهل البيت بأخذه بثأر الحسين (عليه السلام) .