عربي
Thursday 26th of December 2024
0
نفر 0

إشراقات حسينية في الثورة المهدوية-2

الثاني: نتائج بعيـدة المدى

فلسفة الثورة الحسينية : هي إيجاد أرضية خصبة ؛ لتمكين الإسلام المحمَّدي الأصيل على جميع بقاع الأرض في ظل الحكومة الإلهيَّة ، التي سوف يؤسِّسها ولي العصر وصاحب الأمر ، الحجَّة بن الحسن المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) .

ومن ثمَّ استقامة دين الله ، وتحقق مصداقية خلق الإنسان ، بل السماوات والأرض ، وإظهار الحكمة الإلهيَّة ، والفلسفة الربّانية من خلق الكون ، وتجسيد هدف بعث الأنبياء جميعاً ، وذلك بظهور المهدي المنتظر (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) ، وحينئذٍ يكون هناك تناسب بين إراقة تلك الدماء الطاهرة وهذه الغاية المنشودة ؛ حيث إنَّها الغاية من الدين ، والمغزى من بعثة جميع الأنبياء والمرسلين ، والسرّ في نبوَّة خاتم النبيّين .

فالحجَّة بن الحسن المهدي (روحي له الفداء) هو وارثهم جميعاً ، وبه يملأ الله الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً ، حتَّى لا تكون فتنة ، ويكون الدين كلّه لله .

وإثبات هذه الحقيقة يحتاج إلى شرحٍ وافٍ ، واستقراء تامّ للآيات والأحاديث ، والزيارات والأدعية الشريفة .

وقبل الشروع في ذلك لابد من ذكر مقدّمتين :

الأولى : التشيع رؤية شاملة

إنّ التشيّع الذي يمثّل الإسلام المحمدي الأصيل ، هو مدرسة متكاملة ، وفي نفس الوقت فإنّ مفرداته مترابطة تماماً غير قابلة للانفكاك .

فعقيدة التشيّع لا تنفك عن أخلاقياته ، كما إنَّهما لا ينفكان عن تأريخه ومواقف أئمّته (عليهم السلام) .

فمَنْ أراد أن يعرف تاريخ أئمّة الشيعة (عليهم السلام) ، ومواقفهم في قبال الظلمة المعاصرين لهم ، ينبغي له أن يدرس الفكر الشيعي بدقَّة أولاً ، وعلى ضوء ذلك يعمد إلى تاريخ الشيعة فيتجوّل حيث شاء .

وأمّا لو وضع الباحث يده على مفردة من المفردات الشيعيَّة ، وركَّز على زاوية واحدة فحسب ، من غير أن يلاحظ سائر الزوايا المرتبطة بها ، فمن الطبيعي أن ينحرف عن المسار الصحيح .

وهذا الانحراف سوف يؤدِّي به إلى السقوط في أخطاء كبيرة أخرى ، لا يمكن التخلُّص منها فيما بعد ، وشأنه شأن مَنْ يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض .

ومن الواضح أنَّ مثل هذا الإنسان سوف ينحرف عن المسير الصحيح ، وسوف يقع في ظلمات لا خلاص له منها .

الثانية: المهدي (عليه السلام) والعدل الحقيقي

ثمّ لا يخفى على كل مَنْ يدرس فكر الشيعة ـ ولو إجمالاً ـ أنّ الاعتقاد بالمهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من أهم وأبرز معتقداتهم ، وأنّ دولته المباركة هي العلّة الغائية ، والنتيجة الأخيرة التي يتوقّعها كلّ مَنْ يوالي أهل البيت (عليهم السلام) .

( اللّهمّ إنّا نرغب إليك في دولة كريمة ، تعزّ بها الإسلام وأهله ، وتذلّ بها النفاق وأهله ، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك ، والقادة إلى سبيلك ، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة ) .

ومن الطبيعي إنّ الباحث لو نسي تلك النتيجة ، أو تغافل عنها ، سوف يؤدِّي ذلك إلى انحرافه الفكري ، وخروجه عن الصراط المستقيم .

 

دولة العدل

ثمَّ إنَّ الإمام الحجَّة بن الحسن (عليه السلام) سوف يؤسِّس دولة يطبَّق فيها حقيقة الدين ، وباطن شريعة سيّد المرسلين ؛ حيث لا عدل حقيقي إلا بذلك .

وهذا ما يدلّنا عليه حكم العقل ، حيث يقول : بأنّ العدل هو إعطاء كلِّ ذي حقّ حقَّه ، ومصداقيته لا تظهر إلاّ إذا كان الحاكم ببصيرته الملكوتية الباطنية يشرف على الأمَّة ، فيتعامل معهم تعاملاً غيبياً ، غير معتمدٍ على الشهود والبيِّنات الظاهرية ؛ لأنّ البيّنات إنّما تثبت أحكاماً ظاهرية غير واقعيَّة ، فربَّ ظالم يغصب حقَّ الآخرين بإقامة شهادة الزور .

 

موسى والعبد الصالح

ولعلّ ذكر ما جرى بين موسى والعبد الصالح (الخضر) في القرآن الكريم إنّما هو من أجل تبيين نموذج من العدل الواقعي ، تمهيداً لما سيتحقَّق في المستقبل على مستوى العالم كلِّـه .

وقد ورد في تفسير علي بن إبراهيم القمِّي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(1) ما ملخّصه : إنّه لمّا كلم الله موسى تكليماً ، وأنزل عليه الألواح ، أراد الله أن يبيِّن لموسى مستوى علمه ، فأوحى إلى جبرئيل أن أخبره بأنّ هناك رجل أعلم منك فاذهب إليه وتعلَّم منه ، فعندما أخبره ذلَّ موسى في نفسه ، ودخله الرعب و( قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً )(2) ، فتزوَّد وصيُّه يوشع حوتاً مملوحاً ، فخرجاً ( فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا )(3) ، ووجدا رجلاً مستلقياً على قفاه فلم يعرفاه ، فأخرج وصيّ موسى الحوت وغسّله بالماء ، ووضعه على الصخرة ، ومضيا ( نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً )(4) ، فمضى موسى (عليه السلام) ويوشع معه ( فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً )(5) ، أي عناء ، فذكر وصيّه السمكة ( قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً )(6) ، فقال موسى : ذلك الرجل الذي رأيناه عند الصخرة هو الذي نريده ( فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً * فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً )(7) ، وهو في الصلاة ، فقعد موسى حتى فرغ عن الصلاة ، فسلّم عليهما ( قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً )(8) .

ففعل أفعالاً ثلاثة لم يصبر موسى عليها ، رغم إنَّه وعده على ذلك إن شاء الله ، ورغم إنَّه كان مستعدّاً ومهيّأً لها ، وهي :

1ـ خرق السفينة : ولم يصبر موسى على ذلك ، بل اعترض ( قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً )(9) .

2ـ قتل الغلامٍ : فاعترض أيضاً ، وقال : ( أقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً )(10).

3ـ بناء الجدار : الذي كان مشرفاً على السقوط ، قال موسى : ( لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً )(11) .

ولم يتمالك موسى نفسه ، فاعترض عليه وللمرَّة الثالثة ، وحينئذٍ قال الخضر : ( هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ )(12) ، وأخبره عن السبب لتلك التصرُّفات ، وانكشف إنَّها جميعاً كانت طبقاً لموازين شرعية ، وأحكام إلهيَّة .

والجدير بالذكر ما في الحوادث الثلاثة من التنوُّع ، والاختلاف من نواح شتَّى منها :

الاختلاف من حيث الزمان ، فخرق السفينة كان لأجل ما سيتحقّق في الحال ، من أخذ كلّ سفينة سليمة غصباً ، وقتل الغلام كان لأجل أنَّه سوف يؤذي أبويه في المستقبل ، وبناء الجدار لأجل وجود كنز تحته في الماضي ، فكان الخضر عالماً بما كان وما يكون وما هو كائن .

هذا ، فوليُّ العصر (عجل الله تعالى فرجه) سوف يتعامل مع الأمور تعاملاً غيبياً كصاحب موسى ، فمَنْ ليس له ارتباط روحي به لا يتمكّن من التأقلم والاستئناس معه (عليه السلام) ، ولا يصل الإنسان إلى تلك الدرجة إلاّ إذا كان يمتلك فهماً للمسائل أعلى مستوى من موسى (عليه السلام) ؛ ليصبر على ما سيحقِّقه ولي الله الأعظم ، ممّا يتراءى لبعض الناس على إنّه قتل وتخريب و… و… ؛ فإنَّه سوف يقتل ذراري قتلة الحسين ، كما سيأتي شرحه تفصيلاً .

 

دور الزيـارات والأدعيـة

مضافاً إلى القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والأدعية ، لدينا مجموعة كبيرة من الزيارات العامَّة والخاصَّة لكلِّ إمام ، يمكن أن يُفهم منها كثير من الجوانب الغامضة غير المذكورة في تاريخ حياة أئمتنا (عليهم السلام) .

1ـ الوصول إلى الجوانب الخفيّة من نهضة عاشوراء .

هناك زيارات لسيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) ؛ سواء المطلقة منها كزيارة وارث ، أو الخاصة بزمان كزيارة عاشوراء ، من خلالها يمكننا أن نصل إلى كثير من الجوانب الخفية من نهضته المباركة ـ نهضة عاشوراء ـ .

علماً بأنَّ المؤرخين في سنة 60 من الهجرة في كربلاء لم يكونوا من المؤمنين بأهل البيت (عليهم السلام) ، بل كانوا من جملة أتباع الخليفة يزيد بن معاوية ، جاءوا مع العسكر ؛ كي يدوِّنوا ما يطلقون عليه بقتل الخوارج ونهب أموالهم ! وذلك كي يصلوا إلى مطامعهم الدنية ، فمن الطبيعي إنّهم لم يعمدوا إلى الحقائق ليثبتوها ، بل كانت غايتهم إرضاء الطاغية يزيد (عليه اللعنة) .

2ـ التأمّل في ما صدر عن المعصومين (عليهم السلام) .

ومن هذا المنطلق يكون من الضروري واللازم علينا التأمّل في كلّ ما صدر عن المعصومين (عليهم السلام) ، لا بالصراحة فحسب ، بل حتَّى بالإيماء والإشارة من خلال الزيارات المختلفة .

وأعني من كلمة التأمّل الدقّة والإمعان بوضع النقاط على الحروف ، كالدقّة التّي نمارسها في فهم القرآن الكريم .

ومن الجدير أن ندقِّق في مثل هذه الواقعة العظيمة التي تتعلّق بسيّد الشهداء وسبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) ، والتي نحن نعيشها بجميع وجودنا ، وهي قوام مذهبنا الحقّ .

وقد ورد عن أئمّتنا (عليهم السلام) زيارات كثيرة لسيِّد الشهداء أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) ، تشتمل على مفاهيم اعتقادية ، وأخلاقية وسياسيَّة وغيرها ، وهذه الزيارات يمكن تقسيمها في بادئ الأمر إلى قسمين :

ألف : الزيارات المطلقة .

ب : الزيارات المختصّة بأوقات معيَّنة .

 

المفاهيم التي تشتمل عليها زيارة الحسين (عليه السلام)

1ـ مفاهيم اعتقادية

… السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله ، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله ، يا مولاي يا أبا عبد الله ، أشهد أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة ، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ، ولم تلبسك مدلهمّات ثيابها ، وأشهد أنّك من دعائم الدين ، وأركان المؤمنين ، وأشهد أنّك الإمام البرّ التقي ، الرضي الزكي ، الهادي المهدي ، وأشهد أنّ الأئمّة من ولدك كلمة التقوى ، وأعلام الهدى ، والعروة الوثقى ، والحجّة على أهل الدنيا ، وأُشهد الله وملائكته ، وأنبياءه ورسله ، أنّي بكم مؤمن ، وبإيابكم موقن ، بشرايع ديني ، وخواتيم عملي ، وقلبي لقلبكم سلم ، وأمري لأمركم متبع ...(13) .

2ـ مفاهيم أخلاقية

… اللّهمّ اجعل ما أقول بلساني حقيقته في قلبي ، وشريعته في عملي ، اللّهمّ اجعلنى ممّن له مع الحسين (عليه السلام) قدماً ثابتاً ، وأثبتني فيمَنْ استشهد معه..(14) .

3ـ مفاهيم سياسية

لعن الله أمّة قتلتك ، ولعن الله أمّة خذلتك ، ولعن الله أمّة خذلت عنك ، اللّهمّ إنّي أُشهدك بالولاية لمَنْ واليت ، ووالته رسلك ، وأشهد بالبراءة ممّن برئت منه ، وبرئت منه رسلك ، اللّهمّ العن الذين كذّبوا رسلك ، وهدموا كعبتك ، وحرّفوا كتابك ، وسفكوا دماء أهل بيت نبيك ، وأفسدوا في بلادك ، واستذلّوا عبادك…(15) .

4ـ ثـار الله

وهناك مفهوم مهمٌّ للغاية مشترك بين كثير من الزيارات ، وهو ( ثأر الله وابن ثأره ، والوتر الموتور) ، فقد ورد ذلك في زيارة العيدين ، وعرفة وعاشوراء ، ( السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره ، السلام عليك يا وتر الله الموتور في السموات والأرض ) ، وفي زيارة عاشوراء ( فأسأل الله الذي أكرم مقامك ، وأكرمني بك ، أن يرزقني طلب ثارك مع إمام منصور من أهل بيت محمد (صلّى الله عليه وآله) . ( وأسأله أن يبلّغني المقام المحمود الذي لكم عند الله ، وأن يرزقني طلب ثاري مع إمام مهدي ظاهر ناطق منكم ) .

ومن خلال هذه الزيارات نستنتج الأمور التاليَّة :

1ـ إنَّ مفهوم الثأر بعدما كان سائداً بين الجاهليَّة بشكل خاطئ ينبع من العصبية ، وحسّ الانتقام ، والتشفي الشخصي والقبلي قد اكتسب صبغةً مُقدَّسةً في الإسلام ؛ وذلك لأنَّه أضيف إلى الله سبحانه وتعالى ( ثار الله ) .

2ـ إنَّ الحسين (عليه السلام) هو ثار الله كما إنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً ثار الله ، ولكن ثأر عليٍّ (عليه السلام) قد تجسَّد في ابنه الحسين (عليه السلام) ، فصار الحسين هو ( ثار الله وابن ثاره ) .

3ـ سيّد الشهداء (عليه السلام) هو الوتر الموتور . وقال الفيروزآبادي : الموتور : الذي قُتل له قتيل فلم يدرك بدمه .

4ـ من خلال التعابير الثلاثة ، وهي ( ثار الله ، ثارك ، ثاري ) نستنتج أنَّ : ثأر الله هو بعينه ثأر الحسين (عليه السلام) ، وهو ثأر المؤمن الموالي والتابع لسيّد الشهداء (عليه السلام) ، ولا تعارض بينها ؛ حيث أنَّ الثأر الإلهي قد تجلَّى وظهر في الحسين (عليه السلام)  ، ومن ثمّ في المؤمنين الذائبين في شخصية الإمام (عليه السلام) .

5ـ أنَّ طلب ثار الحسين (عليه السلام) هو من الأرزاق الإلهيَّة التِّي هي من مقتضيات ولوازم كرامة الله على الإنسان بالحسين (عليه السلام) ، فهو من متطلبات البلوغ إلى المقام المحمود الذي وصل إليه الحسين (عليه السلام) ، وهذا المقام هو مقام النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) المشار إليه في قوله تعالى : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً )(16) .

6ـ إنَّ الذي يَطلب الثار هو الإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) من ولد الحسين ، وهو الإمام المنصور من أهل بيت محمَّد (صلّى الله عليه وآله) .

وقد أُشير إلى ذلك في قوله تعالى : ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً )(17) .

 

عدم الإسراف في القتل

قد وردت عن أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) أحاديث في تأويل هذه الآية المباركة ، منها :

ـ ما في بحار الأنوار نقلاً عن تفسير العياشي : عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله : ومَنْ قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنّه كان منصوراً ، قال : (( هو الحسين بن علي (عليه السلام) قُتل مظلوماً ، ونحن أولياؤه ، والقائم منّا إذا قام طلب بثأر الحسين (عليه السلام) فيقتل حتى يُقال قد أسرف في القتل )) ، وقال : (( المقتول الحسين ، ووليه القائم ، والإسراف في القتل أن يقتل غير قاتله ، إنّه كان منصوراً ؛ فإنّه لا يذهب من الدنيا حتى ينتصب رجل من آل رسول الله (عليهم الصلاة و السلام) ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلماً ))(18) .

ـ في الكافي الشريف للكليني (رحمه الله) :

علي بن محمد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن الحجال ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن قول الله (عزّ وجلّ) ( ومن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل ) قال : (( نزلت في الحسين (عليه السلام) ، لو قُتل أهل الأرض به ما كان سرفاً ))(19) .

قال العلاّمة المجلسي (ره) : ويحتمل أن يكون المعنى أنّ السرف ليس من جهة الكثرة ، فلو شرك جميع أهل الأرض في دمه ، أو رضوا به ، لم يكن قتلهم سرفاً ، وإنّما السرف أن يقتل مَنْ لم يكن كذلك ، وإنّما نهي عن ذلك .

 

النفي لا النهي  

أقول : يظهر من هذه الروايات أنَّ أئمّتنا (عليهم السلام) كانوا يقرؤون الآية بالقراءة الخاصّة بهم ، وهو ( فلا يُسرِفُ ) نفياً لا ( فلا يُسرِفْ ) نهياً ، وقد أشار إلى ذلك العلاّمة المجلسي (رحمه الله) حيث قال : فيه إيماء إلى أنّه كان في قراءتهم (عليهم السلام) ( فلا يسرفُ ) بالضم .

ولا يخفى أنَّ بين المعنيين فرقاً كبيراً ، ونُذكِّر القرّاء أنَّ القراءات المختلفة متواجدة في كثير من آيات القرآن ، وذلك لدى الفريقين ، وهذا لا يعني تحريف الكتاب أصلاً ، فتأمَّل في ذلك .

7ـ يُستفاد من بعض الزيارات أنَّ دم سيّد الشهداء (عليه السلام) سكن في الخُلد ، وقد اقشعرت أظلّة العرش لدمه (عليه السلام) ، وبكت له الموجودات جميعاً بلا استثناء ، كما تدلُّ عليه الأحاديث الكثيرة المتواترة عند الخاصّة والعامّة ، فالحسين (عليه السلام) قتيل الله وابن قتيله .

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ذكرى اغتيال و إستشهاد الامام الرضا عليه السلام
خطبة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أمام نساء ...
قاعدة إتباع عموم العلة
أقسام القاعدة المقصدية من حيث موضوعها
نشوء وتطوّر مناهج التفسير
زيارة وزوار الامام الحسين (عليه السلام) في ...
الإمام الحسن (ع)
اُسلوب التعامل مع المنافقين
احاديث أصحاب المعصومين
من هو المؤمن

 
user comment