بيعة علي لأبي بكر كانت على الحقّ :
السؤال : قوله (صلى الله عليه وآله) : ( علي مع الحقّ ، والحقّ مع علي ، يدور معه كيفما دار ) ، دعني أسألك تعليقاً على هذه الرواية ، هل كان علي مع الحقّ حين بايع أبا بكر بالخلافة ؟ فإن قلت : لا ، فقد نقضت دليلك ، وإن قلت : نعم ، فأقول : ألا يسع الشيعة ما وسع علي ؟
الجواب : إنّ قول النبيّ (صلى الله عليه وآله) : ( علي مع الحقّ ، والحقّ مع علي ) (2) ، أو : ( علي مع القرآن ، والقرآن مع علي ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ) (3) ، أو : ( اللهم أدر الحقّ معه حيث دار ) (4) ، فهذه الأقوال وغيرها مع
____________
1- بحار الأنوار 19 / 24 .
2- تاريخ بغداد 14 / 322 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 449 ، الإمامة والسياسة 1 / 98 ، جواهر المطالب 1 / 343 ، كشف الغمّة 1 / 144 .
3- المستدرك على الصحيحين 3 / 123 ، مجمع الزوائد 9 / 134 ، المعجم الصغير 1 / 255 ، المعجم الأوسط 5 / 135 ، الجامع الصغير 2 / 177 ، كنز العمّال 11 / 603 ، فيض القدير 4 / 470 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 297 ، ينابيع المودّة 1 / 124 و 269 و 2 / 96 و 396 و 403 .
4- شرح نهج البلاغة 6 / 367 و 10 / 270 ، الجامع الصغير 2 / 9 ، كنز العمّال 11 / 643 ، فيض القدير 4 / 25 ، شواهد التنزيل 1 / 246 ، تاريخ مدينة دمشق 30 / 63 و 42 / 488 و 44 / 139 ، سير أعلام النبلاء 15 / 278 ، البداية والنهاية 7 / 398 .
|
الصفحة 42 |
|
آية التطهير نستدلّ بها نقلياً على العصمة .
وأمّا مبايعة أمير المؤمنين (عليه السلام) لأبي بكر بالخلافة ، فلا نخطّئ عليّاً (عليه السلام) في فعله ، لأنّه إمام معصوم ، وكلّ ما يفعله فيه مصلحة ، وليس يعني ذلك أنّه اعتقاده ، ودين الله وشرعه ، وإنّما فعله كان لمصلحة أكبر وأعظم من تركه للمسلمين في ذلك الوقت ، دون مشاركة منه في بيان حقّه ، وبيان شرع الله وأحكامه ، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، والدعوة إلى الله وإلى المذهب الحقّ ؛ لأنّه رأى نفسه معزولاً عن الساحة ، والوجوه مكفهرّة غاضبة حاقدة لا يستطيع معها نشر الإسلام والنصح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الذي من شروطه ـ كما هو معروف ـ أن تحتمل التأثير في المقابل .
وهذا كلّه مرويّ في البخاريّ ، لا من فهمنا ولا رواياتنا ، فقد روى البخاريّ عن عائشة رواية طويلة في ذيلها : ( وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلمّا توفّيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر : أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك ، كراهية لمحضر عمر ... ، فدخل عليه أبو بكر ، فتشهد علي فقال : ( إنا قد عرفنا فضلك ، وما أعطاك الله ، ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله إليك ، ولكن استبددت علينا بالأمر ، وكنّا نرى لقرابتنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصيباً ) ، حتّى فاضت عينا أبي بكر ... ـ ثمّ قال علي أمام المسلمين ـ : ( ولكنّا كنّا نرى لنا في هذا الأمر نصيباً ، فاستُبد علينا فوجدنا في أنفسنا ) ، فسّر بذلك المسلمون ، وقالوا : أصبت ، وكان المسلمون إلى علي قريباً حين راجع الأمر بالمعروف ) (1) فأقرأ وتدبّر !!
وبيعة الإمام (عليه السلام) لمصلحة وخير الإسلام ، وخوفاً عليه بعد أن لم يكن له طريق آخر ، لا يخرج الأمر عن كونه حدث بالاضطرار ، فإنّهم اضطّروه
____________
1- صحيح البخاريّ 5 / 82 .
|
الصفحة 43 |
|
بعد أن غصبوا حقّه ، ولم يجد طريقاً لأخذه إلاّ بضرر الإسلام ، فآثر المبايعة مع وقوع الظلم عليه خاصّة على ذهاب الإسلام كلّه .
وهذا لا يعني إطلاقاً أحقّية من نصّبوا أنفسهم خلفاء للمسلمين ، كما لا يعني صلح النبيّ (صلى الله عليه وآله) مع المشركين في الحديبية أصحّية وأحقّية مشركي قريش ، فتأمّل .
ومن ذلك يظهر لك : أن لا معنى لسؤالك لنا ، بألاّ يسع الشيعة ما وسع علي !! فأنّ الكلام في أحقّية منصب الخلافة لمن يكون ، لا من تسنّم هذا المنصب فعلاً .
ثمّ إنّ الظاهر أنّ الأُمور اختلطت عليك نتيجة لما في ذهنك من عقائد أهل السنّة ، فتبني الإشكال عليها ، إذ نحن لا نعتقد أنّ الله تعالى أوكل أمر الخلافة والإمامة للناس ، حتّى إذا بويع أحدهم أصبح خليفة ، بل نعتقد أنّ أمر الإمامة والخلافة بيد الله وحده ، ليس لبشر خيرة فيه ، وعدم تسلّم الإمام زمام السلطة والحكم فعلاً لا يسقط حقّه منها ، كما أنّ عدم الإيمان بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) لا يلغي نبوّته ، فلاحظ وتأمّل !!
وبعبارة أُخرى : إنّا نقول : نعم إنّ عليّاً عندما بايع أبا بكر كان على الحقّ ، إذ إنّه بايعه مضطرّاً ومكرهاً حفظاً للإسلام ، ولا يعني ذلك أنّ الحقّ في الإمامة ذهب إلى أبي بكر ، أو أنّ الإمام أسقط حقّه وأعطاه لأبي بكر .
ونقول أيضاً : بعد أن ثبتت عصمة الإمام (عليه السلام) ، فإنّ كلّ أفعاله تكون صحيحة مطابقة لشرع الله ، فبعد أن ثبتت صحّة الحديث ( علي من الحقّ ، والحقّ مع علي ، يدور معه كيفما دار ) المثبت لعصمة الإمام (عليه السلام) ، يجب أن نحمل كلّ أفعاله على الصحّة ، لا أن نرد الحديث بفعل من أفعاله ، نظنّ نحن أنّه لم يكن فيه على صواب ، فإنّ هذا أكل من القفا .
( حسين حبيب عبد الله . البحرين . 20 سنة . طالب جامعة )
السؤال : هل الإمام علي (عليه السلام) بايع أبا بكر أم لم يبايع ؟ وإذا بايع أفلا يعدّ ذلك
|
الصفحة 44 |
|
اعتراف بخلافة أبي بكر ؟
وهل يوجد من علماء المذهب من يقول إنّه بايع ؟
الجواب : لقد رفض الإمام علي (عليه السلام) البيعة لأبي بكر ، وبقي في بيته منشغلاً بجمع القرآن ، لكن عمر أصرّ على أن يبايع لأبي بكر ، وقال : والله لأحرقن عليكم البيت ، أو لتخرجن إلى البيعة ، وعندما وصل الإمام (عليه السلام) لأبي بكر مجبراً على ذلك : قال : ( أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم أُولى بالبيعة لي ... ) ، فقال عمر : إنّك لست متروكاً حتّى تبايع ، فقال له علي : ( ... ألا والله لا أقبل قولك ولا أبايعه ) (1) ، ثمّ انصرف علي (عليه السلام) إلى منزله ولم يبايع .
وبقي اتباع الخليفة يصرّون على أن يبايع الإمام (عليه السلام) ، فاضطرّ أخيراً لأن يضع يده في يد أبي بكر ، لكنّه وضعها مضمومة ، لكن القوم رضوا منه بتلك البيعة ، وأعلنوا في المسجد أنّ الإمام قد بايع ، ولقد كانت تلك البيعة بعد تهديد للإمام (عليه السلام) بالقتل وتهديد مسبق بحرق داره .
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : ( والله ما بايع علي (عليه السلام) حتّى رأى الدخان قد دخل عليه بيته ) (2) .
وأنّه (عليه السلام) كان يقول في ذلك اليوم لمّا أكره على البيعة :{ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } (3) ويردّد ذلك ويكرّره .
من كلّ هذا نفهم أنّ الإمام (عليه السلام) لم يبايع عن رضا واختيار ، وأنّه كان مكرهاً على ذلك ، والبيعة بالإكراه لا تعطي أيّ شرعيّة لخلافة أبي بكر .
____________
1- شرح نهج البلاغة 6 / 12 .
2- الكنى والألقاب 1 / 387 ، الشافي في الإمامة 3 / 241 .
3- الأعراف : 150 .
|
الصفحة 45 |
|
( الكويت . سنّي . ... )
السؤال : أخواني الكرام أشكركم على تعاونكم معنا ، والله أنا أميل إلى الشيعة أكثر من السنّة ، لأنّ السنّة معتقداتهم وهمية ، يمكن أن تُناقش ، فهي ليست فكرية إلى حدّ ما ، لذا نشكركم على حسن متابعتكم لنا ، وجزاكم الله خيراً ، ودمتم لنا ذخراً وشرفاً إن شاء الله .
ولكن عندي استفسار : هناك بعض الشيعة يدخلون المشاهد التي يدخلها الآلاف من البشر في كلّ يوم ، ومع ذلك فهناك بعض كأنّه يعبد القبر عبادة عمياء ، لا يدري أنّه بشر مثلنا ، وهو يقول مثلاً : اشفع لنا يوم القيامة ... ، ألا تعتبر أنّ هذا شرك بالله ، والله هو الوحيد الذي يغفر ذنوب الأنس والجنّ ؟
وأنا أدعو الناس إلى زيارة القبور لأنّها توعّي الإنسان ، ولكن ليس إلى أن توصل لعبادة القبر ، فما هو دليلكم على هذا ؟
الجواب : نسأل الله تعالى لكم الموفّقية في التعرّف على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) أكثر فأكثر ، والتعمّق فيه ، ومعرفة مبانيه وأدلّته ، ليكون اختياركم لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) عن دليل وقناعة كافية .
وأمّا بالنسبة إلى ما ذكرت ، فإنّه لا يوجد ولا شيعي واحد يعبد القبور ، وإنّما هو زيارة وتبرّك وعبادة لله تعالى في أماكن يستجاب فيها الدعاء ، لأنّها أماكن تضمّ قبور الأنبياء والأئمّة والصالحين ، وإن كان مرادك أنّ مطلق التبرّك هو عبادة للقبر فنجيبك بما يلي :
أنّه لم نجد قولاً بالحرمة لأحد من أعلام المذاهب الأربعة ، وإنّما القائل
|
الصفحة 46 |
|
بالنهي عنه من أُولئك يراه تنزيهاً لا تحريماً ، ويقول بالكراهة مستنداً إلى زعم أنّ الدنوّ من القبر الشريف يخالف حسن الأدب ، ويحسب أنّ البعد منه أليق به ، وليس من شأن الفقيه أن يفتي في دين الله بمثل هذه الاعتبارات التي لا تبنى على أساس ، وتختلف باختلاف الأنظار والآراء .
نعم ، هناك أُناس شذّوا عن شرعة الحقّ وحكموا بالحرمة ، قولاً بلا دليل ، وتحكّماً بلا برهان ، ورأياً بلا بيّنة ، وهم معروفون في الملأ بالشذوذ ، لا يعبأ بهم وبآرائهم .
ونحن نذكر لكم بعض الصحابة الذين تبرّكوا بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتقفوا على الحقيقة .
1ـ عن الإمام علي (عليه السلام) قال : ( لما رمس رسول الله (صلى الله عليه وآله) جاءت فاطمة (عليها السلام) فوقفت على قبره (صلى الله عليه وآله) ، وأخذت قبضة من تراب القبر ، ووضعته على عينها ، وبكت وأنشأت تقول :
ماذا على من شـــمّ تـربـة أحمد |
أن لا يشمّ مـدى الزمـان غـواليـا |
صُبّت عليَّ مصـائـب لــو أنّهـا |
صُبّت على الأيّام عدن ليـاليـا (1) |
2ـ عن أبي الدرداء قال : ( إنّ بلالاً ـ مؤذّن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ـ رأى في منامه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول : ( ما هذه الجفوة يا بلال ؟ أما آن لك أن تزورني يا بلال ) ؟ فانتبه حزيناً وجلاً خائفاً ، فركب راحلته وقصد المدينة ، فأتى قبر
____________
1- المغني لابن قدامة 2 / 411 ، الشرح الكبير 2 / 430 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 337 ، الوفا بأحوال المصطفى : 819 ، وفاء الوفا 4 / 1405 ، نظم درر السمطين : 181 ، سير أعلام النبلاء 2 / 134 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 337 ، مشارق الأنوار : 63 .
|
الصفحة 47 |
|
النبيّ (صلى الله عليه وآله) فجعل يبكي عنده ، ويمرّغ وجهه عليه ، فأقبل الحسن والحسين (عليهما السلام) فجعل يضمّهما ويقبّلهما ... ) (1) .
3ـ عن الإمام علي (عليه السلام) قال : ( قدم علينا إعرابي بعدما دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بثلاثة أيّام ، فرمى بنفسه على قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وحثا من ترابه على رأسه ، وقال : يا رسول الله قلتَ فسمعنا قولك ، ووعيت عن الله سبحانه فوعينا عنك ، وكان فيما أنزل عليك : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا } (2) ، وقد ظلمت نفسي ، وجئتك تستغفر لي ، فنودي من القبر : أنّه قد غفر لك ) (3) .
وأمّا بالنسبة إلى طلب الحوائج منهم (عليهم السلام) فإنّما هي في الحقيقة أنّ الشيعة تطلب الحوائج من الله تعالى ليقضيها لهم بحقّ صاحب القبر ، ومنزلته من الله تعالى ، أو طلب الحاجة من صاحب القبر ليطلبها هو من الله تعالى ، فإنّ عقيدتنا أنّ النبيّ والأئمّة (عليهم السلام) كما كانوا يدعون لشيعتهم في حياتهم ، ويحيطون بهم علماً ، فكذلك بعد وفاتهم .
( عباس . البحرين . ... )