دلالته على إمامة أهل البيت :
السؤال : هل يدلّ حديث السفينة على إمامة أهل البيت (عليهم السلام) ؟ أم مجرد يدلّ على محبّتهم والتودّد لهم ؟ أرجو الإجابة وشاكراً جهودكم .
الجواب : يدلّ حديث السفينة على إمامة أهل البيت (عليهم السلام) من وجوه :
1ـ وجوب اتباعهم (عليهم السلام) على الإطلاق ، ولا يجب اتباع أحد كذلك ـ بعد الله ورسوله ـ إلاّ الإمام .
2ـ اتباعهم (عليهم السلام) يوجب النجاة والخلاص ، ومن المعلوم أنّ كونهم (عليهم السلام) كذلك دليل العصمة .
3ـ أفضليتهم (عليهم السلام) من سائر الناس مطلقاً ، إذ لو كان أحد أفضل منهم ـ أو في مرتبتهم من الفضل ـ لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالاقتداء به دونهم (عليهم السلام) ، وإلاّ لزم أن يكون قد غشّ أُمّته ، وحاشا لرسول الله من ذلك .
4ـ عصمتهم (عليهم السلام) ، إنّ هذا الحديث يدلّ على أن محبّة أهل البيت (عليهم السلام) توجب النجاة ، وهذا المعنى يستلزم عصمتهم ، إذ لو كان منهم ما يوجب سخط الباري تعالى لما جازت محبّتهم ومتابعتهم ، فضلاً عن وجوبها وكونها سبباً للنجاة ، وإذا ثبت عصمتهم (عليهم السلام) لم يبق ريب في إمامتهم .
5ـ يدلّ على هلاك وضلال المتخلّفين عن أهل البيت (عليهم السلام) ، وتخلّف الخلفاء عنهم من الوضوح بمكان ، فبطل بهذا خلافتهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وثبتت خلافة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) .
6ـ يدلّ على أنّ من اتبعهم (عليهم السلام) كان من المفلحين الناجين ، ومن خالفهم وتركهم كان من الكافرين الخاسرين ، فبهم وباتباعهم يعرف المؤمن من الكافر ، وهذا المعنى أيضاً يقتضي الإمامة والرئاسة العامّة ، لأنّه من شؤون العصمة المستلزمة للإمامة .
7ـ يدلّ على لزوم وجود إمام معصوم من أهل البيت (عليهم السلام) في كلّ زمان إلى يوم القيامة ، ليتسنّى للأُمّة في جميع الأدوار ركوب تلك السفينة .
|
الصفحة 377 |
|
|
الصفحة 378 |
|
( حسام . ألمانيا . ... )
السؤال : أسمع أنّ الشيعة يقولون : بأنّ أبا بكر ، وعمر ابن الخطّاب ، اغتصبا حقّ سيّدنا علي (عليه السلام) في الإمامة ، وغير ذلك من الأُمور التي تجعلهم من أهل الضلال ، فكيف نوفّق بين هذا الكلام ـ إن صحّ عن الشيعة ـ وبين أنّهما مبشّران بالجنّة ؟ ولكم كلّ التقدير .
الجواب : نحن نعتقد أنّ حديث العشرة المبشّرة هو من الموضوعات المختلقة على عهد بني أُمية ، وضعوه على لسان بعض الصحابة .
وممّا يثبت القول ببطلان حديث تبشير العشرة بالجنّة ، ما رواه الشيخان والنسائيّ عن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال : ما سمعت النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقول لأحد يمشي على الأرض ، أنّه من أهل الجنّة إلاّ لعبد الله بن سلام (1) .
فهذا أبو سعد ـ وهو أب أحد العشرة المذكورين في حديث التبشير ـ قد شهد بأنّه لم يسمع النبيّ (صلى الله عليه وآله) يبشّر أحداً بالجنّة ، سوى عبد الله بن سلام .
لكنّا نعلم أنّ قوله هذا لا يصحّ على إطلاقه ، إذ قد استفاضت النقول بتبشير جماعة من خيار الصحابة بالجنّة ، إلاّ أنّ القدر المتيقّن من كلامه أنّه لم تقع البشارة من النبيّ (صلى الله عليه وآله) لجميع أُولئك العشرة ، لاسيّما على النحو المذكور في حديث العشرة ، وإن قطعنا بوقوعه لبعضهم في موطن آخر ، كتبشير النبيّ (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين عليّاً (عليه السلام) ، وأهل بيته الكرام بالجنّة ، وإخباره بأنّه ساقي الحوض
____________
1- صحيح البخاريّ 4 / 229 ، صحيح مسلم 7 / 160 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 70 .
|
الصفحة 379 |
|
وصاحبه عليه ، وأنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وغير ذلك .
فتبيّن : أنّ حديث العشرة المبشّرة والشهادة لهم بالجنّة ، وإنّما هو ـ كما قلنا ـ من الموضوعات المختلقة .
ثمّ إنّ ممّا يبيّن بطلان الخبر ، أنّ أبا بكر لم يحتجّ به لنفسه ، ولا احتجّ به له في مواطن دفع فيها إلى الاحتجاج به ـ كالسقيفة وغيرها ـ وكذلك عمر ، وعثمان أيضاً ، كيف ذهب عنه الاحتجاج ؟ ـ إن كان حقّاً ـ لمّا حُوصر ، وطُولب بخلع نفسه ، وهمّوا بقتله ، وما منعه من التعلّق به لدفعهم عن نفسه ؟ بل تشبّث بأشياء تجري مجرى الفضائل والمناقب ، وذكر القطع بالجنّة أولى منها وأحرى ، فلو كان الأمر على ما ظنّه القوم من صحّة هذا الحديث عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، أو روايته في وقت عثمان لاحتجّ به على حاصريه في يوم الدار في استحلال دمه ، وقد ثبت في الشرع حظر دماء أهل الجِنان .
ثمّ ما الذي ثبّط طلحة والزبير الناكثَين ، وسائر الأحياء من العشرة يوم ذاك عن نجدة وليّهم بحديث التبشير بالجنّة ؟! ولِمَ ضنّ به أُولئك الرهط ـ لو كان ـ على صاحبهم ، مع أنّه من أنجع ما يُدرأ به الشرّ وتحسم به مادّة النزاع ؟!
وعلامَ نبذوا ابن عفّان بعد مقتله ثلاثة أيّام ملقىً على المزبلة حتّى خرج به ناس يسير من أهله إلى حائط بالمدينة ، يقال له : ( حشّ كوكب ) كانت اليهود تدفن فيه موتاهم ، فرجم المسلمون سريره ، ومنعوا الصلاة عليه ، إلى غير ذلك ممّا هو مذكور في كتب السِيَر والتواريخ في قصّة قتل عثمان (1) .
بل روى ابن عبد ربّه الأندلسيّ عن العتبيّ قال : ( قال رجل من بني ليث : لقيت الزبير قادماً ، فقلت : أبا عبد الله ، ما بالك ؟ قال : مطلوب مغلوب ، يغلبني ابني ويطلبني ذنبي ، قال قدمت المدينة ، فلقيت سعد بن أبي وقّاص فقلت : أبا إسحاق، من الذي قتل عثمان ؟ قال : قتله سيف سلّته عائشة ، وشحذه طلحة ،
____________
1- الاستيعاب 3 / 161 ، تاريخ الأُمم والملوك 3 / 438 ، المعجم الكبير 1 / 79 ، تاريخ مدينة دمشق 39 / 532 ، تاريخ المدينة 1 / 112 ، الإمامة والسياسة 1 / 65 .
|
الصفحة 380 |
|
وسمّه علي ، قلت : فما حال الزبير ؟ قال : أشار بيده ، وصمت بلسانه ) (1) .
فلو أنّ شيئاً من تبشير عثمان بالجنّة كان قد ثبت عند الصحابة ، لَما ألّبوا عليه ولا كتبوا إلى الناس يستدعونهم لجهاده ، والمنصف المتأمّل لذلك يجزم بأنّ حديث التبشير لم يكن له إذ ذاك عين ولا أثر ، وإنّما اختُلق في دولة بني أُمية .
ثمّ قد علم البرّ والفاجر ، والمؤمن والكافر ، ما وقع من أكثر هؤلاء المبشّرين من المخالفات للإمام علي (عليه السلام) ، وبين طلحة والزبير من المباينة في الدين ، والتخطئة من بعضهم لبعض، والتضليل والحرب وسفك الدم على الاستحلال به دون التحريم، وخروج الجميع من الدنيا على ظاهر التديّن بذلك دون الرجوع عنه بما يوجب العلم واليقين ، فكيف يكون كلّ من الفريقين على الحقّ والصواب ؟ (2) .
وكيف يحكم للجميع بالأمان من عذاب الجحيم ، والفوز بجنّات النعيم ، والحقّ مع علي يدور معه حيث دار ؟ (3) .
ثمّ لو كان الحديث صحيحاً ـ كما زعموا ـ لكان الأمان من عذاب الله لأبي بكر وعمر وعثمان به حاصلاً ، ولَما جزعوا عند احتضارهم من لقاء الله تعالى ، واضطربوا من قدومهم على أعمالهم ، مع اعتقادهم أنّها مرضية لله سبحانه ، ولا شكّوا بالظفر بثواب الله عزّ وجلّ ، ولجَرَوا في الطمأنينة لعفو الله تعالى ـ لثقتهم بخبر الرسول (صلى الله عليه وآله) ـ مجرى أمير المؤمنين (عليه السلام) في التضرّع إلى الله عزّ وجلّ في حياته أن يقبضه الله تعالى إليه ، ويعجِّل له السعادة بما وعده من الشهادة ، وعند احتضاره أظهر من سروره بقرب لقائه برسول الله (صلى الله عليه وآله) ، واستبشاره بالقدوم على الله عزّ وجلّ لمعرفته بمكانه ، ومحلّه من ثوابه ، كيف
____________
1- العقد الفريد 5 / 46 .
2- الإفصاح : 73 ، الطرائف : 522 .
3- المستدرك 3 / 124 ، شرح نهج البلاغة 6 / 376 و 10 / 270 ، شواهد التنزيل 1 / 246 ، ينابيع المودّة 1 / 270 .
|
الصفحة 381 |
|
؟! ومن أطاع الله أحبّ لقاءه ، ومن عصاه كره لقاءه .
قال الشيخ المفيد (قدس سره) : ( والخبر الظاهر أنّ أبا بكر جعل يدعو بالويل والثبور عند احتضاره ، وأنّ عمر تمنّى أن يكون تراباً عند وفاته ، وودَّ لو أنّ أُمّه لم تلده ، وأنّه نجا من أعماله كفافاً ، لا له ولا عليه ، وما ظهر من جزع عثمان بن عفّان عند حصر القوم له ، وتيقّنه بهلاكه ، دليل على أنّ القوم لم يعرفوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما تضمّنه الخبر من استحقاقهم الجنّة على كلّ حال ، ولا أمِنوا من عذاب الله سبحانه لقبيح ما وقع منهم من الأعمال ) (1) .
هذا وقد ثبت عند المحقّقين عدم صحّة أسانيد كافّة الطرق المنقولة لهذا الحديث ، إمّا من جهة الإرسال ، وإمّا من جهة اشتمالها على كذّابين ومدلّسين ، أو مهملين ومجهولين .
ويؤيّد ما ذكرنا عدم نقل البخاريّ ومسلم لهذا الحديث ، مع نقلهما لما هو دون هذا الحديث في إثبات فضائل بعض هذه العشرة !!
وممّا قرّرنا ينكشف لك : أنّ حديث تبشير العشرة بالجنّة زخرف من القول ، ليس له أصل ، فلا تغرّنك كثرة طرقه ، ولا تهولنّك وفرة أسانيده وشهرته ، فلرُبّ مشهور لا أصل له .
ومن هنا اتّضح : أنّ أبا بكر وعمر وعثمان ليسا من المبشّرين بالجنّة ، وعليه لا يرد على معتقدات الشيعة شيء .
( حسام . ألمانيا . ... )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
لا أعرف كيف أشكركم على هذا الجهد البنّاء ، والردّ المقنع الذي
____________
1- الإفصاح : 73 .
|
الصفحة 382 |
|
ارفقتموه لي ، والذي سوف يساعدني كثيراً عند محاورتي لبعض معاندي أهل السنّة .
( أبو ساجد . أمريكا . 33 سنة . بكالوريوس )