عربي
Sunday 24th of November 2024
0
نفر 0

بكاء الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) على أبيه الحسين ( عليه السلام )

بكاء الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) على أبيه الحسين ( عليه السلام )

روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : ان جدّي زين العابدين ( عليه السلام ) بكى على أبيه أربعين سنة ، صائما نهاره ، وقائما ليله ، فاذا حضر الإفطار وجاء غلامه بطعامه وشرابه ، فيضعه بين يديه ويقول : كـل يـا مـولاي .

فـيقول ( عليه السلام ) : ( قتل ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عطشاناً ) ، فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبتل طعامه من دموعه ، فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل .

وحدّث مولى له قال : انه برز يوما الى الصحراء فتبعته ، فوجدته قد سجد على حجارة خشنة ، فوقفت وانا اسمع شهيقه ، واحصيت عليه الف مرة يقول : ( لا اله الا الله حقا حقا لا اله الا الله تعبدا ورقا ، لا اله الا الله ايمانا وصدقا ) ثم رفع راسه من سجوده وان لحيته ووجهه قد غمرا من دموع عينيه ، فقلت : يا سيدي اما آن لحزنك ان ينقضي ، ولبكائك ان يقل ؟

فقال : ( ويحك ان يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم كان نبيا وابن نبي ، له اثنا عشر ابنا فغيّب الله واحدا منهم ، فشاب رأسه من الحزن ، واحـدودب ظـهره من الغم ، وذهب بصره من البكاء ، وابنه حي في دار الدنيا ، وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي ، صرعى مقتولين ، فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي ) ؟ .

وذكر اليعقوبي : وجّه المختار برأس عبيد الله بن زياد الى علي بن الحسين في المدينة مع رجل من قومه ، وقال له : قف بباب علي بن الحسين ، فاذا رأيت أبوابه قد فتحت ودخل الناس ، فذلك الذي فيه طعامه ، فادخل اليه ، فجاء الرسول الى باب علي بن الحسين ، فلما فتحت ابوابه ، ودخل الناس للطعام ، دخل ونادى بأعلى صوته : يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ، ومهبط الملائكة ، ومنزل الوحي ، أنا رسول المختار بن أبي عبيد ، معي رأس عبيد الله ابن زياد ، فلم تبق في شيء من دور بني هاشم امراة الا صرخت ، ودخل الرسول فاخرج الرأس ، فلما رآه علي بن الحسين قال : ابعده الله الى النار .

وروى بعضهم ان علي بن الحسين لم ير ضاحكا قط منذ قتل ابوه ، الا في ذلك اليوم ، وانه كان له ابل تحمل الفاكهة من الشام ، فلما أتي برأس عبيد الله ابن زياد أمر بتلك الفاكهة ، ففرقت بين أهل المدينة ، وامـتشطت نساء آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) واختضبن ، وما امتشطت امراة ولا اختضبت منذ قتل الحسين بن علي .

 

الجوانب التربوية في أدعية الإمام زين العابدين ( عليه السلام )

أسرار الدعاء :

الدعاء في الإسلام رُكن رَكين ، وكهف حصين ، وواحة أمان وطمأنينة يلجأ إليه الإنسان المسلم عندما تداهمه الخطوب ، وتنتابه العلل ، وتتلبَّد أمامه الأجواء ، فيحسُّ بالاختناق في كل لحظة ، ويفتش عن المتنَفَّس ، ويبحث عن الانعاش ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى حيث قال : ( وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا ) يونس : 12 .

وهو شعور فطري بوجود القوَّة الأعظم ، واليد الغيبية التي تمتد في اللحظة المناسبة لإنقاذ الإنسان من محنته .

والأحاديث الشريفة أكَّدت على أنَّ للدعاء أهدافاً وحكماً كثيرة لو عرفها الإنسان لاكتشف كنزاً عظيماً ، اكتشف علاجاً لمشاكل عويصة يعيشها في حياته ، وحلاًّ للمصاعب التي تعترضه ، واكتشف بالتالي شفاءً لما في صدره من الآلام والأدران .

وفي طليعة هذه الأحاديث ما روى عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، عن آبائه ، عن الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : ( الدُّعاء سلاح المؤمن ، وعِمَاد الدين ، ونور السماوات والأرض ) .

فالمؤمن يواجه في حياته مخاطر كثيرة ، وذلك بسبب ضعف نفسه ، لأن الإنسان خلق من ضعف ، ورُكِّب في ضعف : ( وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ) النساء : 28 .

فحياته محدودة ، وعمره محدود ، وعلمه محدود ، وأخيراً تحركه في الدنيا محدود .

والسؤال هو : كيف يخرج الإنسان من هذا الضعف الذي يحيط به ؟

وجوابه : أنه يخرج بقوة خارجية ، وبإمداد غيبي ، هو الاتصال بالله سبحانه وتعالى ، والتوكل عليه .

كما أن الدعاء - كما في الحديث - عماد الدين ، فللدِّين مظهر وجوهر ، مظهر الدين هو الصلاة ، والصيام ، والحج ، إلى آخر العبادات ، ولكن ما هو جوهر الدين وعماده ؟

إنه الدعاء ، لأن جوهر الدين هو اتصال الإنسان بالله ، وعماد الدين وهو عروج الإنسان إلى الله .

فإن الله سبحانه وتعالى تحدث إلى الإنسان عبر القرآن الكريم ، ولكن كيف يتحدث الإنسان مع الله سبحانه ؟ فمناجاة الإنسان مع ربِّه هو الدعاء .

التربية الأخلاقية في أدعية الإمام السجاد ( عليه السلام ) :

صاغ الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) أدعية عالية المضامين ، بوحي من القرآن الحكيم ، تعتبر بحقٍّ دائرةُ معارفٍ عُليَا ، لجميع المعارف الإلهية ، ابتداءً من معرفة الله ومعرفة أسمائه الحسنى ، وطرق التوسل إليه ، واستمراراً مع صفات الرسل ، وانتهاءً بتكريس الصفات الرسالية عند الإنسان المسلم .

لنتأمل المقطوعة التالية في التربية الأخلاقية : ( اللَّهُمَّ صَلِّ على محمد وآل محمد ، واحجُبني عن السرف والازدياد ، وقوِّمني بالبذل والاقتصاد ، وعلِّمني حسن التقدير ، واقبضني بلطفك عن التبذير .

وأجر من أسباب الحلال أرزاقي ، ووجِّه في أبواب البرِّ إنفاقي ، وأوزعني من المال ما يحدث إليَّ مخيلة ، أو تأدّياً إلى بغي ، أو ما أتعقب منه طغياناً .

اللَّهُمَّ حَبِّب إليَّ صحبة الفقراء ، وأعنِّي على صحبتهم بحسن الصبر ، وما زويت عنِّي من متاع الدنيا الفانية ، فاذخره لي في خزائنك الباقية .

واجعل ما خوَّلتني من حطامها ، وعجَّلت لي من متاعها بُلْغَة إلى جوارك ، ووصلةً إلى قربك ، وذريعة إلى جَنَّتِك ، إنك ذو الفضل العظيم ، وأنت الجواد الكريم ) .

إن التأمل في فقرات هذا الدعاء الرائع ، يرفع الإنسان أعلى مراتب الشعور الإنساني ، حيث يشعر المرء بحب الصحبة للفقراء ، والابتعاد عن أخلاق الطغاة ، وبالذات الطغيان الناشئ من الغنى والثروة .

كما يعلمنا الإمام ( عليه السلام ) من خلال هذا الدعاء ، كيف ينبغي أن نصرف المال بدون تبذير ، ولكن مع الإنفاق في وجوه البر والإحسان .

كما يذكِّر الإنسان بأن الهدف الأقصى هو بلوغ الآخرة ، عند جوار الرب الكريم ، وليس التلذذ بالمتاع الزائل ، والملذات الفانية في هذه الحياة .

الوعي السياسي في أدعية الإمام السجاد ( عليه السلام ) :

لقد كان واضحاً في عصر الإمام السجاد ( عليه السلام ) مَدَى الخطورة والانهيار الذي بدأ يَدُبُّ في أوصال الأمة المسلمة ، في كيانها ووجودها الاجتماعي ، وذلك إثر الهجوم الواسع النطاق الذي أخذ المفسدون والطواغيت على عاتقهم القيام به .

فقد بدأ هؤلاء يُشِيعون ويروِّجُون الأفكار الهدَّامة ، ويشجعون ألوان المجون والتحلل الأخلاقي ، ويخترعون كلَّ وسيلة لتدمير وتفكيك البنى الاجتماعية والأسريَّة .

ويدلنا على ذلك ويشهد عليه ، ما نقله الأصفهاني في كتابه ( الأغاني ) ، وما أورده المسعودي في ( مروج الذهب ) .

وكذلك كانت عمليات الإفساد الرسمي ، والحفلات الماجنة ، وانتهاك الحرمات نهاراً جهاراً ، ممّا ينبئ بعملية إفساد منظَّم تقف وراءها مؤسسات الدولة .

وإن من يطَّلع على مثل تلك الصور والأرقام ، يدرك ما كان يجري من فسادٍ وإفساد ، وعلى مختلف الأصعدة الاجتماعية ، والاقتصادية ، والفكرية ، والأخلاقية .

وإزاء ذلك ماذا يمكن أن يفعل الإمام السجاد ( عليه السلام ) ، في وضع كانت ترصد فيه أية حركة أو تحرك ؟

وكيف يستطيع ( عليه السلام ) أن يقوم بدوره بصفته إمام الأمة ، والمسؤول الأول عن حماية الشريعة ، وأمن المجتمع المسلم ؟

وقد فرضت عليه العزلة التامة ، وأحيط ( عليه السلام ) بأجواء تحصى فيه الأنفاس ، ويضطهد فيها الناس ، ويؤخذون بالظنة والتهمة كما شَدِّ الرقباء .

وراحت عيونهم تبحث عن كل من يتصل بالإمام ( عليه السلام ) من قريب أو بعيد .

فالوعي العميق بمثل هذه الظروف من جهة ، وبأهمية القيام بدورٍ شجاع وفاعلٍ ولابُدِّيَّة النهوض بمبادرة خلاقة ، فضلاً عن المسؤولية الرسالية .

كل ذلك دفع الإمام السجاد ( عليه السلام ) إلى التحرك الجاد والمناسب ، فشهر سلاح الدعاء في وجه الخصوم والأعداء ، ليكون بادئ ذي بدء ، والنصل المضاد ، والتحصين الضروري ، ولإنقاد ما يمكن إنقاذه ، ثم لينطلق منه وبه لشنِّ الهجوم المضاد ، ولقد كان هذا الاختيار موفقاً جداً .

إن الإمام السجاد ( عليه السلام ) ينطلق في ذلك من وعي تام بأن التوعية الفكرية تبقى باردة ، ولا تؤدي إلى تفعيل الحياة الثقافية والسياسية للأمة ، وتحصين المسلمين ضد عوامل الهدم الفكري ، والإفساد السياسي والأخلاقي .

نعم إن التوعية الفكرية وحدها ما لم تمتزج بالنداوة الروحية ، وتنفعل بالحرارة العاطفية لا تثمر الثمرة المَرجُوَّة .

ومن هنا رأى الإمام السجاد ( عليه السلام ) أن يتلقَّى المسلم التوعية الفكرية من خلال المناجاة ، حيث يكون وجدان المسلم عادةً في سخونة كافية ، فتكون قادرة حينئذ على أن تأخذ مداها الكامل ، وتترسخ في أعماق النفس ، وتستقر في صفحة الذهن ، وبتحقق عملية الانفعال تلك تتم عملية التحصين .

إن علينا هنا أن نَتَبَيَّن مدى ما حقَّقه الإمام السجاد ( عليه السلام ) من ظفر ونجاح ، وليس عسيراً أن نعثر على عشرات الشواهد التي تدلُّنا على أن الأدعية السجادية صارت معشوقة ، ومتبناة من قبل قطاعات واسعة في الأمة .

ونظرةً عُجْلى على أسانيد الصحيفة ورواتها وحَفَظَتها ، وتناقلها بأمانة ودِقَّة ، وبما لم يتوفر مثله للكثير من المأثورات تشير لنا تلك الحقيقة بوضوح وتؤكد مدى النجاح والظَّفْر .

ويظهر لنا وجه آخر في هذه القضية المُهمة ، وهو أن الإمام السجاد ( عليه السلام ) بحكم مسؤوليته الرسالية ، ولكونه المسؤول الأول في تلك الفترة عن الحفاظ على أصالة الفكر الإسلامي ، ونقائه ، ثم إيصاله إلى الأجيال اللاحقة ، سليماً معافىً من التشويش والتحريف ، وبعيداً عن أباطيل الخصوم وتشويهاتهم ، سواء منهم من كان يكيد للإسلام ، كالمنافقين ، أم من كان يتربص الدوائر للانقضاض عليه .

حَمَلَته تلك المسؤولية على استخدام هذه الوسيلة بلحاظ أنَّها فيما تستبطنه من مضامين بعيداً عن أعين الرقباء ، ووسائل رصدهم العادية .

على أنه يقتضي التنبيه إلى أن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) من بعده ( عليه السلام ) ، وبالأخص ولده الإمام الباقر ( عليه السلام ) ، ثم حفيده الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قد نَهَضا بدورهما الريادي والقيادي في مجال بَثِّ علوم أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ونشر فقههم ، ومعارفهم ، بالوسائل المألوفة والمُتاحة .

إلا أنه مع ذلك كله حرصوا ( عليهم السلام ) بدورهم على نقل وترويج أدعية الصحيفة السجادية ، ودعوة شيعتهم ومريديهم إلى حفظها والاهتمام بها .

وذلك لتبقى دائماً وأبداً في كل عصر تدلُّهم فيه الخطوب ، فيكون الفكر الإسلامي النقي الذي تحمله مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) عُرضَةً للاضطهاد والتدمير ، تبقى تلك الصحيفة تحمل الأمانة وتصونها .

واستناداً إلى هذا ، فإنَّ الرجوع إلى الصحيفة السجادية يُعدُّ رجوعاً إلى الينابيع الأصيلة والنقية .

وإن البحث في مضامينها الراقية سواء في المجال الفكري ، والسياسي ، أو الاجتماعي ، والأخلاقي ، ومحاولة استكشاف المفاهيم والنظريات ، والآراء الشديدة ، سيغني ولا شكَّ مسيرة الفكر الإسلامي .

وما أجمل أن نختم الحديث عن أدعية الإمام السجاد ( عليه السلام ) بمقطوعة رائعة من أدعيته ، التي تُعلِّم المؤمنين كيف ينبغي الانقطاع إلى الله ، والاستغناء عن الخلق ، والذلَّة لهم .

فيقول ( عليه السلام ) : ( اللَّهُمَّ إني أعتذر إليك من مظلوم ظُلِم بحضرتي فلم أنصره ، ومن معروف أُسدِيَ إليَّ فلم أشكره ، ومن مُسِيء اعتَذَر إليَّ فلم أعذره ، ومِن ذِي فَاقَةٍ سلني فلم أوثِرْه ، ومن حَقِّ ذي حقٍّ لَزمَني لِمُؤمن فلم أوفره ، ومن عَيبِ مُؤمنٍ ظهرَ لي فلم أستره ، ومن كل إثْم عُرِضَ لي فلم أهجُرْه ) الصحيفة السجادية : 147 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أربعينية الامام الحسين (ع) في كربلاء
وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)
أهل البيت^ الطريق إلى الله
مخالفة عائشة للرسول (ص) من كتب السنة
أحداث ليلة ضرب الرأس الشريف لأمير المؤمنين
أهذا هو العبّاس "عليه السلام"-3
الشعائر الحسينية... الجذور والمعطيات
رضا أهل البيت^ فانٍ في رضا الله عزّ وجلّ
حديث الثقلين - طرق حديث الثقلين - صحة سند الحديث
نزولها في نسائه عليه الصلاة والسلام

 
user comment