وفيما يلي أهمّ هذه الشروط والآداب :
الأوّل : الطهارة :
من آداب الدعاء أن يكون الداعي على وضوء ، سيَّما إذا أراد الدعاء عقيب الصلاة ، فقد رَوَى مسمع عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : ( يا مسمع ، ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غَمٌّ من غموم الدنيا ، أن يتوضّأ ثمّ يدخل مسجده ، ويركع ركعتين فيدعو الله فيهما ) ؟ (1) .
الثاني : الصدقة ، وشمُّ الطيب ، والذهاب إلى المسجد :
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : ( كان أبي إذا طلب الحاجة ... قدَّم شيئاً فتصدّق به ، وشمَّ شيئاً من طيب ، وراح إلى المسجد ... ) (2) .
الثالث : الصلاة :
ويستحبّ أن يصلّي الداعي ركعتين قبل أن يشرع بالدعاء ، فقال الإمام الصادق (عليه السلام) : ( من توضّأ فأحسن الوضوء ، وصلّى ركعتين ، فأتمَّ ركوعهما وسجودهما ، ثمّ جلس فأثنى على الله عزّ وجلّ ، وصلّى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ سأل حاجته ، فقد طلب الخير في مظانِّه ، ومن طلب الخير في مظانِّه لم يخب ) (3) .
الرابع : البسملة :
ومن آداب الدعاء أن يبدأ الداعي دعاءه بالبسملة ، لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( لا يُرَدُّ دعاء أوَّله بسم الله الرحمن الرحيم ) (4) .
____________
1- تفسير العيّاشيّ 1 / 43 .
2- الكافي 2 / 477 .
3- المصدر السابق 3 / 478 .
4- الدعوات : 52 .
|
الصفحة 483 |
|
الخامس : الثناء على الله تعالى :
ينبغي للداعي إذا أراد أن يسأل ربّه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة ، أن يحمد الله ويثني عليه ، ويشكر ألطافه ونعمه قبل أن يشرع في الدعاء .
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره ، وسبباً للمزيد من فضله ، ودليلاً على آلائه وعظمته ) (1) .
السادس : الدعاء بالأسماء الحسنى :
على الداعي أن يدعو الله تعالى بأسمائه الحسنى ، لقوله تعالى : { وَللهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } (2) .
وقوله تعالى : { قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى } (3) .
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( لله عزّ وجلّ تسعة وتسعون اسماً ، من دعا الله بها استجاب له ، ومن أحصاها دخل الجنّة ) (4) .
السابع : الصلاة على النبيّ وآله (عليهم السلام) :
لابدّ للداعي أن يصلّي على محمّد وآله (عليهم السلام) بعد الحمد والثناء على الله سبحانه ، وهي تؤكّد الولاء لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) ، الذي هو في امتداد الولاء لله تعالى ، لذا فهي من أهمّ الوسائل في صعود الأعمال ، واستجابة الدعاء .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( لا يزال الدعاء محجوباً حتّى يصلّى عليَّ وعلى أهل بيتي ) (5) .
____________
1- شرح نهج البلاغة 9 / 209 .
2- الأعراف : 180 .
3- الإسراء : 110 .
4- التوحيد : 195 .
5- كفاية الأثر : 39 .
|
الصفحة 484 |
|
الثامن : التوسّل بمحمّد وأهل بيته (عليهم السلام) :
وينبغي للداعي أن يلج من الأبواب التي أمر الله تعالى بها ، وأهل البيت (عليهم السلام) هم سفن النجاة لهذه الأُمّة ، فحريٌّ بمن دعا الله تعالى أن يتوسّل إلى الله بهم (عليهم السلام) ، ويسأله بحقّهم ، ويقدّمهم بين يدي حوائجه .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( الأوصياء منّي ... بهم تُنصر أُمّتي ، وبهم يُمطرون ، وبهم يدفع الله عنهم ، وبهم يُستجاب دعائهم ) (1) .
التاسع : الإقرار بالذنوب :
وعلى الداعي أن يعترف بذنوبه مقرّاً مذعناً ، تائباً عمَّا اقترفه من خطايا ، وما ارتكبه من ذنوب .
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : ( إنّما هي مدحة ، ثمّ الثناء ، ثمّ الإقرار بالذنب ، ثمّ المسألة ، إنّه والله ما خرج عبد من ذنب إلاّ بالإقرار ) (2) .
العاشر : المسألة :
وينبغي للداعي أن يذكر ـ بعد الثناء على الله تعالى والصلاة على النبيّ وآله (عليهم السلام) والإقرار بالذنب ـ ما يريد من خير الدنيا والآخرة ، وأن لا يستكثر مطلوبه ، لأنّه يطلب من ربّ السماوات والأرض ، الذي لا يعجزه شيء ، ولا تنفد خزائن رحمته التي وسعت كلّ شيء .
الحادي عشر : معرفة الله ، وحسن الظنّ به سبحانه :
وهذا يعني أنّ من دعا الله تعالى يجب أن يكون عارفاً به وبصفاته ، فعلى الداعي أن يوقن برحمة الله اللامتناهية ، وبأنّه سبحانه لا يمنع أحداً من فيض نعمته ، وأنّ باب رحمته لا يغلق أبداً .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( قال الله عزّ وجلّ : من سألني وهو يعلم أنّي أضرُّ وأنفع استجبت له ) (3) .
____________
1- تفسير العيّاشيّ 1 / 14 .
2- الكافي 2 / 484 .
3- ثواب الأعمال : 153 .
|
الصفحة 485 |
|
وقيل للإمام الصادق (عليه السلام) : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟! قال (عليه السلام) : ( لأنّكم تدعون من لا تعرفونه ) (1) .
الثاني عشر : العمل بما تقتضيه المعرفة :
على الداعي أن يعمل بما تقتضيه المعرفة لخالقه ، بأنّ يفي بعهد الله ويطيع أوامره ، وهما من أهمّ الشروط في استجابة الدعاء .
قال رجل للإمام الصادق (عليه السلام) : يقول الله : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } (2) ، وإنَّا ندعو فلا يُستجاب لنا ؟! فقال (عليه السلام) : ( إنّكم لا تفون لله بعهده ، فإنّه تعالى يقول : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } (3) ، والله لو وفيتم لله سبحانه لوفى لكم ) (4) .
الثالث عشر : الإقبال على الله تعالى :
من أهمّ آداب الدعاء هو أن يقبل الداعي على الله سبحانه بقلبه ، وعواطفه ، ووجوده ، وأن لا يدعو بلسانه وقلبه مشغول بشؤون الدنيا .
فهناك اختلاف كبير بين مجرّد قراءة الدعاء ، وبين الدعاء الحقيقيّ ـ الذي ينسجم فيه اللسان انسجاماً تامّاً مع القلب ـ فَتَهتَزُّ له الروح ، وتحصل فيه الحاجة في قلب الإنسان ومشاعره .
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : ( إنّ الله عزّ وجلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلبٍ ساهٍ ؛ فإذا دعوت فأقبل بقلبك ، ثمّ استيقن بالإجابة ) (5) .
الرابع عشر : الاضطرار إلى الله سبحانه :
لابدّ للداعي أن يتوجّه إلى الله تعالى توجّه المضطرّ الذي لا يرجو غيره ،
____________
1- التوحيد : 289 .
2- غافر : 60 .
3- البقرة : 40 .
4- بحار الأنوار 66 / 341 .
5- الكافي 2 / 473 .
|
الصفحة 486 |
|
وأن يرجع في كلّ حوائجه إلى ربّه ، ولا ينزلها بغيره من الأسباب العادية التي لا تملك ضرّاً ولا نفعاً .
فإذا لجأ الداعي إلى ربّه بقلب سليم ، وكان دعاؤه حقيقياً صادقاً جادّاً ، وكان مدعوُّه ربّه وحده لا شريك له ، تحقّق الانقطاع الصادق بالاضطرار الحقيقيّ إلى الله تعالى ، الذي هو شرط في قبول الدعاء .
الخامس عشر : تسمية الحوائالجواب :
إنّ الله تعالى محيط بعباده ، يعلم حالهم وحاجاتهم ، وهو أقرب إليهم من حبل الوريد ، ولكنّه سبحانه يحبُّ أن تُبثُّ إليه الحوائج ، وتُسمَّى بين يديه تعالى ، وذلك كي يُقبل الداعي إلى ربّه ، محتاجاً إلى كرمه ، فقيراً إلى لطفه ومغفرته .
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : ( إنّ الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه ، ولكنّه يحبُّ أن تُبثّ إليه الحوائج ، فإذا دعوت فسمِّ حاجتك ) (1) .
السادس عشر : ترقيق القلب :
ويستحبّ الدعاء عند استشعار رقّة القلب ، وحالة الخشية التي تنتابه بذكر الموت ، والبرزخ ، ومنازل الآخرة ، وأهوال يوم المحشر ، وذلك لأنّ رقَّة القلب سبب في الإخلاص المؤدّي إلى القرب من رحمة الله وفضله .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( اغتنموا الدعاء عند الرقّة ، فإنّها رحمة ) (2) .
السابع عشر : البكاء والتباكي :
خير الدعاء ما هيّجه الوجد والأحزان ، وانتهى بالعبد إلى البكاء من خشية الله ، الذي هو سيّد آداب الدعاء وذروتها ، ذلك لأنّ الدمعة لسان المذنب الذي يفصح عن توبته ، وخشوعه وانقطاعه إلى بارئه ، والدمعة سفير رِقَّةِ القلب ، الذي يؤذن بالإخلاص والقرب من رحاب الله تعالى .
____________
1- المصدر السابق 2 / 476 .
2- الدعوات : 30 .
|
الصفحة 487 |
|
قال الإمام الصادق (عليه السلام) لأبي بصير : ( إن خفتَ أمراً يكون أو حاجة تريدها، فابدأ بالله ومَجِّدهُ ، واثنِ عليه كما هو أهله ، وصلِّ على النبيّ (صلى الله عليه وآله) وَسَل حاجتَكَ ، وتباكَ ولو مثل رأس الذباب ، إنّ أبي كان يقول : إنّ أقرب ما يكون العبد من الربّ عزّ وجلّ وهو ساجد باكٍ ) (1) .