كيفية حكم الأئمّة بعدها :
السؤال : هلاّ بيّنتم لنا عن كيفية حكم الأئمّة (عليهم السلام) بعد الرجعة ؟ فهل تكون على سبيل المثال الحاكمية للإمام الحسين (عليه السلام) حين يرجع ؟ أم تكون للمهدي المنتظر (عليه السلام) ؟ خصوصاً بعد دلالة الروايات على أنّه أوّل من يرجع من الأئمّة (عليهم السلام) .
وهل أنّ البشرية بعد حاكمية دولة الحقّ تنقى من شوائب الإجرام إلى قيام الساعة ؟ أم أنّ بعض الناس ينقلبون على الحقّ ويتّبعون الباطل ؟
الجواب : من خلال مراجعة بعض الروايات يتّضح أنّ أوّل من يحكم هو الإمام المنتظر (عليه السلام) ، ثمّ بعد ذلك الإمام الحسين (عليه السلام) ، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) حينما سئل عن الرجعة أحقّ هي ؟ قال : ( نعم ) ، فقيل له : من أوّل من يخرج ؟ قال : ( الحسين (عليه السلام) يخرج عن أثر القائم ) ، قلت : ومعه الناس كلّهم ؟ قال : ( لا ، بل كما ذكر الله في كتابه : { يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا } (1) قوم بعد قوم ، ويقبل الحسين (عليه السلام) في أصحابه الذين قُتلوا معه ، ومعه سبعون نبيّاً ، كما بعثوا مع موسى بن عمران (عليه السلام) ، فيدفع إليه القائم الخاتم ، فيكون الحسين
____________
1- النبأ : 18 .
|
الصفحة 522 |
|
(عليه السلام) هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ، ويواريه في حفرته ) (1) .
ثمّ إنّ بعض الروايات تشير إلى أنّ النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) يقتل إبليس ، فيكون بقتله هلاك جميع أشياعه ، فعند ذلك يعبد الله تعالى ولا يشرك به شيئاً ، أمّا قبل ذلك في زمن الإمام المهديّ (عليه السلام) فالخلق سوف لا يكونون معصومين ، وليس جميعهم عدولاً ، لكن الإمام يحكم بينهم بالعدل ، ويأخذ للمظلوم حقّه من الظالم .
____________
1- مختصر بصائر الدرجات : 48 .
|
الصفحة 523 |
|
( محمّد . قطر . ... )
السؤال : نشكر لكم هذه الجهود لنشر معالم أهل البيت (عليهم السلام) ، ووفّقكم الله لكلّ خير .
سؤالي هو عن رزية يوم الخميس ، الكلّ يعلم بأنّ الرزية حدثت يوم الخميس ، والنبيّ (صلى الله عليه وآله) حسب علميّ توفّى يوم الاثنين ، فلماذا لم يكتب النبيّ (صلى الله عليه وآله) وصيّته في هذه المدّة ؟ ولكم منّي كلّ شكر وامتنان على ما تقدّموه .
الجواب : إنّما عدل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الكتابة ، لأنّ كلمة عمر بن الخطّاب : ( إنّ الرجل ليهجر ، أو ليهذي ، أو قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله ) ، واتفاق كلمة أكثر الحاضرين على ما قاله عمر ـ هذه الكلمة التي فاجأت النبيّ (صلى الله عليه وآله) ـ اضطرّته إلى العدول عن الكتابة ، إذ لم يبق بعدها أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة والاختلاف من بعده ، في أنّه هل هجر فيما كتبه ـ والعياذ بالله ـ أو لم يهجر ، كما اختلفوا في ذلك وأكثروا اللغو واللغط نصب عينيّه ، فلم يتسنّ له يومئذ أكثر من قوله لهم : ( قوموا عنّي ) (1) .
ولو أصرّ فكتب الكتاب للجّوا في قولهم هجر ، ولأوغل أشياعهم في إثبات
____________
1- مسند أحمد 1 / 325 ، صحيح البخاريّ 1 / 37 و 8 / 161 ، السنن الكبرى للنسائيّ 4 / 36 ، شرح نهج البلاغة 12 / 87 ، الإحكام في أُصول الأحكام لابن حزم 7 / 984 ، الطبقات الكبرى 2 / 244 ، البداية والنهاية 5 / 271 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 / 192 ، السيرة النبويّة لابن كثير 4 / 499 .
|
الصفحة 524 |
|
هجره ـ والعياذ بالله ـ فسطّروا به أساطيرهم ، وملأوا طواميرهم ردّاً على ذلك الكتاب ، وعلى من يحتجّ به .
لهذا اقتضت حكمته البالغة أن يضرب (صلى الله عليه وآله) عن ذلك الكتاب صفحاً ، لئلا يفتح هؤلاء المعارضون وأولياؤهم باباً إلى الطعن في النبوّة ـ نعوذ بالله وبه نستجير ـ وقد رأى (صلى الله عليه وآله) أنّ عليّاً وأولياءه خاضعون لمضمون ذلك الكتاب ـ سواء عليهم كتب أم لم يكتب ـ وغيرهم لا يعمل به ، ولا يعتبره حتّى لو كتب ، فالحكمة ـ والحال هذه ـ توجب تركه ، إذ لا أثر له بعد تلك المعارضة سوى الفتنة ، كما لا يخفى .
( أبو الزين . الأردن . ... )
قول بعضهم للإمام السجّاد : أنّه ليهجر :
السؤال : بعد السلام والتحية أحتجّ الأخوة الأشاعرة بما يشابه حديث الرزية عندهم ، في ختام نشرة وزّعوها حول موضوع الرزية ، قال الكاتب : ملاحظة هذه رواية روتها كتب الشيعة الإمامية في حقّ أحد الأئمّة ، وهو معصوم عندهم ، لا فرق بينه وبين النبيّ إلاّ بالإيحاء :
قال ابن طاووس شرف العترة وركن الإسلام في كتابه فرج المهموم : ( ومن ذلك في دلائل علي بن الحسين (عليهما السلام) ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر بن رستم ، قال : حضر علي بن الحسين الموت ، فقال لولده : ( يا محمّد أيّ ليلة هذه ) ؟ ... ثمّ دعا بوضوء فجيء به ، فقال : ( إنّ فيه فارة ) ، فقال بعض القوم : أنّه ليهجر ، فجاءوا بالمصباح ... ) (1) .
الجواب : يلاحظ أوّلاً : أنّ الحديث المذكور مع اشتماله على هذه الصيغة ـ ليهجرـ قد ورد فقط في كتاب فرج المهموم بسند غير واضح ، وعليه فلا دليل
____________
1- فرج المهموم : 228 .
|
الصفحة 525 |
|
على اعتباره مطلقاً .
وثانياً : جاء هذا الحديث بدون ذكر هذه العبارة في مصادر حديثية أُخرى : كمختصر بصائر الدرجات (1) ، وبصائر الدرجات (2) ، والكافي (3) ، ومناقب آل أبي طالب (4) ، وكشف الغمّة (5) .
ومنه يظهر : أنّ النقل المذكور في السؤال حتّى لو كان معتبراً ـ فرضاً ـ كان متعارضاً مع نقل باقي المصادر التي ذكرناها ، فتكون مرجوحة بالنسبة إليها .
وثالثاً : أنّ الأئمّة (عليهم السلام) كانوا يعيشون حالة التقيّة والتستّر من الأعداء ، وهذا يعني أنّهم كانوا يحاطون بمجموعة من الأشخاص الذين لهم صلة بالجهات الحكومية آنذاك ، أو على الأقلّ لا يعترفون بإمامتهم ، وهذا يظهر من حياتهم وسيرتهم بأدنى تأمّل ، إذ يوجد هناك من كان راوياً عن الإمام (عليه السلام) ، ولم يعتقد به كإمام .
وعلى هذا ، فصدور كلمة أو اتخاذ موقف لدى بعض الناس لا يدلّ على تشيّعه ، بل وفي عبارة الرواية المذكورة ما يوحي خلاف ذلك ، إذ جاء فيها : ( فقال بعض القوم ) ، والتعبير بالقوم يستعمل عادةً في أحاديثنا للإشارة إلى أهل السنّة ، كما هو الحال بالنسبة للتعبير بالناس .
وعليه ، فالخطّ المعادي للحقّ قال للنبي (صلى الله عليه وآله) : إنّه ليهجر ، واستمر هذا الخطّ المعادي إلى أن وصل إلى زمن الإمام السجّاد (عليه السلام) ، وقال : إنّه ليهجر ، ولو تتبعنا في التاريخ ربما وجدنا أنّ هذه الكلمة تكرّرت لسائر أهل البيت (عليهم السلام) .
____________
1- مختصر بصائر الدرجات : 7 .
2- بصائر الدرجات : 503 .
3- الكافي 1 / 468 .
4- مناقب آل أبي طالب 3 / 283 .
5- كشف الغمّة 2 / 322 .
|
الصفحة 526 |
|
( عبد العليم . أندونيسيا . 38 سنة . طالب جامعة )
سبب امتناع النبيّ من الكتابة :
السؤال : سؤالي هو : لماذا عندما أمر الله تعالى النبيّ بكتابة كتاب للقوم في رزية الخميس ، وعندها تجرّأ عمر ومنع النبيّ من كتابة ذلك الكتاب ، فهل كان امتناع النبيّ من الكتابة بأمر من الله ؟ أم منه ، مع رضا الله بذلك ؟ وإذا كان منه تعالى ، فهل كان بداءً ؟ أو كان غير ذلك ، يعني هل كان عمر سبباً في منع الكتابة ؟ والحال الآية القرآنيّة تشير إلى أنّ الله يعصمك من الناس ؟؟
وشكراً لجهودكم الطيّبة .
الجواب : إنّ الأوامر والنواهي الواردة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد تكون مطلقة ـ أي لا تتقيّد بحالة دون حالة ـ وقد ترد بصورة التعليق ـ أي أنّها مقيّدة بقيود ـ ولكلّ من القسمين شواهد في سيرته وحياته (صلى الله عليه وآله) .
وفي المقام ، كانت كتابة النبيّ (صلى الله عليه وآله) مشروطة ومقيّدة بتمكين الكلّ ، وعدم إظهار الخلاف عنده (صلى الله عليه وآله) ، وبما أنّه لم تحصل هذه الجهة انتفت الكتابة من الأساس .
ولو أمعنّا النظر في المسألة ، لوجدنا أنّ الكتابة في ذلك الظرف الحسّاس ـ وبدون رضوخ القوم لها ـ كانت تؤدّي إلى انشقاق وتشتّت الأُمّة ، مضافاً لفقدها قائدها ؛ فنظراً لهذه المصلحة الهامّة غضّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) طرفه ، ورفع يده عن الكتابة ، اعتماداً على إبلاغ ووصول الوصية المذكورة بمرّات وكرّات في طول عهد البعثة النبويّة ، وخشيةً منه (صلى الله عليه وآله) على وحدة الأُمّة .
نعم ، لو كانت تكتب تلك الوصية ، كان أمر الإمامة والخلافة أكثر وضوحاً عند عامّة الناس ، ولكن في نفس الوقت ، بما أنّ عمر خالف النبيّ (صلى الله عليه وآله) جهراً ، وأيّدته عصابته في ذلك ، رأى النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّ كتابة الوصية آنذاك أصبحت مرجوحة ، فأعرض عنها .
وبالجملة : فمنع عمر كان سبباً سلبيّاً في الموضوع بدون شكّ .
وأمّا الآية الشريفة ، فتشير إلى قضية الإبلاغ في غدير خم ، إذ كان الأمر
|
الصفحة 527 |
|
هناك مطلقاً ، وبدون تعليق على شرط أو قيد ؛ وحتّى أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يخشى من ارتداد الناس ، وعدم قبولهم للحقّ ، فجاء الوحي لدفع هذا الاحتمال ، فكان الأمر كما أراده الله تعالى .
فظهر ممّا ذكرنا : أنّ موضوع الإبلاغ في الغدير يختلف عن موضوع كتابة الوصية ، باختلاف نوعية الأمر النازل على النبيّ (صلى الله عليه وآله) .
( حسين الثابت . السعودية . 40 سنة . خرّيج ثانوية )