سيفه ذو الفقار :
السؤال : هل صحيح أنّ سيف ذو الفقار للإمام علي (عليه السلام) قد أنزله الله من السماء ؟ وشكراً جزيلاً .
الجواب : إنّ نزول سيف ذو الفقار من السماء نقله العلاّمة ابن شهر آشوب عن تفسير السدي عن ابن عباس في قوله تعالى : { وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ } (2)، قال : أنزل الله آدم من الجنّة معه ذو الفقار ، خلق من ورق آس الجنّة ، ثمّ قال : { فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } .
وكان به يحارب آدم أعداءه من الجنّ والشياطين ، وكان عليه مكتوب : " لا يزال أنبيائي يحاربون به نبيّ بعد نبيّ ، وصدّيق بعد صدّيق ، حتّى يرثه أمير المؤمنين ، فيحارب به عن النبيّ الأُمي " .
ثمّ قال : وقد روى كافّة أصحابنا أنّ المراد بهذه الآية ذو الفقار ، أنزل به من السماء على النبيّ فأعطاه علياً .
وسئل الإمام الرضا (عليه السلام) من أين هو ؟ فقال : " هبط به جبرائيل من السماء
____________
1- شرح نهج البلاغة 1 / 151 ، علل الشرائع 1 / 150 ، الاحتجاج 1 / 283 ، مناقب آل أبي طالب 2 / 48 ، الطرائف : 418 .
2- الحديد : 25 .
|
الصفحة 28 |
|
، وكان حلية ]حليته [ من فضة ، وهو عندي " (1) .
وهذا أحد الأقوال ، إذ ذهب بعضهم إلى أنّ جبرائيل أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن يتّخذ سيف ذو الفقار من صنم حديد في اليمن ، فذهب علي وكسّره ، وعمل منه ذو الفقار .
وقيل : إنّه كان من هدايا بلقيس إلى سليمان (عليه السلام) .
نعم ، ورد عن طرق أهل السنّة ، فضلاً عن الشيعة : إنّ جبرائيل قد سمع يقول : " لا سيف إلاّ ذوالفقار ، ولا فتى إلاّ علي " (2) .
قال الطبري : " حدّثنا أبو كريب قال : حدّثنا عثمان بن سعيد قال : حدّثنا حبّان بن علي ، عن محمّد بن عبد الله بن أبي رافع ، عن أبيه عن جدّه قال : لمّا قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية ، أبصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) جماعة من مشركي قريش ، فقال لعلي : " احمل عليهم " ، فحمل عليهم ، ففرّق جماعتهم ، وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي .
فقال جبرائيل : " يا رسول الله إن هذه للمواساة " ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " إنّه منّي وأنا منه " ، فقال جبرائيل : " وأنا منكما " .
قال : فسمعوا صوتاً : لا سيف إلاّ ذو الفقار ، ولا فتى إلاّ علي " (3) .
ولا مانع أن يكون سيف ذو الفقار قد نزل من السماء ، فإنّ به ثبت الدين ، وانهزم المشركون ، وعلت كلمة الحقّ ، فإذا أقررنا شهادة جبرائيل بأن لا
____________
1- مناقب آل أبي طالب 3 / 81 .
2- الكافي 8 / 110 ، الإرشاد 1 / 84 ، ذخائر العقبى : 74 ، شرح نهج البلاغة 11 / 217 و 13 / 293 ، نظم درر السمطين : 120 ، تاج العروس 3 / 474 ، كشف الخفاء 2 / 363 ، تاريخ مدينة دمشق 39 / 201 و 42 / 71 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 197 ، البداية والنهاية 4 / 54 و 6 / 6 و 7 / 250 و 293 و 372 ، السيرة النبوية لابن هشام 3 / 615 ، السيرة النبوية لابن كثير 3 / 94 و 4 / 707 ، جواهر المطالب : 189 ، ينابيع المودّة 1 / 434 ، و 2 / 12 .
3- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 197 .
|
الصفحة 29 |
|
سيف إلاّ ذو الفقار ، فتعظيماً لمقام هذا السيف ، وإمعاناً في بيان فضله ومنزلته عند الله لم يكن نزوله من السماء شيئاً مستبعداً .
وقال جميع المفسّرين من الفريقين في تفسير قوله تعالى : { وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ } وأنّ الحديد أنزله الله مع آدم ، وهي السندان والإبرة والحبل ، وكان كلّها من حديد ، فهذا إقرار منهم بأنّ الله قد أنزل مع آدم هذه الآلات من الحديد ، فإنزال السيف هو الأوفق بسياق الآية ، فإنّ البأس الشديد مع منافع الناس إشارة إلى أنّ البأس الشديد هو محاربة الكفّار ، وتثبيت كلمة الله .
ثمّ أردف قوله تعالى بعد ذلك : { وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ } إشارة إلى أنّ النصر لا يتأتى إلاّ بآلات الحرب ، ومنها السيف ، فمناسبة النصر والبأس الشديد لا تكون إلاّ ما يناسبها وهو السيف ، ولا معنى للاقتصار على الإبرة والسندان وغيرها ، فإنّ الآية في مقام البأس الشديد ، والانتصار لله ولدينه ، فلا يناسبها إلاّ السيف ، وذكر الإبرة والسندان يناسب قوله : { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } .
فبمقتضى المقابلة بأس شديد يقابلها السيف ، ومنافع للناس يقابلها الإبرة والسندان ، فلا منافاة إذاً من الجمع بين السيف وبين ما ذكره عامّة المفسّرين من الشيعة والسنّة .
( منى . الكويت . ... )