زيارة الأربعين كانت في نفس سنة القتل :
السؤال : هل كانت زيارة الأربعين في نفس السنة التي قُتل فيها سيّد الشهداء (عليه السلام) ؟
الجواب : لاشكّ ولا ريب أنّ أعداء أهل البيت (عليهم السلام) حاولوا على مدى الزمان ، منع إقامة الشعائر الحسينية ، أو التشكيك والسخرية في كثير منها ، ولكن بسبب وقوف الحاسم لمراجع الدين أمام هذا التيّار ، وحثّهم للأُمّة على إقامة الشعائر ، بالإضافة إلى وجود الحبّ والولاء لأهل البيت (عليهم السلام) لدى الأُمّة ، أفشل الكثير من تلك المحاولات والخطط ، فأثبتوا للأعداء قوّة تمسّكهم بأهل البيت (عليهم السلام) ، وبإقامة شعائرهم ، مهما كلّفهم الأمر من الخطر .
ثمّ لا يخفى عليكم أنّ الكثير من القضايا التاريخيّة لم تصل إلينا بشكل صحيح ، فيد التزوير وقلب الحقائق وتشويهها لا زال موجوداً ، من أجل
____________
1- المزار الكبير : 496 .
|
|
|
مصالح شخصية ودنيوية .
كما لا يخفى عليكم أنّ ثبوت بعض القضايا التاريخيّة أو عدم ثبوتها بشكل قطعي ، كقضية رجوع السبايا إلى كربلاء ، لا تمنع المحبّ والموالي لأهل البيت (عليهم السلام) ، من إقامة الشعائر الحسينية .
والنتيجة : إنّ قضية رجوع السبايا إلى كربلاء من القضايا المشهورة عند علمائنا ، وأنّ رأس الحسين (عليه السلام) قد أعاده الإمام زين العابدين (عليه السلام) بعد الرجوع من الأسر ، وألحقه بالجسد الشريف بعد أربعين يوماً من استشهاده ، أي يوم العشرين من صفر في نفس تلك السنة (1) .
( أحمد . الإمارات . 19 سنة . طالب حوزة )
زيارة الله لقبر الحسين زيارة شرفية :
السؤال : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهابيّة في المنتديات ، أرجو الردّ السريع : الله يزور قبر الحسين ، قد تعجبون من هذه الحقيقة ، والحقيقة مُرّة .
روى الكلينيّ وغيره : أنّ أبا عبد الله عتب على من أتاه ولم يزر قبر علي بن أبي طالب ، قائلاً : ( لولا أنّك من شيعتنا ما نظرت إليك ، ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة ويزوره الأنبياء ) ؟ الكافي 4 / 580 ، تهذيب الأحكام 6 / 20، كامل الزيارات : 89 ، كتاب المزار : 19 ، فرحة الغريّ : 102 .
وبسبب ما ورد من مثل هذه الفضائل تفوّه أحد أصحاب أبي عبد الله بهذه الكلمة : والله لقد تمنّيت أنّي زرته ولم أحج ( الكافي 4 / 583 ) ، فتأمّل !
أرجو إعطائي بعض المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهابيّة ، وشكراً .
الجواب : لقد وردت روايات متضافرة بثواب زيارة الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ،
____________
1- أُنظر : مثير الأحزان : 86 ، اللهوف : 114 .
|
|
|
وفيها من الترغيب والحثّ الكبير ، الدال بكلّ وضوح على الاستحباب المؤكّد ، ويمكن للسائل أن يراجع المصادر المذكورة في متن السؤال ليقف عليها بالتفصيل .
وبالنسبة للألفاظ الواردة فيها ـ كقوله (عليه السلام) : ( ألا تزور من يزوره الله ... ) ـ فنقول : قد أثبت الإمامية في بحوثهم الكلامية بما لا مزيد عليه استحالة الانتقال والتنقّل في حقّه سبحانه من مكان إلى مكان ، لما يلزم من الجسمية والنقص والاحتياج ، فلا يمكن تصوّر زيارته سبحانه لغيره ـ كما في لسان هذه الروايات ـ كزيارة الناس بعضهم لبعض ، أو زيارة الملائكة للأولياء الصالحين .
وإنّما المراد هو معنى مجازي ، المقصود منه بيان شرفية المزور وكرامته عنده سبحانه ، كما بيّن سبحانه في آيات عديدة من القرآن الكريم ، مثلاً شرفية الخمس والصدقات ، فذكر سهماً له في الخمس أو بأخذه للصدقات ، كما في قوله تعالى : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } (1) ، وقوله تعالى : { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ } (2) .
فلا يمكن تصوّر أن يكون لله سبحانه سهماً في الخمس على نحو الأخذ والانتفاع ، فهذا محال في حقّه سبحانه ، كذلك لا يمكن أن يتصوّر أن يأخذ الله الصدقات على نحو الحقيقة من التناول والقبض ، فهذه ألفاظ إنّما أُريد منها معنى مجازياً لبيان شرفية الموضوع المتحدّث عنه ، وعليه تكون الألفاظ الواردة في روايات الزيارة إنّما هي وفق هذا السياق القرآنيّ المار ذكره .
أمّا بخصوص عبارة معاوية بن وهب التي ذكرها المستشكل وهي : والله لقد تمنّيت أنّي زرته ولم أحج ، نقول ـ على فرض ثبتوتها ـ : فهي ظاهرة في
____________
1- الأنفال : 41 .
2- التوبة : 10 .
|
|
|
إرادة الحجّ المستحبّ ، إذ لا مقارنة بين الواجب منه وبين الزيارة المستحبّة ، وإنّما المقارنة بين المستحبّين ، ومن الممكن أن يكون مستحبّاً أكثر ثواباً من مستحبّ آخر .
وفي الختام نقول : رحم الله امرأً استعان بنعم الله التي وهبها لعباده من الحواس والعقل وسخّرها لمعرفة حقائق الأُمور بالبحث والتدبّر ، بدل أن يكون مطيّه لأهوائه وغرائزه والشيطان ، ويخسر عندها الدنيا والآخرة ، ولا ينفعه الندم إن أراد الندم يوم ذاك ، ولله الحجّة البالغة ، وهو الموفّق للصواب .
( محمود البحرانيّ . البحرين . 17 سنة . طالب الثانوية )
الميّت يدرك بعد الموت وينتفع بالعمل :
السؤال : عند زيارة قبر أحد الأموات ، هل يسمع الميّت كلام الزائر أم أنّ روحه قد انتقلت إلى مكان أخر ، وإنّ صوت الزائر لا يصله ، وإذا كان الصوت لا يسمع فما الفائدة من زيارة القبر إذاً ؟
أتمنّى الإجابة ، ولكم الشكر الجزيل ، متمنّياً من المولى أن يرزقنا وإيّاكم الثواب وحسن الختام .
الجواب : إنّ السؤال ينقسم إلى قسمين :
1ـ هل هناك حياة أُخرى بعد الموت يكون للميّت فيها فعل وإدراك وشعور ؟ وهل يمكن أن يكون هناك اتصال بين الحياة الدنيا وعالم البرزخ الذي تنتقل إليه الروح ؟ وبالتالي أنّ الميّت يستطيع أن يسمع كلام الحيّ ؟
2ـ هل أنّ الميّت ينتفع بالأعمال التي يؤدّيها الحيّ بالنيابة عنه ، أو يهديها إليه أو لا ؟
والجواب عن القسم الأوّل يكون بنقاط :
1ـ إنّ حقيقة الإنسان هي بروحه لا ببدنه ، وإنّ هذه الروح لا تفنى بفناء الجسد ، وإنّما تنتقل إلى عالم آخر وهو البرزخ ، قال تعالى : { اللهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ
|
|
|
وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (1) ، ويتوضّح ذلك أكثر إذا عرفنا أنّ معنى التوفّي هو الأخذ والقبض والاستيفاء وليس الإعدام .
2ـ إنّ روح الإنسان تبقى حية بعد خروجها من الجسد ، وانتقالها إلى عالم البرزخ ، ومعنى أنّها حية أنّ لها عقل وإدراك ، ويدلّ عليه آيات كثيرة ، منها قوله تعالى في قصّة حبيب النجّار : { قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ } (2) .
فإنّه هناك وهو في عالم البرزخ يتمنّى أن يعلم قومه ما أنعم الله عليه ، والتمنّي فعل منه ، وكذلك قوله تعالى : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } (3) ، فهي صريحة بحياتهم بعد الممات ، وأنّهم يفرحون ويستبشرون .
3ـ وجود الصلة بين الحياة الدنيوية والحياة البرزخية ، بمعنى إمكان الاتصال بالأرواح ومخاطبتها ، وأنّها تسمع وتحسّ بما يفعله الأحياء ، قال تعالى عما أخبر به عن نبي الله صالح (عليه السلام) : { فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ } (4) .
وقول النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأصحابه بعدما خاطب المشركين المقتولين في معركة بدر : ( ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوا ) (5) .
____________
1- الزمر : 42 .
2- ياسين : 26 ـ 27 .
3- آل عمران : 169 ـ 170 .
4- الأعراف : 78 ـ 79 .
5- مسند أحمد 3 / 104 ، صحيح مسلم 8 / 164 .
|
|
|
وسلامنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في نهاية كلّ صلاة ، إذ لو لم يكن هناك صلة بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته ، فما معنى سلامنا عليه .
ورواية أنّ الميّت يسمع قرع نعال أصحابه بعد وضعه في القبر (1) ، وهناك كلمات كثيرة لعلماء المسلمين تؤيّد ذلك ، وكلّ ما ذكرنا قد دلّت عليه التجارب والبحوث العلميّة لعلماء الغرب أيضاً ، والتي نشرت في مقالات وكتب كثيرة .
وأمّا ما ذكرت من انتقال الروح إلى مكان آخر ، وهو يوحي بأنّك تتصوّر أنّ للحياة البرزخية نفس قوانين الحياة الدنيوية من المكان والزمان والقرب والبعد وغيرها ، فإذا بعد الشخص لمسافة لا يمكنه سماع المتكلّم البعيد عنه ، ولكن يزول هذا التوهّم إذا عرفنا أنّ الحياتين مختلفتين بالقوانين ، وأنّ عالم البرزخ غير عالم الدنيا ، ثمّ أنّه ثبت في محلّه في علم الفلسفة ، أنّ الروح مجرّدة لا تخضع للقوانين المادّية .
وأمّا الجواب على القسم الثاني من السؤال ، فيكون أيضاً بنقاط :
1ـ إنّ الإيمان يجب أن يكون مقروناً بالعمل ، فلا نفع للإيمان بدون عمل ، خلافاً لما قاله المرجئة ، إذ قدّموا الإيمان وأخّروا العمل .
2ـ إنّ الله بفضله وجوده وسّع على الإنسان دائرة الانتفاع بالعمل ، حتّى شمل الانتفاع بعد الموت بالأعمال التي تتحقّق بعد الموت ، وهذه الأعمال على نوعين :
أ ـ ما إذا قام الإنسان بالعمل بنفسه ، ولكن يبقى العمل بعد موته يستفيد منه الناس ، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلاّ من ثلاثة : إلاّ من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ) (2) ،
____________
1- الجامع الصغير 1 / 317 ، الجامع لأحكام القرآن 13 / 233 .
2- مسند أحمد 2 / 372 ، صحيح مسلم 5 / 73 .
|
|
|
فهذه الأعمال ناتجة من الإنسان ، وهو الذي تسبّب بها ، وبقيت بعد موته يستفاد منها .
ب ـ فيما إذا لم يكن للميّت في العمل سعي ولا تسبيب ، وظاهر الكتاب والسنّة أنّ ثواب هذا العمل من غيره يصل إلى الميّت بفضل الله وسعة جوده ورحمته ، فيما إذا قام الآخر بالعمل الصالح نيابة عن الميّت ، وبعث ثوابه إليه .
قال تعالى : { وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } (1)، ففيها تصريح بدعاء المؤمنين للآخرين ، وأنّهم ينتفعون بعمل غيرهم .
والروايات تدلّ على انتفاع الميّت بدعاء الآخرين ، فقد تواتر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) زيارته لأهل بقيع غرقد ودعائه لهم ، وأمّا الأعمال غير الدعاء ـ كالصوم والصلاة والحجّ والصدقة والقراءة وغيرها ـ نيابة عن الميت ، فقد روي عن عائشة : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : ( من مات وعليه صيام ، صام عنه وليه ) (2) .
وعن سعد بن عبادة قال : يا رسول الله إنّ أُمّ سعد كانت تحجّ من مالي ، وتصدّق وتصل الرحم وتنفق من مالي ، وأنّها قد ماتت ، فهل ينفعها أن أفعل ذلك عنها ؟ قال : ( نعم ) (3) .
وغيرها من الروايات الكثيرة عن العامّة والخاصّة ، وإنّما نقلنا روايات العامّة لإلقاء الحجّة ، وعلى هذا فقهاء المذاهب الإسلاميّة فراجع ، مع أنّ هناك شبهات يأتي بها الوهابيّون ليس هنا مجال إيرادها .
وعلى كلٍّ فإنّ الغرض من طرح هذا الموضوع من أنّ الميّت لا ينتفع بعمل
____________
1- الحشر : 10 .
2- صحيح البخاريّ 2 / 240 ، صحيح مسلم 3 / 155 .
3- كنز العمّال 6 / 598 .
|
|
|
غيره ، يطرح كمقدّمة للدخول إلى منع التوسّل والاستغاثة بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) ، والأئمّة (عليهم السلام) والأولياء ، باعتبار أنّهم موتى .
ونذكر هنا رواية واحدة من كتبنا للفائدة ، فعن محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) نزور الموتى ؟ قال : ( نعم ) ، قلت : فيسمعون بنا إذا أتيناهم ؟ قال : ( أي والله ليعلمون بكم ، ويفرحون بكم ، ويستأنسون إليكم ) (1) .