عربي
Friday 22nd of November 2024
0
نفر 0

السؤال : هل يجوز البكاء على الميّت القريب جدّاً ، مثل الأُم أو الأب أو الابن لمدّة طويلة ؟ وهل يعذّب الميّت ببكاء الحيّ ؟

لا يعذّب الميّت ببكاء الحيّ عليه :

السؤال : هل يجوز البكاء على الميّت القريب جدّاً ، مثل الأُم أو الأب أو الابن لمدّة طويلة ؟ وهل يعذّب الميّت ببكاء الحيّ ؟

وجزاكم الله خير الجزاء ، ودمتم لنا سالمين .

الجواب : بكاء الحيّ على الميّت ـ سواء كان قريباً أو بعيداً ، وسواء كان لمدّة

____________

1- الكافي 3 / 262 .


الصفحة 22


قليلة أو طويلة ـ لا يوجد أيّ دليل على حرمته ، وإنّ ما اشتهر بين الوهابيّة حيث اتخذته ذريعة للطعن في المسلمين ، إنّما هو حديث اشتبه الراوي في نقله ، ولم يفهم مورده ، فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) مرّ بقوم يبكون على ميّت لهم ، فقال : ما يغني عنه هذا الذي يبكونه ، وهو يعذّب في قبره ، وقد كان الميّت من غير المسلمين .

وهذا من جملة الموارد التي خطّأت عائشةُ أصحابَ النبيّ (صلى الله عليه وآله) في روايتهم ونقلهم للأحاديث النبويّة ، فورد عنها أنّها قالت : يرحم الله عمر قال : يعذّب الميّت بالبكاء عليه , وإنّما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : ذلك اليهوديّ مات وأهله يندبونه ، فقال : ( ما يغني عنه هذا الذي يندبونه ، وهذا هو يعذّب في قبره ) (1) .

( محمّد . المغرب . 31 سنة )

في مصادر أهل السنّة :

السؤال : مادام في نظركم لا يوجد أيّ مانع من البكاء على الميّت ، فأين الدليل من الكتاب أو السنّة الشريفة ؟ والسلام .

الجواب : أوضح ما يمكن أن يستدلّ به على جواز البكاء على الميّت فعل النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، حيث بكى على ابنه ، كما روي في مصادر أهل السنّة (2) .

ولمّا قال له عبد الرحمن بن عوف : تبكي يا رسول الله ، أولم تنه عن البكاء ؟ قال (صلى الله عليه وآله) : ( إنّما نهيت عن النوح ... صوت عند مصيبة ، خمش

____________

1- مسند ابن راهويه 3 / 627 .

2- مسند أحمد 5 / 206 ، صحيح البخاريّ 2 / 80 و 8 / 165 ، صحيح مسلم 3 / 39 ، سنن النسائيّ 4 / 22 ، المصنّف لابن أبي شيبة 3 / 266 ، المصنّف للصنعانيّ 3 / 552 .


الصفحة 23


وجوه ، وشقّ جيوب ، ورنّة شيطان ، إنّما هذه رحمة ... ) (1) .

وكذلك ، يمكن أن يستدلّ على جواز البكاء على الميّت ، بل استحبابه ، هو ما فعله رسول الله(صلى الله عليه وآله) من تحريض النساء على البكاء على حمزة بقوله (صلى الله عليه وآله): ( ولكن حمزة لا بواكي له ) (2) .

وقوله (صلى الله عليه وآله) : ( على مثل جعفر فلتبك البواكي ) (3) .

وروى الحاكم بسنده عن أبي هريرة قال : خرج النبيّ على جنازة ، ومعه عمر ابن الخطّاب ، فسمع نساء يبكين ، فزجرهن عمر ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( يا عمر دعهن ، فإنّ العين دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد قريب ) ، وقال : ( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ) (4) .

ونختم الجواب بما رواه مسلم عن هشام بن عروة عن أبيه قال : ذُكر عند عائشة قول ابن عمر : الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه ، فقالت : رحم الله أبا عبد الرحمن ، سمع شيئاً فلم يحفظه ، إنّما مرّت على رسول الله جنازة يهوديّ ، وهم يبكون عليه فقال : ( أنتم تبكون وإنّه ليعذّب ) (5) .

____________

1- المصنّف لابن أبي شيبة 3 / 266 ، كنز العمّال 15 / 615 ، الطبقات الكبرى 1 / 138 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 22 ، المجموع 5 / 307 .

2- سنن ابن ماجة 1 / 507 ، مسند أحمد 2 / 40 ، البداية والنهاية 4 / 55 ، السيرة النبويّة لابن كثير 3 / 95 ، المستدرك على الصحيحين 1 / 381 .

3- ذخائر العقبى : 218 ، المصنّف للصنعانيّ 3 / 550 ، شرح نهج البلاغة 15 / 71 ، الجامع الصغير 2 / 159 ، كنز العمّال 11 / 660 ، الطبقات الكبرى 8 / 282 ، أُسد الغابة 1 / 289 ، تهذيب الكمال 5 / 61 ، أنساب الأشراف : 43 .

4- المستدرك على الصحيحين 1 / 381 .

5- صحيح مسلم 3 / 44 .


الصفحة 24


( مروة . مصر . ... )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

السؤال : ولمّا قال له عبد الرحمن بن عوف : أو لم تنه عن البكاء ؟ قال (صلى الله عليه وآله) : ( إنّما نهيت عن النوح ... صوت عند مصيبة ، خمش وجوه ، وشق جيوب ، ورنّة شيطان ، إنّما هذه رحمة ... ) ، ألا ينفي هذا ردّكم بجواز اللطم ، وشقّ الجيوب على شهداء كربلاء ؟

الجواب : الرواية ذكرت في الاستدلال على جواز البكاء من طريق أهل السنّة ، ولا يعني هذا أنّنا نلتزم بصحّة كلّ ما جاء في الرواية ، بل ذكرت من باب إلزام المقابل بما الزم به نفسه من صحّة الرواية .

وحتّى مع تسليمنا بالرواية فإنّها عامّة ، وقد استثني منها ما هو متعلّق بأهل البيت (عليهم السلام) بروايات رويت عنهم ، خصّصت هذا الحديث العام .


الصفحة 25


البناء على القبور :

( سيف الإسلام . السعودية . ... )

ليس فيه محذور :

السؤال : هل يجوز البناء على القبور ؟

الجواب : البناء على قبور الأنبياء والأولياء ليس فيه محذور ، أو نهي صحيح يمنع منه ، وقد حكم أئمّة المسلمين من كلّ المذاهب بجواز البناء على القبور ، إلاّ الشاذّ النادر لرأي ارتآه .

فهذه سيرة السلف خير شاهد على ذلك ، وهذه قبور الأنبياء والأولياء ، وأعلام أئمّة المسلمين من كلّ المذاهب ، تنطق بالشهادة عليه، في الحجاز ، والعراق ، وإيران ، والشام ، والمغرب ، ومصر ، وغيرها .

وهذا قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد بُني عليه منذ مئات السنين ، وكان يجدّد البناء عليه بين الحين والآخر ، حتّى وصل إلى ما وصل به الآن .

وأمّا ما استدلّ به على المنع من البناء على القبور ، فهي استدلالات ضعيفة ردّها علماء المسلمين ، والروايات التي استدلّ بها المانع ، إمّا ضعيفة سنداً ، أو لا تنهض من حيث الدلالة على المطلوب .

( عباس . البحرين . ... )

أدلّة الفريقين على جوازه :

السؤال : ذكرتم فيما سبق أنّ معظم أو أغلب العلماء يرون جواز البناء على القبر ، ولكن لم تذكروا الأدلّة ، فأرجو ذكر أكبر قدر ممكن منها ، من كتب أهل السنّة فقط ، لعلميّ بكثرتها عند الشيعة .


الصفحة 26


وقد سمعت أنّ علماء المذهب السلفيّ قد قاموا بهدم جميع القباب في المدينة ، وأرادوا هدم قبّة الرسول أيضاً لولا تدخّل علماء المسلمين ، فهل هذه الأخبار صحيحة ؟

أرجو الإجابة على هذه الأسئلة إجابة وافية مع الأدلّة قدر الإمكان ، وفّقكم الله لمراضيه ، وجنّبكم معاصيه .

الجواب : إنّ الوهابيّة والسلفيّة الذين كفّروا المسلمين بمختلف طوائفهم ، كلّ هؤلاء استعملوا العنف والإرهاب في تحميل عقائدهم الفاسدة على المسلمين ، فهدموا البقيع الذي يحوي قبور أهل البيت (عليهم السلام) ، والصحابة ، وأُمّهات المؤمنين ، وأرادوا تخريب قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، لولا أن وقف المسلمون أمام فعلتهم الشنعاء هذه ، وكذلك حاولوا تخريب قبور الأئمّة في العراق ولم يفلحوا ، نسأل الله أن يكفينا شرّهم .

وهم يوماً بعد آخر في طريقهم للسقوط في مزبلة التاريخ ، وذلك لتشويههم سمعة الإسلام والمسلمين في العالم ، بما يقومون به من أعمال إرهابية مخالفة للشريعة المحمّدية السمحاء .

وأمّا في مقام الاستدلال على جواز بناء القبور ، فتارة يكون الدليل خاصّاً ، وأُخرى عامّاً ، ثمّ أنّ الأصل الإباحة إلاّ إذا ورد دليل تام يحرّمه .

وفيما نحن فيه الأدلّة التي أقاموها على الحرمة غير تامّة ، والدليل الخاصّ ثابت في مصادر الشيعة ، والدليل العام وارد في مصادر الفريقين ، وأصل الإباحة ساري المفعول عند السنّة والشيعة ، لعدم تمامية الأدلّة التي أقاموها على الحرمة ، وفيما يلي التفصيل الذي طلبتموه في المسألة :

الأدلّة على جواز بناء القبور :

1ـ قوله تعالى: { قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا } (1) .

أخبرنا الله تعالى عن المؤمنين الذين قرّروا أن يتّخذوا من مضجع الفتية

____________

1- الكهف : 21 .


الصفحة 27


المؤمنة مسجداً ، يسجدون لله سبحانه فيه ، ويعبدونه وهم مؤمنون وليسوا بمشركين، ولم يذمّهم الله تعالى على ذلك .

وممّا لاشكّ فيه : أنّ شأن الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) أرفع من شأن أُولئك الفتية ، فإذا جاز بناء قبورهم ، فبالأُولى جواز ذلك بالنسبة إلى الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) .

2ـ قوله تعالى : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } (1) .

تدلّ هذه الآية على وجوب مودّة قربى الرسول (صلى الله عليه وآله) ، وهو وجوب مطلق لم يقيّد بزمان دون آخر ، ولا مكان دون مكان ، ولا كيفية دون أُخرى .

وممّا لاشكّ فيه : أنّ تعهّد قبر شخص ما بالبناء والأعمار والتجديد من جملة المصاديق العرفية لهذه المودّة .

3ـ تعظيم شعائر الله تعالى : فإنّ القرآن الكريم ، وإن لم يصرّح على بناء قبور الأنبياء والصالحين بالخصوص ، لكنّه صرّح بتعظيم شعائر الله تعالى ، بقوله : { وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } (2) ، وبقوله : { وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } (3)، وبقوله : { لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللهِ }(4) .

ولاشكّ ولا ريب : أنّ صون المعالم الدينية عن الاندراس ـ كالمشاهد المتضمّنة لأجساد الأنبياء والصالحين ـ وحفظها عن الخراب بناءاً وتجديداً نحو من أنحاء التعظيم ، كما أنّ حفظ المسجد عن الخراب تعظيم له .

ولا يخفى : أنّ الله تعالى جعل الصفا والمروة من الشعائر والحرمات التي يجب احترامها ، فكيف بالبقاع المتضمّنة لأجساد الأنبياء والأولياء ، فإنّها أُولى بأن تكون شعاراً للدين .

____________

1- الشورى : 23 .

2- الحجّ : 32 .

3- الحجّ : 30 .

4- المائدة : 2 .


الصفحة 28


كيف لا ؟ وهي من البيوت التي أذن الله أن تُرفع ، ويذكر فيها اسمه ، فإنّ المراد من البيت في الآية هو : بيت الطاعة ، وكلّ محلّ أُعدّ للعبادة ، فيعمّ المساجد والمشاهد المشرّفة لكونها من المعابد .

ولو لم يكن في الشريعة ما يدلّ على تعمير المساجد ، وتعظيمها واحترامها ، لأغنتنا الآية بعمومها عن الدلالة على وجوب تعمير المسجد وتعظيمه ، وإدامة ذكر الله فيه ، لكونه من البيوت التي أذن الله أن تُرفع .

ومثل المسجد ـ في جهة التعمير والتعظيم والحفظ ـ المشاهد التي هي من مشاعر الإسلام ، ومعالم الدين .

4ـ إقرار النبيّ (صلى الله عليه وآله) والصحابة على البناء ، فإنّه (صلى الله عليه وآله) أقرّ وهكذا أصحابه على بناء الحِجر ، ولم يأمروا بهدمه ، مع أنّه مدفن نبي الله إسماعيل (عليه السلام) وأُمّه هاجر ، وهكذا إقرارهم على بناء قبر النبيّ إبراهيم الخليل (عليه السلام) ، وبقية قبور الأنبياء والمرسلين حول بيت المقدس .

ثمّ إقرار الصحابة على دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الحجرة التي توفّي فيها ، وهي مشيّدة بالبناء ، ودُفن الخليفة الأوّل والثاني فيها من بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ولم يأمروا بهدمها ، بل العكس أمرهم بإعمارها دليل قاطع على جواز البناء على القبور .

5ـ الروايات الواردة في كتب الفريقين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الحثّ على زيارة القبور ، وثواب من زار قبره ، وأنّه (صلى الله عليه وآله) زار قبر أُمّه ، ورمّم قبرها .

( حسين . البحرين . 21 سنة )

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ان زيارة عاشورا المشهورة ( التي نقرأها جميعا ) هي ...
السؤال: إنّه ليحزّ في نفسي أن أجد مثل هذه الإجابة ...
السؤال : ما هو الردّ على أهل السنّة ؟ حيث يقولون : ...
السؤال : إلى الإخوان العاملين في مركز الأبحاث ، ...
السؤال : لماذا الشيعة لا يصلّون صلاة التراويح ؟ ...
السؤال : ما هو مفهوم الرجعة ؟ وفي أيّ زمن تحصل ؟
السؤال: إذا كان الله في كُلّ مكان ، كما قال الإمام ...
السؤال : لماذا يعتبر المسلمون بأنّ الكلب نجس حين ...
السؤال : لماذا نتوسّل بأهل البيت (عليهم السلام) ؟ ...
هل ورد هذا الحديث بما معناه ( أن الله تعالى ينزل ...

 
user comment