عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

ما بعد صفين

ما بعد صفين :
انتهت معركة صفين بالتحكيم ، وانتهى التحكيم بخديعة عمرو بن العاص لاَبي موسى الاَشعري ، فقال الاَشعري لابن العاص : (غدرت وفجرت ، إنّما مثلك كمثل الكلب) فقال له ابن العاص : (إنّما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفاراً) (5).
وبما أنّ الحكم كان نابعاً من الهوى والابتعاد عن الهدى تبرَّء الاِمام عليّ منهما ونسب إليهما نبذ حكم القرآن ومخالفته فقال عليه السلام : « ألا إنَّ هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء
____________
1) مروج الذهب 2 : 377 .
2) مروج الذهب 2 : 352 . والمنتظم 5 : 120 .
3) الفصل في الاَهواء والملل والنحل 4 : 161 .
4) صحيح البخاري 1 : 194 . وصحيح مسلم 4 : 2235 | 70 و 72 و 73 . ومسند أحمد 2 : 16 و164 .
5) نهاية الارب 20 : 159 .


( 100 )

ظهورهما ، وأحيا ما أمات القرآن ، واتبع كل منهما هواه بغير هدى من الله ، فحكما بغير حجة بينة ولا سُنة ماضية ، واختلفا في حكمهما وكلاهما لم يرشد ، فبرىء الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين » (1).
وحول الحكمين قال عبدالله بن عمر : (انظروا إلى ما صار أمر هذه الاُمّة ، إلى رجل لا يبالي ما صنع ، وآخر ضعيفاً) (2).
ولم يكتف معاوية بالبغي على إمام زمانه وقتل في هذا البغي آلاف المسلمين وخيرة الصحابة ، بل استمر في بغيه بالاعتداء على الاَبرياء الذين يوالون الاِمام عليّ عليه السلام باعتباره الخليفة الشرعي ، وكان يبعث الغارات على المدن التابعة للدولة الاِسلامية التي يحكمها الاِمام علي عليه السلام فبعث بسر بن أرطأة ـ وهو من الصحابة ـ في ثلاثة آلاف إلى الحجاز وإلى المدينة فدخلها فخطب في الناس وهدّدهم وقال : (والله ما لكم عندي من أمان ولا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبدالله) فلما سمع الصحابي جابر ابن عبدالله انطلق إلى أُم المؤمنين أم سلمة وقال لها : (ماذا ترين ؟ انّي قد خشيت أن أُقتل ، وهذه بيعة ضلالة) ، وكان ذلك الجيش يقتل (من أبى أن يقرّ بالحكومة) (3).
ثم مضى بسر بن أرطأة إلى اليمن فقتل جماعة من أهلها ، ومنهم طفلان صغيران لعبيد الله بن العباس (4).

____________
1) تاريخ الطبري 5 : 77 . والكامل في التأريخ 3 : 338 .
2) نهاية الاَرب 20 : 159 .
3) تاريخ الطبري 5 : 139 .
4) تاريخ الطبري 5 : 140 .


( 101 )

وكثر الحديث حول دهاء معاوية فأجاب الاِمام عليّ عليه السلام قائلاً : « والله ما معاوية بأدهى منّي ، ولكنه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس... » (1)ّ .
الفواصل السلوكية في عهد معاوية بن أبي سفيان :
ثم إنّ الاِمام عليه السلام قد أوصى بالاِمامة من بعده ـ بأمرٍ من الله ورسوله ـ إلى ولده الاِمام الحسن بن علي عليهما السلام وقد بايعه أيضاً أهل الكوفة وبعض الاَمصار ، وعلى الرغم من شرعية خلافته إلاّ أنّ معاوية لم يستجب إلى بيعته وتمرّد على شرعيته وأعلن العصيان والبغي ، وحينما رأى الاِمام الحسن عليه السلام أنّه لا يستطيع إخماد التمرّد ، وأنّه لا يملك القوة اللازمة في الاستمرار في الخلافة صالح معاوية(2)واشترط الاِمام الحسن عليه السلام شروطاً على معاوية ولكنّه لم يفِ بها(3).
وكانت سياسة معاوية بعد استيلائه على السلطة المخالفة لسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد اعترض الاِمام الحسن عليه السلام على معاوية في ذلك قائلاً : « إنَّ الخلافة لمن سار بسيرة رسول الله... وليس الخلافة لمن عمل بالجور وعطّل الحدود » (4) .
وفي مجلس معاوية والحسن حاضر شتم جماعة ـ وهم من الصحابة!! ـ
____________
1) شرح نهج البلاغة 10 : 211 .
2) تاريخ اليعقوبي 2 : 215 . والكامل في التأريخ 3 : 404 . وتاريخ الخميس 2 : 290 .
3) الكامل في التأريخ 3 : 405 .
4) ربيع الاَبرار 2 : 837 .


( 102 )

الاِمام عليّاً عليه السلام وذكروه بسوء ، فأجاب الاِمام الحسن عليه السلام معاوية بالقول : «أما بعد يا معاوية ، فما هؤلاء شتموني ولكنّك شتمتني ، فحشاً ألفته ، وسوء رأي عرضت به ، وخُلقاً سيئاً ثبتَّ عليه ، وبغياً علينا ، عداوة منك لمحمد وأهله... » (1).
وأغلظ القول لعمرو بن العاص وقال له : «... فأنت عدوّ بني هاشم في الجاهلية والاِسلام... وأما ما ذكرت من أمر عثمان ، فأنت سعَّرت عليه الدّنيا ناراً... ثم حبست نفسك إلى معاوية ، وبعت دينك بدنياه... » .
وقال الاِمام الحسن عليه السلام للوليد بن عقبة : « ... فوالله ما ألومك على بغض عليٍّ ، وقد جلدك ثمانين في الخمر... وأنت الذي سمّاه الله الفاسق ، وسمّى عليّاً المؤمن » (2).
وقال عليه السلام للمغيرة بن شعبة : « ... وإنَّ حدَّ الله في الزنا لثابت عليك » (3).
وقال الاِمام الحسن عليه السلام لمروان : « لقد لعن الله أباك الحكم وأنت في صلبه على لسان نبيّه ، فقال : لعن الله الحكم وما ولد » (4).
أوامر معاوية في شتم الاِمام عليّ عليه السلام :
بعد استقرار الاَمر لمعاوية ، أمر ولاته بلعن وشتم الاِمام عليّ بن أبي
____________
1) شرح نهج البلاغة 6 : 288 .
2) شرح نهج البلاغة 6 : 292 .
3) شرح نهج البلاغة 6 : 294 . يشير الاِمام عليه السلام إلى قيام البيّنة على المغيرة بالزنا في زمن عمر ، لكنّ عمر عطّل الحد ولم يجره في حقّه ، انظر : تاريخ اليعقوبي 2 : 146 ، الاغاني 16 : 99 ، شرح نهج البلاغة 12 : 245 .
4) البداية والنهاية 8 : 259 .


( 103 )

طالب عليه السلام من على منابر المسلمين .
وأوصى معاوية المغيرة بن شعبة (لا تترك شتم علي وذمّه) ، فقال له المغيرة : (قد جَرّبتُ وجُرّبتُ ، وعملت قبلك لغيرك فلم يذممني ، وستبلو فتحمد أو تذم) ، فكان المغيرة (لا يدع شتم علي والوقوع فيه) (1).
وكان ينال في خطبته من عليّ ، وأقام خطباء ينالون منه (2).
وكان حجر بن عديّ يرد اللعن على المغيرة (3).
ونتيجة لاستمرار شتم الاِمام عليّ عليه السلام وسبّه ، كتبت أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة إلى معاوية : (إنّكم تلعنون الله ورسوله على منابركم ، وذلك أنّكم تلعنون عليّ بن أبي طالب ومن أحبّه ، وأنا أشهدُ أنَّ الله أحبّه ورسوله) (4).
وروي أنّ قوماً من بني أُميّة قالوا لمعاوية : (... إنّك قد بلغت ما أمّلت ، فلو كففت عن لعن هذا الرجل ، فقال : لا والله حتى يربو عليه الصغير ، ويهرم عليه الكبير ، ولا يذكر له ذاكر فضلاً) (5).
كما وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على ( رواية أخبار قبيحة في الاِمام عليّ عليه السلام ، تقتضي الطعن فية والبراءة منه ، وجعل لهم على ذللك جُعلاً... منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرء بن شعبة وغيرهم .

____________
1) الكامل في التاريخ 3 : 472 .
2) سير أعلام النبلاء 3 : 31 .
3) تاريخ اليعقوبي 2 : 230 .
4) العقد الفريد 5 : 115 . وبنحوه في مسند أحمد 7 : 455 . والمعجم الكبير 23 : 323 .
5) شرح نهج البلاغة 4 : 57 .


( 104 )

وروي أنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب: ( مائة ألف درهم حتى يروي أنّ هذه الآية نزلت في حق علي ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ) (1) فلم يقبل ، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل ، فبذل له ثلاثمائة ألف درهم فلم يقبل ، فبذل له أربعمائة ألف درهم فقبل ، وروى ذللك ) .
وقام معاوية بقتل أخيار الصحابة الموالين للاِمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ومنهم حجر بن عدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2).
اعتراض الاِمام الحسين بن علي عليهما السلام على معاوية :
ارتكب معاوية أعمالاً مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، ووجد في ذلك اعتراضاً من قبل الصحابة ، ومن أعماله إدّعاؤه زياد بن سمية واستلحاقه بأبي سفيان خلافاً لسُنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (3).
واعترض الاِمام الحسين بن علي عليهما السلام على مجمل أعماله ، فقد جاء في كتابه عليه السلام إلى معاوية بعد أن وصفه وأصحابه بالقاسطين الملحدين حزب الظالمين وأولياء الشياطين : « ألست قاتل حجر بن عدي وأصحابه المصلّين العابدين ، الذين ينكرون الظلم ويستعظمون البدع... أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أبلته العبادة... أولست المدعي زياد بن سميّة.. ؟! فتركت سُنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخالفت أمره متعمدّاً، واتّبعت هواك مكذِّباً بغير هُدىً من الله.. فلا أعلم فتنة على الاُمّة
____________
1) سورة البقرة 2: 204 وما بعدها .
2) الكامل في التاريخ 3 : 473 . وتاريخ اليعقوبي 2 : 231 .
3) سير أعلام النبلاء 3 : 495 .


( 105 )

أعظم من ولايتك عليها.. وأخذك بالبيعة لابنك غلامٍ سفيه يشرب الشراب ويلعب بالكلاب ، ولا أعلمك إلاّ خسرت نفسك، وأوبقت دينك ، وأكلت أمانتك ، وغششت رعيّتك ، وتبوّأت مقعدك من النار ، فبعداً للقوم الظالمين» (1) .
ففي هذا الكتاب بيّن الاِمام الحسين عليه السلام لمعاوية خلافه لسُنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وابتعاده عن هدى الله تعالى ، وجعله في صف الظالمين ، ليتبوأ مقعده من النار .
ما جرى بين الصحابة في بيعة يزيد :
شجّع المغيرة بن شعبة معاوية على تولية يزيد العهد من بعده حينما علم أنّ معاوية سيعزله عن إمرة الكوفة ، وحينما رجع من معاوية قال : (...فوالله لقد وضعت رجل معاوية في غرز لا يخرجها منه إلاّ سفك الدماء) (2) .
وفي رواية أنّه قال : (لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أُمّة محمّد ، وفتقت عليهم فتقاً لا يُرتق أبداً) (3).
وحينما أراد مروان أن يدعو إلى بيعة يزيد ، قال له عبدالرحمن بن أبي بكر : (كذبت والله يا مروان ، وكذب معاوية ! ما الخيار أردتما لاُمّة محمد...) فقال مروان : هذا الذي أنزل الله فيه : (والذي قال لوالديه أُفٍّ لكما) فسمعت عائشة مقالته فقالت : (يا مروان... أنت القائل لعبدالرحمن
____________
1) أنساب الاَشراف 1 : 120 ـ 122 . وبنحوه في الاِمامة والسياسة 1 : 181 .
2) تاريخ اليعقوبي 2 : 220 .
3) الكامل في التاريخ 3 : 504 .


( 106 )

إنّه نزل فيه القرآن ؟ كذبت ! والله ما هو به.. ولكنّك أنت فضض من لعنة نبي الله) (1) .
ودخل معاوية على عائشة فأخبرها عن موقفه من الاِمام الحسين وعبدالرحمن بن أبي بكر وعبدالله بن الزبير فقال : (لاَقتلنّهم إن لم يبايعوا)(2) .
وهكذا استباح دم الصحابة لرفضهم بيعة ابنه يزيد .

____________
1) الكامل في التاريخ 3 : 506 ـ 507 .
2) الكامل في التاريخ 3 : 509 .

 

الرأي الاَول : عدالة جميع الصحابة :
وهو رأي جمهور العلماء من العامّة المتفقين على عدالة جميع الصحابة ، قال ابن حجر العسقلاني : (اتفق أهل السُنّة على أنّ الجميع عدول ، ولم يخالف في ذلك إلاّ شذوذ من المبتدعة) (2).
واستشهد بما قاله الخطيب البغدادي في ذلك : (... وإنّه لا يحتاج إلى سؤال عنهم ، وإنّما يجب فيمن دونهم... لاَنّ عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم) (3).
واستثنى ابن الاَثير الصحابة من الجرح والتعديل فقال : (والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلاّ في الجرح والتعديل ، فإنّهم كلّهم عدول لا يتطرق إليهم الجرح ، لاَنّ الله عزَّ وجل ورسوله زكياهم وعدَّلاهم، وذلك مشهور لا نحتاج لذكره) (4).

____________
1) الاِحكام في أصول الاَحكام 2 : 320 .
2) الاِصابة 1 : 6 .
3) الكفاية في علم الرواية : 46 .
4) أُسد الغابة 1 : 10 .


( 109 )

ويرى الشوكاني (استواء الكل في العدالة) (1).
ونسب محمد الفتوحي المعروف بابن النجار إلى ابن الصلاح وغيره القول بأنّ : (الاُمّة مجمعة على تعديل جميع الصحابة ، ولا يعتدّ بخلاف من خالفهم) (2) .

الاَدلة على عدالة جميع الصحابة :
1ـ الآيات القرآنية : استدل القائلون بعدالة جميع الصحابة ببعض الآيات القرآنية ، وقد سبق أن ذكرناها في الفصل الثاني ، وأثبتنا أنّها لاتدل على عدالة جميع الصحابة فرداً فرداً ، وإنّما تدل على مدح الله وثنائه على الصحابة بما هم مجموع ، ولا يسري هذا المدح والثناء إلى الاَفراد ، وإضافة إلى ذلك أنّ المدح والثناء أو الرضى من قبل الله تعالى مشروط بالوفاء بالعهد والاستمرار على الاستقامة وحسن العاقبة ، كما تقدم .
والآيات القرآنية لا تقتصر على المدح والثناء ، فهنالك آيات وردت في ذم بعض الصحابة لما ارتكبوه من أعمال ومواقف مخلّة بالعدالة ، وقد ذكرنا طرفاً من ذلك في محلّه .
2ـ الروايات : استدل بعض القائلين بعدالة جميع الصحابة بعدد من الروايات ومنها :
الرواية الاُولى : نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « إنَّ أصحابي بمنزلة
____________
1) ارشاد الفحول ، للشوكاني : 70 مطبعة البابي الحلبي ـ مصر 1358 هـ .
2) شرح الكوكب المنير 2 : 473 .


( 110 )

النجوم في السماء ، فأيِّها أخذتم به اهتديتم » (1).
وهذه الرواية غير تامة السند عند كثير من الفقهاء والعلماء بما فيهم بعض المؤمنين بعدالة جميع الصحابة .
قال أبو عمر يوسف بن عبدالبر القرطبي : (وهذا مذهب ضعيف عند جماعة من أهل العلم ، وقد رفضه أكثر الفقهاء وأهل النظر) (2).
وذكر ابن حزم الاِندلسي أسماء الرواة الضعاف والكذّابين والمجهولين في أسانيد هذه الرواية ، ثم أبرز رأيه من خلال تلك المقدمات فقال : (فقد ظهر أنّ هذه الرواية لا تثبت أصلاً ، وبلا شك أنّها مكذوبة... فمن المحال أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باتّباع كلّ قائل من الصحابة ، وفيهم من يحلّل الشيء وغيره من يحرمه ، ولو كان ذلك لكان بيع الخمر حلالاً اقتداءً بسمرة بن جندب) (3) .
وضعّف ابن قيم الجوزية إسناد الرواية ثم ناقش الدلالة فقال : (إنَّ هذا يوجب عليكم تقليد الجميع ، فإن سوّغتم هذا ، فلا تحتجّوا لقول على قول ومذهب على مذهب... ولا تنكروا على من خالف مذهبكم واتّبع قول أحدهم ، وإن لم تسوّغوه فأنتم أول مبطل لهذا الحديث ومخالف له)(4)
وفي معرض تقييم الذهبي لجعفر بن عبدالواحد الهاشمي قال : (ومن
____________
1) الكفاية في علم الرواية : 48 .
2) جامع بيان العلم وفضله 2 : 300 مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت 1415 هـ .
3) الاِحكام في أُصول الاَحكام 6 : 244 .
4) إعلام الموقعين 2 : 234 دار الجيل ـ بيروت .


( 111 )

بلاياه.. عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « أصحابي كالنجوم من اقتدى بشيء منها اهتدى») (1) .
ومن الذين ضعفّوا إسناد الرواية الاسفرايني (2)، وأبو حيان الاَندلسي وتلميذه تاج الدين الحنفي (3)واعتبروها مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ومنهم : (أحمد بن حنبل ، البزار ، ابن عدي ، الدارقطني ، ابن حزم، البيهقي ، ابن عبدالبر ، ابن عساكر ، ابن الجوزي ، ابن دحية ، الذهبي ، الزين العراقي ، ابن حجر العسقلاني ، السخاوي ، السيوطي ، المتقي ، القاري) (4) .
ويمكن مناقشة الرواية من حيث الدلالة ومن حيث نتائج الاَخذ بها من الناحية العملية والواقعية .
فالاَمر بالاقتداء موجّه إلى الصحابة ، فكيف يأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصحابة بالاقتداء بالصحابة وهذا يعني أنّه أمر للصحابة بالاقتداء بأنفسهم، وهذا محال .
ولو فرضنا صحته ، فإنّه مختص بالاقتداء ببعض الصحابة لا جميعهم ، وقد وردت روايات مستفيضة يأمر صلى الله عليه وآله وسلم الصحابة بالاقتداء بأهل البيت: كما ورد في رواية التمسك بالثقلين وهما الكتاب والعترة
____________
1) ميزان الاعتدال ، للذهبي 1 : 413 دار المعرفة ـ بيروت .
2) التبصير في الدين : 179 .
3) البحر المحيط 5 : 528 دار الفكر ـ بيروت 1403 هـ ط2 .
4) الاِمامة في أهم الكتب الكلامية ، للسيد علي الميلاني : 461 ـ 514 .


( 112 )

الطاهرة (1) .
والاَعراف المتبعة عند العرب آنذاك إنّهم لا يهتدون بأي نجم كان ، وإنّما كانوا يهتدون بنجوم معينة ومحدّدة في مسيرهم ، والاطلاق الذي في الحديث لا يتناسب مع علومهم ومعارفهم الدارجة آنذاك .
ولو تتبعنا سيرة الصحابة وأخذنا بها لوقعنا في تناقض حتمي ، كما تراه في قول ابن حزم و ابن القيم ، وقد تكفل الفصل السابق بعرض الكثير من اسئلة التناقض .
وإذا قيل : إنّ المراد هو الاقتداء ببعض المواقف دون بعض ، فلا بدَّ من مخصّص لهذا الاقتداء ، ولا مخصص له ، لاَنَّ الرواية مطلقة .
فالرواية إذن لا يصحّ الاستدلال بها على عدالة جميع الصحابة ، فهي غير تامة السند ولا الدلالة .
الرواية الثانية : نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « إنَّ الله اختارني ، واختار أصحابي فجعلهم أصهاري ، وجعلهم أنصاري ، وإنّه سيجيء في آخر الزمان قوم ينتقصوهم ، ألا فلا تناكحوهم ، ألا فلا تنكحوا إليهم ، ألا فلا تصلّوا معهم ، ألا فلا تصلّوا عليهم ، عليهم حلّت اللعنة » (2).
والرواية غير تامة السند ، فلا يصح نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي
____________
1) صحيح مسلم 4 : 1873 و 1874 . وسنن الترمذي 5 : 662 | 3786 . ومسند أحمد 3 : 14 و17 ، 4 : 367 و 371 ، 5 : 182 و 189 . وسنن الدارمي 2 : 432 . ومصابيح السُنّة 4 : 185 | 4800 .
2) الكفاية في علم الرواية : 48 ووردت الرواية في تعابير مختلفة .


( 113 )

هذا الصدد قال الدكتور عبدالكريم النملة (1): (فهذا حديث لا يصلح الاستدلال به ، لاَنَّ فيه بشير بن عبيدالله ، وهو غير معروف .
قال ابن حبان : والحديث باطل لا أصل له ، نقل ذلك أبو الفضل محمد ابن طاهر المقدسي في تذكرة الموضوعات) (2).
وقال الدكتور عطية بن عتيق الزهراني : (هذا الحديث لا يصح) (3).
ومن ناحية الواقع نرى أنّ الذي ابتدأ بانتقاص الصحابة أو سبّهم ـ كما في رواية الطبراني والهيثمي ـ هم بعض الصحابة ، وهذا يستلزم التناقض ، فاللعنة تكون شاملة لبعض الصحابة الذين انتقصوا وسبّوا غيرهم من الصحابة ، وتشمل من لعنهم أيضاً ، وهذا ممّا لا يصح التمسك بدلالته .
ووردت روايات أُخرى في استدلال القائلين بعدالة جميع الصحابة ، وهي غير تامة السند والدلالة معاً ، أو أحدهما ، أو تدل على عدالة بعض الصحابة دون الجميع كرواية : « خيرُ أُمتي قرني... » و « لا تسبّوا أصحابي» (4) وغيرهما .
وذهب أصحاب هذا الرأي إلى نسبة الزندقة لمن لا يرى عدالة جميع الصحابة ، قال أبو زرعة : (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعلم أنّه زنديق وذلك أنّ رسول صلى الله عليه وآله وسلم عندنا حقّ ، والقرآن حقّ ، وإنّما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
____________
1) أُستاذ بكلية الشريعة في الرياض .
2) مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف ، لعبدالكريم النملة : 83 .
3) السُنّة ، لاَبي بكر الخلال 1 : 483 في الهامش دار الراية ـ الرياض 1415 هـ ـ ط2 .
4) الكفاية في علم الرواية : 47 .


( 114 )

وإنّما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسُنّة ، والجرح بهم أولى ، وهم زنادقة)(1).
ونحن لا نتفق مع أبي زرعة وغيره من القائلين بهذا الرأي من عدة جهات :
الجهة الاُولى : إنّ الذي أدّى إلينا القرآن والسنن بعض الصحابة وليس جميعهم .
الجهة الثانية : ليس لجرح الشهود دخالة في إبطال الكتاب والسُنّة ، وإنّما يكون غالباً مصحوباً بالتثبت والاحتياط في الدين ، من أجل الوصول إلى العقيدة الحقّة والشريعة الحقّة ، ليكون السلوك مطابقاً للكتاب والسُنّة .
الجهة الثالثة : إنَّ الجرح لا يشمل جميع الصحابة بل بعضهم .
الجهة الرابعة : إنَّ بعض الصحابة استتروا على نفاقهم فلم يظهروه ، فمن العقل والمنطق السليم أن نبحث عن عدالتهم .
الجهة الخامسة : إنَّ بعض الصحابة انتقصوا وسبّوا وجرحوا غيرهم من الصحابة ، وخصوصاً الصحابة الذين انتقصوا وسبّوا وجرحوا الاِمام عليّاً عليه السلام ، وهو الاَقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان على رأس الصحابة الذين أدّوا إلينا القرآن والسُنّة ، وهو الاَعلم بكتاب الله وسُنّة رسوله كما تظافرت على ذلك الروايات (2).

____________
1) الكفاية في علم الرواية : 49 .
2) الطبقات الكبرى 2 : 338 . ومناقب علي بن أبي طالب ، لابن المغازلي : 82 . وحلية الاَولياء 1 : 5 . وكفاية الطالب : 197 . وتذكرة الخواص : 25 . والمستدرك على الصحيحين 3 : 127 . ومختصر تاريخ دمشق 18 : 17 . ومجمع الزوائد 9 : 114 . والصواعق المحرقة : 189 .


( 115 )

فهل يحق لنا جرحهم ؟ طبقاً لهذا الرأي ، فإذا قيل يحق فقد انخرمت القاعدة ، وإذا قيل لا يحقّ جرحهم فكيف كان لهم الحقّ في جرح الاِمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؟
تقييدات المازري :
حاول المازري التخفيف من الافراط في تقييم الصحابة ، فلم ينسب الجميع إلى العدالة ، وإنّما وضع قيوداً لتقليل عدد الصحابة وتقييد الاطلاق في العدالة ، فقال : (لسنا نعني بقولنا : الصحابة عدول ، كل من رآه صلى الله عليه وآله وسلم يوماً أو زاره لماماً أو اجتمع به لغرض وانصرف عن كثب ، وإنّما نعني به الذين لازموه وعزّروه ونصروه واتّبعوا النور الذي أنزل معه أُولئك هم المفلحون)(1).
وهذه المحاولة هي تراجع موضوعي عن الاَصل الذي تبنّاه الجمهور، وهي قائمة على أُسس موضوعية من خلال تتبع حياة الصحابة وسيرتهم الذاتية وما نزل فيهم من آيات وما قيل فيهم من روايات .

الرأي الثاني : ثبوت العدالة في الواقع الخارجي :
يتبنّى هذا الرأي ثبوت العدالة في الواقع الخارجي لجميع الصحابة ، فلا يوجد من بينهم من ارتكب ما يؤدي إلى فسقه ، قال الغزالي : (والذي عليه سلف الاُمّة وجماهير الخلف : أنّ عدالتهم معلومة.. إلاّ أن يثبت بطريق قاطع إرتكاب واحد لفسق مع علمه به ، وذلك مما لا يثبت ،
____________
1) الاِصابة 1 : 7 .


( 116 )

فلاحاجة لهم إلى التعديل) (1).
ولا دليل على هذا الرأي ، والواقع الخارجي مليء بالاَدلة والشواهد النافية لعدالة بعض أو كثير من الصحابة .
وإذا تتبعنا سيرة الصحابة نجدهم لا يتبنّون هذا الرأي ، بل يتثبتون في الحكم على بعضهم البعض جرحاً أو تعديلاً ، وكان بعضهم يجوّز الفسق على نفسه أو على غيره ، والاَمثلة على ذلك مستفيضة . وقد تكرر بحثه والاشارة إليه مراراً .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

نساء يأكلن من خبز النفايات لإشباع بطونهن ، في ...
ظلال من غزوة بدر الكبرى
الإمامة عند أهل السنة
الهجوم على دار الزهراء عليها السلام وما ترتب ...
الملل والنحل
لماذا لم يستلم مسلم بن عقيل الكوفة
مناظرة رسول الله(ص) مع النصارى
مناظرات الامام الرضا عليه السلام
الإمام [الباقر (عليه السلام )] في كلمات علماء ...
مواقف الامام علي(عليه السلام)في حنين

 
user comment