هل كان الحسين (ع) يطلب الحكم بثورته ؟ |
من الشبهات القوية حول قيام الحسين (ع) بثورته المباركة هي شبهة أن قيامه بها هل كان طلباً للملك والسلطان وللإستيلاء على الحكم أم لا ؟ وقد تعرض الكثيرون ممن كتبوا عن الحسين (ع) لهذه الشبهة فنفوها نفياًً كلياً مؤكدين أن الحسين (ع) لم ينهض طلباً للحكم ولا كان من أهدافه انتزاع السلطة من الأمويين ولم يكن يفكر في ذلك أبداً .
فكأن هؤلاء يرون طعناً في كرامة الحسين (ع) ونقصاً في قدسية ثورته أن ينسبوا اليه الرغبة في الحكم والميل إلى تسلم السلطة والعمل من أجل انتزاع الخلافة من أيدي الأمويين . ويزعمون أن الحسين (ع) أجل وأرفع من أن يطلب الأمرة والحكم بتلك المحاولة . بل كان غرضه الأوحد القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن طريق التضحية والشهادة فقط وهؤلاء يشكرون على كل حال على نواياهم الطيبة تجاه الحسين (ع) . ولكن الحقيقة والواقع هو خلاف ما يرون ويزعمون ...
وذلك لأن طلب الحكم والسلطة والأمرة ليس قبيحاً دائماً ولا هو مذموم مطلقاً بل إذا كان طلب الحكم والسلطان صادراً من أهله الأكفاء ولغرض الاصلاح وإحقاق الحق ومكافحة الباطل فانه حينئذ يكون محبوباًَ عقلاً وقد يكون واجباً شرعياً يفرضه الله تعالى على الانسان الصالح اللائق للحكم والأمارة مثله تماماً كمثل طلب أي شيء آخر من وسائل الحياة الأخرى كطلب المال والجاه مثلاً . كما قال (ع) : اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك ...
|
|
|
وكيف يكون طلب الحكم نقصاً أو عيباً وقد طلبه من قبل ابوه أمير المؤمنين طيلة خمس وعشرين سنة بعد رسول الله (ص) إلى أن وصل اليه بعد مقتل عثمان ولكنه (ع) أوضح لنا غاياته من وراء ذلك الطلب فقال أما والله ان إمرتكم لأهون علي من هذا النعل إلا أن أقيم حقاً وأدفع باطلاً . وقال (ع) أيضا في خطبة له :
اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الاصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك .
فإذاً لو كان طلب الحكم والسلطان لا لغرض المنافسة والتفاخر ولا للحصول على الشهوات واللذة الحقيرة ولا لخدمة مصلحة شخصية بل كان لغرض اعادة معالم الدين والاصلاح في البلاد ونشر العدل والأمن بين العباد وانصاف المظلوم من الظالم .. وأمثالها فالطلب حينئذ أمر حسن ومحبوب ومرغوب فيه شرعاً ومنطقاً ، فأي ضير على الحسين (ع) إذا كان يطلب السلطة والحكم بتلك الثورة المقدسة لنفس هذه الأهداف ؟
أو ليس الحكم والسلطان حقه الشرعي والعقلي بعد أبيه وأخيه ؟ أو ليس هو (ع) أحد أولي الأمر الذين فرض الله طاعتهم على عباده في محكم كتابه فقال «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» . أو ليس هو (ع) أحد أئمة المسلمين الذين نص عليهم رسول الله جملة وتفصيلاً ؟ أو ليس هو (ع) أحد الإمامين اللذين نص الرسول على ثبوت الإمامة لهما سواء قاما أم قعدا كما في الحديث المتواتر : الحسن والحسين إمامان . ثم هل كان في عصر الحسين (ع) من هو أجدر بالأمرة والخلافة من سيد شباب أهل الجنة أبي عبد الله الحسين (ع) ؟
ومن الجهة الثانية نسأل يا ترى ما الذي كان يفعله الحسين (ع) لو استلم السلطة أو ليس كان يفعل ما فعله رسول الله (ص) وأمير المؤمنين وكل الأنبياء والمرسلين والأوصياء الحاكمين ؟ فإذا أي نقص يرد على ثورة الحسين (ع) لو كانت
|
|
|
بقصد الاستيلاء على الحكم وطلب السلطان ؟ ان الذين يهاجمون ثورة الحسين (ع) من طريق اتهامها بأنها كانت طلباً للملك وصراعاً على السلطة . هؤلاء لم يعرفوا شيئاً عن شخصية الحسين (ع) بل نظروا اليه كزعيم سياسي قام طلباًَ للسلطة لأجل السلطة ككل الزعماء السياسيين الدنيويين الماديين في العالم . أما لو كانوا قد عرفوا حقيقة الحسين (ع) وأهدافه البعيدة وغاياته الرئيسية من تلك الثورة وإن طلبه للسلطة كان لأجل التوصل بها إلى تلك الغايات الانسانية العليا . وإن الطريق الذي سلكه طلباً للسلطة هو طريق المثالية والشرف والنبل والشهامة والكرم وعدل عن الطريق التقليدي الذي يسلكه عادة الزعماء السياسيون وهو طريق الغاية تبرر الواسطة . وان الملك عقيم ...
أقول لو عرف أولئك المهاجمون هذه الأمور عن الحسين (ع) لعدلوا عن مسلك الاتهام . وهذا هو الأستاذ العقاد يرد عليهم في كتاب أبي الشهداء فيقول بالحرف ص 195 ...
«وايسر شيء على الضعفاء الهازلين أن يذكروا هنا طلب الملك ليغمروا به شهادة الحسين وذويه . فهؤلاء واهمون ضالون مغرقون في الوهم والظلال . لأن طلب الملك لا يمنع الشهادة وقد يطلب الرجل الملك شهيداً قديساً وقد يطلبه وهو مجرم بريء من القداسة . وإنما هو طلب وطلب وإنما هي غاية وغاية وإنما المعول في هذا الأمر على الطلب لا على المطلوب فمن طلب الملك بكل ثمن وتوسل له بكل وسيلة وسوى فيه بين الغصب والحق وبين الخداع والصدق وبين مصلحة الرعية ومفسدتها ففي سبيل الدنيا يعمل لا في سبيل الشهادة . ومن طلب الملك وأباه بالثمن المعيب وطلب الملك حقاً ولم يطلبه لأنه شهوة وكفى وطلب وهو يعلم انه سيموت دونه لا محالة وطلب الملك وهو يعتز بنصر الايمان ولا يعتز بنصر الجند والسلاح وطلب الملك رفعاً للمظلمة وجلباً للمصلحة كما وضحت له بنور ايمانه وتقواه . فليس ذلك بالعامل الذي يخدم نفسه بعمله ولكنه الشهيد الذي يلبي داعي المروءة والأريحية ويطيع وحي الايمان
|
|
|
والعقيدة ويضرب للناس مثلاً يتجاوز حياة الفرد الواحد وحياة الأجيال الكثيرة» . انتهت كلمة العقاد ... ويقول هو ايضاً في نفس الكتاب «ان الحسين (ع) طلب الخلافة بشروطها التي يرضاها ولم يطلبها غنيمة يحرص عليها مهما تكلفه من ثمن ومهما تطلب من وسيلة فكانت عنايته بالدعوة والاقناع أعظم جداً من عنايته بالتنظيم والإلزام» . أعود فأقول ما المانع من أن يطلب الحسين (ع) الملك والسلطة بعد أن طلبها نبي الله سليمان بن داود (ع) من ربه صراحة . فقال «رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي» وطلبها ابراهيم الخليل (ع) لذريته بعد أن حصل عليها هو لنفسه . قال «إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين» . وإلى غير ذلك من الشواهد والأمثال ونوجه الخطاب ثانياً إلى هؤلاء المدافعين عن الحسين بأنه لم ينهض طلباً للملك . فنقول لهم ها هو الحسين (ع) بالذات يصرح بأنه يطلب الأمرة والسلطان لأنه أولى بهما وأحق من يزيد بن معاوية وغيره . نعم أنظر إلى كلماته التي قالها في مجلس الوليد حاكم المدينة وبمحضر من مروان بن الحكم ... فقال (ع) «نحن أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي والتنزيل ويزيد رجل فاسق فاجر شارب للخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق والفجور ومثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أولى بالخلافة والأمر» ... فالحسين (ع) يطلب الخلافة والأمر ولكن من طريق المنطق والموازين العادلة والتحكيم الحر والانتخاب الشعبي الصحيح . وعلمه بالشهادة والقتل دون الوصول اليها لا ينافي طلبه لها ولا يتعارض مع سعيه للحصول عليها لأن في الطلب والسعي إتمام للحجة على الناس وافراغ للذمة من المسئولية أمام الله والتاريخ حتى لا يقال أنه قصر أو تكاسل ولو رشح نفسه وسعى لها لحصل عليها . ومن قبله أخوه الحسن (ع) كان يعلم بكل ذلك المصير الذي وصل اليه علماً كاملاً . ومع ذلك لم يمنعه ذلك العلم
|
|
|
من التهيؤ وتجهيز الجيش والمسير نحو الحرب مع العدو واتخاذ كافة اللوازم المطلوبة . وهذا أبوهما أمير المؤمنين (ع) فانه طلب الخلافة والأمرة التي هي حقه الشرعي والطبيعي بعد رسول الله (ص) . طلبها بكل الوسائل ما عدا السيف . إذ رأى أن في استعمال السيف يومئذ خطراً على مصلحة الإسلام العليا . ولكن استعمل الوسائل السلمية حتى أنه صار يحمل زوجته فاطمة (ع) وأبنائه الحسن والحسين ويطوف بهم على زعماء المهاجرين والأنصار وكبار الصحابة مطالباً بحقه وحقوق هؤلاء مذكراً لهم بالنصوص النبوية الشريفة التي سمعوها من الرسول (ص) في حقه وحق هؤلاء واستمر على ذلك أربعين يوماً . وهو يعلم علم اليقين أنه لا يحصل على حقه من الخلافة ولا هؤلاء يحصلون على حقوقهم من الخمس ومن الميراث ومن فدك . ولكن ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة . كما أنه (ع) حضر مجلس الشورى مع الخمسة الآخرين الذين رشحهم عمر بن الخطاب للخلافة حضر معهم الإمام وطالب بالخلافة وحاجج القوم وبذل كل ما في وسعه من الجهد للوصول إلى الحكم . فلم يصل وكان يعلم علم اليقين أنه لا يصل . ولكن لاتمام الحجة وإبراء الذمة كما سبق وذكرنا في موضوع تعليل خروج الحسين (ع) إلى العراق أن الظواهر هي الحجة في العلائق والنظم الاجتماعية الاسلامية وواجب النبي والإمام أن يسير مع الناس حسب ظاهرهم ومقتضى الأسباب والعوامل الطبيعية العادية ولا يرتب الآثار عليهم حسب المعلومات الغيبية والتنبؤات التي ليس عليها دليل قائم أو أثر ملموس .
وبكلمة موجزة نقول أن لأهل البيت حقاً وأن عليهم لواجباً أما حقهم فالقيادة والأمرة وأما واجبهم فإظهار الحق وبيانه . وظلامتهم الكبرى في الحياة ان قاموا بواجبهم أحسن قيام ولكن حرموا من كافة حقوقهم . وان غصب حقهم عنهم لم يمنعهم من القيام بواجبهم . على أن ذلك الحق لو وصل اليهم كاملاً لاستطاعوا من اداء مسؤوليتهم على وجه أكمل وأنفع للأمة كما قال أمير المؤمنين (ع) :
|
|
|
والله لو ثنيت لي الوسادة وجلست عليها لأفتيت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الأنجيل بانجيلهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم حتى ينطقوا جميعاً ويقولوا صدق علي بما حكم ... وكما قال سلمان الفارسي (ره) في خطبة له بعد وفاة الرسول (ص) : «والله لو وليتموها علياً لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم ولو دعوتم الطير في السماء لأتتكم والحيتان في البحار لأجابتكم ولما طاش سهم من سهام الله ولا تعطل حكم من أحكام الله ولكن حظكم أخطأتم ونصبيكم ضيعتم» . وقالت فاطمة (ع) : والله لو مالوا عن الحجة اللائحة وزالوا عن قبول الحجة الواضحة لردهم اليها ولحملهم عليها ولسار بهم سيراً سجحاً لا يكلح خشاشه ولا يكل سائره ولا يمل راكبه ولأوردهم منهلاً نميراً صافياًَ تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه ولأصدرهم بطانا ونصح لهم سراً واعلانا ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل ... الخ» وفي ختام هذا الموضوع نستمع إلى مقطوعة شعرية رائعة من المرحوم الحاج هاشم الكعبي (ره) :
أو مـا علمـت الماجديـن |
غداة جـدوا بالرحيـل |
|
عقدوا علـى البنين النكـاح |
وطلقوا سنـن القفـول |
|
عشقـوا العـلا ففنـوا بهـا |
والغصن يرمى بالذبول |
|
أو مـا سمعت بـن البتـولة |
لـو دريت بـن البتول |
|
ازدقاهـا شعـث النواصـي |
عـاقـدات للـذيـول |
|
متنكـب الـورد الـذميـم |
مجانـب المرعى الوبيل |
|
طلاب مجد بالحسام العضب |
و الـرمـح الطـويـل |
|
متطلبـاً أقصـى المطالـب |
خاطب الخطـب الجليل |
|
ظلـت أميـة مـا تـريـد |
غداة مقتـرع النصـول |
|
رامـت تسـوق المصعـب |
الهدا رمستـاق الذلـول |
|
و يـروح طـوع يميـنهـا |
قود الجنيب أبـو الشيول |
|
رامت لعمـر بن النبي الطهر |
ممـتنـع الـحـصـول |
|
|
|
وغوا بهـا جهل بهـا |
والبغي من خلق الجهول |
|
لفّ الرجال بمثلها ... |
وثنا الخيول على الخيول |
|
و أباحها عضب الشبا |
لا بالكهـام و لا الكليـل |
|
لسنـانـه ولسـانـه |
صدقان مـن طعن وقيل |
|
ذات الفـقـار بكفـه |
و بكتفـه ذات الفظـول |
|
وأبـو المنيـة سيفـه |
وكذا السحاب أبو السيول |
|
يابن الذيـن توارثـوا |
العليـا قبيلاً عـن قبيـل |
|
والسابقيـن بمجدهـم |
في كل جيـل كل جيـل |
|
ان تمس منكسر اللوى |
ملقى على وجه الـرمول |
|
فلقـد قتلـت مهذّبـاً |
عن كل عيب فـي القتيل |
|
|
|
هل كان الحسين (ع) عالماً بمصيره المعروف ؟ |
يكثر التساؤل حول علم الحسين (ع) بما صار اليه عاقبة أمره حسب ما هو معروف هل كان من باب الاحتمال أو الظن الذي يحتمل العكس والخلاف فيكون حينئذ قد خدع بكتب أهل العراق وغرر به من قبلهم ؟
أم كان ذلك العلم من باب القطع والجزم واليقين الذي لا شك فيه . فيكون حينئذ قد أقدم على حركة انتحارية ؟ . نقول أجل كان عالماً بما جرى علماً يقينياً قاطعاً لا يشوبه شك وقد أعلن عنه في مكة قبيل الخروج بخطبته التي قال فيها (ع) : وكأني بأوصالي هذه تقطعها . الخ ...
ولكن مع ذلك لم يكن خروجه عملاً انتحارياًً بل كان قتله نتيجة طبيعية للظروف والأحداث العادية التي أوجدها الناس بجهلهم وسوء تصرفهم . من قبيل علم الطبيب مثلاً بموت هذا المريض في النهاية بسبب تطور المرض ومضاعفاته الطبيعية التي لا خيار للطبيب فيها وجوداً ولا عدماً . وإنما عليه أن يراقبها ويساير مراحلها بما عنده من مخففات ومسكنات فقط وهو بانتظار نتيجتها الطبيعية القصوى . كذلك علم الحسين (ع) بذلك المصير . فهو (ع) كان يعلم من البداية أن يزيد سيتولى على الخلافة ويطلب منه البيعة وهو يمتنع من البيعة فيأمر بقتله في المدينة فيخرج منها حفظاً لدمه ودفاعاً عن كرامته ويكتب اليه أهل العراق بالطاعة والبيعة له فتتم عليه الحجة الظاهرية بحسب القوانين الشرعية فإذا وصل اليهم يغدرون به ويحصرونه في وادي كربلاء وهكذا تتسلسل الحوادث حسب مجراها الطبيعي حتى تودي إلى العاقبة التي حصلت .
|
|
|
ولم يكن بوسع الحسين أن يغير أو يدفع شيئاً منها نعم حاول بكل ما استطاع أن يخفف من وطأتها ويؤخر من حدوثها فما استطاع لوجود الموانع والدوافع الشرعية والزمنية .
صحيح أنه لو كان قد بايع ليزيد لتغير وجه مصيره إلى حد كبير ولكن قد أثبتنا سابقاً أن ذلك كان حراماً على الحسين (ع) من الوجهة الشرعية والأخلاقية والعرفية وجريمة كبرى على شرفه ودينه وأمة جده (ص) وعلى هذا فقس باقي الحوادث المتتابعة بعدها التي ما كان باستطاعة الحسين (ع) دفعها إلا بالتنازل عن كرامته والتخلي عن مسؤوليته والخيانة لرسالته والأمانة الملقاة على عاتقه من قبل الله ورسوله والأمة .
والخلاصة : كان علم الحسين (ع) علماً بترتب الحوادث على عواملها الطبيعية والمعلولات على عللها اوالمسببات على أسبابها تلك الأسباب والعلل التي أوجدها الناس بسوء اختيارهم وضعف الوازع الديني في نفوسهم فهم محاسبون عليها ومعاقبون بها يوم تجزى فيه كل نفس ما كسبت وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
ومن هنا قيل أنه (ع) جمع بين التكليفين في آن واحد التكليف الباطني ، وهو تكليفه من الله بأن يفدي الدين بنفسه وانه شهيد هذه الأمة . والتكليف الظاهري وهو تكليفه العرفي الطبيعي أي مسايرة الأحداث والتطورات حسب متطلباتها العادية . وهذا من خصائصه (ع) ولعلك تقول : من أين علم الحسين (ع) بتلك القضايا الغيبية قبل وقوعها ؟ فأقول :
وصلت اليه من أبيه علي (ع) وجده محمد (ص) وبالتالي عن الله سبحانه وتعالى الذي هو وحده علام الغيوب وقد أوحى سبحانه إلى رسوله (ص) بكل ما يجري على الحسين (ع) .
فإن قلت : فلماذا لم يحفظ الله تعالى وليه الحسين (ع) ولم يدفع عنه القتل وهو العالم بكل شيء والقادر على كل شيء ؟
|
|
|
قلت في الجواب : لأن بقتله إحياء الدين وبدمه حفظ شريعة الإسلام فدار الأمر بين حياة الحسين (ع) أو حياة الدين لأن الجمع بينهما يؤدي إلى الجبر وسلب الحرية الانسانية وهو ممنوع في شريعة الله تعالى فكان الدين أولى بالحياة فالحسين (ع) فداء الدين وبهذا صرحت أخته العقيلة زينب (ع) لما جلست عند رأسه وهو صريع ورفعت طرفها نحو السماء وقالت اللهم تقبل منا هذا الفداء . وإلى هذا المعنى يرمز الحديث الشريف المشهور القائل (حسين مني وأنا من حسين) . فحسين مني واضح أي ابني وولدي ، ولكن قوله (ص) أنا من حسين يعني أن بقاء ذكري وشريعتي وديني بالحسين أي بتضحية الحسين وشهادته . ولقد قال بعض الخبراء وهو السيد جمال الدين الأفغاني (ره) أن الإسلام محمدي الوجود والحدوث . وحسيني البقاء والاستمرار . وقال المستشرق الألماني ماربين في الحسين (ع) كلمته المعروفة «واني أعتقد بأن بقاء القانون الإسلامي وظهور الديانة الإسلامية وترقي المسلمين هو مسبب ، عن قتل الحسين (ع) وحدوث تلك الفجايع المحزنة وكذلك ما نراه اليوم بين المسلمين من حس سياسي واباء الضيم ... وقال أيضاً لا يشك صاحب الوجدان إذا دقق النظر في أوضاع ذلك العصر ونجاح بني أمية في مقاصدهم . لا يشك أن الحسين (ع) قد أحيا بقتله دين جده وقوانين الإسلام ولو لم تقع تلك الواقعة لم يكن الإسلام على ما هو عليه الآن قطعاً بل كان من الممكن ضياع رسومه وقوانينه حيث كان يومئذ جديد عهد ...» انتهى محل الشاهد من كلام ماربين المستشرق الألماني . وأحسن تعبير عن هذا الواقع هو ما قاله ذلك الشاعر عن لسان الحسين (ع) يوم عاشوراء :
ان كان دين محمد لم يستقم |
إلا بقتلي يا سوف خذيني |
وقال السيد جعفر الحلي :
بقتله فاح للإسلام طيب شذى |
وكلما ذكرته المسلمون ذكا |
|
|
|